بافي رامان
الحوار المتمدن-العدد: 1791 - 2007 / 1 / 10 - 11:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان المتتبع لوسائل الاعلام المرئية و المسموعة في العالم العربي يدرك جيدا ما وصل اليه الشعوب العربية من تشويه في الحقائق و قلب الحقائق و سذاجة هذه الشعوب وخاصة بعد اعدام الطاغية العراقية صدام حسين ، نتيجة الثقافة المشوهة التي زرعها هؤلاء الانظمة الاستبدادية في عقول الشعوب ، وحتى ان ابناء العراق حتى بعد تخلصها من الطاغية لم يتعلم ممارسة الحكم بطريقة صحيحة نتيجة ممارسة القمع و الظلم بحقهم طوال العقود الماضية فمرت وتمر بتخبطات سياسية و كان الاجدر بهذه الحكومة ان تنظر انتهاء المحاكم لكي يعلم العالم اجمع جميع جرائم الطاغية و ما آلى اليها حال العراق بعد الطاغية و اثناء حكمه الظالم ، ولكن بعد اعدام الطاغية فجر يوم السبت في 30 – 12 – 2006 مجرد لارتكابه جرائم ضد الانسانية في قضية الدجيل كانت نهاية عنيفة و مأساوية لزعيم حكم العراق بقبضة الحديد و النار على مدى ثلاثة عقود قبل الاطاحة به في غزو قادته الولايات المتحدة الامريكية قبل اربعة اعوام ، وكان هذا الحكم انذار لكثير من الحكام الاستبداديين في المنطقة ، فترك هذا الحكم العادل على الرغم من بعض الاخطاء التي ارتكبت اثناء تنفيذ الحكم و العدالة و القانون قد تحاسب المرتكبين ردود افعال كثيرة عالمية و اقليمية و عربية على المستوى الشعبي و الرسمي ، فقد صرح الرئيس الامريكي جورج بوش : (( تنفيذ العدالة في صدام حسين لن ينهي العنف في العراق لكنه علامة مهمة على طريق العراق نحو التحول الى بلد ديمقراطي قادر على الحكم و البقاء و الدفاع عن نفسه )) . اما الاوربيين بشكل عام لديهم قناعة بعدم تنفيذ حكم الاعدام حسب قوانيينهم ، لانهم ينطلقون من ناحية الانسانية ، اما الحكام العرب فانطلق كل واحد من موقعه لان اغلبيهم استبداديين و يخافون من مستقبلهم التسلطي على رقاب شعوبهم ، بين الاستهجان المبطن و المكشوف من حكم الاعدام ، ولكن فان الشعب العراقي لديه اسباب عدة للشعور باحساس عظيم بالانتعاش و الارتياح التام ازاء محاسبته (( صدام الطاغي )) امام العدالة ، على الرغم ان صدام لم يكن يحاسب معارضيه امام اي محكمة دستورية و لم يكن يراعي ابسط القيم الانسانية و لا حتى في اشهر الحرام و لا الاعياد ، انه اعدم في قاعة الكاظمية (( مقر المخابرات العسكرية)) في عهد صدام حيث تعرض كثير من الضحايا للتعذيب و اعدموا باستخدام نفس المشنقة ، و لمعرفة ما تركه صدام ورائه للشعب العراقي لا بد من دراسة جميع الجوانب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، لانه لم يترك للشعب العراقي الا الخراب و الدمار و الفقر و التخلف و الجهل و القبور الجماعية و عداء شعوب الجوار ، و زرع الفتنة الطائفية و المذهبية بين ابناء الشعوب العراقية ، انه ترك الخسائر للبشرية التي شملت كل الطبقات و القوميات و الاقليات القومية و الاديان من شرائح المجتمع العراقي ، ابتداءا بالحركات السياسية المعارضة لنظامه ، بالاضافة الى الابادة الجماعية بحق الشعب الكردي في حروب الانفال السيئة الصيت ، الى التهجير القسري و القصف الكيماوي لمدينة حلبجة و منطقة خورمال و ابادة البارزانيين ، و القبور الجماعية التي عثرت عليها فيما بعد . و شن الحروب ضد الجيران التي ادت الى ملايين من الضحايا بين القتيل و الجريح و المفقود بسبب حربه ضد ايران و غزوه للكويت .
اما على الصعيد الاقتصادي و المادي : فقد عمد الى تدمير الكامل للبنية التحتية و الاقتصادية بسبب طيشه و جبروته ، مع العلم ان قيمة الدينار في الثمانيات مقابل الدولار كانت تعادل ثلاث دولارات قبل حربه ضد ايران ، و لكن نتيجة جبروته و تمسكه بالسلطة و طيشه تدنى مستوى الانتاج ، بسبب تعطيل الطاقة الانتاجية في كل مجالات الاقتصادية ، و شح السلع في الاسواق لذلك اعتمد على الاستراد من الخارج ، مع استمرار فرض الحصار الاقتصادي على العراق مدة 12 عام ، مما سبب في انخفاض عائدات النفط و تأثيرها السلبي على عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية – من خلال بيع النفط مقابل الغذاء – اثرت في تدني معدلات النمو ، و انخفاض الدخل القومي و من ثم الدخل الفردي ، و الذي اصبح في ادنى مستوياتها ، مما ادى الى زيادة في معدلات البطالة و تشكيل جيش من العاطلين عن العمل ، و ارتفاع معدلات التضخم النقدي ، انخفاض سعر الدينار العراقي ، و نفاذ احتياطيات العملة الصعبة التي كانت تمتلكها الدولة بحوالي 30- 40 مليار دولار ، و التي ذهبت كلها هدرا الى جيبوب العصابة المافيوية و بسبب حروبه الطائشة و اسلوبه الدموي ضد شعوبه .
اما على الصعيد الجيوسكاني : فقد عمل الى تغير التركيبة السكانية في العراق ، لتغيير الطابع القومي و ذلك من خلال التهجير القسري لابناء العرب و اسكانهم في المناطق الكردية و كذلك تهجير القسري بحق الاكراد الى مناطق الجنوب و خاصة الاكراد الفليين و تغير الملامح السكانية لمدينة كركوك و الحاق بعض المناطق الكردستانية بمحافظات الاخرى ، و كذلك عمد الى اسكان الفلسطيين و المصريين و الايرانيين و هذا ليس لمساعدتهم و للتضامن معهم بل الهدف من ذلك تغيير التركيبة الديمغرافية و الثقافية للشعوب العراقية .
على صعيد الهجرة القسرية : سبب النظام الاستبدادي و العنصري الديكتاتوري الى تهجير و تشريد الملايين من ابناء الشعب العراقي و الذي بلغ تعدادهم حوالي ثلاث الى اربع ملايين ، بين اصحاب الكفاءات و الشهادات العليا و الايدي الماهرة و مواطنيين من مختلف الاعمار و شملت مختلف القوميات و الطوائف و المذاهب العراقية .
على صعيد سياسته الداخلية : ركز النظام البائد في سياسته الدموية الى ممارسة القمع و التعذيب و القتل و الارهاب المنظم و الحروب ضد شعوبه من خلال القوانيين الاستثنائية من الاحكام العرفية و قانون الطوارىء من اكثر من ثلاث عقود ، مما عمد الى انشاء جهاز استخباراتي و امني و عسكري دموي و ارهابي و قوي و حول العراق الى دولة للمخابرات للحفاظ على كيانه التسلطي ، لذلك خصص اعتمادات خيالية من الميزانية العامة لصالح هذه الاجهزة على حساب الاعتمادات الصحية و التعلمية و الدراسية و الاجتماعية لدرجة لن تعداد فروع الاجهزة الامنية الاستخباراتية فاقد تعداد الجامعات و المدارس ، و عمل على انشاء مفاعيل النووية لنطوير برامج اسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا و التي اختفت بعد الغزو الامريكي للعراق و اغلب هذه الاسلحة دخلت الى الاراضي السورية من خلال اتفاقيات بين الحكومة السورية الاستبدادية و النظام الطاغي العراقي و مفابل دعم النظام السوري للعناصر الارهابية و ايواء بعض العناصر البعثية مثل عزت الدوري و اخرين و لاشعال الفتنة الطائفية في العراق من خلال ادخال السيارات المفخخة من جهة الغرب ، .
اما على صعيد البيئة : فقد عمد النظام البائد الى احراق العشرات من آبار النفط على آثر غزوه للكويت ، و التي تسببت في زيادة نسبة غاز ثاني اوكسيد الكربون في الهواء و تلوثه ، و كذلك تجفيف منطقة الاهوار و تشريد اهلها و القضاء على الملايين من اشجار النخيل التي كانت مثمرة و صحية للبيئة في وسط و جنوب العراق ، و انسداد العشرات من منابع المياه في كردستان لحرمان الشعب الكردي من مياه الشرب و تسميم المياه بالمواد السامة ، و عمد الى تحويل كردستان الى منطقة جرداء .
ان جميع هذه السياسات اللانسانية بحق ابناء الشعوب العراقية وقف حجر عثرة امام التطور و التقدم و بناء مؤسساته الدستورية و الانسانية من خلال مؤسسات المجتمع المدني و اقرار الديمقراطية و ممارساتها في الحياة اليومية ، و حل المسائل القومية و الاقليات القومية الاخرى ، و عدم الاعتراف بالشعب الكردي كثاني قومية في البلاد ، مما اخر العراق و ارجعه الى عهود ما قبل القرون الوسطى ، و اصبح التخلف اليوم ظاهرا واضحا في كل مجالات الحياة في العراق .
اما على صعيد الاقليمي و الدولي و الاسلامي : حاول هذا النظام الاستبدادي ان يقوي هيبته في المحافل الدولية و الاسلامية و العربية و الاقليمية عندما انفق الكثير و الكثير لهذا الغرض من اجل شراء الذمم و الدعاية الكاذبة فعمد الى دفع الرشاوي للمسؤوليين الدوليين ، و ابرام الصفقات التجارية في كافة المجالات النفطية منها و كذلك شراء الاسلحة من الشركات العالمية لتطوير القدرات العسكرية و ذلك لتخويف الدول المجاورة و كذلك لتخويف شعوبها ، مع اعتماد النهج الديماغوجي في السياسة الدولية اتجاه قضايا العادلة للشعوب ، وان هذا النظام الديكتاتوري مارس السياسة العدوانية اتجاه معظم دول العربية و ما غزو الكويت الا اكبر دليل على ذلك ، و كذلك ضد دول الجوار ،و راهن في كل ذلك على القضية الفلسطينية التي اصبحت قميص عثمان لكثير من الانظمة الاستبدادية و من خلال هذه القضية يعمدون الى محاربة شعوبهم ، على الرغم ان هذا النظام و غيره يقدمون بعض المساعدات المالية للفلسطينين و لكن بشروط و قيود لكي تنصب كل ذلك في خدمة سياساتهم الدموية و يجعلون من هذه الجهات واجهة اغرائية دعائية لهم في المحافل الدولية .
و في الحالة التي نحن امامها بعد اعدام الطاغية ، لا يمكن للتناقض الذي يقع اغلب المثقفين العرب فيه ما بين الصمت المريب و التهريج المتفجر ، الا ان يعكس التأرجح بين مسافتين لا تراعيان احترام الاخر المنكوب ، الذي تعرض و ابتلى بظاهرة (( الارهاب و القتل و التعذيب و التشريد )) الا ان يكون متأصلا في مراقبة المشهد الذي يدجن به العديد من المثقفين ، و تقديم الولاءات و اعتبار الطاغية شهيد الامة العربية ، و تقريع الانفس من خلال تغيب الاشياء عن قصد ، و جمع النقائض في قدر واحد ، من خلال ارهاب الثقافة و تمجيد نثقافة الارهاب ، لتنمحي اية صفة من صفات التعاطف و التضامن و الاستنار المطلوبة ، و لتحل ظاهرة الفخوف كفعل يومي يهيمن على الافواه ، لانه يعكس من حيث الاساس الوضع الحقيقي الذي تعيشه الانظمة الاستبدادية العربية و مؤسساتها الثقافية التي ينتمي اليها معظم هؤلاء ، من الذين ينفذون سياساتهم و ينتمون و ينسجمون معهم ، فهم مازالوا الى يومنا هذا متعودين على السجالات المتسمة بالسرعة و الانية و العاطفية ، و كل ذلك له علاقة بنسق الفكر الجاري ، في مؤسساتهم ، و مدارسهم ، و ايديولوجياتهم القومجية ، و صحافتهم و فضائياتهم ، و اشتقاقاتهم المبتذلة .
#بافي_رامان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟