|
الألهة التي تفشل دائما ...
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 07:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يكاد يكون من المستحيل ان يعترف انصار تيارات الاسلام السياسي بأخطائهم ، التي تصل احيانا الي درجة الكوارث ، فهم دائما علي صواب ، ولكل شئ عندهم تبرير ، ومستعدون ان يدافعوا عن الشئ ونقيضه بحماس تام وبلا رمشة جفن !!
وهم يتعاملون كألهة لا تخطأ ، وعندما كنت اتحدث مع احد من الاخوان مثلا في سنة حكمهم او ما بعدها واسأله اذكر لي خطأ واحد وقع فيه الاخوان من وجهة نظرك ، كنت أري سكوتا مطبقا ، فلا خطأ هناك - ولو خطأ واحد - من وجهه نظرهم ، وعندما كنت اعدد لهم انا اخطاءهم كانت الردود والدفاع والتبرير اسرع من طلقات المدافع !!
وكنت علي يقين تام ان حماس وايا كانت الصورة التي ستتوقف بها الحرب في غزة فسوف يعلنون انهم انتصروا !! وذلك لأنهم واثقون ان وراءهم انصار تم اعادة هندسة عقولهم لتلقي كل ما يلقي تليهم مهما كان خطأه او مجافاته للواقع وتصديقه .. بل والدفاع عنه بحرارة !!
وصدق ما توقعته ، وانطلقت منذ يومين اصوات هؤلاء الألهة الذين يظنون انهم لا يخطئون ابدا يعلنون انتصارهم !!
يعلنون انتصارهم بعد أن أعطوا لإسرائيل الفرصة لقتل ما يقرب من ٥٠ ألف فلسطيني وتحويل أكثر من ١٥٠ الف اخرين الي مصاب وجريح !!
يعلنون انتصارهم و ٢ مليون فلسطيني يعيشون في العراء في قطاع غزة من ١٥ شهر نتيجة حماقاتهم !!
يعلنون انتصارهم وثلثي قطاع غزة اصبح مدمرا وخرابا لا يمكن العيش فيه !!
يعلنون انتصارهم وكل ما يتمنوه مجرد عودة الامور كما كانت من قبل ، اي قبل ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ ، ولتذهب تضحيات الشعب الفلسطيني ودماءه والتلاعب بمستقبله الي الحجيم !!
بعلنون انتصارهم وليس هناك شبر واحد من فلسطين حرروه ، او مترا واحدا استعادوه ، بل انهم اضاعوا ما كان في يدهم اصلا !!
ومنذ فترة كتب فلسطيني مرموق - هو الدكتور ادوارد سعيد استاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة ومؤلف الكتاب الشهير عن الاستشراق - كتب كتابا صغير الحجم جليل القيمة عنوانه : الألهة التي تفشل دائما !!
والكتاب عبارة عن سلسلة محاضرات ألقاها ادوارد سعيد في إذاعة BBC ( هيئة الإذاعة البريطانية ) عام ١٩٩٢ ...
وقد رأيت الدكتور ادوارد سعيد مرة واحدة ، في المحاضرة التي حضرتها له في قاعة ايوارت بالجامعة الامريكية في القاهرة في مارس ٢٠٠٣ ، وقبل وفاته بوقت قليل ...
وقصد الدكتور سعيد بالألهة هنا المثقفون والتيارات السياسية التي تتصرف كألهة لا تخطأ ، وما علي الجماهير سوي ان " تؤمن " بكل ما تقوله او تفعله !!
ويتحدث عن الانتماء لحزب ، أو الإيمان بفكرة والتعصب لها والدفاع عنها ، وعن التحول عنها أيضا بعد ذلك ، والانقلاب عليها بشدة والتنكر لمبادئها ، وربما الإيمان بما يخالفها والتعصب له .. وهكذا ...
هو يرى أن عملية التحول تلك هي انتقال من رب سياسي، إلى رب جديد ..
ويقول ان تلك الآلهة التي يؤمن بها ستخذله غالبا، وسيضطر للتحول أو الدفاع الخاسر والخجول عنها ، ولن يستطيع تحكيم عقله أو النظر بدقة إلى الأمور ، وسيخفت حسه النقدي تجاه ما يدور حوله ...
وفى النهاية سيكون صوتا لآخرين ، لكنه لن يكون صوته، أو صوت الحقيقة التي ينشدها ...
تذكرت عنوان ذلك الكتاب اليوم مع مشاهد اعلان تيارات الاسلام السياسي وانصارها انتصار حماس !!
وفى كل مسيرتها لم تعترف حماس بأى خطأ ، ولم تقدم أى نقد ذاتى لمسيرة طويلة استمرت ١٧ سنة ، تصدرت فيها الكفاح الفلسطينى ورجعت بالقضية سنوات ، ولم تتقدم بها خطوة واحدة ..
بل استمرت فى خطابها الدعائي الذى تحول إلى نوع من اللغة الخشبية ، لم تعد تقنع أحد إلا أنصارها من الإخوان المسلمين في الدول العربية ..
كلام من نوع النصر الآلهى الذى قالت حماس فى كل حروبها أنها حصلت عليه ، مع أن أحد لم يشاهد ذلك النصر الالهى الخفى ، وجعل كثير من الناس يتساءلون في حيرة .. إذا كان هذا هو النصر الالهى فما هى الهزيمة إذن ؟
وكلام من نوع .. لا يفتى قاعد لمجاهد !! اى المطلوب ألا يفتح أحد فمه بكلمة ضد حماس ، فهم مجاهدون ، يفعلون ما يحلو لهم ولا يحق لأحد مساءلتهم !!
لقد كان جمال عبد الناصر شريفا وعظيما عندما اعترف بهزيمته علنا عام ١٩٦٧ ، وأعلن تنحيه عن حكم مصر ، وعندما خرج الشعب مطالبا بعودته لم يكابر خلال السنوات الثلاث التى تبقت من عمره بعد ذلك ، وكان دائم النقد لتجربته السابقة بنفسه ..
اما مع حماس ، وبرغم الأخطاء القاتلة ، وبرغم الرعونة الواضحة ، وبرغم الجهل الفاضح لم تحس أنها ارتكبت ولا حتى خطأ صغير .. الأكثر من ذلك يهاجم المنتمين إلى نفس تلك المجموعة من الأفكار من ينتقد - مجرد نقد ولو بسيط - تصرف من تصرفاتها ..
اى تحولت إلى حركة إلهية .. أو حركة ربانية بلغة الإخوان المسلمين ..
وتحول قادتها إلى آلهة ، يأخذون ما يشاءون من قرارات وهم واثقون أن وراءهم من لن يسأل أو يحاسب أو يتكلم ..
فهل من يهمس في إذن حماس وأنصارها أنهم بشر وليسوا آلهة ، وأن حركتهم حركة سياسية وليست حركة ربانية ..
وهل من يقنع أنصارهم أن أفعال حماس مما يجوز الاختلاف حوله ، وليست معلوما من الدين بالضرورة ..
ولكن بما شاهدناه من حماس وانصارها من يومين وما سوف نشاهده يبدو أننا سوف نعيش طويلا مع هذه الالهة التي تري نفسها دائما علي صواب ، وأنها دائما منتصرة برغم كل الكوارث التي صنعتها .. وبرغم كل الهزائم التي تسببت فيها ..
وإذا كانوا مصممين أن حماس حركة ربانية وأن قادتها آلهة ، فدعونا نذكرهم بقول رجل مرموق من أعظم من أنجبت فلسطين .. أن الآلهة التى من هذا النوع .. تفشل دائما ...
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كان استخدام القوة افضل الخيارات العربية في هذه المرحلة ؟!
-
وقف الحرب في غزة...
-
الجندول....
-
أعطني الناي ... وغني.
-
يامه القمر علي الباب ... وكيف كانت الأغاني الخليعة قديما !!
-
ثورة الشك ...
-
هل الخطر من الداخل ... أم من الخارج ؟!
-
مصر ... وسوريا الجديدة .
-
أنور السادات ...
-
قنوات الاخوان ... وهل نحن خائفون مما حدث في سوريا ؟!
-
فصل جديد ...من قصة طويلة !!
-
محمد مرسي .. وأحمد الشرع !!
-
فيم واين اخطأ بشار الاسد بالضبط ؟!
-
اسئلة اليوم التالي ...
-
يوم حزين .. ويوم سعيد ...
-
هل ما حدث في سوريا ممكن الحدوث في مصر ؟!
-
هجمة مرتدة ..
-
جمال عبد الناصر .. والناصريون : أين الاختلاف ؟!
-
التزوير والتلاعب في الانتخابات الأمريكية..
-
لماذا يكره الاخوان المسلمين السعودية ويحبون تركيا ؟!!
المزيد.....
-
وزير خارجية أمريكا لنتنياهو: الحفاظ على دعمنا لإسرائيل أولوي
...
-
أبرز الادعاءات المضللة والمبالغات في خطاب تنصيب ترامب – بي ب
...
-
العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين تستمر لليوم الثالث، وال
...
-
أبرزها مصر والإمارات.. كيف تستغل القوى الإقليمية الحرب السود
...
-
إخلاء جماعي في شمال لوس أنجلوس.. أكثر من 50 ألف شخص يهربون م
...
-
ترامب يعيد تصنيف الحوثيين -منظمة إرهابية أجنبية-
-
وزير دفاع إسرائيل: سنواصل العمل بقوة لتدمير البنية التحتية ا
...
-
الحصيلة 12 قتيلا.. الجيش الإسرائيلي يواصل عمليته العسكرية في
...
-
-حماس- تنشر أهم النقاط التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غ
...
-
عاجل| مصادر للجزيرة: نقل الزميل محمد الأطرش قبل قليل من قبل
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|