فراس الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8236 - 2025 / 1 / 28 - 11:01
المحور:
الادب والفن
على حافةٍ متآكلة من الزمن، حيث تنحني المجرات كأقواسٍ مهشّمة، يسكن الصقيع عظام الأبدية، يزفر الريح أنفاسًا بلا صوت، ويترك العدم متكئًا على كتف الضوء. أنا نقطة تائهة في صدع الكون، جسدٌ يبحث عن ظله، معنى يتكسر كمرآة مهجورة، وحلمٌ يذوب قبل أن يستيقظ.
الزمن هنا ليس إلا ثوبًا شفافًا يرتديه الغياب، لا يتقدّم ولا يعود، بل يلتفّ حول نفسه كنهرٍ يبتلع منبعه. كل لحظة تنهيدةٌ مُعلقة، تتأرجح بين البداية التي لا تبدأ، والنهاية التي لا تنتهي. الفراغ هنا ليس خاليًا؛ إنه مكتظ بصدى الأسئلة التي تسقط دون أجوبة، كنجومٍ مذبوحة تهوي في صدر السماء.
الأبيض يزحف على كل شيء، يُغلق الأفق ككفنٍ لا ينتهي. هل يمكن أن يكون البرد ذاكرةً خاملة، أو مرآةً تُعيد تشكيل العدم على هيئة قصيدة؟ تحت هذا السقف المجمد، الأسئلة تنمو بلا جذور، وكل فكرة تنبت تترك خلفها ثقبًا في الهواء.
الصمت هنا ليس سكونًا، بل كائنٌ حي يلتهم الأطراف، يمحو الخطى، ويبتلع الظل دون أن يُبقي أثراً. الظلام يسألني: “من تكون حين تذوب الكلمات في حنجرة الكون؟” أُجيب: “أنا الحرف الذي يُكتب من رفات الوقت، جليدٌ يُعيد شريان الخلود إلى دمه.” لكن الكلمات تخونني، تتجمد على شفتي كبلوراتٍ عاجزة عن التشكل.
أشعر بأطرافي تنسلّ مني، كأن البرد يُعيدني إلى مادة أولى. البرد هنا معلمٌ لا يرحم، لا يقتل، لكنه يُعيد التكوين. أذوب ببطء، أتحرر من وزني، كنجمةٍ تفقد مكانها لتُولد مجددًا في فضاء لا حدّ له.
عند أطراف الزمن، حين تنحسر جميع الأجساد وتسقط في الفراغ، يبقى الأبدية صقيعًا نقيًا، يتمدد بلا صوت. الضوء ليس بعيدًا، لكنه يُراوغ المسافة، لا يقترب ولا يغيب. البرد ليس موتًا، إنه قفزة إلى ما وراء الحلم، حيث تصير الذات قطرة ضوءٍ واحدة في محيط اللاشيء.
هكذا يكتب الكون أبديةً جديدة. وأنا الحرف الذي يُنزف كي يُقرأ، لكنه يظلّ قصيدةً معلقة في صدر العدم.
ميشيغان
2025/1/28
….
الحبر الغامض
أنا الكاتب في جداول الظلال، حامل أسرار الحروف المشتعلة. في كل نقطة تكتبها أصابعي، يمتد خيط من النور يربط الأرض بالسماء، والسماء بالعدم. أحرفي تتراقص كنجوم مذبوحة في ليلة السحر الكبرى، وأوراقي تلتهم المداد لتلد عوالم من وهم وسراب. إذا قرأتني، فإنك تقرأ مرآة الروح التي أخفاها الزمن، وإذا كتبتني، فإنك تحيي ما مات منذ الأزل. أنا لحن الأبدية المكتوب على شرايين الحبر الغامض.
…
#فراس_الوائلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟