|
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثالث والثمانون!
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 23:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحياة والرغبة يتيح لنا هذا الوضع العام أن نفهم معنى التجربة الأولى للوعي الذاتي، تجربة رغبة متعارض-مع حي (254/104). باعتباره فكرة فهم (الفصل الثالث)، يفسر الوعي الظواهر من خلال إعادتها إلى الوحدة الكونية للقوانين التي تحكمها: على هذا النحو، تم تأكيد الحقيقة الكونية للعملية "اللانهائية" التي من خلالها تتعدد كونية معقولية القانون في ظواهر وتعيدها إلى وحدتها الشاملة. توصف مثل هذه العملية بأنها "الجوهر البسيط للحياة، روح العالم، الدم الشامل" (243/99): الحياة هي "الدورة الكاملة" لكون وفساد الفرديات الحية، أو مرة أخرى "الكل الذي يتطور والذي يقضي على تطوره"(258/107). هذه الدورة الحيوية – التي اقترح لها هيجل عرضا محكما بشكل فريد – تؤدي أولاً إلى “توليد” الفرديات العضوية، المتمايزة في المكان والزمان والتي تحتفظ لنفسها في الوجود من خلال استهلاك “الطبيعة” غير العضوية، انطلاقا من "جوهر كوني" أو وحدة شاملة ( ليست وحدة "الأجناس المحددة" التي هي صور الحياة، ولكنها وحدة "الجنس المطلق"، "الجوهر الأسمى" للحياة)، ثم إلى "انحلال" هذه "الأشكال" في الوحدة "المائعة" و"المستمرة" التي ولدتها (255-258/105-107). لكن هذه العملية الدورية تظل مبهمة بالنسبة للأحياء أنفسهم ولا تصل إلى حقيقتها إلا في "الوعي الذي توجد من أجله كوحدة، أو كجنس" (259/107): الحياة "تحيل إلى شيء آخر غير ذاتها" لأنها لا توجد بالفعل إلا في أشكالها المتمايزة (تنوع الفرديات الحية) ولا تكشف عن جوهرها إلا لوعي قادر على الكشف عن معناها الشامل والكوني. إن الوعي الذاتي هو الذي يحمل من الآن سر الحياة: فليس إلا بالنسبة إليها "يكون النوع باعتباره كذلك"، يندرج تنوع الكائنات الحية جزءًىفي كلية عملياتية، ولهذا السبب استطاع هيجل أن يؤكد أنه "نوع خاص بذاته" (259/ 107)، بمعنى أن الوحدة الكونية لدورة الحياة لا تصل إلى حقيقتها إلا من خلال نشاطها الفكري. ستلعب هذه المعرفة بالحياة دور المصفوفة التجريبية للوعي الذاتي. وكما أن الحياة الكونية لا تؤكد نفسها إلا في "جوهرها البسيط" من خلال الوضع والنفي المستمرين للحظاتها المتمايزة، سيؤكد الوعي الذاتي التصور المباشر الذي يحمله عن نفسه، التصور عن وجود "ذات بسيطة" قادرة على احتضان المعنى الكوني لإنتاج وإلغاء الفرديات الحية، ذات إذن غير قابلة تختزل في مثل هذه الفرديات، من خلال التفكير في ذاتها على ك"جوهر سلبي " لهذه الأخيرة (259/107). عن طريق نشاطه الفكري، يختبر الوعي الذاتي نفسه على أنه "قائم-ب-ذاته": وهو يفهم قوانين الحياة، لم يعد يخضع بشكل أعمى لدورة الاعتماد التي تخضع لها الكائنات الحية الأخرى. تحمل الظواهر الحيوية بالنسبة إليه "طابع العدم" (259/107): بعيدا عن التساؤل عن تشريع فهمها، يعززه من خلال تجريد نفسه من استقلاليته الظاهرة، من خلال الخضوع للسيادة الفكرية للأنا. لكي يصبح هذا اليقين النظري حقيقة فعالة، يجب الآن نقله إلى المستوى العملي: إذا أرادت الأنا تأكيد سيادتها المكتسبة حديثا، فيجب عليها "إبادة المتعارض القائم-ب-ذاته"، وهذا يعني، من الناحية العملية: الرغبة فيه (الدخول في علاقة معه) والاستمتاع به (تأكيد استقلاليته الروحية إلى لا شيء) عن طريق إبادة الاستقلالية الطبيعية للمتعارض-مع). كان من الصعب في كثير من الأحيان تفسير اندلاع الرغبة في عملية تجربة موجهة حصريا حتى الآن نحو الرهانات المعرفية: تبدو "حقيقة الرغبة" "غير قابلة للاستدلال"، ويبدو أنها تأتي من "تاويل" مقبول لتاريخ الوعي الذاتي كمرحلة ضرورية على نحو جدلي لهذا الأخير. ومع ذلك، فإن الأمر ليس كذلك: فمن خلال الرغبة، يمنح الوعي الذاتي الانسجام، عن طريق النفي النشط للمتعارض الحي، لوضع نفسه باعتباره الذات الحقيقية لتجارب الوعي السابقة. تكشف الرغبة للوعي الذاتي عن دورها المؤمثل المتمثل في "العودة انطلاقا من الوجود-الآخر " (253/104) في تجربة المتعارض-مع: لأنني أرغب في شيء ما، لذلك أقوم بسد الفجوة التي تفصلني عنه في محايثة الحياة، بحيث أستطيع أن أقصده، وأدركه، وأفهمه. ولأنني أستهلك المتعاض-مع المرغوب، فإنني أختبر الشعور بعدم قابليتي للاختزال في الحياة الطبيعية البسيطة، اتساق ذاتيتي في مواجهة عالم يمكنني "تعديه" (252/103) لإلغاء المسافة التي تفصلني عنه. ما هو على المحك في تجربة الرغبة هو تحويل اليقين الهش بالذات (باعتباره اكتسب المعنى الكوني للحياة الطبيعية) إلى "اليقين الحقيقي" الذي يوفره الإشباع الناتج عن إبادة المتعارض المستهلك. مع ذلك، فإن مثل هذه التجربة لنفي المتعارض الحي في استهلاك الرغبة لا تؤدي إلا إلى إشباع سريع الزوال وغامض: إذا كنت أختبر استقلاليتي الذاتية فقط من خلال نفي لمتعارض-مع، فأنا مشروط به تماما، لذلك أنا لست أنا ذات سيادة ومكتفية ذاتيا، بل أنا فريسة وعي "للانخلاع إلى أنا = أنا دون اختلاف وإلى أنا في علاقة بموضوع خارجي". بمجرد أن يُستهلك المتعارض-مع، يصبح الكائن الحي في عداد العدم، ويختفي الشعور بالذات ويجب إعادة إطلاق الرغبة على حساب "انجاب" جديد لمتعارضه، مثل دورة الحياة. وبينما تُظهِر الرغبة قوة الوعي الذاتي على المتعارض الحي، فإنها تكشف عن عجزها عن إبادة هذا التجسيد المتنافس للحياة المستقلة، بسبب التضامن الحميم القائم بينها وبينه. إن الإحياء الدائم للرغبة يجعلها "محنة محيرة"، حيث لا يمكن إخماد العطش الأنطولوجي للأنا (الباحثة عن تأكيد ما تكونه) عن طريق إشباع خاص بسيط. ومع ذلك، فإن فشل تجربة الرغبة، من حيث أنها رغبة الوعي الذاتي وليست رغبة حيوانية بسيطة، هو فشل مثمر: فهو يوضح الحاجة إلى تعديل متعارضي الوعي الذاتي في وقت واحد (كما "الذات البسيطة") وما يواجهها (باعتباره "متعارضا حيا"). ليس من خلال إبادة شيء خارجي، ولكن من خلال إنكار تماهيتي الخاصة مع الحياة الطبيعية، أستطيع تأكيد عدم قابليتي للاختزال إليها. وفقط من خلال مواجهة متعارض آخر يحقق نفس النفي لحياته الطبيعية، يمكنني أن أصبح واعيا تماما بمثل هذه عدم القابلية للاختزال، وبالتالي "قيامي-ب-ذاتي". ما يرغب فيه الوعي الذاتي ليس إذن شيئا آخر غير ما يكونه، "سالبه"، بل أنا أخرى، أناً بديلة، "وعيًا ذاتيا حيا" آخر (261/ 108): "لا يحقق الوعي الذاتي إشباعه إلا في وعي ذاتي آخر” (260/108). )يتبع) نفس المرجع
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترامب يريد من الأردن ومصر أن تستقبلا الفلسطينيين من أجل -تطه
...
-
كيف أصبحت شركة هواوي رمزا للنزاع بين ترامب والصين خلال ولايت
...
-
الملكية الوراثية: جماعة العدل والإحسان تعود إلى الخط الذي رس
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
البرلمان الأوروبي: حزب فرنسا الأبية يصوت ضد إطلاق سراح بوعلا
...
-
تيزفتان تودوروف.. مسار باحث سيميولوجي ديدنه التحرر من الطوق
...
-
الرباط: المحكمة الابتدائية تصدر حكما بعدم الاختصاص في شأن عو
...
-
سوريا: إعادة النظر في المناهج الدراسية من قبل النظام الجديد
...
-
وزير الفلاحة يعرض تفاصيل عن ارتفاع اسعار اللحوم الحمراء بالأ
...
-
تأملات على شكل شذرات لا تجود بها القريحة مرتين
-
ديفيد لينش.. أسطورة السينما وعالم الفن توفته المنية عن عمر 7
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الدار البيضاء: وفاة ثلاث نساء حوامل في مصحة خاصة مع تحليل ال
...
-
ائتلاف حقوقي مغربي يدعو مكوناته وعموم المواطنين إلى المشاركة
...
-
حرائق الغابات في لوس أنجلوس: عاش رجال الإطفاء لحظات حرجة بسب
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الحرب بين إسرائيل وحماس: هل هناك اتفاق وشيك على وقف إطلاق ال
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
المزيد.....
-
-كأنه منطقة حرب-.. فيديو شاهد يظهر عمليات الإنقاذ بحادث اصطد
...
-
فيديو يُظهر ما يبدو لحظة اصطدام طائرة الركاب وهليكوبتر وسقوط
...
-
عربات طعام بنكهات أصيلة واستوديو متنقل..كيف جذب هذا الحي في
...
-
السعودية.. فيديو مخالف للآداب العامة يثير تفاعلا والداخلية ت
...
-
ترامب يعلق على الحادث الجوي المروع في واشنطن (فيديو)
-
زيلينسكي يحيي ذكرى الجنود الذين تصدوا للهجوم البلشفي في يناي
...
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بـ16 تهمة
...
-
لحظة اصطدام مروحية عسكرية أمريكية بطائرة ركاب قرب مطار رونال
...
-
-واتساب- يواجه في روسيا غرامة قدرها 18 مليون روبل
-
-ولادة عذرية- نادرة لسمكة قرش تثير حيرة العلماء
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|