|
المال الحرام .. ! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 8236 - 2025 / 1 / 28 - 11:00
المحور:
الادب والفن
حينما كانت الزوجة منهمكة في شقائها اليومي في المطبخ ، تسمع رنين الجرس .. ترفع رأسها الى الشاشة المنتصبة أمامها ، ثم تنادي بصوت مرتفع : — نافع .. افتح ماما الباب لخالك .. أسرع . ينتفض الفتى فرحاً بمجيء خاله ، ويهرول ناحية الباب . بعد لحظات يدخل الخال ويده مستريحة على كتف إبن أخته .. شاب طويل .. يبدو عليه الإهمال في مظهره .. شعره طويل .. تحف بوجهه لحية قصيرة .. يرتدي بنطلون جينز بلى لونه . يتوجه مباشرة الى اخته يطبع على جبينها قبلة خفيفة ترد بمثلها على وجنته ، ثم يجلس ساهماً ، مشتتاً ، منكفئاً على ألمه . يتناول قدح الماء البارد الذي قدمته له أخته .. يأتي عليه حالاً ، ثم يضعه على الطاولة . تُبادره أخته ملهوفة : — بشِّر .. ماذا فعلت ؟ يرد في حسرة : — لا شيئ أختي . لا أحد يراني ، ولا أحد يُمسك بيدي ليعبر بي هذا المسلك الصعب . أينما أولي وجهي أجد كل الأبواب التي أعرفها موصدة . لم أتصور للحظة أن حياتي ستمر يوماً بمثل هذا الضنك . لم أترك بابا إلا وطرقته كأني متسول . أيقنت أن من كنت أسميهم أصدقاء كالقش لا ينفع عند الغرق . كانت أمي الله يرحمها .. ( تتمتم أخته وراءه : الله يرحمها ) تحذرني من الصديق قبل العدو ( تؤكد أخته على قوله بهزة من رأسها ) .. ما أصدقكِ يا أمي ! هذا هو حال الدنيا أختي حين ينقلب الزمان ، وحين تعلوا النفوس الوضيعة . أعذريني أني أشغلك بهمومي ، لكني في حالة غليان داخلي ، وإحساس مرّ بالفقدان ( يتجعد حاجبا الأخت ، ويتقلص وجهها من الألم حزناً على حال أخيها ) . تعرفين أن النيران التهمت مطعمي ، وأحالته الى كومة رماد . لولا أني اندفعت هارباً بجلدي لأتت علي أنا الآخر .. كانت ضربة موجعة قلبت موازين حياتي في لحظات ، وعادت بي الى نقطة البداية . هكذا هي الاقدار أختي حين تركب رأسها لا سلطان لنا عليها .. ! تهمس الأخت في توسل : — عندي شوية مصوغات بيعهن ، وسد حاجتك . — أختي يا مصوغات .. انا بحاجة على الأقل الى مائة مليون . تشهق وتضرب على صدرها : — يمّا ! ( برهة صمت .. تهدأ .. ثم كأنها وجدت الحل ) .. أبو نافع جاي بالطريق حاول معاه قد يطلع منه شيئ . ينفرج فم الخال عن ابتسامة غامضة ، ويقول بصوت هامس كأنه يحادث نفسه : — تركته كالفاكهة في نهاية الوليمة . ربما يكون قشة النجاة الأخيرة . لم تفهم الأخت ما وراء كلام شقيقها . يعجّل نافع بفتح الباب لأبيه بمجرد سماعه صوت نفير سيارته . يدخل الزوج متأخراً على غير عادته .. غارقا في عطر من النوع الثمين . رجل في منتصف الاربعينات منشرح الوجه لا يزال يحتفظ بالكثير من وسامة الشباب وحيويته .. تستقبله زوجته بوجه سمح . يمد يداً باردة لنسيبه الذي بادره : — ما بك ؟ تبدو ، وكأن قطاً نفخ في وجهك ! لا يرد .. تستلمه الزوجة معاتبة : — تأخرتْ .. قلقتني . اليوم خميس والدوام ينتهي الساعة الواحدة والان الثالثة . أين كنت كل هذا الوقت ؟ يتأفف الزوج ويزفر انفاسه ، ثم يتهيأ لإلقاء الجواب الذي أعده سلفاً : — اسكتي أم نافع .. الله ستر . وأنا أمشي على السريع انفجر الإطار الأمامي فجأةً . خشيت أن تنقلب السيارة ، أو تشتعل بها النيران بسبب الشرارة التي قدحت نتيجة احتكاك الحديد بالتبليط .. تركتها تواصل سيرها بلا توقف . لولا أني أستطعت السيطرة على المقود بمهارة لكنت الآن في عداد .. يتنحنح الخال . يبدو الذعر واضحاً على وجه الزوجة الطيبة . لا تدعه يكمل : — لا تقولها الحمد لله على سلامتك ؟ يُنهي الزوج حديثه المثير . ينهض قائماً ويغادر المطبخ . تلكز الزوجة شقيقها بلطف ، وتوشوش غامزة : — هيا عجّل .. إلحقه قبل أن ينام . يخطو الخال نحو الممر متعثراً بلهفته ، ويسد عليه الطريق : — اشلونك حبيبي أبو نافع . ( لا يتلقى رداً ) جايك اليوم بخدمة . أرجو أن لا تخيب ظني . — قل ما تريد قوله بسرعة واتركني ، فأنا تعبان وأريد أن أنام . — أريدك أن تتكرم علي بسلفة عشر شدّات أُكمل بهن ترميم المطعم وتجهيزه من جديد حتى أفتح مع بداية الموسم . — صدقني الشغل هذه الأيام واقف . الجهات الرقابية تشدد علينا الخناق ، والمدير مثل الحرباية أول من خلع ثوب العاهرة ، وارتدى ثوب الشرف .. ! يردد الخال ما قاله صهره ، وهو يداعب لحيته مفكراً : — هممم .. الشغل واقف .. أفهم من كلامك حبي أنك ترفض إقراضي . يتوجس الزوج خيفةً من رد نسيبه ، فيتسائل في قلق : — ماذا يدور في رأسك الخبيث ؟ — لا .. ولا شي لكني أهنئك على أدائك الرائع في هذه المسخرة التي أقنعت بها أختي المسكينة ، يا جيمس بوند . تستحق والله الاوسكار بامتياز . على أي حال خلينا في المهم . عندي فيديو مهم سأبعثه لك . أريدك أن تتسلى بمشاهدته قبل أن تذهب الى قيلولتك المحببة .. سيدهشك ! — أي فيديو ؟ — شاهده أولاً ، وبعدها نكمل حديثنا . يلاعب الخال بأصبعه أزرار تلفونه ، ثم مبتسماً بخبث ، وبحركة تمثيلية ساخرة يرفع اصبعه الى أعلى ، ثم ينقض على زر الإرسال ويضغط عليه .. الزوج منفوخ على الآخر يكاد ينفجر ، وبعد ثوانٍ يسمع إشارة التنبيه من تلفونه . يفتحه بلهفة ويحدق فيه مصدوماً غير مصدق ما يراه . يوضح الخال محتوى الفيديو ، وهو يتلمظ : — قبل قليل وأنا في طريقي الى صديقي صاحب مطعم الجندول .. تعرفه ؟ ( لازال الزوج مبحلقاً بالفيديو الذي أمامه ، ولا ينبس بكلمة ) .. لأستنجد به أن يسلفني مبلغاً يعينني على محنتي ، وإذا بي أتفاجأ بسيارتك واقفة أمام المطعم . قلت في نفسي انها فرصة لأعود معك الى البيت بدل الذهاب سيراً على الأقدام في هذا القيظ القاتل . قلّبت بصري بين الزبائن باحثا عنك .كم كانت دهشتي عظيمة عندما رأيتك منتبذاً طاولة منعزله في أطراف المطعم مع كتكوتة حلوة تبدو أمامها وكأنك والدها ( يصفعه التشبيه ) ، وتتصرف معها على طبيعتك كأن ما كان بينكما أكثر من ذاك الغداء الرومانسي . لم أدري ماذا أفعل ، وفيما أنا أتخبط في حيرتي ، برقت في ذهني فكرة ، فأسلمت نفسي اليها معصوب العينين . انزويت في مكان أستطيع منه أن أصور كل شيء حتى لا تأتي لحظة وتنكر كعادتك ، ثم قفلت عائداً الى هنا بانتظار تشريفك . الزوج مستشعراً الخطر : — أليس هذا ابتزاز رخيص ؟ — أليس يا صهري من حق الذي يتألم أن يصرخ ؟ — بلى .. أصرخ لا أمنعك ، لكن بعيداً عني . — كان المفروض أن تبادر الى مساعدتي من اللحظة الأولى ، فأنت أقرب الناس .. صديقي ونسيبي . — لأن جنابك تعلنها جهاراً نهاراً بأن أموالي كلها حرام . لا .. والغريب أنك تستجدي هذا المال الحرام الآن لينقذك من الورطة التي أنت فيها .. ليس هذا فقط بل تلجأ الى أخس الطرق لتنال ما تريد .. الابتزاز .. يقاطعه : — أتظن أني سأهدم بيت أختي بسبب انسان نزق مثلك لايرى أبعد من نفسه ، ولا يدرك عبثية هذه النزوات ؟ يستسلم الزوج : — اسمع .. سأمنحك المال الذي تريد شرط أن تدخلني شريك بالنص في المطعم ، وتمسح هذا الفيديو الآن وحالاً ، وخليك من لعب الأطفال البايخة هذه لأنها لا تنفع معي ، ( يمسحه بنظرة مشمئزة من فوق الى تحت .. ثم يقول وهو يراقص إصبعه بوجهه ) .. حسّن من هيأتك البائسة هذه ، وجدد أسمالك ، فالذي يراك يظنك شحاذاً . ( بحدة ) اتفقنا ، أم عندك رأي آخر ؟ خلصني أنا تعبان ، وأريد أن أنام . — كأنك يا صهري تُمسك حبلاً ، وتخيِّر غريقاً في أنفاسه الأخيرة بين النجاة ، وبين الموت غرقاً ، والخيار هنا واضح على ما أعتقد . — أفهم من كلامك أنك توافق على العرض الذي قدمته لك . ينظر الخال الى صهره بنظرة مستكينة : — ماذا يفعل ، يا صهري من ضاقت أمامه كل الخيارات غير أن يرفع الراية البيضاء .. على أي حال ، مازال كل شيء سيصب في مصلحة أختي وأولادها ، فلا بأس ! يقهقه الزوج منتصراً .. ثم يغادر وهو لا يزال غارقاً في قهقهةٍ لم تنتهي . يسمع الخال صوت الباب يُصفق ، ثم يوصد . يبقى جالساً يترقب عودته ملهوفاً . بعد دقائق يعود الزوج حاملاً كيساً مليئاً برزم الدولارات . يأخذ الخال نفساً عميقاً كمن خرج من محنة عمره . يتوهج وجهه بالسعادة ، ويمضي مبتهجاً محتضناً كيس الدولارات من ( المال الحرام ) بين يديه !! ( تمت )
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حب مدفون في العفن .. ! ( قصة قصيرة )
-
امرأة من ذلك الزمان .. ! ( قصة قصيرة )
-
خرجتْ ولم تعد .. ! ( قصة قصيرة )
-
المخاض .. ! ( قصة قصيرة )
-
لعنة الموبايل .. ! ( قصة قصيرة )
-
المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )
-
سرّي الدفين .. ! ( قصة قصيرة )
-
هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )
-
راشيل .. ! ( قصة قصيرة )
-
يد القدر الثقيلة .. ! ( قصة قصيرة )
-
عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )
-
لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )
-
في حياتنا رجل .. ! ( قصة قصيرة )
-
رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )
-
شجاعة نسوان أيام زمان .. ! ( قصة قصيرة )
-
أنا .. وأمي الخائنة .. ! ( قصة قصيرة )
-
لعنة عناق .. ! ( قصة قصيرة )
-
نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )
-
البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )
-
عودة الغائب .. ! ( قصة قصيرة )
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|