أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - صفقة الأمل والفرح المحظورين وطوفان الاحتلال على الضفة المحتلة















المزيد.....


صفقة الأمل والفرح المحظورين وطوفان الاحتلال على الضفة المحتلة


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 8232 - 2025 / 1 / 24 - 04:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يختصم المتابعون لتداعيات الحرب الاسرائيلية على تقييم لحظة الاعلان عن وقف اطلاق النار في غزة والشروع بتنفيذ صفقة تبادل الاسرى الفلسطينيين مع الرهائن، الأحياء منهم والجثامين، الاسرائيليين المحتجزين لدى حركة المقاومة الاسلامية حماس. البعض يدّعي، أو يشعر، أن اسرائيل قد هزمت في هذه الحرب، أو على الأقل لم تنتصر فيها تماما، وأن حماس لم تهزم تماما، أو على الأقل، لم تلقِ سلاحها ولم ترفع الراية البيضاء. لا معايير محددة يمكن الاجماع عليها واعتمادها كمقاييس مثبتة لتحديد معالم النصر أو الهزيمة، خاصة وأن إسرائيل تعتبر أن قرار وقف النار هو قرار مؤقت، وقد تستأنف الحرب بعد انتهاء مراحل تنفيذ الصفقة، او اذا أخلّت حماس بالتزاماتها؛ ومن السابق لأوانه تحديد نتيجة الحرب النهائية والاعلان عن من انتصر ومن هزم فيها عسكريا وسياسيا.

لن تشغلني في هذه العجالة تلك النقاشات ولا أهداف المشاركين فيها أو اعتباراتهم الحركية/ الفصائلية/ الحزبية السياسية وخوف بعضهم من احتمالات تأثيراتها على مستقبلهم السياسي؛ ولكن، إن كان لا بد لي من تقييم الصفقة بكونها احدى محطات الحرب الحالية، على أن أفعل ذلك بمنأى عن نتائجها الميدانية وهول الخسائر البشرية والمادية المتحققة وتداعيات الحرب على مصير القضية الفلسطينية، فإن حيّدنا جميع هذه العناصر، يمكن اعتبارها هزيمة لحكومة اسرائيل التي حاولت طيلة 470 يوما من القصف والدمار والقتل أن تحرر الرهائن الاسرائيليين بالقوة، لكنها فشلت، واضطرت أخيرا، بسبب تراكم عدد من العوامل، أن تقبل الصفقة. لقد كان حزب "عوتسما يهوديت" ورئيسه ايتمار بن غفير، الجهة الوحيدة التي تمسّكت بموقفها الرافض لوقف إطلاق النار ولعقد الصفقة بدون التزام رئيس الحكومة باستئناف الحرب والاستمرار بها حتى القضاء الكامل على حركة حماس والاحتفاظ بأرض غزة والاستيطان فيها واخضاعها للحكم الاسرائيلي. وقد أدّى موقفهم هذا الى استقالة وزراء الحزب من حكومة نتنياهو في خطوة يتوخون منها تعزيز قوة حزبهم بين أوساط اليمين المتدين المسياني الاستيطاني والفئات القومجية. يعرف المحللون والمتابعون أنه لو كان وزراء حزب الليكود يملكون "عصماتهم السياسية" لما صوّتوا لصالح الصفقة، بل كانوا، مثل وزراء آخرين في الحكومة، معنيين بأن ينهي جيشهم "مهمته المقدسة" حتى تحقيق أهداف الحرب الحقيقية، وهذا يعني، في غياب تحديد أي هدف سياسي واضح ومعلن للحرب، الاستمرار في قتل الفلسطينيين واتمام تطهير القطاع وتهجير سكانه وتدميره الشامل.

وإذا احتسبنا أن الاعلان عن الصفقة هو هزيمة لحكومة نتنياهو ومخططاتها الحقيقية، يمكن احتسابه نصرا لصالح حركة حماس، ولو من باب كونه انجازا "مرمّمًا" لآمال الفلسطينيين الذين وقفوا على تخوم التيه وفقدان سبل النجاة، وكادت مشاهد جثامين أحبابهم أن تطمر آمالهم؛ فالصفقة تمّت في زمن عقم الضمائر وتفشي الخيانات وبعد أن تخطت إسرائيل كل الحدود ومارست كل المحظورات.

ليس مهمًّا كيف تلقى قادة الحركات والفصائل الفلسطينية، أنباء الاعلان عن الصفقة؛ فمنهم من سيحاول ترصيدها في خزائنهم التنظيمية وادراجها في سجلات غنائمهم السياسية، ومنهم من "سيلوكونها" كمضغة قات ويبعدون أنفسهم عن عواقب غد معقود على أهوال القدر.

ليست مهمّةً دوافع جميع أولئك، الخاصة منها والفئوية؛ فوقع الصفقة يتخطاهم ويتخطى لحظة الدم الحاضرة واغواءات "نصر" متلعثم على عتبات تبكي على ركام بيوتها وضياع أصحابها. الصفقة هي حدث مؤثر على احداثيات قوس الحرية، من شأنها، اذا تمت أن تجهض مكائد "السجان الاسرائيلي" وتنسف كل ما خطط له خاصة منذ عام 2007 بعد أن وقع اسفين الفرقة بين اخوة الكفاح واحتمت كل "ملة" منهم ببيرق وبخيمة وتحت إمرة "خليفة" أو "شاويش".

لقد واجه الأسرى الفلسطينيون جميع صنوف التنكيل والقمع والتعذيب منذ يوم الاحتلال الأول، الا انهم عرفوا دائما، بصمود لامَسَ المعجزات، كيف يفشلون مؤامرات سجانهم ويبقون موحدين على عهود النضال والتضحيات من اجل الحرية والكرامة وحب فلسطين. لقد كانت السنوات الاخيرة أقسى السنوات على الحركة الأسيرة، فحكومة اسرائيل الحالية قررت أن تحاربهم بأساليب قمع واضطهاد غير مسبوقة. وكان عنوان معركتها معهم كسر روح النضال عند كل أسير وأسيرة وتوصيلهم إلى قناعات بأن نضالاتهم كانت سدى، وانهم سيعيشون في الأسر كالعبيد، ولن يحرروا الا وهم أذلّاء ومهزومين، أو جثامين منسية.

أعرف الكثيرين من الأسيرات والأسرى الذين حرروا مؤخرا، وأولئك المرشحين للافراج في الدفعة القادمة. تحضرني تفاصيل سني أسرهم وكيف قضوا زهرات أعمارهم وراء القضبان وذابت أرواحهم تناهيد وأقمار. أتذكر مسيرات صمودهم، وتمسكهم بقناعة "وقد بلغوا قمة الموت" بأن يوما ما سيأتيهم "بعد انتحار القحط.. مع الشمس طائر الرعد"؛ والسلام لروح صاحب "طائر الرعد" الشاعر سميح القاسم. أتذكر وأتخيل وجوههم وهي مغمورة "بفرح حزين" وفي مآقيهم تستعيد بذور الأمل خضرتها وعلى جباههم تتراقص النجمات وهي تمحو ظلال الأسى.

في هذه الحرب كانت الصدارة لمشاهد جثث الغزيين بعد أن أسقطتها، بعبثية وحشية، نيران جيوش "نيرون" ؛ ولمشاهد أرتال النازحين وطوابير النساء والاطفال وهم يغوصون في سحابات من غبار هاربين من وجع الى عدم. وكانت صور الركام تحاكي روح بشرية جوفاء رمادية وتذكر كيف يعق الاخوة باخوتهم وكيف يخون ويتآمر الأشقاء . هكذا كان قلب المشهد وهكذا سيبقى؛ بيد أن اعلان وقف اطلاق النار أعاد للتراب أنفاسه وللعيون ماءها. وحين أعلنت صفقة التبادل عادت قضية الأسرى للواجهات وذكرت العالم والاسرائيليين أيضا، أن الأسرى هم زاد الحرية المغتصبة "وحطب الثورة" التي مهما أخمدت نيرانها، سيأتي يوما "حادٍ" وينفخ في رمادها لتصبح وبالا على مغتصبيها.

ليس صدفة أن يستقيل وزير الأمن القومي في اعقاب موافقة الحكومة على الصفقة؛ فهو من نظّر لضرورة محاربة الأسرى الفلسطينيين في السجون التي تخضع لسلطة وزارته؛ وهو من باشر بالتطبيق الفعلي ونجحت اجهزة وزارته بتسجيل تقدم كبير في تنفيذ مخططاتها واضطهاد الأسرى بشكل غير مسبوق. لقد استهدفت سياساته المدعومة بموقف الحكومة وبأغلبية بين أعضاء الكنيست، ليس تحطيم تنظيم الحركة الأسيرة وهدم تماسكها التاريخي وحسب، بل أيضا استهدفت تحطيم معنويات الأسرى أنفسهم واغراقهم بمشاعر اليأس وحجب الفرح عن حياتهم اليومية.

في هذه الظروف جاء اعلان الصفقة، فبعثت بشائرها شلحات من الامل ونفحات من سيرة أصيلة وأعادت للفضاء تراتيل من قادوا القوافل جيلا بعد جيل. ثم جاءت مشاهد العائلات وهي تستقبل غواليها الخارجين من "وراء الصقيع" ويترنح الفرح على عنات القصب وتضحك السماوات فوق فلسطين وتفجّ سيوف النور فحمة اليأس وتنغمد في حلوق الطغاة والطواغيت؛ وكانت اسرائيل الطاغيه تنظر وتعتصر عنصرية وتأهبا.

شكلت صفقات الافراج عن الاسرى في تاريخ النضال الفلسطيني دوما جرعات ضد اليأس الذي فرّخ في السنوات العجاف الأخيرة، في تعاريج البلاد واستوطن سهولها. انها صهاريج لتوليد الفرح الذي يحاول المحتلون أن يقتلعوه ويمحوا معالمه. هي، في هذا الزمن الباطل، بمثابة لطمة "داود" هذا العصر "لجولياته" العاتي. هكذا هو باب الحرية وسيبقى لونها كلون الدم أحمرا.

بعيدا عن جميع التعقيدات والشوائب، أفرحت الصفقة الفلسطينيين ولو بقدر بسيط والى حين، ولذا فهي علامة من علامات نصرهم الصغير؛ وقد اغضبت الصفقة حكومة الاسرائيليين لذا فهي علامة من علامات هزيمتهم. لقد غضبوا في الخفاء فجاء ردهم مكشوفا وقاسيا وهذه المرة في الضفة المحتلة. إن ما نراه في الضفة من عمليات عسكرية واعتقالات واعتداءات ونصب الحواجز، ما بين دائم ومتحرك، حتى وصل عددها في هذه الأيام الى ما يقارب 898 حاجزا، هي نذائر حرب جديدة ستسقط مزيدا من الضحايا وتخلف الدمار وستقول نيرانها للفلسطينيين: لا تفرحوا بأسراكم المحررين، ولا تذهبوا بعيدا في بحور الأمل. عليكم كتبت الهزيمة واليأس مأواكم؛ فلا حرية لكم ولا فرح ولا أمل لديكم .

انها أرض الحروب السماوية الأبدية .. من قال انها بلاد السمن والعسل !



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف ومتى ستنتهي حروب السماء
- باقون في الوطن،لن نسقط جواز السفر
- في -دار الحرب- وفي -دار السلم- ، محنة شجرة الميلاد باقية
- غصات شامية وفلسطينية،فتوحات متخيّلة وأمان تنتظر الحصاد
- رسالة إلى الياس خوري، إلى أن يعود الكلام في دمشق إلى أصله
- بين فوضى الرصاص وفوضى العجز، دروس في الفاشية
- حلم لبناني قصير
- هل كانت فلسطين السبب بالإطاحة برئيس الأساقفة
- اسرائيليات،إطلالة على فكر المؤسسة الصهيونية من خلال وثائقها
- الانتظار حكمة المتعقلين أو خيار العاجزين
- ماذا بعد الاعتداء على مروان البرغوثي ورفاقه
- حتى يفتح باب الاجتهاد،الدم يصرخ: أوقفوا هذه الحرب اللعينة
- يا ساكني الزنازين اتحدوا
- المدارس العربية في اسرائيل وذكرى السابع من أكتوبر
- اسرائيل وحروبها على أربع جبهات
- مشاهد: حين كنا طيبين وسذجا
- حين تنتظر القدس الحريق
- هل سيصبح رئيس أساقفة كنتربري حليف الحق الفلسطيني؟
- في ذكرى وفاة ليبوفيتش،من النشوة الى القومية الوحشية البهيمية
- ما يشبه الرسالة للرئيس يتسحاك هرتسوغ


المزيد.....




- نائبان جمهوريتان تعارضان ترشيح هيغسيث لمنصب وزير الدفاع.. مر ...
- مشهد مذهل لاقتراب مياه المحيط من شاطئ مغطى بالثلوج في أمريكا ...
- ترامب يطلق تحذيرا إن لم يصمد اتفاق وقف إطلاق النار بغزة
- -نيويورك تايمز-: ترامب يأمر بقضاء المتحولات جنسيا مدة العقوب ...
- إسرائيل تواصل عمليتها العسكرية في جنين وتفرض حظر تجول شاملاً ...
- تقارير: شركات أمن أمريكية ستدير نقاط تفتيش في غزة
- تمديد عقد ناغلسمان مدرب منتخب ألمانيا حتى كأس أوروبا 2028
- رئيس جزر القمر يعلن صراحة نيته تسليم السلطة لنجله..
- بيسكوف يعلن استعداد بوتين للحديث مع ترامب
- وزير الخارجية السلوفاكي: نرفض تحمل أوروبا وحدها عبء مساعدة أ ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - صفقة الأمل والفرح المحظورين وطوفان الاحتلال على الضفة المحتلة