|
دروس المأساة السورية (2) التوازن في العلاقات الاقليمية والدولية ...
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 15:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من أبرز ما كشفت عنه الازمة السورية، وكان سببا رئيسيا في تفجيرها هو عدم توازن السياسة الخارجية السورية في علاقاتها الإقليمية وعلاقاتها الدولية ، فقد كان انحياز السياسة الخارجية السورية الي طرف بعينه دون غيره في الاقليم واضحا ، كما كان انحياز السياسة السورية الي قوة دولية محددة بالاسم جليا وظاهرا ...
وذلك في عصرنا محظور يجب الا تقع فيه الدول ، وليس معني ذلك ان تكون الدول بلا اصدقاء قريبين ينفعون في الملمات ، ولكن الا تتعدي الصداقة بين الدول دخول دولة معينة ــ من اجل صداقة دولة بالذات ــ في عداء او علي الاقل جفاء مع الدول الاخري القريبة والصديقة ايضا ...
لقد كان لسوريا علاقات فوق عادية مع ايران ، وهو ما اثار عليها دول الخليج العربية، وهي ــ بمقياس القوة المالية علي الاقل وما تستطيع القوة المالية الهائلة تكوينه من نفوذ سياسي ــ دولا مهمة في الاقليم ، كما كان لسوريا علاقات حميمة مع روسيا ، وهو ما اثار عليها غضب مجموعة دول الغرب القوية ، وترتب علي شراء صداقة دولة محددة ربما تكون مهمة بيع صداقة دول اخري هي ايضا مهمة..
ومن اجل صداقة ايران ناصبت السياسة السورية العراق العربي العداء ، وقد كان يحكمه حزب قومي عربي ــ هو حزب البعث العربي الاشتراكي ، وهو نفس الحزب الحاكم في سوريا ــ ايام صدام حسين ، بل ووقفت سوريا مع ايران ضد العراق العربي في حرب الثماني سنوات ضد ايران في الثمانينات، وهو احد ألغاز السياسة العربية غير المنطقية وغير المفهومة ...
وكما دخلت سوريا ــ من أجل ايران ــ في عداء مع العراق في ثمانينات القرن العشرين، دخلت ــ من اجل ايران ايضا ــ في عداء مع السعودية في العقدين الاولين من القرن الواحد والعشرين ...
وفي تجربتنا نحن في مصر فإن انحياز او اقتراب مصر بقوة من الاتحاد السوفيتي في الستينات كان داعيا للولايات المتحدة ان توعز لاسرائيل ــ بعد مدها بكميات هائلة من السلاح المتقدم ــ بضرب مصر، وكان ما حدث في يونيو ١٩٦٧، وبعد الحرب انطلقت اصوات في قمة جهاز الحكم في مصر ــ كان اشهرهم محمد حسنين هيكل الصحفي القريب من جمال عبد الناصر ووزير الاعلام فيما بعد ــ بتحييد أمريكا، وعدم مناطحتها رأسا برأس ، وهو ما تم تطبيقه بالفعل في عصر أنور السادات ...
ومن يومها ومصر تسير بنوع من التوازن في علاقاتها الاقليمية وكذلك في علاقاتها الدولية مع مسحة اقتراب خفيفة الي الغرب اتقاء لشره وليس هياما او غراما به...
فشراء عداء مجموعة قوية اقليميا ــ ولو بميزان القوة المالية ــ مثل دول الخليج العربية او عداء قوي دولية لها نفوذها ولها ألياتها لتطبيق هذا النفوذ علي الارض ليس نوعا من الذكاء او حسن الفطن ، وهو المحظور الذي وقعت فيه سوريا ولم تستطع ــ حتي مع طول مدة الازمة السورية لمدة ١٤ سنة ــ ان تجد له حلا ....
وهو ما حدث عكسه في مصر ، فقد استوجبت تطورات معينة في الاقليم في العقد الماضي جفاء في العلاقة بين مصر وتركيا وصل الي شبه القطيعة ، وكاد ان يصل الي حرب ومواجهة مباشرة بين الدولتين علي الارض الليبية ، وبعد تحذير الرئيس المصري للاتراك بعدم الاقتراب من خط معين في ليبيا وامتثال الاتراك لذلك لم تجد السياسة المصرية حرجا من الوصول مع الاتراك الي نقاط التقاء معينة علي مجمل السياسة الاقليمية ، وبذلك استطاعت السياسة المصرية بمرونة عالية وبذكاء تحييد الاتراك، وتحويل دولة من حالة شبه عداء الي تقارب ليس بالصداقة والمحبة الكاملة ، ولكن علي الاقل نزع شعلة العداء مع دولة مهمة اقليميا...
لم تكن السياسة السورية بمثل تلك المرونة ولا ذلك الذكاء، ووضعت نفسها ووضعت بلادها في عداء مع دولة مؤثرة اقليميا ــ كدول الخليج وتركيا ــ ودول مؤثرة دوليا كالولايات المتحدة وباقي دول الغرب ...
لم تستطع السياسة السورية الوصول الي صيغة مع هؤلاء الفاعلين الاقليميين والدوليين تمنع تفجر الاوضاع اكثر من اللازم في سوريا وتحفظ بلدها من تيارات عنيفة، وصولا الي انهيار الدولة السورية بالكامل في مشهد مذهل ، ولم يخطر ببال اشد المتشاءمين ، كما شاهدناه بأعيينا الشهر الماضي ...
وحتي عندما التفت الرئيس السوري السابق بشار الاسد الي نوع من التقارب مع المجموعة العربية في اخر سنتين في حكمه ، فقد تم ذلك ببطء وتم بلا افق سياسي مفهوم ، وفي كل الاحوال كان اوان ذلك قد فات ...
والنتيجة التي نخلص منها من هذه المأساة السورية هو محظور ايصال العلاقة مع قوي مهمة في الاقليم او قوي مؤثرة دوليا الي حالة القطيعة او حالة العداء ، وان التوازن في العلاقة هو الاجدي والانفع ، وانه علي السياسة ان تجد من الوسائل ما تمنع به وصول الدولة الي حافة الخطر ، وان تفتح طرقا ومسالك جديدة تسير عليها العلاقات المتوترة حتي تفرغ شحنتها من الغضب ومحاولات الايذاء ...
ففي بيئة شديدة الاضطراب اقليميا ودوليا ، ومع عالم اختلت موازينه وضاع عقله فإن اكتساب اعداء جدد بدون مبرر او الدخول في صدامات يمكن تلافيها ببعض الجهد هو اول سكك النجاة ...
وهو درس فهمه الساسة الكبار في مختلف العصور قديمها وحديثها، فمعاوية بن ابي سفيان ــ وهو داهية العرب ــ يقول قوله المأثور عن الشعرة التي بينه وبين الناس ، والتي لن يسمح بقطعها تحت أية ظروف ، فإذا قام الناس بشدها أرخاها هو ، واذا قام الناس بإرخاءها شدها هو ... وكلام معاوية بن ابي سفيان يصدق علي العلاقة بين الناس، ويصدق اكثر علي العلاقة بين الدول ..
وونستون تشرشل، ــ وهو واحد من اكبر الاسماء في التاريخ البريطاني الحديث ــ يقول قوله المشهور انه مستعد للتحالف مع الشيطان نفسه من أجل مصلحة بريطانيا ، وهي درجة عالية جدا من المرونة السياسية ... مصلحة الدولة وشعبها هو المتغير الرئيسي هنا ، وكل ما عداه متغيرات تابعة ، ومن اجل مصلحة الدولة وشعبها لا يوجد محظور ، ولا يوجد باب لا يمكن فتحه، أوطريق لا يمكن السير فيه ....
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دروس المأساة السورية (1) طول بقاء الحاكم في مقعده ....
-
الألهة التي تفشل دائما ...
-
هل كان استخدام القوة افضل الخيارات العربية في هذه المرحلة ؟!
-
وقف الحرب في غزة...
-
الجندول....
-
أعطني الناي ... وغني.
-
يامه القمر علي الباب ... وكيف كانت الأغاني الخليعة قديما !!
-
ثورة الشك ...
-
هل الخطر من الداخل ... أم من الخارج ؟!
-
مصر ... وسوريا الجديدة .
-
أنور السادات ...
-
قنوات الاخوان ... وهل نحن خائفون مما حدث في سوريا ؟!
-
فصل جديد ...من قصة طويلة !!
-
محمد مرسي .. وأحمد الشرع !!
-
فيم واين اخطأ بشار الاسد بالضبط ؟!
-
اسئلة اليوم التالي ...
-
يوم حزين .. ويوم سعيد ...
-
هل ما حدث في سوريا ممكن الحدوث في مصر ؟!
-
هجمة مرتدة ..
-
جمال عبد الناصر .. والناصريون : أين الاختلاف ؟!
المزيد.....
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لفرض عقوبات على الجنا
...
-
انفجار في سفينة حاويات في البحر الأحمر
-
إعلام إسرائيلي يكشف عن وعد -حماس- لأسرتي البرغوثي وسعدات
-
رئيسة الحكومة الإيطالية تخضع للتحقيق القضائي بعد قرار الإفرا
...
-
مصر.. الجامعات تحسم مصير طلاب المنح الأمريكية بعد تعليق إدار
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|