خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8236 - 2025 / 1 / 28 - 14:03
المحور:
الادب والفن
ها هي الرياح تهبّ من غير موعد، تحمل في أجنحتها غبار الزمن، وتنثره فوق أوراق الماضي التي ظننا أنها طويت إلى الأبد. تأتي كأنها تسير على مسار خفيّ، لا نهتدي إليه بعقلنا المحدود، لكنها تعرف طريقها إلى أعماقنا، حيث تلامس شيئًا كنا نظنه نائمًا، أو ربما ميتًا.
الاستطراد، يا صاحبي، هو تلك اللحظة التي ينشق فيها درب العقل المألوف، ويولد درب آخر، لا نسير فيه بأقدامنا بل بروحنا. إنه الهروب إلى حيث لا نعرف، كأنك تلقي بنفسك في محيط بلا شاطئ، لا يدفعك سوى فضول غامض ونبض خفي يقول لك: "هناك شيء ينتظرك هناك".
غير المتوقّع؟ هو ذلك الضيف الذي يطرق بابك في ليلة عاصفة، بلا موعد ولا سابق إنذار، يدخل دون أن تستأذنه، ويغيّر ترتيب غرف حياتك. هو الفكرة التي تسقط في ذهنك كنجمة تهوي من السماء، فتشعل سماءك الداخلية بشعاع لا تدري كيف أتى ولا إلى أين سيقودك.
لكن ماذا لو كان غير المتوقع ليس مجرد فكرة، بل واقعًا يجتاح المشهد بكل ثقله؟ كما في غزة، وكما في لبنان، حيث دارت عجلة الزمان على نحو لم يكن في الحسبان. هناك، تحت أنقاض الدمار، وبين الركام الذي ظن العالم أنه النهاية، ولد نصر يوازي السماء اتساعًا. من بين الرماد، قامت أرواح لا تعرف الانكسار، وحولت ما بدا كأنه مشهد الختام إلى ملحمة جديدة، كتبت بدماء العزة وصبر الأجيال.
غير المتوقع في غزة والجنوب اللبناني لم يكن مجرد مقاومة للزوال، بل كان إبداعًا في تحويل المستحيل إلى حقيقة. كأنك ترى كيف يمكن للجراح أن تتحول إلى أجنحة، وكيف ينبثق الضوء من عمق الظلام. هو دليل حيّ على أن الإنسان حين يُختبر في أقسى الظروف، تتجلى فيه أعظم القدرات، ويثبت أن النصر لا يُقاس بالقوة وحدها، بل بالإرادة التي لا تلين.
إنه ما يجعلنا ندرك أن غير المتوقع ليس دائمًا مرادفًا للكارثة، بل قد يكون بداية لقصة جديدة، قصة تُكتب بيد من لا يعرفون سوى أن يقفوا مجددًا، مهما عصفت بهم الأقدار. ففي قلب كل دمار، هناك روح تعيد البناء، وفي كل انهيار، ثورة تنتظر أن تنطلق.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟