أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8228 - 2025 / 1 / 20 - 20:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يناقش احد في العالم العربي - بعقل وبعلم - موضوع القوة والسلاح واستخدامهما في النزاعات الحديثة ، وبدون الدخول في تفصيلات كثيرة ، وبدون حديث نظري طويل ، فالبنسبة لظروف اللحظة العالمية التي نعيشها وموازين القوة فيها فإن القوة اسوأ الخيارات العربية .. لعدة اسباب :
١ - اننا نذهب الي اسرائيل في ملعبها ، فإسرائيل حامية عسكرية كبيرة للغرب في قلب منطقتنا ، والغرب هو من انشأها وهو من يحميها ، واسرائيل في ذاتها ليست ذات قيمة ، ولكن القيمة فيمن وراء اسرائيل ، وهم أقوي دول العالم ، وحليف اسرائيل الرئيسي - الولايات المتحدة - هي الدولة القائدة للنظام الدولي في عصرنا ، وبالتالي من سيدخل الي صدام مع اسرائيل سيجد نفسه يواجه اكبر دول العالم واقواها ...
٢ - أن المشروع الصهيوني مأزوم ، ومظاهر ازمته علي اكثر من صعيد :
أ - المشكلة الديموغرافية :
وهي مشكلة لا تجد لها الدولة العبرية حل مريح ، وخلاصتها انه بعد سنوات ليست بعيدة سيصل عدد الفلسطينيين في فلسطين التاربخية الي ١٥ مليون انسان ، في حين سيتجمد عدد اليهود الي ٨ - ٩ مليون فقط ، وهو ما سوف ينزع الطابع اليهودي عن الدولة ، ويجعل اليهودية هي الديانة الثانية ، ويجعل الاسرائيليون الجنسية الثانية في الدولة ، اي باختصار دولة فصل عنصري صريح ، ومن هنا الصراع في اسرائيل علي قانون يهودية الدولة ، ومن هنا أيضا الحرب الأهلية الباردة بين التيار الديني والتيار العلماني في اسرائيل الذي كاد ان يمزق الدولة ...
ب - بعد ٧٥ سنة من قيام اسرائيل مازلت اسرائيل دولة غريبة في المنطقة ، وباستثناء القوة التي تسندها فليس لها بدونها مستقبل في هذه المنطقة ، والقوة - مهما طال الزمن - ليست خالدة في يد أحد ، وتاريخ العالم شاهد امامنا علي الامبراطوريات التي سادت وحكمت - وتحكمت - قرون ثم زالت في نهاية المطاف ...
ومن هنا فمستقبل اسرائيل - مهما طال الزمن - معروف ...
ج - اسرائيل تعاني من مشكلات داخلية كبيرة ، وبعضها ليس له حل الا بتكاليف صعبة للغاية :
مشاكل بين المتدينين والعلمانيين ...
مشاكل بين الدولة كمؤسسة فوق الاحزاب والطوائف وبين المتطرفين من التيار الديني اليهودي ...
مشاكل علي توصيف وضع اسرائيل ودورها في هذا الجزء من العالم ...
ولم يلاحظ احد ان اسرائيل ذهبت الي الانتخابات العامة اربعة او خمسة مرات في الخمس سنين الاخيرة ، وهو شئ غير طبيعي في أية دولة مستقرة او دولة عادية ...
والازمة السياسية الحادة في اسرائيل هي صورة مصغرة او انعكاس للأزمة الأكبر في العقل الاسرائيلي والمجتمع الاسرائيلي ...
ولكن الغريب انه دائما ما يتقدم طرف عربي متطوعا لحل مشاكل اسرائيل المستعصية وترحيلها !!
وما فعلته حماس - ومعها حزب الله بدرجة اقل - هو انها استخدمت القوة في وقت كانت السياسة الاسرائيلية تتلهف علي من يقدم لها المبرر لحل مشاكلها بالوسيلة الوحيدة التي تجيدها وهي القوة المفرطة .. وهي مطمئنة الي ان اقوياء العالم معها ...
لقد انقذنا اسرائيل من تمزقها الداخلي ، وقمنا بترحيل مشاكلهم ، واعدنا اليهم وحدتهم ضدنا ، وكل ذلك بلا مقابل تقرببا ، بل العكس ، لقد خسرنا نفوسا ، وخسرنا ارضا ، وخسرنا بناء ... ولم نحصل في النهاية علي أي شئ !!!
فبالنسبة للمشكلة الديموغرافية - او السكانية - وجدت اسرائيل فيما فعلته حماس فرصة عمرها لتدمير قطاع غزة وطرد سكانه - وعددهم يقترب من ٣ مليون فلسطيني - الي سيناء المصرية ...
ويجب الاعتراف ان اسرائيل حققت جزءا مهما من هذه الخطة التي كان من المستحيل ان يوافق العالم عليها الا بحدث كبير تظهر فيه اسرائيل بأنها تلقت ضربة كبري ، فلا يلومها احد اذا ردت بقوة أكبر ...
( وهو نفس منطق حوادث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ في الولايات المتحدة ، التي اتخذتها امريكا مبررا لتنفيذ ما كان مستحيلا ان يقبل به احد في ظروف طبيعية ، فاحتلت اولا افغانستان في عام ٢٠٠١ ثم احتلت العراق عام ٢٠٠٣ ثم اعلنت مشروع الشرق الاوسط الكبير عام ٢٠٠٤ قاصدة من وراءه تغيير كل نظم الحكم في العالم العربي واستبدالها بتيارات دينية شديدة الجموح تستطيع الولايات المتحدة ان تلاعب بها الصين وروسيا - وهما اكبر وأهم منافسيها - كما حدث بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان عام ١٩٧٩ وطوال عقد الثمانينات من استخدام الولايات المتحدة لتلك التيارات لتركيع الروس .. وقد كان ) ...
ومن هنا راجت في العالم العربي تلك الاراء التي تذهب الي ان اسرائيل كانت تعلم بما تنوي حماس فعله يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وانها تغاضت عن الامر بل وسهلته لها ، لعلمها ان ما سوف تربحه من وراء ذلك اضعاف ما سوف تخسره ، وأن اسرائيل خلقت ١١ سبتمبر الخاص بها !!
وفي مرحلة تالية يمكن افتعال شرارة اخري في الضفة واستخدامها كمبرر لطرد سكان الضفة الغربية من نهر الاردن الي ضفته الشرقية حيث المملكة الاردنية الهاشمية ..
وتتخلص اسرائيل بذلك من اكبر مشاكلها .. الان ومستقبلا ...
وتخف حدة التناقصات التي توشك ان تمزق المجتمع الاسرائيلي وتأخذه الي حدود الحرب الاهلية ...
وكانت موقف مصر - وللتاريخ مصر فقط - هو ما اوقف ذلك المشروع حتي الان ...
فقد تحقق فعلا هدف تدمير قطاع غزة وجعله غير صالح للحياة ، وتحقق فعلا هدف طرف فلسطيني القطاع الي أخر نقطة فيه ، وكان قد بقي فقط لتليين موقف مصر الضغط السياسي والضغط الاقتصادي .. والضغط العسكري اذا لزم الأمر ...
وقد صمدت مصر بثبات امام الضغط السياسي ، وصمدت بثبات اقل امام الضغط الاقتصادي ، ورفضت بذكاء الوقوع في الفخاخ الاسرائيلية - الامريكية والدخول في مواحهة ليس هذا وقتها ، وكان التفكير المصري انه اذا حدث وتعدت اسرائيل علي أرض مصر فالقتال والحرب هو جواب مصر بلا تردد ...
ومن ناحية اخري كان من الغريب والملفت للنظر هو أن أكبر المروجين لما فعلته حماس وتاليا حزب الله هو قناة الجزيرة ، سواء في سياستها التحريرية ، او في معليقها علي الحوادث ، او في محليليها العسكريين ...
ويحب الاعتراف ان قناة الجزيرة ورجالها قد بالغوا كثيرا في قوة حركة حماس ، وربما كان ذلك مقصودا ، فبالاضافة الي إلهاب خيال وحماسة الجماهير العربية الهائجة ، هو مبرر خفي لأسرائيل ان تستكمل ما بدأته ..
اليس حركة حماس قوية ، اليست قادرة علي ضرب اسرائيل وتحقيق خسائر في جيشها ، اليس الحماهير العربية تطالبها بالمزيد ، بل تطالب جيوش بلادها بالدخول في ذلك الصراع نصرة لحماس !!
اذن لماذا لا تستخدم اسرائيل كل طاقتها العسكرية ، ولماذا لا تضرب بشراسة ، وتتعدي كل الاعراف ، وتهجر شعبا من ارضه علي مرأي العالم كله ، في تكرار غريب ومهين للنكبة الفلسطينية الاولي عام ١٩٤٨ ؟!
وكان هذا هو الدور المريب لقناة الجزيرة ...
ولم يتوقف احد ويتساءل :
كيف يكون أكبر مناصري حماس اعلاميا قناة اعلامية تقع علي بعد امتار من أكبر القواعد الأمريكية في الشرق ؟!!
كيف يكون اهم صوت اعلامي مناصر لحماس - قناة الجزيرة - وهي الصوت الاهم والابرز الذي صنع ما يشبه غسيل المخ للجماهير العربية قبيل الربيع العربي واثناءه ، وهو مشروع ثبت بما لا يدع مجالا للشك - وعلي لسان صانعيه أنفسهم - انه مشروع امريكي غربي في الاساس ومن الألف الي الياء !!
وكان الموضوع كله يدعو للريبة في الحقيقة .. ومن أول لحظة ...
ومع ذلك فحسن النية واجب ، حتي لو اقترن بالسذاجة ، علي الاقل حتي ترتقي الشكوك الي مرتبة الحقائق ، وترتفع القرائن الي منزلة الوقائع .. وهو مؤجل الي المستقبل وما سوف يكشفه من غموض ...
وهي في الحقيقة مشكلتنا ومشكلة العالم العربي مع التيارات الايديولوجية ، مثل حماس - وحركة الاخوان المسلمين عموما - وحزب الله وغيرهم من نفس تيار الاسلام السياسي ، بشقيه السني والشيعي ، فهي تيارات مغامرة ، ليس للعقل والحسابات المنطقية مكان كبير في تفكيرهم وتحركاتهم ، وهي تيارات تمارس السياسة والحرب بمنطق الحلال والحرام ، وليس بمنطق ما يصح ومالا يصح في مرحلة معينة ، ولا بمعرفة موازين القوي من العدو وحلفاءه ...
والنتيحة انهم اضاعوا انفسهم ويوشكون ان يضيعوا بلادهم نفسها التي يقولون انهم يحمونها !!
طيب هل البديل هو الاستسلام لاسرائيل وتركها تفعل بنا ما تشاء ..
لا طبعا .. وهناك وسائل متعددة - وجربتها شعوب كثيرة كانت لها ظروف مشابهة للشعب الفلسطيني - للحركة والفعل ، وقد تكلمت فيها سابقا أكثر من مرة تفصيلا ...
وتكون المعضلة الثانية هي انه بمجرد ان يبدأوا جولة من جولاتهم تلك ينادون هم وتصرخ جماهيرهم وراءهم :
اين الجيوش العربية ؟!
اين الحكام العرب المتخاذلين ؟!
وين الملايين !!
وكل مرة يتكرر فعلهم ويتكرر معه صراخ جماهيرهم ، ولم يسأل واحد منهم او من أنصارهم اسئلة أولية او بديهية :
كيف تستجيب الجيوش العربية لسياسة لم تقررها ولم تسمع عنها اصلا ، بل اتخذتها تلك التنظيمات والحركات في غرفها المغلقة ، ومع رعاتها الاقليميين ؟!!
كيف تتحرك الجيوش العربية لأهداف غير واضحة ولم يجري عليها اي نقاش جدي ..
فهل في المقدور تحقيقها ام لا ، وبأي الوسائل ، واي الحلفاء سيقف معنا وأي الدول ستقف ضدنا ، وكيف سنتصرف فيمن سبقف مع اسرائيل ؟
ما هي المدة المتوقعة للحرب ؟
وهل تستطيع البلاد العربية في ضوء ظروفها تحملها ام لا ؟
هل الهدف هو تحرير غزة .. التي كانت محررة اصلا ؟!
ام الهدف تحرير فلسطين كلها ؟!
واذا كان مطلوبا من الحكام العرب الخانعين - كما يقولون - وجيوشهم ان تفعل ذلك فهل يدلنا اهل تلك التنظيمات والحركات وجماهيرهم وانصارهم المتحمسين وماذا سنفعل في الولايات المتحدة ، وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا وكندا واستراليا ...وغيرهم من الدول التي ستقف مع اسرائيل عند اول طلقة في القتال ؟!
ونحن - اي مصر - اذا قررنا دخول الحرب استجابة لطلب حماس ونصرتها من سيقف معنا من حلفاء ونصف العالم علي الاقل سيقف مع اسرائيل ؟!
هل ستقف معنا ايران ؟!
اذا كانت ايران - وهي قائد محور المقاومة - لم تقف مع رجالها الاقربين في حماس وحزب الله في حربهم مع اسرائيل ... فهل ستقف مع مصر ؟!
هل ستقف معنا تركيا ؟!
تركيا عضو في حلف الناتو - وهو الحلف العسكري الرئيسي في الغرب - ورباطها معه لا ينفصم ، وليس من المتوقع ان تضحي تركيا بعلاقتها بأمريكا واوربا من اجل العرب ...
هل ستقف معنا سوريا .. او العراق ؟!!
ان حال الدولتين - أعانهما الله - ناطق بما هم فيه ، وهما تحتاجان الي الدعاء مثل غزة .. وربما أكثر ..
هل ستقف معنا دول الخليج ؟!
ومع كامل الاحترام لهذه الدول ، فجيوشها في أي تقييم عسكري - بشريا علي الاقل - لا تسعف كثيرا في حرب طويلة وممتدة ، ربما كانت دول الخليج اقدر علي المساعدة المالية ، ولكن حتي هذه الناحية فالقيود الظاهرة والخفية عليهم تعطل وتمنع ...
هل ستقف معنا باكستان ؟!
وذلك باعتبار ان باكستان الدولة الاسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاح نووي .. ولكن باكستان لم يسمع لها صوت طوال سنة كاملة وثلاثة شهور من الحرب في غزة !!
واذا كان المدد الامريكي والبريطاني والفرنسي والالماني من السلاح سيتدفق علي اسرائيل في حالة حربها مع مصر او مع العرب ، فمن سيمد مصر والعرب بالسلاح في حرب طويلة ومكلفة ؟!
هل روسيا هي من ستساعدنا وتمدنا بالسلاح ؟!
من يتابع حرب روسيا ومعاناتها في حرب اوكرانيا سيعرف ان روسبا المنهكة ليست في وضع يمكنها من تقديم السلاح لأحد ، ومن قرأ شيئا عما فعلته روسيا مع جمال عبد الناصر وانور السادات في الفترة بين ١٩٦٧ - ١٩٧٣ سوف يعرف ان روسيا - علي اقل تقدير - ليست بنفس سخاء امريكا والغرب مع اسرائيل بل اقل من ذلك بكثير جدا .. ووقائع التاريخ متاحة لمن يريد ان يعرف ...
اسئلة لا يجيب عنها احد ولا تشغل بال احد اصلا من اهل تلك التنظيمات والحركات وانصارهم المتحمسين ..
فلبس للعقل عندهم مكان .. بل المكان كله للعواطف ...
وليس للمنطق أهمية ... فالاهمية كلها للغرائز ....
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟