|
استباحة العروبة
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 14:01
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
قد يبدوا أي حديث اليوم عن العروبة وكل ما يرتبط بها من مفاهيم ومصطلحات مثل الأمة العربية والقومية العربية والوجذة العربية والعالم العربي، خارج سياق الواقع وحتى خارج سياق نمط التفكير السياسي والثقافة السياسية السائدة اليوم خصوصا عند الجيل الجديد، بل وتم تغيير مناهج التعليم في غالبية الدول العربية لحذف كل ما يرمز ويشير للعروبة والتطلعات العربية بالوحدة أو لأعداء العروبة حيث تم استباحتها فكرا وثقافة وجغرافيا. فكيف أل الأمر الى هذا الواقع من التشرذم في الوقت الذي تنهض وتنجح كل المشاريع القومية الأخرى في المنطقة؟ وهل الخلل في فكرة العروبة أم في التآمر عليها لإجهاضها خوفا مما ستسببه الوحدة العربية والتحرر من الهيمنة الاستعمارية من أضرار للمصالح الغربية وللمشروع الصهيوني؟ للإجابة على هذا التساؤل علينا العودة للتاريخ القريب وخصوصا منذ بداية القرن العشرين. خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918 عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تعيش حالة ضعف بسبب مشاكل داخلية أهمها النزعة الطورانية التركية التي تتزعمها تركيا الفتاة وتطالب بإنهاء الخلافة وإقامة دولة تركية خالصة، وتخلف الإمبراطورية عن مواكبة الحداثة والتطور التكنولوجي، حرضت بريطاني العرب الذين بدأت تظهر عندهم نزعة العروبة ورغبتهم بالانفصال عن الدولة العثمانية للتمرد على الإمبراطورية، وبالفعل تم تشكيل كتائب مسلحة تحت قيادة الشريف حسين والي مكة وابنه إبراهيم لمقاتلة الجيش العثماني. مقابل وعد بإقامة دولة للعرب في الأراضي الخاضعة للإمبراطورية العثمانية، وهذا ما جرى في اتفاقية أو تفاهمات (حسين- مكماهون) ولكن بريطانيا ضحكت على العرب ونكثت بوعدها. ففي عام ١٩١٦ كانت اتفاقية سايكس- بيكو بين بريطانيا العظمى والفرنسيين على تقاسم المنطقة العربية بينهم، وفي عام ١٩١٧ كان وعد بلفور حيث وعد وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وقد تحققت أهداف سايكس-بيكو ووعد بلفور وفشلت أهداف العرب بدولة عربية واحدة بالرغم من هزيمة تركيا في الحرب وسقوط دولة الخلافة عام 1924. وما بعد الحرب العالمية الأولى استمرت بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية في التحكم بدول سايكس- بيكو وبقية الدول العربية من خلال تنصيب حكومات موالية لهم وإقامة قواعد عسكرية وتوقيع اتفاقات استراتيجية أمنية مع هذه الحكومات، ولم ينج من هذا المخطط إلا بعض الدول العربية التي قاومت هذه الهيمنة ولكن إلى حين، حيث كان الغرب وخصوصا واشنطن يخطط لاستمرار هيمنته على المنطقة ولكن بأدوات جديدة. حاول القوميون العرب استنهاض الأمة العربية وتجديد الخطاب القومي الوحدوي من خلال أحزاب وأنظمة قومية ترقع هدف وحدة العرب من المحيط إلى الخليج وفي هذا السياق برزت ثلاثة قوى سياسية قومية وهي خوب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب والحركة الناصرية. 1- حزب البعث العربي الاشتراكي تأسس في سوريا في أبريل ١٩٤٧ باندماج حزبين صغيرين وهما حزب البعث العربي وحركة البعث العربي، وكان المؤسسون الأوائل ميشل عفلق وصلاح الدين البيطار. وزكي الارسوزي ،وفي عام ١٩٥١ تأسس الفرع العراق للحزب الذي سرعان ما انشق ١٩٦٦ وأصبح له قيادة مستقلة ،ثم تشكلت فروع أخرى للحزب في كثير من الدول العربية ،واحتدم صراع كبير بين الفرعين السوري والعراقي بعد أن سيطروا على السلطة في البلدين مما شكك بكل مبادئ الحزب ،فكيف لحزب تقوم مبادئه الأساسية على الوحدة يفشل في توحيد قطرين أو دولتين يحكمهما نفس الحزب! ، كما تشكل داخل الحزب إقليم فلسطين الذي تحول في حزب بعث سوريا إلى منظمة الصاعقة و انضوت في منظمة التحرير ،وفي فرع العراق تحول إقليم فلسطين إلى جبهة التحرير العربية وأصبحت أيضا من فصائل المنظمة. أخذ الحزب بالانهيار والتلاشي فكريا ومؤسساتيا تدريجيا، وكانت نهايته الفعلية مع سقوط نظام صدام حسين في العراق 2003 وبقي له وجود رمزي في سوريا أنتهى بعد ثلاثة أيام من سقوط سوريا على يد المجموعات الإسلاموية المتطرفة حيث أعلن حزب البعث الحاكم عن تعليق نشاطه. ٢حركة القوميين العرب أسسها مجموعة من الشباب العرب واهمهم الفلسطيني جورج حبش والدكتور أحمد الخطيب من الكويت ووديع حداد وهاني الهندي على إثر نكبة فلسطين 1948 وكانوا متأثرين بالفكر القومي و المفكرين القوميين الأوائل مثل ساطع الحصري وقسطنطين زريق، وكانت بدايتها في العروة الوثقى وفي الوسط الطلابي وخصوصا في الجامعة الأمريكية في بيروت ، وكانت الحركة في بدايتها تثبتي الفكر القومي التقليدي أو المثالي إلى أن تحولت للفكر القومي التقدمي واليساري والاشتراكي ، وبعد حرب 1967 حدثت مراجعات استراتيجية داخل الحركة أدت الى انهيارها وتحولها لحركات قومية محلية أهمها الجبهة الشعبية بزعامة جورج حبش في فلسطين والحركة القومية في الكويت بزعامة الدكتور الخطيب ومنظمة العمل بزعامة محسن إبراهيم في لبنان وأخريات في العراق واليمن، وبذلك انتهت الحركة عمليا. 3- الحركة الناصرية نسبة الى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكان عبد الناصر وطني مصري في بداية الثورة ولم تكن له اهتمامات كبيرة بالفكر القومي بالرغم من مشاركته في حرب 48 واطلاعه على فساد وخيانة الأنظمة العربية ، وبدأت توجهاته الفكرية بعد العدوان الثلاثي على مصر وخروج الشعوب العربية مؤيدة لمصر ومنددة بالعدوان، آنذاك اكتشف عبد الناصر أهمية العروبة والعمق العربي فتحول خطابه من الخطاب الوطني المصري إلى الخطاب القومي العربي وكان له دور مهم في تفعيل جامعة الدول العربية وفي استنهاض الحالة الوطنية الفلسطينية وتأسيس منظمة التحرير ، كما قامت بعدة محاولات وحدوية مع أكثر من دولة عربية كان أهمها وحدة مصر وسوريا ما بين عامي 58 و 1962، ولكن جهوده فشلت نظرا لمعادة الغرب لهذه التوجهات القومية الوحدوية وبسبب معاداة بعض الأنظمة العربية وجماعة الاخوان المسلمين لهذا التوجه، أيضا خلافات حتى بين الحركات القومية نفسها، وانتهت الناصرية عمليا مع هزيمة حزيران 67 ثم وفاة عبد الناصر وهو يحاول وضع حد للحرب بين منظمة التحرير والنظام الأردني 1970. الآن يتم الضحك على العرب مرة أخرى ولكن هذه المرة باسم الإسلام والخلافة الإسلامية لتفكيك الدول العربية حتى التي صنعها اتفاق سايكس - بيكو وإعادة صياغة جيواستراتيجية المنطقة العربية في إطار شرق أوسط جديد لخدمة مصالح واشنطن وإسرائيل ودول الجوار، وكانت بداية المؤامرة الجديدة فيما يسمى الربيع العربي والذي نشهد فصلا جديدا منه باستباحة سوريا من طرف جماعات اسلاموية متطرفة متهمة حتى من واشنطن والغرب بأنها إرهابية، ومن طرف تركيا العضو في حلف الأطلسي ومن طرف إسرائيل أيضا. وهكذا يحقق الغرب مصالحة وتنجح المشاريع التوسعية لدول الجوار: المشروع الصهيوني التوراتي والمشروع التركي الطوراني والمشروع الإيراني الفارسي، بينما فشل المشروع القومي الوحدوي العربي، حتى الدولة القُطرية أو الوطنية مهددة بالانهيار وإعادة تقسيمها، فأين يكمن الخلل؟ ولماذا تنجح الشعوب الأخرى ويفشل العرب؟ ما يلفت الانتباه أن بريطانيا والغرب عموما استغلوا النزعة العروبية ورغبة العرب بالوحدة لتفتيت شمل العرب واستعمارهم، وكأن هناك خللا في العقل السياسي العربي بحيث أفسد فكرة الدولة القومية التي نجحت في غالبية دول العالم وخصوصا في أوروبا وحتى في تركيا وإيران والتي تقول بأن من حق الشعوب والجماعات التي تتكلم نفس اللغة ولها نفس العادات والتقاليد والعيش المشترك في أرض واحدة أن يشكلوا دولة خاصة بهم, ونفس العقل السياسي العربي مسؤول عن تسهيل المأمورية للغرب ولكل أعداء العرب لمواصلة تدمير الحلم العربي بالحرية والوحدة ،مستغلين هذه المرة (الإسلام العربي) وهو إسلام تحكمه العقلية العربية الجاهلية بما تتسم به من تطرف وعنف، حيث لا نجد مثل هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة والمتخلفة عند المسلمين في الدول غير العربية مثلا في إندونيسيا وماليزيا وتركيا وإيران ،فهناك الثقافة الوطنية والحرص على الدولة الوطنية وتكييف وتطويع الدين لمصلحة الدولة والوطن عكس (الإسلام العربي) الذي يضحي بالدولة والوطن لصالح هرطقات دينية . استباحة العروبة بالمؤامرات الخارجية والجماعات الإسلاموية لن يستمر طويلا. صحيح انهارت أحزاب وأنظمة قومية ولكن ما حل محلها حالة فوضى وصراعات عرقية ومذهبية ومشاريع دويلات، وتبقى الأمة العربية الأكبر عددا في المنطقة الممتدة ما بين النيل والفرات وحتى لو حاولوا تمزيقها بالصراعات المذهبية ما بين السنة والشيعة وبتنصيب أنظمة موالية للغرب ومطبعة مع إسرائيل فلا بد أن تنهض العروبة مجددا ويظهر مفكرون وأحزاب قومية عربية تؤسس لشكل جديد من العروبة بعيدا عن الشوفونية والتعصب العرقي ومنفتحة على الجميع وتؤمن وتؤكد على أن لكل القوميات الأخرى القاطنة ما بين المحيط والخليج بحقها في تقرير مصيرها والحفاظ على هويتها وثقافتها القومية. ونعتقد أن جمهورية مصر العربية بالرغم من توقيعها لاتفاقية سلام مع إسرائيل وما تواجه من تحديات اقتصادية هي الأكثر قدرة على أن تكون الإقليم الحاضنة لعودة العروبة والوقوف في وجه كل المخططات المعادية لها. [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستستمر حركة حماس في حكم قطاع غزة؟
-
القيادة الفلسطينية وسياسة الانتظار السلبي
-
فلسطينيو قطاع غزة ليسوا حمولة زائدة
-
اغتراب علم السياسة في الحالة الفلسطينية
-
قناة الجزيرة والتلاعب بعقول الناس البسطاء
-
اتفاق يخفي أكثر مما يُفصح
-
اذا كان اتفاق أوسلو سيئ فاتفاق الدوحة أسوأ
-
(اتفاق) دون اتفاق!
-
الإسرائيليون وخديعة المفاوضات من أوسلو إلى الدوحة
-
أوليات أهل قطاع غزة
-
الأصولية ليست دينية فقط
-
استباحة الدولة السورية
-
الأولوية لوقف حرب الإبادة وليس من يحكم غزة؟
-
هل ستاخذ حماس العبرة؟
-
في قطاع غزة حرب إبادة وتطهير عرقي وصمود أسطوري، وفوضى وفساد
-
القضية الفلسطينية في عالم متغير
-
لماذا حتى أبناء السلطة لا يدافعون عنها كما يجب؟
-
الغباء الاستراتيجي
-
ملهاة لجنة الإسناد المجتمعي
-
تم إعلاق مكاتب قناة الجزيرة، فمن سيملأ الفراغ؟
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|