أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - هندسة الفضاء والاثير















المزيد.....


هندسة الفضاء والاثير


يحيى محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 15:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


للهندسة بشكل عام مفهومان مختلفان تمام الاختلاف، أحدهما يتعلق بالتصور الرياضي البحت، في حين يتعلق الآخر بالواقع الفيزيائي. ولا يوجد اختلاف كثير حول المفهوم الأول باعتباره ينطوي على الوضوح الرياضي، وهو الوضوح المستمد من الفروض المطروحة، كالفرض الرياضي المتعلق بالهندسة الاقليدية، فمثلاً لو رسمنا مثلثاً وفقاً لهذه الهندسة لكانت زواياه تساوي (180 درجة) بالضبط والضرورة دون زيادة ولا نقصان. فنتائج الهندسة الرياضية الصرفة هي نتائج واضحة ليس فيها خلاف عادة. لكن عند تنزيل هذه القضية إلى الواقع الفيزيائي فإن الحال يختلف، وسبب ذلك يعود إلى اننا سوف لا نكون احراراً في انتخاب الفروض الرياضية بحرية تامة. بل ما نفكر فيه هو طبيعة الواقع.
فما هي الهندسة التي يتمثل فيها هذا الواقع؟ فهل هي الهندسة الاقليدية المستوية، أو اللااقليدية؟ ولهذه الاخيرة أكثر من تصور، فهل هي هندسة ريمان المحدبة، أو هندسة لوباتشيفسكي المقعرة؟. ولا شك ان طبيعة الخط الممتد وفقاً لاي من هذه الهندسات الثلاث تختلف عن الأخرى. ففي الهندسة اللااقليدية سوف لا نجد الخط المستقيم، كما سوف لا نحصل على زوايا مثلث قدرها (180 درجة).
لقد ظل التفكير البشري يتصور بأن هندسة الواقع الخارجي هي هندسة اقليدية مستوية طيلة الوعي البشري وحتى القرن العشرين. وهي الفكرة التي بنى نيوتن تصوره الكوني عليها. ومع ان رياضيات الهندسة اللااقليدية كانت معروفة خلال القرن التاسع عشر أو ما قبل القرن العشرين، لكنها ظلت تعبّر عن رياضيات صرفة لا علاقة لها بالواقع الفيزيائي. وهنا تأتي اهمية ما قدمه أينشتاين حول تصوره الكوني. فقد كان هذا التصور غريباً بالفعل، إذ كيف يمكن ان يكون الفضاء المكاني محدباً وفقاً لهندسة ريمان التي اتخذها أينشتاين نموذجاً لنظريته؟ والاغرب من ذلك كيف يمكن ان يكون هذا الفضاء متصلاً بالزمان بحيث ان أحدهما يتأثر بالاخر ويؤثر فيه؟ وكيف يمكن تصور ان يكون الزمان منحن كالمكان؟ كما كيف يكون الزمان نسبياً كالمكان؟ وما علاقة الإنحناءات الهندسية الزمكانية بالمجال وقوى الجاذبية؟
لقد اعتبرت مثل هذه الأفكار غير معقولة ومصادمة للحس المشترك الوجداني، لا سيما في بداية عرضها. فقد ربطت النسبية بين الزمان والمكان في صياغة مرنة من التحول في الانبساط والإنحناء بحسب ما تتضمنه من كتل ومجال للطاقة. ويعود الفضل في هذا الربط إلى استاذ أينشتاين الرياضي الروسي الالماني مينكوفسكي الذي حوّل المكان والزمان إلى احداثيات رياضية في أربعة أبعاد، وجاء في محاضرة له (عام 1908) قال فيها: ››ان الأفكار التي ارغب في عرضها عليكم عن المكان والزمن نبتت من تربة الفيزياء التجريبية، وهذا مكمن قوتها. أنها أفكار راديكالية، ومن الآن فصاعداً سيتلاشى مفهوم المكان وحده، ومفهوم الزمن وحده؛ سينتهيان إلى غير رجعة، ولن يتبقى إلا نوع من الاتحاد بين الاثنين››. وهذا الربط جاء قبل تبلور فكرة النسبية العامة بسنوات، أي قبل ادخال مسألة الثقالة في التأويل الأينشتايني، وبالتالي فإن زمكان مينكوفسكي هو زمكان خال من الثقالة، فهو يرتبط بالنسبية الخاصة وهندستها الاقليدية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر اتضح أنه ليس هناك دليل حاسم مقنع على الاتصال الزمكاني للنسبية مثلما تبناه الفيزيائيون.
وقيل ان لورنتز وبوانكاريه قد توصلا إلى كثير من عناصر نظرية أينشتاين، حتى ان بوانكاريه قد شك في الطبيعة المطلقة للزمن. لكنهما لم يفعلا تغيراً جذرياً لارتباطهما بالاطر القديمة، ومن ذلك انهما ظلا يعتقدان بالاطر المطلقة للزمان والمكان، ومثلهما الاثير. فقد كان بوانكاريه يعتقد بأن ››المكان المطلق والزمان المطلق وحتى الهندسة الاقليدية، ليست شروطاً تفرض على الميكانيكا››. كما قال في كتابه العلم والفرضية: ››اننا لا نملك فكرة واضحة عن تساوي زمنين، بل اننا لا نملك حتى فكرة واضحة عن تزامن حدثين يقعان في مكانين مختلفين››. وهذه هي من أهم العناصر التي تضمنتها نسبية أينشتاين.
مع ذلك لم يفعل بوانكاريه شيئاً حيال تشكيكاته فيما يخص الاطر القديمة من التفكير النيوتني. ومثل ذلك كان لورنتز الذي ظل متمسكاً بالاثير كما في محاضرة القاها (عام 1913) ومن ثم اعاد طباعتها (عام 1920)، رغم شيوع أفكار أينشتاين واعتبارها صحيحة مقارنة بالنظريات السابقة.
فقد قال لورنتز في نقده لأينشتاين: ››يقول أينشتاين ان الحديث عن الحركة بالنسبة للاثير لا معنى له، وهو ينكر بالمثل وجود التزامن المطلق. أما عن رأيي فأنا أميل بعض الشيء إلى التفسيرات القديمة التي تضفي على الاثير بعض الواقعية، وتقول ان المكان والزمن يمكن الفصل بينهما فصلاً تاماً، وتتناول التزامن دون مزيد من التفصيل››.
وهذا يعني ان من الممكن ان تعود النظريات القديمة وتظل محتملة أمام الجديدة، كالذي حصل مع فكرة الاثير، إذ ليس كل العلماء مالوا إلى نفيه. وحتى أينشتاين نفسه ابدى فيما بعد البقاء على معنى الاثير في صورة الفضاء الذي منحه صفة فيزيائية خلافاً لما كان يعتبر مجرد وعاء يخلو من الفعل الفيزيائي. وقد حاول ان يُحيي فكرة الاثير ضمن وصف جديد ليفسر به الدوران والعطالة أو القصور الذاتي. وكتب إلى لورنتز (عام 1916) يقول: ››اتفق معك في ان النظرية العامة للنسبية تعترف بفرضية الاثير››. فهناك شيء غير مرئي وحقيقي موجود يعمل على حدوث التسارع أو الدوران، لذا فالاثير موجود.
ففي نص لأينشتاين يعترف ان بدون الاثير لا يمكن تفسير معايير المكان والزمان والفواصل الزمكانية، فمما قاله (عام 1920): ››ان المزيد من التأمل الدقيق يخبرنا ان النظرية الخاصة للنسبية لا تجبرنا على انكار وجود الاثير، فربما نفترض وجود الاثير إلا اننا يجب ان نتوقف عن ان ننسب اليه حالة حركة محددة››.
وكشف عن ان عودته الجديدة لإفتراض الاثير جاءت بعد نتائجه المتمخضة عن النسبية العامة، لكن مع تأكيده بأن صفات الاثير الجديد تختلف عن القديم، وبه يمكن تفسير ظاهرة دوران الماء في دلو نيوتن والقصور الذاتي أو العطالة.
ولا شك ان ما اراده من الاثير الجديد هو عين الفضاء الفيزيائي في نسبيته العامة، وكان مما ذكره حول تحديد خصائص هذا الاثير هو ان انكار وجوده يعني في الاساس ان نفترض ان الفضاء الفارغ ليست له أي صفات فيزيائية، معتبراً ان الحقائق الاساسية للميكانيكا لا تتفق مع وجهة النظر هذه، فبجانب الاجسام المرئية يوجد شيء آخر لا يمكن ادراكه بالحواس ويجب النظر اليه على أنه شيء حقيقي موجود، وهو شيء يعمل على حدوث التسارع أو الدوران، لذا فان مفهوم الاثير اكتسب معنى يمكن ادراكه، وهذا المعنى مختلف بدرجة كبيرة عن معنى الاثير في نظرية الموجة الميكانيكية للضوء. ومن ثم فالفضاء يتمتع وفقاً للنظرية العامة للنسبية بخصائص فيزيائية، وبهذا المعنى فإن الاثير موجود. ومسألة وجود فضاء يخلو من الاثير هي مسألة لا يمكن تخيلها، فهذا لا يعني ان الضوء لن ينتشر في هذا الفضاء فحسب؛ بل يعني ايضاً عدم وجود أي احتمال لوجود معايير المكان والزمان (قضبان القياس والساعات). ويعني ايضاً عدم وجود فواصل زمكانية بالمعنى الفيزيائي. لكن هذا الاثير لا يجوز النظر اليه على أنه يتمتع بخصائص الاوساط القابلة للقياس أو الوزن وكأنه يتكون من اجزاء يمكن تتبعها عبر الزمن، فهذه الفكرة المتعلقة بالحركة لا يجوز تطبيقها عليه.
ولكونه يعتبر الاثير الجديد هو ذات الفضاء الكوني الوارد في النسبية العامة؛ لذا كان يرد على من يعتقد بنظرية الاثير في ثوبه القديم، ومما قاله بهذا الصدد: قد يكون الرب خفياً لكنه ليس خبيثاً.
المجال الهندسي والكون المغلق
عندما وضع أينشتاين نظرية النسبية العامة (سنة 1915) كان يتصور بأن الكون ساكن لا يتمدد، فهو اشبه بالكرة الساكنة غير القابلة للتوسع. وقد اعتبر نظريته صحيحة شرط إضافة حد إفتراضي ليوازن به إستقرار الكون بين الجذب والتنافر؛ فيكون الكون ساكناً، واطلق عليه الحد الكوني. ومن شأن هذا الثابت أو الحد هو ان له قوة تأثير جديدة سميت بالجاذبية المضادة أو القوة الطاردة، وهي دفينة ضمن نسيج الزمكان نفسه، وبحسب هذه القوة فإن للكون أو الزمكان ميلاً ذاتياً للتمدد. فلولا هذا الثابت لإنكمش الكون بسبب الجاذبية الضخمة طالما أنه ساكن.
لكنه اعترف فيما بعد بأنه اضطر إلى القول بسكون الفضاء لاعتقاده بأن المرء سوف يتعرض لفيض من المزاعم غير المنتهية لو ابتعد عن هذا الفرض المسلم به لدى العلماء سلفاً، وهو فرض سكون الفضاء وثباته. على ذلك اعتبر بأن ما افترضه حول الثابت الكوني كان متكلفاً ولم يكن له داع للاحتفاظ بأصل نظريته، وهو ما حسِبه افدح خطأ ارتكبه في حياته، رغم ان التقديرات الفلكية الحديثة تبدي ان هناك حاجة لثابت كوني، والبعض صوره بأنه صغير كما هو الحال مع ستيفن هوكنج في كتابه (الكون في قشرة جوز)، ومثله ستيفن واينبرغ في كتابه (أحلام الفيزيائيين)، في حين صوره بعض آخر بأنه كبير كما هو الحال مع ريتشارد موريس في كتابه (حافة العلم).
لا شك ان الاعتقاد بتوسع الكون قد اوجد المبرر لإعادة النظر حول طبيعة الفضاء الهندسية، فهل هي اقليدية أو غير اقليدية. وقد اعترف أينشتاين تبعاً للتطور الجديد في التوسع الكوني، بأن تمدد الفضاء يجعلنا لا نعرف إن كان الأخير منتهياً أو غير منته، بمعنى هل سيتوقف هذا التوسع أم أنه لا يتوقف إلى الابد. فلو توقف لكان الفضاء مغلقاً محدباً وخاضعاً لهندسة ريمان التي التزم بها أينشتاين. أما لو استمر في التوسع لكان يعني أنه يخضع إلى الهندسة الاقليدية. رغم ان هناك من طرح إفتراضاً ثالثاً للتوسع قائماً على فكرة الانفراج وفقاً لهندسة لوباتشيفسكي.
وفي جميع الاحوال ان فرضية انفتاح الفضاء بلا نهاية ينسجم مع فكرة الهندسة الاقليدية، وان التسارع الحاصل في تباعد المجرات يجعل من فكرة أينشتاين حول الكون المحدب كالبطاطس، أو الكرة المنتهية بلا حدود، ضعيفة أمام الفضاء المفتوح. لذا قد يعاد النظر في الفيزياء الحديثة طبقاً لرؤية نيوتن وتصوره حول هندسة الفضاء وقوى الجذب والفراغ مع شيء من التعديلات الضرورية المناسبة.



#يحيى_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبدأ القصدية والفهم الديني
- أسطرة الفيزياء التخمينية
- تعريف مجمل بكتاب القطيعة بين المثقف والفقيه
- الفيزياء بين الفكر والرياضيات
- التداولية الطاهية
- فلسفة علم الطريقة
- الاخلاق الطاهية (قراءة في النسق القيمي لمشروع طه عبد الرحمن)
- فلسفة النظام الاخلاقي (5)
- فلسفة النظام الاخلاقي (4)
- الدين بعيون كانتية
- مصطلح الفلسفة والتشبّه في تراثنا القديم؟
- الصوفية في ثلاثة أصناف
- فلسفة النظام الاخلاقي (3)
- فلسفة النظام الاخلاقي (2)
- فلسفة النظام الاخلاقي (1)
- متى يكتمل حضور الجهاز المعرفي لدى الانسان؟
- جدليات نظرية التطور
- الانزلاقات في العلم: تشابه جينات البشر والشمبانزي نموذجاً
- هل للجسم مشاعر؟
- الايفو ديفو والتطور الدارويني


المزيد.....




- هذا الكاتب أكل في أفخم مطاعم العالم وهذه أفضل الوجبات التي ت ...
- المغرب.. غزارة الأمطار تغرق شوارع طنجة
- مأساة تزلج تتكرر بعد 63 عاماً، حادث طائرة واشنطن يعيد كابوس ...
- عضلة أنسجة اصطناعية تنمو مع القلب.. حل علمي مبتكر قد يعالج ا ...
- بيسكوف: -بريكس- لا تعتزم إصدار عملة موحدة بل منصات استثمارية ...
- -ترامب لن يستسلم-.. تعليق إسرائيلي على الضغوط الأمريكية على ...
- مشاهد قريبة وجديدة للحظة تصادم مروحية عسكرية بطائرة ركاب فوق ...
- أمريكا تحذر لبنان: لا مكان لـ-حزب الله- في الحكومة الجديدة
- باشينيان يقترح تعديل نص النشيد الوطني الأرمني ويحدد -القافية ...
- تقنية حديثة تكشف أسرار مدينة مفقودة عمرها 600 عام مدفونة تحت ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - هندسة الفضاء والاثير