|
سوء فهم أفكار ماركس!
ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 15:36
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بقلم : د . ادم عربي
عدد كبير من الناس لم ينالوا من علم الماركسية سوى النزر اليسير؛ غير أنَّ هذا القدر الضئيل كان أكبر من قدرتهم على استيعابه. وبدلاً من محاولة التعمق فيه، لجأوا إلى استخدام ظواهر مرتبطة بالاقتصاد الرأسمالي، عجزوا هم عن فهمها أو تفسيرها، كذريعة للتشكيك في الماركسية وقانون فائض القيمة.
من قصور فهمهم نشأ اعتقادهم بالمعجزات، إذْ توجد ظواهر في الاقتصاد الرأسمالي يكفي التأمل فيها ليقتنع البعض بأنها "معجزات" صنعتها الرأسمالية. وهذه الظواهر تبدو لهم معجزات بسبب غموضها عليهم وعجزهم عن استيعابها، فضلاً عن زعمهم أنها أوقعت الماركسية نفسها في مأزق التفسير.
هؤلاء توصلوا إلى "اكتشاف" مفاده أنَّ هناك بعض السلع التي تُنتَج في النظام الرأسمالي يبدو أنَّ قانون "فائض القيمة" يعجز عن كشف الاستغلال الرأسمالي الذي يختبئ خلف إنتاجها. هذه السلع، التي تبدو غامضة ومثيرة للعقول، هي نتاج مباشر للثورة العلمية والتكنولوجية . وبما أنَّ ماركس رحل عن العالم قبل زمن طويل من ظهور هذه "الظاهرة السلعية المعجزة"، لم يتسنَّ له أنْ يتناولها في نظرياته.
يتأمل هؤلاء بعمق في بعض الصناعات التي أفرزتها الثورة العلمية والتكنولوجية، ليجدوا فيها أدلة ملموسة، كما يزعمون، على انتهاء صلاحية قانوني "القيمة" و"فائض القيمة". فهذه "السلع" تُنتَج في مصانع تكاد تكون خالية تماماً من العمال أو البروليتاريا. ويتساءلون بدهشة واستغراب: كيف يمكن لقانون "فائض القيمة" أن يُطبَّق في غياب العمال الذين يُفترض أنهم مصدر الفائض؟! تلك "السلع المذهلة" هي في جوهرها "سلع معرفية"، فهي نتاج مباشر للمعرفة والعلم، وللجهود الفكرية والأبحاث العلمية، ويكفي النظر إلى صناعة الأدوية لتأكيد هذا الأمر بشكل قاطع.
لقد أذهلتهم صناعات مثل صناعة الأدوية وأشباهها، فأثارت دهشتهم وحيرتهم إلى حد جعلهم يتحدون من يهتم بـقضايا هامشية تنشغل بها ما يسمونه "السلفية الماركسية". طرحوا سؤالًا عن هذه "السلع المذهلة"، التي أربكت عقولهم، وخلصوا إلى استنتاج أنَّ ما أعجز فهمهم لا بدَّ أنْ يُعجز الماركسية أيضاً.
إنَّ ما طرحتموه لا يعدو كونه دليلاً إضافياً على أنَّ معظم من يعارضون الماركسية هم في الواقع من غير الملمين بها. فهم قد اطلعوا على أجزاء محدودة من فكرها، لكنهم أخفقوا في استيعاب معانيها وفهم جوهرها بعمق. العمل، وبشكل حصري، هو المصدر الذي ينتج السلعة ، أي ذلك الشيء النافع الذي يحمل قيمة تبادلية. وهذا العمل قد يكون إما بسيطاً أوْ معقداً ، مع ضرورة فهم كلا المفهومين ضمن سياق "نسبي وتاريخي". فالعمل الذي كان يُعد معقداً في المصنع الرأسمالي الغربي قبل مئتي عام، أصبح اليوم مجرد عمل بسيط .
العمل ، سواء كان بسيطاً أوْ معقداً ، يتم قياسه بوحدة الزمن، أي بالساعات. فإذا افترضنا وجود عامل يمتلك علماً ومعرفة تمكنه من إنتاج إحدى تلك "السلع المذهلة"، فإننا سنجد أنَّ ساعة واحدة من عمله تعادل عشر ساعات أوْ أكثر من عمل زميله الآخر.
هؤلاء العمال يضيفون إلى "موضوع عملهم" في ساعة واحدة قيمة تبادلية تفوق عشر مرات ما يضيفه عامل آخر إلى موضوع عمله خلال نفس المدة الزمنية.
الساعة الإلكترونية تُعد سلعة لأنها منتج ذو قيمة استعمالية ، وقابلة للتبادل مع سلعة أخرى من نوع مختلف ولكن ذات قيمة تقاربها. على سبيل المثال، يمكن مبادلتها بـقلم رصاص . هذا التبادل يشير إلى أنَّ السلعتين متساويتان في "كمية العمل الضروري" التي تم بذلها في إنتاج كل منهما. وبذلك، فإنَّ هذا التساوي يعكس تعادل السلعتين في "زمن العمل الضروري" الذي أُنجز خلاله إنتاجهما.
إذا كانت الساعة الإلكترونية قد تم إنتاجها في ساعة عمل واحدة بواسطة عامل معين، بينما استغرق إنتاج قلم الرصاص 8 ساعات عمل من عامل آخر، فإنَّ ذلك يعني، وفق هذا المثال، أنَّ ساعة واحدة من عمل العامل الأول (المعقَّد) تعادل 8 ساعات من عمل العامل الثاني (البسيط).
الإنسان الآلي أوْ الروبوت يُعد هو الآخر سلعة، لكن الزمن اللازم لإنتاجه، ساعة واحدة من العمل تحديداً، يُعادل 10 أو حتى 30 ساعة من العمل البسيط.
التحول من العمل البسيط إلى العمل المعقد ثم إلى الأكثر تعقيداً يمثل أحد مظاهر "ارتفاع التركيب العضوي للرأسمال". وهذه الظاهرة تؤدي حتماً إلى تفاقم ميل معدل الربح نحو الانخفاض، لأنَّ "الرأسمال المتغير"، الذي يتقلص نسبياً مع الوقت، يظل المصدر الوحيد لـفائض القيمة .
تخيلوا مصنعاً رأسمالياً خالياً تماماً من العمال، ويقوم بإنتاج سلعة ما. في هذا المصنع الذي يخلو تماماً من العمل الحي، لنْ تتم إضافة قيمة جديدة إلى المنتجات؛ إذ سيقتصر عمله على نقل القيمة من الآلات والمواد الخام إلى المنتج النهائي.
في هذا النوع من المصانع، لنْ يكون هناك أي فائض قيمة لأنَّ القيمة الجديدة غائبة تماماً ، كما أنَّه لا يوجد ربح ، إذْ لا يوجد بروليتاريا تعمل على توليد الفائض. وبناءً على ذلك، لنْ يظل هذا المصنع بالمعنى التقليدي "رأسمالياً" لغياب البروليتاريا. لكن من المهم أنْ نلاحظ أمراً في غاية الأهمية وهو أنَّ غياب القيمة الجديدة وفائض القيمة لا يعني غياب أو توقف نمو الثروة المادية.
في النظام الرأسمالي، نجد مصنعاً حيث تكون نسبة الرأسمال المتغير إلى الرأسمال الثابت ضئيلة للغاية. ومن المفترض نظرياً أنْ يؤدي ذلك إلى انخفاض كبير في معدل الربح لهذا المصنع مقارنة بمعدل الربح العام. لكن هذا لا يحدث، لأنَّ صاحب هذا المصنع يتمكن من الاستفادة من فائض القيمة الذي ينتجه عمال المصانع التي تحتوي على نسبة أكبر من الرأسمال المتغير إلى الرأسمال الثابت . وهذا يتيح له أنْ يحصل على جزء من "الفائض" الناتج عن تلك المصانع، مما يؤدي إلى أنَّ رؤوس الأموال المتساوية تحقق أرباحاً متساوية بغض النظر عن "التركيب العضوي للرأسمال". تخيل الآن أنك رأسمالي، استثمرت مليون دولار في رأس مال مصنع ينتج سلعة ذات مكون معرفي وعلمي عظيم. في هذا المصنع، حيث يكون "التركيب العضوي للراسمال" مرتفعاً بشكل كبير، يعمل عدد قليل جداً من العمال الذين يضيفون قيمة جديدة إلى "موضوع العمل". وتتمثل هذه القيمة في الجهود الذهنية والمعرفية والعلمية التي يبذلونها، وهم بمثابة عمال أوْ بروليتاريا الثورة العلمية والتكنولوجية.
لنأخذ فرضاً أنَّ المعدل العام للربح هو 20%؛ في هذه الحالة، ينبغي على الرأسمالي أنْ يحقق ربحاً قدره 100 ألف دولار، بناءً على هذا المعدل. لكن بدلاً من ذلك، يحصل على ربح يعادل المعدل العام للربح، أي أنه يحصل على 200 ألف دولار.
نصف هذا الربح يعكس فائض القيمة الناتج في مصنعه، وقد تحقق من عمل عماله. أما النصف الآخر، فقد جاء من فائض القيمة الذي أنتجه عمال في مصانع لم تبلغ بعد نفس درجة ارتفاع "التركيب العضوي لرأسمالها".
تُنتَج "القيمة الجديدة" في المجتمع فقط حيث يتم إنتاج السلع، أي القيم المادية في النظام الرأسمالي ، لكن المنتجين الأساسيين لهذه القيمة، وهم العمال الذين يتناقص وزنهم الديمغرافي ، لا يحصلون على أكثر من جزء صغير منها، وهم مع أرباب العمل ، وهذا يعني أنَّ جزءاً متزايداً أوْ الجزء الأكبر من القيمة الجديدة يُوزَّع على باقي أفراد المجتمع بطرق وأساليب مختلفة. جميع أرباح التجار وأصحاب البنوك على سبيل المثال هي في الأساس جزء من تلك القيمة الجديدة.
الماركسية أكبر من أنْ يتم تحديها بتلك الأسئلة والتساؤلات التي تطرحونها؛ وأنا شخصياً أرى أنَّ انهيار الاتحاد السوفياتي يُعد دليلاً إضافياً على عظمة أفكار ماركس!
#ادم_عربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب والأخلاق!
-
القمر والنار!
-
حرب البترودولار!
-
مشكلة الفهم والتفسير في السياسة!
-
خُمرُ المَعابِد!
-
هل نستحق الديموقراطية؟
-
قرصة برغوث!
-
في المنظمات اللاحكومية!
-
هطل الثلج!
-
بعض من فلسفة التاريخ !
-
انهيار النجم على نفسه!
-
حرب القضاء على الوجود العربي!
-
الصين وما أدراك ما الصين!
-
تعالي!
-
على خاصرة الريح!
-
اللِيبِرَالِيَّةُ فِي بِلَادِنَا مَيِّتَةٌ، بَينَمَا اللِيبِ
...
-
أحاورُ الأفعى!
-
هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
-
الأعمى!
-
ماذا يحدث في سوريا؟ ولماذا الآن؟
المزيد.....
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
-
نقطة نظام النائبة البرلمانية الرفيقة نادية تهامي، باسم فريق
...
-
الرفيقة إكرام الحناوي، عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس الن
...
-
رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، يوجه
...
-
من اليمين واليسار...انتقادات لبايرو بعد تصريحاته عن -إغراق-
...
-
مسؤولة كردية رفيعة تطالب تركيا بإجراءات تخص عبد الله أوجلان
...
-
ملف الهجرة: رئيس الحكومة الفرنسية -يغازل- اليمين المتطرف؟
-
غارات تركية على مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني قرب قصر ش
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|