|
حزب اليسار الألماني.. مؤتمر استثنائي وحملة انتخابية واعدة
رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 8233 - 2025 / 1 / 25 - 03:01
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في السادس من تشرين الثاني 2024، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس انهيار التحالف الحاكم في ألمانيا، الذي يقوده الحزب الديمقراطي الاجتماعي ويضم حزبي الخضر والليبرالي الحر. وهذا يعني الذهاب إلى انتخابات برلمانية عامة، حدد موعدها لاحقا في 23 شباط المقبل.
كانت الانتخابات المبكرة مفاجأة للأحزاب السياسية في البلاد التي وضعت خططها لخوض الانتخابات البرلمانية في موعدها الدوري في ايلول 2025. ومن الطبيعي ان الانتخابات المبكرة ستكون أكثر صعوبة بالنسبة لحزب اليسار، فالحزب عقد مؤتمره الأخير في 18 – 20 تشرين الأول الفائت، وبالتالي فان موعد الانتخابات المبكرة يعني خسارة 7 أشهر ثمينة للتهيئة في ظروف غاية في الصعوبة يعيشها الحزب.
وعلى الرغم من ان البيان الذي أصدره زعماء الحزب ومجموعته البرلمانية، بشأن الانتخابات المبكرة كان طموحا، وتضمن الإشارة إلى أزمة التحالف الحاكم وفشله في تمثيل مصالح أغلبية سكان البلاد.
ويرى الحزب، ارتباطا بالتحول الواسع نحو اليمين، أن "المعركة على مواقع يسار الوسط قد ابتدأت، وهذا أمر جيد. ونحن مستعدون للانتخابات. وسنجلب رياحًا يسارية جديدة إلى البلاد. وسنثبت أننا قادرون على الفوز بالانتخابات بوحدتنا الجديدة. وعندما تتحرك البلاد بأكملها إلى اليمين، يكون هناك مجال كبير لليسار. سوف نستفيد من هذه الفرصة".
كان حزب اليسار، قبل عقدين الزمن، بمثابة منارة يسارية للقارة الأوربية بأكملها. وهو أمر من الصعب تصوره اليوم. وكان نجاح مشروع الحزب الذي وحد تيارات يسارية متنوعة من شيوعيين وماركسيين كانوا ينتموا إلى تنظيمات اخرى، وديمقراطيين اجتماعيين يساريين انشقوا عن حزبهم الأم، وآخرين قدموا من حزب الخضر ومنظمات الدفاع عن البيئة، ويساريين مستقلين نشطوا في الحركات الاجتماعية، قد الهم مشاريع يسارية نهضت في فرنسا واسبانيا والبرتغال وبلدان أوربية اخرى. وعلى مدى سنوات، لعب حزب اليسار الالماني دوراً مهيمناً في حزب اليسار الأوروبي (الذي يعاني الآن هو الآخر من أزمة مماثلة).
المراجعة والتجديد
في الوقت الذي يريد فيه الحزب تجديد نفسه، يتم جره إلى حملة انتخابية سابقة لأوانها. ولكن مستقبله يعتمد بدرجة أقل على ما سيحدث يوم الانتخابات على الرغم من اهميته وسيعتمد أكثر على قدرة الحزب على مراجعة تجربته وتجديد رؤاه ومواقفه وإعادة هيكلته..
في أيام 18 – 20 تشرين الأول الفائت انعقدت في مدينة هاله، وتحت شعار: "مستعدون لغد عادل!" المرحلة الأولى من المؤتمر التاسع لحزب اليسار الالماني. المؤتمر الذي اعتبره الحزب بداية لعملية مراجعة وتجديد، على طريق ايقاف سلسلة التراجعات الجماهيرية والانتخابية، في انتخابات البرلمان الأوربي وانتخابات ثلاث ولايات شرقية كانت تشكل قبل سنوات قلاع الحزب الرئيسية. وكذلك بعد الانشقاق الكبير الذي تعرض له الحزب، وتأسيس المنشقين حزب جيد بزعامة القيادية السابقة في الحزب "سارا فاكنكنشت"، التي حمل الحزب الجديد اسمها: "تحالف سارا فاكنكشت".
وعلى الرغم من ثقة رئيسة الحزب المشاركة الجديدة إنس شفيردتنر، بان الحزب سيكون ممثلا بكتلة برلمانية في البرلمان الجديد، الا انها تؤكد استمرار عملية المراجعة والتجديد، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، وتضيف: ”لقد دخل برنامج إرفورت حيز التنفيذ منذ عام 2011. وهو لا يزال يشكل أساسًا ماركسيًا جيدًا للغاية. لكن الكثير قد حدث في العالم، منذ عام 2011، وتطورت الصراعات الجيوسياسية، والإمكانيات التقنية، والأسئلة الاجتماعية والسياسية وأصبحت أكثر حدة، وبالتالي نحتاج في ألمانيا وأوروبا إلى إجابات راهنة على هذا. وينبغي علينا أن نكون على قدر كافي من الشجاعة".
وفي سعيه هذا يستفاد الحزب، بين تجارب اخرى من تجربة حزب العمل البلجيكي، الذي تحول خلال اقل من 20 عاما من حزب ماركسي (ماوي) صغير لا يملك أكثر من الفي عضو وغير ممثل في برلمانات الولايات والبرلمان الوطني، إلى حزب ماركسي تبلغ عضويته، وفق آخر المعطيات، 25 ألف عضو، وممثل بقوة في البرلمان الوطني وبرلمانات الولايات والمدن، وحصل في انتخابات البرلمان الأوربي على مقعدين بدلا من مقعد واد في الانتخابات السابقة. يعود النجاح الانتخابي لحزب العمل إلى اعتماده، كما هو حال الحزب الشيوعي النمساوي على برامج انتخابية هي حصيلة الحوارات بوسائل مختلفة مع المواطنين في مواقع السكن والعمل، وتبني سياسات تحجم البيروقراطية والنفعية لدى ممثلي الحزب في مؤسسات الدولة، اذ يلتزم الجميع بالاحتفاظ براتب عامل فني قرابة (2600) يورو، ويتبرع بالباقي الذي يصل إلى 6 آلاف يورو للصناديق الاجتماعية، ومساعدة المواطنين الذين يواجهون صعوبات في تأمين احتياجاتهم المعيشية الأساسية. وإلى جانب ذلك عمد حزب العمل البلجيكي والحزب الشيوعي النمساوي إلى تقديم استشارات قانونية متنوعة منظمة ومجانية للسكان وفق جدول خلال ايام الاسبوع.
منذ بدء محاولات المراجعة والتجديد، سعى حزب اليسار إلى الاستعانة برفاق ساهموا في الحملات الانتخابية للحزبين الشقيقين لنقل تفاصيل التجربة بشكل مباشر.
مؤتمر استثنائي
تسمية مؤتمر استثنائي، لها وقع خاص لدى أعضاء حزب اليسار، وخصوصا أولئك الذين رافقوا مسيرة الحزب منذ نهاية عام 1989، حيث ناقش المؤتمر الاستثنائي حينها مستقبل الحزب بعد انهيار النظام الاشتراكي، وما الخيار المطلوب، فكان جواب الاكثرية في المؤتمر، التجديد والاستمرار، عندها ظهر حزب الاشتراكية الديمقراطية كسلف للحزب الاشتراكي الالماني الموحد الذي حكم المانيا الديمقراطية السابقة، وهو سلف حزب اليسار الحالي الذي تأسس في حزيران 2007. فهل سيشكل المؤتمر الاستثنائي الأخير انطلاقة مماثلة، كتلك التي انتجها سلفه؟
قبيل مؤتمر الحزب الاستثنائي الذي عقد في 17 كانون الثاني الحالي، بدأت ترتفع نسبة تأييد الحزب في استطلاعات الرأي، بعد ان كان الراي السائد في وسائل الاعلام ان الحزب أصبح خارج دائرة المنافسة، وان استمرار حضوره في البرلمان الجديد صعب للغاية. ففي استطلاعات الرأي الاخيرة، يقترب حزب اليسار من العتبة الانتخابية (5 في المائة)، وبالمقابل فان الخط البياني "لتحالف سارا فاكنكشت" المنشق عنه بدأ يتراجع بسرعة، بعد نجاحات انتخابية لافته في الاشهر التي اعقبت الانشقاق، مؤشرات اليوم تدعم ما طرحه العديد من المحللين، ان هذه النجاحات مؤقتة ويمكن ان تبدأ مرحلة التراجع بعد عام او اثنين.
إن المزاج السائد في حزب اليسار جيد بشكل لافت للنظر، ويعود ذلك إلى قيادة الحزب الجديدة، والكاريزما الشابة التي تميزها، وإلى حقيقة ان عضوية الحزب تجاوزت 60 الفا لأول مرة، منذ فترة طويلة. وان 18 ألف عضو جديد انضموا إلى الحزب منذ الانشقاق الكبير، مقابل 8 آلاف غادروه. وتختلف الآراء بشأن امكانية استمرار وتعزيز التحسن الذي تعكسه استطلاعات الرأي حتى موعد الانتخابات المبكرة المقبلة.
اعتبر مؤتمر الحزب استثنائيا لأنه جاء خارج السياق، وفرض موعد الانتخابات المبكرة تنظيمه. وسيتحول المؤتمر الانتخابي الذي كان مقرا عقده في مدينة كمنتس في ايار المقبل، وفق التوقيتات القديمة، إلى مؤتمر لتقييم الوضع وتحديد الموقف بعد الانتخابات، مهما كانت النتيجة. وكان المؤتمر استثنائيا أيضا، ارتباطا بمزاج التفاؤل والروح النضالية، على خلفية الجهد المبذول في الاشهر الاخيرة. في المؤتمر شهد المتابعون لجلسات المؤتمر المنقولة مباشرة، حزبا أكد وجوده، وايمانه بنفسه، مرة أخرى بعد فترة طويلة من الجفاف. كتب المرشحان الرئيسيان للحزب هايدي رايشينك و يان فان آكين في تحية للناخبين: ”نحن نؤمن أن المزيد ممكن. ولا يمكن أن يكون هذا كل شيء، من أجل اليسار، من أجل البلاد، ومن أجلكم". وان "الحزب يقف دون قيد أو شرط إلى جانب العمال، إلى جانب الناس الذين بالكاد يغطون تكاليف معيشتهم، والذين لا يملكون أي جماعة ضغط، باختصار: إلى جانب أغلبية هذا المجتمع".
الشخصية الابرز في الحزب وزعيمه ورئيس كتلته البرلمانية الأسبق لدورات عديدة غريغور غيزي، الذي قوبلت كلمته بتفاعل استثنائي من المندوبين، ذكر المندوبين بالمرات التي تحدث فيها خصوم الحزب منافسوه عن نهايته، ولكن ذلك لم يكن صحيحا. وان غالبية اعضائه الجدد من الشبيبة والطلبة، ويتركزون في المدن الكبيرة في غرب البلاد، وهو تطور جديد بالنسبة للحزب، الذي حاول خصومه الصاق ماركة حزب الشرق المحلي به. وقد انعكس ذلك في معدل اعمار مندوبي المؤتمر، الذي لم يتجاوز 43 عاما. ووفق غيزي، فإن حزب اليسار ربما لم يشارك في الحكومة الاتحادية قط، لكنه نجح في تغيير روح العصر، ولعب، على سبيل المثال، دوراً حاسماً في اقرار الحد الأدنى للأجور وإلغاء رسوم المفروضة لمراجعة العيادات الطبية. بهذه الطريقة، يريد الحزب ان يستمر من أجل العدالة الاجتماعية والسلام ونزع السلاح والمساواة بين شرق المانيا وغربها. واكد غيزي، لقد تعاملت جميع الحكومات الاتحادية مع الشرق وكأنه طفل غير شرعي، ولم تهتم به بشكل جدي، وقللت من قيمة الإنجازات الحياتية التي حققها الألمان الشرقيون: "لقد حان الوقت لكي تعتذر الحكومة الاتحادية عن ذلك".
أكد مراسلو وسائل الاعلام التقليدية ان المؤتمر استثنائي) ايضا بسبب اجواء الحرص المشترك والوحدة والتفاعل التي سادت فيه، وان اعماله المكثفة انتهت خلال 6 ساعات فقط، وهو المؤتمر الاول الذي التزم خلاله المندوبون بالتوقيتات المقرة، وهذا يعني، وفق مراسلي وسائل الاعلام، ان الحزب ودع إلى درجة كبيرة عملية الانشغال بالذات التي كلفته كثيرا في السنوات الماضية.
في الصيف الفائت، وارتباطا باستطلاعات الرأي المنخفضة والاجواء غير المشجعة التي سادت في الحزب، كان من الممكن القول: إن فرصة الحزب ضئيلة، ولكن يجب عليه استغلالها. والآن يمكن القول: إن لدى الحزب فرصة، وهذا ما يعكسه الإدراك العام والثقة المتجددة بالنفس. وسوف يُعرف ما إذا كان الحزب قادرا على توظيف ذلك مساء يوم 23 شباط عندما تغلق صناديق الاقتراع.
حزب للسلام ومناهضة الفاشية
التطورات التي حدثت في النمسا وفرنسا، حيث من الوارد جدا ان ينفتح اليمين المحافظ على الفاشيين الجدد في المانيا ايضا، ويمكن ان يتعاون زعيم الديمقراطي المسيحي ومرشحه لمنصب المستشار مع حزب البديل من اجل المانيا. ووفق ما أكده سورين بيلمان، الرئيس المشارك للمجموعة البرلمانية لحزب اليسار، فان حزب البديل من اجل ألمانيا "سيجعل كل الاتجاهات السيئة أكثر سوءا. وإن حزب البديل من أجل ألمانيا ليس بديلاً ديمقراطياً، كما أوضحت المرشحة الرئيسية لحزب اليسار ورئيسة مجموعته البرلمانية المشاركة هايدي رايشينيك: "لا يوجد شيء ديمقراطي في هذا الحزب". ويستنتج غريغور غيزي إلى أن اليسار لديه العديد من المنافسين، "ولكن لديه خصم واحد فقط، وهو حزب البديل من أجل ألمانيا". ويتوقع أن تناضل جميع الأحزاب الديمقراطية والنقابات العمالية وجمعيات الأعمال والفنانين والعاملين في المجال الثقافي بشكل حاسم ضد التطرف اليميني. إن حزب البديل من أجل ألمانيا، كما يؤكد برنامجه الانتخابي، هو "حزب معادٍ للمجتمع وحزب حرب".
وقال رئيس حزب اليسار المشارك ومرشحه الرئيسي "يان فان آكين": ”نحن حزب السلام دون الخيانة المتمثلة في قول: نعم ولكن". ونناضل من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا في أسرع وقت ممكن. ان هناك حاجة إلى المزيد من الدبلوماسية، وليس إلى مزيد) من التسلح". وإنه ينظر دائمًا إلى حرب أوكرانيا من منظور المتضررين. وأضاف أنه "بدون الحرية والديمقراطية في أوكرانيا لن يكون هناك سلام". وهذا ما يميزنا عن أحزاب الكرملين مثل "البديل من اجل المانيا" و" تحالف سارا فاكنكنشت" الذي انشق من اليسار. وينبغي تقديم جميع مجرمي الحرب إلى العدالة.
بشأن الحملة الانتخابية في عدد من الدوائر في الشرق، التي يطمح الحزب إلى الحصول على تفويض مباشر فيها، قالت زعيمة الحزب المشاركة واحد مرشحيه المهمين إنيس شفيردتنر، ان مرشحي الحزب في دوائر لايبزيغ وبرلين وروستوك يناضلون بشكل أساسي ضد حزب البديل من اجل المانيا في هذه الدوائر، وانهم يتلقون الكثير من الدعم خلال المناقشات الساخنة. وأنها واثقة من النجاح، فحتى اوساط من ناخبي الحزب الديمقراطي الاجتماعي والخضر يرون إن وجود اليسار في البرلمان الاتحادي مطلوب. وهم أيضًا لا يريدون أن يذهب التفويض المباشر إلى مرشحي حزب البديل من اجل ألمانيا. إن افشال ذلك هو مناهضة عملية للفاشية.
التركيز على الصراع الطبقي
في برنامج الحزب الانتخابي الذي اقره المؤتمر الاستثنائي، والذي حمل عنوان " الجميع يريدون الحكم ونحن نريد التغيير. توزيع الثروة. أسعار أقل. وان نكون لبعضنا البعض"، عناوين تؤشر الاتجاه، والعودة للرؤية الاجتماعية الطبقية. هذا ما أكدته رئيسة الحزب المشاركة إنيس شفيردتنر في حوار لها سبق انعقاد المؤتمر بعنوان "التركيز على الصراع الطبقي". في مقدمة البرنامج نقرأ: "إن تقسيم المجتمع إلى أغنياء وفقراء هو إحدى أعظم مشاكل عصرنا"، ومن بين أمور أخرى، يتعلق الأمر بتوفير رعاية صحية أفضل، وتخفيف العبء عن الأسر، وتوفير معاشات تقاعدية أعلى ومضمونة أكثر. ومن أجل جعل الحياة اليومية ممكنة لذوي الدخل المنخفض مرة أخرى، ويطالب الحزب بإلغاء ضريبة القيمة المضافة على المواد الغذائية الأساسية وتذاكر الحافلات والقطارات ومنتجات النظافة.
وينبغي أن تكون أسعار الطاقة متدرجة اجتماعيا وخاضعة لسيطرة الدولة، ومن الضروري خفض الإيجارات بواسطة اقرار سقف أعلى للإيجار على مستوى البلاد. وقال رئيس وزراء تورنغن السابق والقيادي اليساري المعروف بودو راميلو إن الحد الأعلى للإيجارات "ليس مجرد آلية، بل يهدف إلى منع بيع المساكن في سوق الأوراق المالية". ووفق رئيسة الحزب المشاركة إنيس شفيردتنر، فإن مثل هذا الحد الأقصى للإيجار من شأنه أن يحمي أكثر من ستة ملايين مواطن من عمليات رفع الإيجار. وعلقت رئيسة المجموعة البرلمانية المشاركة للحزب هايدي رايشينيك، بواسطة حملة خاصة، يضمن حزب اليسار استرداد مبالغ كبيرة من تكاليف التدفئة المفرطة؛ وبمساعدة تطبيق لمكافحة التلاعب في الإيجارات طورته مجموعة اليسار في البرلمان الالماني، تمكنت أكثر من 20 ألف أسرة بالفعل من الاعتراض على الإيجارات المفرطة. بهذه الطريقة، ينفذ اليسار ما وعدت به الأحزاب الأخرى فقط.
ويريد الحزب تمويل خططه المقترحة، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية لأصحاب الدخول الصغيرة والمتوسطة، عبر فرض ضرائب أعلى على فاحشي الثراء والأثرياء. وكرر زعيم الحزب المشارك يان فان آكين تصريحه الذي أدلى به في مؤتمر الحزب الاعتيادي الأخير: "أعتقد أنه لا ينبغي أن يكون هناك مليارديرات". وقال إن ضريبة الثروة ليست عادلة فقط، بل "تحمي الديمقراطية أيضًا". والخلاصة وفقاً لمقترحات الحزب، فإن الأسرة التي لديها طفلان ومتوسطة الدخل سوف تتمكن من توفير قرابة 20 ألف يورو سنوياً. وسيحصل معيل العائلة المنفرد على 16 ألف يورو إضافية سنويًا، في حين أن العاملين بالحد الأدنى للأجور سيحصلون على 9 آلاف يورو سنويا.
ويريد الحزب الغاء العمل بسياسة كبح الديون، التي جاءت بعد تعديل دستوري، اقرته اكثرية يمين الوسط في دورات سابقة، للحصول على مزيد من القروض مرة أخرى، لتمويل السياسات الاجتماعية. ووفق المقترح سيتم استخدام 200 مليار يورو إضافية لتحديث البنية التحتية المتهالكة: المدارس والمستشفيات وخطوط السكك الحديدية والجسور وغير ذلك الكثير. ولا ينبغي للشركات التي تعاني من مشاكل مالية أن تتلقى دعم الدولة إلا إذا قدمت مزايا معينة: ضمانات طويلة المدى لفرص العمل واتفاقيات لرفع الاجور بمشاركة النقابات، اي ما يسمى بالاتفاقات الجماعية) بالإضافة إلى الاحتفاظ بمواقع الانتاج داخل ألمانيا.
نقد الحكومة واليمين المعارض
ليس هناك ما يمكن توقعه من حكومة يقودها مرشح اليمين المحافظ فريدريش ميرتس. ولهذا تؤكد زعيمة حزب اليسار المشاركة، والمنتخبة في تشرين الأول الفائت، إينس شفيردتنر أن مشروع ميرتس سيجلب "جحيماً اجتماعياً للفقراء والطبقة العاملة"، وأنه من خلال أجندة 2030 التي أعلنها يريد "تمزيق دولة الرفاه إلى أشلاء". إن "الهجوم المنظم" الذي يشنه السياسيون وصناع الرأي المحافظون والليبراليون واليمينيون على دولة الرفاه قد بدأ بالفعل. وأضافت شفيردتنر أن حزب اليسار تأسس كمقاومة لأجندة 2010، التي أعلنها المستشار الاسبق غيرهارد شرودر وسوف يناضل بقوة أيضًا ضد أجندة ميرتس 2030.
إلى جانب نقد حزب اليسار المتواصل لسياسة عسكرة الحياة والتصعيد التي تتبناها الحكومة المنتهية ولايتها، يشير الرئيس المشارك يان فان آكن، إلى ارتفاع مستوى فقر الأطفال في ألمانيا، وارتفاع الإيجارات باستمرار، ونقص السكن بأسعار معقولة للأشخاص ذوي الدخل المحدود. ويلقي باللوم على المستشار في هذا الأمر: "ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 30 في المائة في عهد أولاف شولتس، وهذا يؤثر بشكل خاص على أصحاب الدخول المنخفضة بقوة شديدة. وفي الوقت نفسه، تحقق شركات الطاقة والأغذية أرباحاً عالية. وتؤكد رفيقته شفيردتنر، بالنسبة لليسار، فإن الأمر واضح: "يجب أن تنخفض الأسعار!" وتقترح مشروع قانون لإلغاء ضريبة القيمة المضافة على المواد الغذائية الأساسية ومنتجات النظافة وتذاكر السكك الحديدية والحافلات. وكذلك ضريبة القيمة المضافة التي تصل بنسبتها إلى 19 بالمائة، أي قرابة خمس سعر الشراء".
وردا على احتمال لجوء حزبي الديمقراطي الاجتماعي والخضر المشاركان في الحكومة المنتهية ولايتها، إلى لبس قميص اليسار خلال الحملة الانتخابية، اكدت قيادة حزب اليسار، إن الناخبين سوف لن يصدقوا تكتيك عودتهم المفاجأة إلى السياسات الاجتماعية، ودفاعهم عن الإيجارات المعقولة. أو للحصول على طعام رخيص، بعد عدم القيام بأي شيء على الإطلاق أثناء التضخم. إن الحزب الديمقراطي الاجتماعي والخضر ليسا جديرين بالثقة، ومنطقيا يأتي هنا دور حزب اليسار كخيار للناخبين المهتمين بهذه القضايا. ومن المؤكد ان شعار المؤتمر الاستثنائي يؤشر ايضا ابتعاد الحزب عن سياسة المشاركة في الحكومة الاتحادية التي سيطرت على اوساط واسعة داخل الحزب في السنوات العشر الأخيرة.
امكانيتان للبقاء تحت قبة البرلمان
في ضوء ارتفاع معدلات التأييد له في استطلاعات الرأي، تتزايد الثقة في أن الحزب سيكون أيضًا ممثل في البرلمان المقبل. وحتى لو فشل في تجاوز العتبة الانتخابية (5 في المائة)، فأمام الحزب فرصة كبيرة في الحصول على ثلاثة تفويضات مباشرة على الأقل، والتي بموجبها وفق قانون الانتخابات الالماني يمكن للحزب التواجد في البرلمان، دون الحاجة لتجاوز العتبة الانتخابية، وقد استفاد الحزب بالفعل من هذه القاعدة خلال الانتخابات العامة الاخيرة في عام 2021، التي حصل فيها، خلال تصاعد صراعاته الداخلية قبل الانشقاق، على 4,9 في المائة فقط، لكن حصوله على ثلاثة تفويضات مباشرة اثنان في برلين وثالث في لايبزغ، منح الحزب كتلة برلمانية كان قوامها قبل الانشقاق، 39 نائبا. وهذه المرة وإلى جانب المؤشرات المشجعة بإمكانية تجاوز للعتبة الانتخابية، عمل الحزب منذ اعلان الذهاب إلى الانتخابات المبكرة، على الاستفادة من هذه الامكانية. وفي المرحلة الاولى من المؤتمر التاسع في 18 – 20 تشرين الاول، اعلن غريغور غيزى احد الحائزين على التفويض المباشر في دائرته الانتخابية في برلين، عن مشروع، اطلق عليه لاحقا تسمية "بعثة الشعر المجعد الفضي" في اشارة إلى الشعر المجعد الذي يميل إلى اللون الفضي، في المراحل المتقدمة من العمر، يشارك فيه غيزي (77 عام) إلى جانب بودو روملو رئيس وزراء ولاية تورنغن السابق (65 عام)، والذي دافع عن تفويضه المباشر في انتخابات برلمان الولاية التي جرت مؤخرا، وديتمر بارش، رئيس الكتلة البرلماني السابق(66 عاما )، الذي حل ثانيا في دائرته الانتخابية في روستوك في الانتخابات الاخيرة، وسبق له الحصول على تفويض مباشر في دورات سابقة، كمبادرة لدعم الحزب في هذه الظروف الصعبة. وسبق للشخصيات القيادية الثلاثة ان اعلنت في وقت سابق نيتها عدم الترشيح مجددا. من جانب آخر يمتلك رئيس المجموعة البرلمانية المشارك سورين بيلمان، فرصة الحفاظ على التفويض المباشر في دائرته الانتخابية في لايبزغ الذي حصل عليه في الدورتين الاخيرتين. وهناك تفويض مباشر حصل عليه الحزب خمس مرات متتالية في احدى دوائر برلين عبر الرئيسة الاسبق للحزب غيزينا لوتش، التي اعلنت عدم ترشحها ثانية، فرشحت بدل عنها رئيسة الحزب المشاركة الحالية إنس شفيردتنر، التي تدين بالفضل لرفيقتها المتقاعدة بتطورها السياسي والتي تمتلك حظوظا واعدة، وتحظى بدعم غير محدود من سلفها غيزينا لوتش.
ويحاول الحزب أيضًا بشكل متزايد الوصول إلى الناخبين الأصغر سنًا عبر الإنترنت. وتنجح رئيسة المجموعة البرلمانية المشاركة والمرشحة المتميزة هايدي ريتشينيك (31 عام) حيث فشلت العديد من الأحزاب الأخرى، في الوصول إلى اوساط الناخبين الشباب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو امر كان في السابق ليس سهلا.. ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان جيل تيك توك سيذهب إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة لصالح اليسار في الثالث والعشرين من شباط.
وبشكل عام، ان المتحقق لحد الآن يؤشر امكانية للخروج من الأزمة. ويعود ذلك إلى اعتراف الحزب بطبيعة الازمة الوجودية التي عاشها، وبذله جهود وحوارات واسعة وتضامنية، وكذلك طبيعة تشكيل قيادته الجديدة التي تضم شخصيات ذات حضور وتأثير تعبوي، مكنته من تعزيز مكانته قبل شهر من الانتخابات، بحيث ابتعد عن منافسيه السياسيين بشكل أكثر وضوحا. وعاد إلى التركيز على التحليل الطبقي – الاجتماعي، والحديث المباشر عن الماركسية، وحصوله على اعداد ليس قليلة من الاعضاء الجدد من الشبيبة والطلبة، ليس بعيدا عن تركيز الحزب على مناهضة الفاشية في زمن أصبح فيه الفاشيون الجدد وحزب البديل من اجل المانيا يشكلان خطر جدي على "الديمقراطية" في مجتمع، يعتمد اقتصاده على التصدير، ويضم ملايين المواطنين من ذوي الخلفيات المهاجرة، ومثلهم من اللاجئين وطالبي اللجوء، ويمتاز بتعدد ثقافي وقومي وديني.
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تمثيل واسع لليمين المتطرف الأوربي في مراسيم تنصيب ترامب
-
لماذا تفوز الأحزاب اليمينية المتطرفة بأصوات الطبقة العاملة ف
...
-
الليبرالية والديمقراطية أمران مختلفان
-
طلبة صربيا يحتجون على الفساد والقمع
-
بالعودة إلى خريطة «المكسيك الكبرى».. رئيسة جمهورية المكسيك ت
...
-
مراجعات 2024 .. العام الثالث لحكومة الفاشيين الجدد في ايطالي
...
-
ما زال يحاول فك شِفراتها المعقدة / يسار 2024.. تحديات جديدة
...
-
منظمات حقوق الإنسان تعرب عن مخاوفها / النازيون الجدد في الأر
...
-
مؤتمر واسع لمؤسسة روزا لوكسمبورغ الأزمة العالمية وصعود اليمي
...
-
البرلمان الكولومبي يقر قانونا يحظر زواج القاصرات
-
الموقف العنصري تجاه الكرد أحد مفرداته / تركيا تريد تحديد ملا
...
-
هل يقود كوربين حزباً يسارياً جديداً في بريطانيا؟
-
جمعية اليسار الماركسي في ألمانيا.. حملة للتضامن مع نضال حزب
...
-
المحكمة الدستورية تلغي نتائج الانتخابات الرئاسية في رومانيا
-
سوريا بين الحلم الديمقراطي والسيناريو العراقي
-
رسالة من كلارا زيتكن تعكس قلقها على الحركة الشيوعية
-
الحرب في سوريا وخطط إعادة تشكيل الشرق الأوسط
-
في كوريا الجنوبية الصراع يتواصل بين الرئيس والمعارضة
-
الاتحاد الأوربي يضاعف إنفاقه العسكري خلال 10 سنوات
-
قراءة نظرية تاريخية لحركات إلغاء العبودية وعقوبة الإعدام
المزيد.....
-
نوع حليب يؤخر سن اليأس عند المرأة
-
أمريكا تفتقر إلى أدوات الضغط على روسيا
-
لماذا تحايل ترامب على القانون لإنقاذ تيك توك؟
-
ملك البحرين يبحث مع ترامب هاتفيا أهمية العمل لضمان الأمن بال
...
-
الولايات المتحدة تعلن تمديد وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائ
...
-
البرهان يزور مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم بعد استعادت
...
-
اليمن: مطار الريان يطلق أول رحلة مباشرة إلى القاهرة بعد توقف
...
-
وزير الدفاع الأميركي: ملتزمون بحصول إسرائيل على القدرات العس
...
-
حماس تسلم الوسطاء قائمة -رهائن المرحلة الأولى-
-
من داخل التحقيقات.. معلومات وتفاصيل جديدة عن هجوم 7 أكتوبر
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|