|
وقف الحرب في غزة...
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8227 - 2025 / 1 / 19 - 16:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أكثر من سنة وثلاثة شهور توقفت الحرب في غزة ، بعد ان تركت الشرق الاوسط علي صورة مختلفة جدا عما كان قبلها ، شرق اوسط جديد فعلا ...
فلم يعد لحماس نفس وجودها السابق في غزة ، وتراجعت صورتها بصورة هائلة في باقي فلسطين ، ولم يعد حزب الله في لبنان هو حزب الله قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، بعد قتل امينه العام ونائبه ، ولم يعد الرئيس السوري بشار الاسد موجودا ، واستولي تنظيم القاعدة علي الحكم في دمشق ، واصبحت اسرائيل تقف علي أسوارها ، وتراجعت ايران ومشروعها كثيرا عما كان من قبل ، وتلقي نفوذها ضربة كبيرة ، وجاء رئيس جديد للبنان بعد سنتين ونصف من الفراغ ...
كل تلك الامور نتائج مباشرة او غير مباشرة لما حدث صباح ٧ أكتوبر من سنة وثلاثة شهور ...
ولي علي الاتفاق علي وقف الحرب في غزة الملاحظات التالية ...
١ ــ ان الحرب توقفت في غزة لسبب واحد تقريبا ، وهو ضغط دونالد ترامب علي الاسرائيليين لإيقاف الحرب ، ولولا ذلك الضغط الحاسم لما توقف بنيامين نتنياهو عما خطط له ، ووافق عليه الامريكان في إدارة بايدن الذاهبة ..
وهو ما يثبت للمرة المائة ان اسرائيل مجرد أداة امريكية صغيرة تحركها كما تشاء ، وان الكلام الشائع عن ان اسرائيل واليهود واللوبي الصهيوني هم من يتحكمون في امريكا مجرد هراء ...
باختصار بايدن وادارته لم يكونوا يريدون وقف الحرب في غزة ، ولكن عندما جاء من يريد وقفها بجد اوقفها فورا ...
٢ ــ ان اسرائيل لم تحقق اهدافها الحقيقية من الحرب ، فواهم من يعتقد ان اسرائيل كانت تريد انهاء حماس او قتل اسماعيل هنية او يحيي السنوار او حتي تريد مختطفيها عند حماس ، هذه كلها اهداف دعائية للحرب ، فقد قتلت اسرائيل قائد الجناح السياسي لحماس وقتلت قائد جناحها العسكري ونائبه ، ودمرت اغلب الالة العسكرية للحركة ومع ذلك لم توقف اسرائيل الحرب !!
هدف الحرب الحقيقي والوحيد تقريبا هو تهجير الفلسطينين في غزة الي سيناء ، والتخلص بالتالي من كتلة سكانية تبلغ ٢ مليون فلسطيني تقريبا وترحيل مشاكلهم الي مصر ، والتخلص مما يطلق عليه في اسرائيل بالقنبلة الديموجرافية الفلسطينية ، وهي اكبر مشاكل اسرائيل ــ لمن يتابع النقاش الداخلي في اسرائيل من فترة طويلة ــ الآن وفي المستقبل ...
٣ ــ ان العقبة الحقيقية وراء فشل حرب غزة في تحقيق هدفها الحقيقي من منظور اسرائيلي هو مصر ، فمصر ــ ومصر وحدها ــ هي من اوقفت مشروع طرد اهل غزة الي خارجها ، فقد قام الاسرائيليون بكل شئ : قتلوا من الفلسطنيين حوالي ٥٠ الف انسان ، وحولوا حوالي ٢٠٠ الف الي جرحي ومصابين ، وطردوا سكان القطاع في الشمال والوسط الي جنوبه ، وتم تكديسهم في رفح علي الحدود مع مصر انتظارا ان تقبل مصر طوعا او كرها بتهجيرهم اليها ، ولم تقبل مصر ولم يقبل عبد الفتاح السيسي بتهجير الفلسطينين الي مصر لا طوعا ولا كرها ...
وكان ان قبلت اسرائيل علي مضض ــ مع ضغوط ترامب الذي يريد بدء رئاسته بدون حروب او مشاكل خارجية ــ التوقف مؤقتا ... وانتظارا لظروف اخري قد تكون مواتية ... واول تلك الظروف المواتية التي يتعين ايجادها هو خلخلة السلطة في مصر ، وصنع اضطرابات وفتن تجعل السلطة فيها تتساهل غدا فيما ترفضه اليوم بإصرار ...
٤ ــ ان اليمين الإسرائيلي يصرخ اليوم رفضا لوقف اطلاق النار في غزة ، بعد ان ظن ان احلامه بتهجير الفلسطينيين باتت قريبة ، واذا كانت مصر هي العقبة الوحيدة فيمكن بصنع مزيج من الضغوط الاقتصادية وتخويف السلطة في مصر وتهديدها بالحرب ، ثم بإطلاق تيارات الاسلام السياسي المتحالف عمليا مع اسرائيل كما رأينا في سوريا ان يجعل موقف مصر يلين ، وربما تصل الاضطرابات الي تغيير سياسي في مصر يفتح سيناء امام الاسرائيليين يأخذونها كلها ويطردون اهل غزة الي الدلتا المصرية ... فأحلام اسرائيل مع انهيار الدول العربية بعد عقد الربيع العربي المشئوم وصلت الي عنان السماء ...
واليمين الإسرائيلي اليوم يعارض نتنياهو بشراسة لعدم السماح بوقف الحرب ، والاخير يطالبهم بتفويت هذه الفرصة انتظارا لفرصة اخري يمكن خلقها بسهولة عن طريق صاروخ من حماس علي اي مستوطنة اسرائيلية ــ لن يصيب احد كالعادة ــ وبالتالي تجدها اسرائيل فرصة لاستئناف الحرب ، وحماس ــ للأسف ــ اصبحت متخصصة في هذه الالعاب البلهاء، واقصد اعطاء اسرائيل ما تريده من مبررات لتحقيق ما وضعته من خطط ، لدرجة انني اشك احيانا ان هناك نوع من التواطؤ بين اسرائيل وحماس علي الشعب الفلسطيني ، فلم أعد استطيع ان اصدق ان الغباء او الرعونة او سوء التصرف او عدم فهم خطط العدو ومراميه تصل الي هذه الدرجة من البلاهة ...
والحديث في اسرائيل يناقش علنا وبلا حياء كيف يمكن لاسرائيل التملص من وقف اطلاق النار في غزة واستئنافها من جديد ، وفي اي مرحلة من مراحل الاتفاق يتم ذلك ، وبعد كم من الوقت ، وتحت اي مبررات ، كل ذلك يناقش علنا في الصحافة والاعلام الإسرائيلي ، فقد اعطتهم حماس فرصة عمرهم ــ وربنا يستر الا تكون مستعدة ان تعطيهم اكثر ــ لتحقيق ما كان تحقيقه ضربا من الخيال ...
علي المستوي الشخصي لم أكن متفائلا ، ولم اتوقع في أي مرحلة من مراحل المفاوضات ان تنجح ، وكنت اعرف انها حيل اسرائيلية معتادة لكسب الوقت ، يساعدها فيه تشدد حماس في صغائر لن تقدم ولا تؤخر ، وكنت اعرف ان اسرائيل ماضية في حرب غزة ولو لسنين اخري حتي تحقق هدفها الحقيقي ــ والوحيد ــ من الحرب ، وهو تهجير الفلسطينين وطردهم من ارضهم الي مصر ...
ولكن بما ان حامي الدولة العبرية أمرها بوقف الحرب واستجابت ، فأتوقع ان تجعلها اسرائيل مجرد هدنة مؤقتة تستأنف بعدها ما وضعته من خطط ...
كما اتوقع ان تنصرف جهود اسرائيل الي مصر ، ومع اسرائيل دول في الغرب تتمني وتحلم ــ خاصة بريطانيا التي لم تنس يوما انها كانت تحتل مصر وتضعها في قبضتها ــ بوقوع مصر فريسة لتيارات الاسلام السياسي الجاهلة ، وهي اكثر من مستعدة لتسليم بلادها لمن يمكنها من السلطة ، ولو علي قطعة ارض محدودة من وطن تحول الي اشلاء ...
وما تنشره الصحافة والاعلام الإسرائيلي والبريطاني بخصوص مصر اليوم ــ والاخوان وباقي الفصائل القريبة منهم هم وسيلتهم ــ يقول ان مصر اصبحت في مرمي الهدف ....
٥ ــ اذا كانت اسرائيل لم تحقق اهدافها من الحرب فإن حماس خسرت كثيرا في تلك المغامرة الغريبة ، فلم تحقق حماس هي الاخري أيا من اهدافها في تلك الحرب ، اذا كان لحماس اصلا اهداف واضحة ويمكن قياس درجة تحقيقها من عدمه ...
فإذا كان هدف اسرائيل من بداية الحرب واضحا فإن هدف حماس لم يكن واضحا... حتي في ذهن قادتها !!
هل كان الهدف تحرير قطاع غزة ؟! لكن القطاع كان محررا بالكامل يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ولم يكن به جندي اسرائيلي واحد !!
هل كان الهدف تحرير الاقصي ، بما ان العملية اسمها طوفان الاقصي ؟ ولكن يحتاج الانسان الي قدر هائل من الغباء ليعتقد ان خمسة او ستة الاف من حماس ــ او حتي اضعافهم ــ مسلحون ببنادق خفيفة ويمتلكون بعض المقذوفات البدائية قادرون علي هزيمة دولة نووية ومسلحة بأحدث ترسانة عسكرية امدتها بها اقوي واغني واكثر دول العالم تقدما ...
لم تحقق حماس اهدافها من الحرب ، اذا كان لديها اهداف قابلة للتحقيق فعلا من الحرب..
في المقابل خسرت حماس كثيرا جدا في تلك الحرب :
خسرت سمعتها كطرف وضع فيه الشعب الفلسطيني ثقته وأمله في جلب حقوقه واستعادتها...
خسرت حكمها لغزة او علي الاقل حكمها منفردة لغزة ...
وضعت الشعب الفلسطيني ــ بلا مبرر وبلا هدف واضح يمكن قياسه ــ تحت رحمة آلة الحرب الاسرائيلية المتوحشة ، وفرضت علي الشعب الفلسطيني دفع اثمان باهظة من دم ابناءه ومن امانه وسلامته ومن مستقبله مقابل لا شئ تقريبا !!
فبعد أكثر من سنة وثلاثة شهور كان كل الامل ومنتهي المني هو ان ترجع اوضاع قطاع غزة الي ما قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ !!
ففيم كان مقتل ٥٠ الف فلسطيني اذن؟! ولم تم تحويل اكثر من ٢٠٠ الف فلسطيني الي مصابين وجرحي ؟! ولأي سبب تم تدمير الجزء الاكبر من قطاع غزة.. بيوته ومرافقه وكل طاقات الحياة فيه ؟! ومن اجل اي هدف تم تهجير حوالي ٢ مليون فلسطيني تقريبا من ديارهم وتركهم في العراء؟! ولماذا كانت المقامرة بالشعب الفلسطيني ومستقبله ؟!
عموما المستقبل سوف يتحدث كثيرا وطويلا عما حدث في فلسطين وفي عموم الشرق الاوسط خلال هذه ال ١٥ شهر المأساوية ...
ويمكن ان يكون التقييم الأولي او المبدئي هو أن مغامرة غير محسوبة ادت الي نتائج غير محسوبة وغير متوقعة وغير سعيدة ....
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجندول....
-
أعطني الناي ... وغني.
-
يامه القمر علي الباب ... وكيف كانت الأغاني الخليعة قديما !!
-
ثورة الشك ...
-
هل الخطر من الداخل ... أم من الخارج ؟!
-
مصر ... وسوريا الجديدة .
-
أنور السادات ...
-
قنوات الاخوان ... وهل نحن خائفون مما حدث في سوريا ؟!
-
فصل جديد ...من قصة طويلة !!
-
محمد مرسي .. وأحمد الشرع !!
-
فيم واين اخطأ بشار الاسد بالضبط ؟!
-
اسئلة اليوم التالي ...
-
يوم حزين .. ويوم سعيد ...
-
هل ما حدث في سوريا ممكن الحدوث في مصر ؟!
-
هجمة مرتدة ..
-
جمال عبد الناصر .. والناصريون : أين الاختلاف ؟!
-
التزوير والتلاعب في الانتخابات الأمريكية..
-
لماذا يكره الاخوان المسلمين السعودية ويحبون تركيا ؟!!
-
فيتنام وفلسطين : اين الاتفاق .. واين الاختلاف ؟!
-
لماذا لا تدخل مصر الحرب ؟!
المزيد.....
-
روسيا تطلق هجمات مميتة على كييف -انتقاما- من استخدام صواريخ
...
-
بعد -اتفاق غزة-.. استقالة بن غفير ووزيرين عن حزبه من حكومة ن
...
-
الاستخبارات الغربية تنفي تورط روسيا في إتلاف الكابلات في بحر
...
-
مصر.. القبض على رجل أعمل متهم بـ -النصب- على نجم الأهلي
-
شرطة لندن تفرج عن أحد قادة الحراك الفلسطيني في بريطانيا (فيد
...
-
وزير الخارجية الفرنسي يتوعد الولايات المتحدة برد صارم على ان
...
-
محمود عباس يقلد سفير السعودية لدى فلسطين نجمة القدس
-
شاهد: عناصر القسام في شوارع دير البلح.. مسلحون فلسطينيون يحت
...
-
توقف الأعمال القتالية في غزة مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق ال
...
-
بعد إدراج الرحى.. ليبيا تدرس إضافة البازين والفتات والكسكسي
...
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|