فراس الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 10:12
المحور:
الادب والفن
في رحم العتمة، حيث تنمو الحكايات بين أضلاع الزمن، انبثقت شرارة لم تُخلَق من صدفة، بل من قدرٍ يشبه الحدّ القاطع بين الوهم واليقين. كان الصوت الأول نداءً، والنار كائناً حيّاً ينادي. صوت متقد، يشتعل في المسافة بين القلب والحلم، يهمس في أذنيّ الكون: انهضوا من رمادكم!
الريحُ لم تكن تعبر وحيدة، كانت تحمل معها أسرار الجمرِ المطمور تحت أقدام العابرين، ألسنةٌ متشابكة، تتلوى كالأفعى المقدسة، ترسم على جدار الليل نبوءة الضياء. من صلب هذه الفوضى، كان يولد الاشتعال لا ليحرق، بل ليُطهِّر، لا ليُفني، بل ليبعث.
النداء كان يتكرر، يتردد صداه في الفراغ المتصل بالأرواح الغافية، يختبئ في تعرجات الذاكرة، يشعل الحروف كما لو كانت فتائل جاهزة للاشتعال منذ الأزل. لم يكن مجرد صوتٍ عابر، بل كان نداء البدء والانبعاث، ذلك الصوت الذي يعيد ترتيب الأشياء وفق هندسة لا تُرى، وفق خرائط لم تُرسم إلا في لهيب الإدراك الأول.
من رماد الأزمان القديمة، من الحبر الذي احترق قبل أن يُكتب، ومن الظمأ المسكون في الأصوات، كان الحرف الأول يولد: حرفٌ ناريٌّ، مشبعٌ بالعطش الأبديّ إلى الاشتعال. كان الحرفُ يسير على حافة الجمر، بين احتراقه وبين وهجه، بين سقوطه وبين ولادته المتجددة.
النار التي أضاءت اللوح الأول، هي ذاتها التي تسكن الحكايات المتوارية خلف العيون، تلك التي لا تنطفئ ولو أطبقت السماءُ جفونها على الكون. لم تكن ناراً تلتهم، بل ناراً تكتب. نداءٌ أبدي، يختبئ في زوايا الصمت، يوشك أن ينفجر بالحرف الذي لا يُقال، لكنه يُسمع.
فيا من تسمع هذا النداء، لا تبحث عن النار في الغابات المحترقة، بل في الكلمات التي لم تُنطق بعد، في السطور التي لم تكتب بعد، في اللغات التي تنتظر لهيبها الأول. إنها ليست ناراً عادية، إنها النار التي تكتب المصير.
ميشيغان
2025/1/31
#فراس_الوائلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟