|
لماذا عاد ترامب؟
آزاد أحمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 8230 - 2025 / 1 / 22 - 00:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ابان الانتخابات الأمريكية سنة 2016 أجريت أحاديث مطولة مع بروفيسور العلوم السياسية في إحدى الجامعات الأمريكية دافيد رومانو، الذي كان في ضيافة مركز رووداو للدراسات بأربيل. كنا نناقش بمناسبة تلك الانتخابات الأوضاع الأمريكية وسياساتها الخارجية، وكنت أصر عبر أسئلة عديدة على معرفة قصة بروز ترامب في الساحة السياسية الأمريكية، واحتمال نجاحه في انتخابات تلك الدورة؟ لكنه كان يقتضب في الموضوع مستخفاً به، ويكرر تسميته بالمجنون: He is Crazy . سافر البروفيسور لإتمام تلقين الطلاب الأمريكيين العلوم السياسية، أما ترامب فقد نجح وأزاح الديمقراطيين، وهزمت أمامه هيلاري كلينتون بطريقة صدمت المراقبين وخالفت التوقعات. ثم عايشنا جميعاَ مرحلة رئاسة ترامب السياسية المضطربة، وصولاً إلى ما لم يحدث في التاريخ الأمريكي، إذ لم يتخلى طوعاً عن السلطة في ما يشبه العصيان المدني، حيث هاجم أنصاره على الكونجرس في استعراض لا يقل اثارة عن مشاهد أفلام هوليود. وعند تلك الانعطافة – الحدث بات معظم المهتمين مقتنعين بأن ترامب بدأ وانتهى سياسياً بسرعة كفقاعة صابون. فتتالت عليه القضايا الجنائية، وجرجر الى المحاكم كما يقال. لكن أمريكا ماتزال بلد المفاجآت، أعادت ترامب وهزم الحزب الديمقراطي مرة أخرى أمامه، وانتهت حياة نائبة الرئيس كاميلا هاريس في انتخابات نوفمبر 2024. انشغل العالم بأسره في الأيام الأولى بعد فوز ترامب بظاهرة عودته، نعم تحولت إلى ظاهرة من حيث أنها استقطبت اهتمام أوساط غير مهتمة بالسياسة الدولية أصلاً، حتى جمهور الرياضة انخرط في التحليل السياسي لتفسير عودته، بل تزاحموا على تصور ما سيقوم به. لقد انهمر فيض من المعلومات التي تفسر نجاح ترامب وخسارة هاريس، في انعطافه شعبوية محمومة تحمل في طياتها الكثير من الإيجابيات، أولها زيادة الاهتمام بالشأن العام من زاوية عودة ترامب. إلا أن أغلب التحليلات السياسية حتى الرصينة منها لم تتعمق في جوهر المسألة - على حد اطلاعي ومتابعتي- أي لم تغوص تماماً في لب الظاهرة السياسية الجديدة، التي يمكن مقاربتها في سؤال بسيط: لماذا عاد ترامب؟ وفي سؤال آخر مكمل: كيف عاد؟ في البدء انبثقت جذور الظاهرة الترامبية من حاجة المجتمعات الأمريكية الى التغيير السياسي والاقتصادي، كما أن الظاهرة ذات علاقة مع بداية ارتكاب الديمقراطيين لخطأهم القاتل المتلخص في الاجتهاد في اختيار بارك أوباما مرشحاً للرئاسة، ونجاحه في انتخابات سنة 2008، هذا النجاح الذي جاء في أحد جوانبه كرد على سياسات انفلات تيار المحافظين الجدد، وجموح الثنائي جورج بوش الابن وديك شيني، اللذان كانا يرغبان في أن تكون أمريكا سيدة العالم تحت شعار (القرن الأمريكي الجديد)، وعالم بقطب واحد. لقد نجح الديمقراطيون عهدئذ في التحشيد لوقف انطلاقة المحافظين الجدد، وبالتالي وقف حروبهم، لكنهم انزلقوا بقيادة أوباما الأفرو – أمريكي اليساري الليبرالي النظري نحو سياسة مائعة رجراجة في الداخل والخارج. سياسة أوباما لم تتوافق مع القيم الأمريكية، ولا مع ثقافتها السياسية الخاصة. حتى استكمل مشروع اوباما نائبه بادين في انتخابات سنة 2020، الذي لم يساهم أيضاً في نشر الديمقراطية خارج أمريكا، كما أعلنها كهدف مراراً وتكراراً، بل على العكس عزز بايدن السلطات الاستبدادية في العديد من بلدان العالم، حتى دفعت هاريس سنة 2024 ضريبة هذه السياسة التي سيرها الديمقراطيون في كل من الداخل الأمريكي وخارجه. ولن نبالغ ان قلنا أن المجتمعات الأمريكية باتت بحاجة ملحة الى التغيير السياسي بقيادة شخصية تتقمص حالة (المخلص) من براثن السياسة الاوبامية – البايدنية العقيمة والرتيبة. هذا ما حصل في الاطار السياسي العام، ونجح الجمهوريون في تلطيف سياسة جناح الصقور ضمن صفوفهم، وأنعشوا رغبتهم السابقة في قيادة العالم لكن بصيغة معاصرة ومعدلة تحت عنوان: جعل أمريكا عظيمة من جديد، المعروفة اختصاراً MAGA كخط شعبوي تعبوي فضفاض. في بداية قراءة وتفسير ظاهرة عودة ترامب وتبلور الترامبية كموجة سياسية أمريكية ما بعد نيوليبرالية، يظهر للمتابع أن العامل الحاسم في تحقيقه الفوز، ورجحان عودته ارتبط بقدرته مع مستشاريه على النفخ في روح السياسة المجتمعية الأمريكية من جديد، التي تكمن أصلاً في ميكانزم التحالفات بين المختلفين، وترجمة الفدراليات التضامنية عملياً. لقد فهم ترامب ومستشاروه أن الانتصار يتطلب توفير القوة المجتمعية اللازمة للنهوض بأغلبية الأمريكيين، والتي لا تتم إلى عبر بناء تحالفات سياسية ومجتمعية عريضة، وهذا ما تحقق. اذ استقطب الجمهوريون جموع الشعبويين الساخطين على المهاجرين، مع الانجيليين المعارضين للمثلية والتحول الجنسي وغيرها من شطحات يسار الديمقراطيين. أما العامل الجديد والأهم في سياسة التحالفات التي كانت رافعة ترامب الكبرى إلى النجاح فقد تمثلت في اقناع أقطاب الرأسمال الأمريكي الجديد بأن ينخرطوا في السياسة بشكل مباشر ومعلن، وخاصة الملياردير ايلون ماسك ( الذي ُيَعد أغنى شخص في العالم برأسمال معلن كان يبلغ حوالي 250 مليار دولار، ثم ارتفع بعد نجاح ترامب خلال اسبوعين الى حوالي 300 مليار دولار، فإلى أكثر من 400 مليار مطلع سنة 2025). كان التحالف مع ماسك ناجحاً لدرجة أن تم وصفه، بأنه السلم الذي صعد عليه ترامب إلى الرئاسة هذه المرة. فضلاً عن دعم ترامب منذ عدة سنوات لخطة تعزيز العمل بالعملات الرقمية والمشفرة، والتنسيق مع رواد الأعمال في وادي السيليكون، الذين دعموه مجتمعين. اتضح بعد اعلان النتائج درجة ارتباط فوز ترامب وتشابكه مع جهود ماسك، الذي كان قد أطلق حملة غير مسبوقة لضخ الأموال في عملية انتخاب ترامب، وذلك بهدف تعزيز سياساتهما المشتركة، فقد وضع ماسك منصته العملاقة اكس X في خدمة ترامب، فضلاً عن تبرعه بحوالي مئة وثلاثين مليون دولار لمصاريف الحملة. وقد نتج عن تحالفهما السياسي وعد بمشاركة ممثلي الرأسمال الجديد في السلطة التنفيذية، خاصة بعد ما سربت معلومات لإنشاء وزارة خاصة باسم الكفاءة الحكومية، يقودها ماسك شخصياً لتحسين الأداء الحكومي، وتخفيض الميزانية الفدرالية إلى الثلث، اي بما يقارب ألفي مليون دولار. هذا وقد سرع ترامب في اجراءات مشاركة ماسك في رسم السياسات الخارجية، عندما أدخله في المكالمة المشتركة بين الرئيس الاوكراني زيلينسكي من جهة وترامب – ماسك من جهة أخرى، حيث اندرج كأول تصرف غير منضبط من ترامب في عهد حكمه الثاني الذي لم يكن قد بدأ بعد. اذ أن ماسك مازال لا يمتلك أي صفة سياسية أو ادارية في السلطة التنفيذية الأمريكية. لقد أعاد الجمهوريون ترامب الى قمة الحكم كثمرة لتحالفهم الناجح بين القوة الشعبوية الاجتماعية الأمريكية العريضة والرسمال الأمريكي غير التقليدي، خاصة قطاعات التكنولوجيا الفائقة والاتصالات والعملات الرقمية التي حققت انتصاراً مباشراً بعد فوز ترامب. فقد قفزت عملة البتكوين إلى حوالي مائة ألف دولار، وهي عملة افتراضية غير ملموسة ولا يمكن تخزينها. لقد تحققت عودة ترامب كثمرة للتزاوج بين تيارات سياسية واقتصادية جديدة جعلت من نجاحه تحصيل حاصل، فتضامن غالبية قطاعات المجتمع الأمريكي خلف برنامج ترامب (المخلص الجديد) ليحقق فوز مريح في المؤسسات التشريعية، على أمل أن تبدأ خطة اقتصادية شاملة للتغيير وايجاد حلول لأزمة المجتمع الأمريكي المركبة. فالتغيير الاقتصادي والسياسي كان هو مطلب وهدف جموع الناخبين الأمريكيين، ولم يكن شخص ترامب مطلوب بذاته وصفاته. لذلك ستنبثق على الأرجح مرحلة سياسية جديدة من هذا التحالف العريض بكل ما تحمل من فرص النجاح والمخاطر. عاد ترامب باختصار ليقوم بوظيفة اعادة هيكلة وتغيير النظام الاقتصادي في العالم وفي مركزها أمريكا، ما يتطلب مواجهات ومصاعب سياسية استثنائية قد يستلزم تذليلها حروب، أو صفقات كبرى، أو الاثنين معاً.
#آزاد_أحمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدلالة الجندرية لخسارة كل من هيلاري وهاريس في الانتخابات ال
...
-
الحرب السورية الأخيرة ... الحرب السورية الأولى
-
من سياسة الخطوة فخطوة إلى حرب الخطوة فخطوة
-
مستقبل فكرة نوئيل - كرزون لإعلان دولة كوردستان الحاجزة بين ا
...
-
ترابط الاشتراكية والديمقراطية العضوي فوز اليسار الأوربي مؤشر
...
-
مستقبل المدن العالية: دهوك نموذجاً
-
الفارق الجوهري بين السياسية والانتقام حرب حماس وإسرائيل نموذ
...
-
جانب من تطور الحكومات والإمارات الكوردية المستقلة* (2/2)
-
تطور الحكومات والإمارات الكوردية المستقلة* (1/2)
-
كارثة السلطوية الجديدة
-
الجوهر الكولونيالي لمعاهدة لوزان
-
بطولات سياسية متخيلة بين موجات الأثير
-
ثقافة الاستبداد ذات الخلفية المغولية والعنصرية المنسوبة للعر
...
-
درس من كارثة الزلزال
-
ضرورة الخروج من الاطار الوظيفي للحركة الكوردية
-
الانتقال الحاد من عمارة الممالك الآرامية الى الإمبراطورية ال
...
-
فوبيا الموت خارج الكرسي: مهاتير محمد نموذجاً
-
جوانب من المشترك العمراني والمعماري للممالك المحلية المتعاقب
...
-
إيران: الحوار الداخلي أولاً
-
ثمانية مليارات من البشر: المشكلة مازالت في الجشع وسوء التوزي
...
المزيد.....
-
صخرة -الزواج- في أستراليا.. لماذا يزورها العشاق بليلة الزفاف
...
-
-أحمق ساهم بتفجير الشرق الأوسط-.. ترامب يشعل ضجة بقرار وقف ح
...
-
مصر.. فيديوهات لسيدة تتهم ضابطي شرطة بالتسبب في وفاة شقيقها.
...
-
وسط اتفاق غزة.. نتنياهو وجيشه يحولان انتباههما إلى الضفة الغ
...
-
الجيش يواصل هجومه على جنين ويخرق الاتفاق بغزة وحواجزه الأمني
...
-
ماذا قال إيلون ماسك عن -تحية هتلر- التي قام بها في حفل تنصيب
...
-
الدنمارك تلغي اختبار -الكفاءة الأبوية- المثير للجدل للأسر في
...
-
خبير روسي: مبادرة ترامب لاستيطان المريخ قصة جميلة صعبة التحق
...
-
-لكمة في البطن-.. سيناتور أمريكية توجه رسالة لترامب (فيديو)
...
-
شومر يصف عفو ترامب عن مقتحمي الكابيتول بأنه -غير أمريكي-
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|