|
رائد الفيزياء الحديثة العبقري أينشتاين
حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق
الحوار المتمدن-العدد: 8226 - 2025 / 1 / 18 - 00:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" كل ما هو عظيم وملهم صنعه إنسان عمل بحرية، ألبرت أينشتاين". المقدمة: يعد أينشتاين واحداً من أعظم العلماء في تاريخ البشرية كلها، واسهاماته تجعله قامة علمية كبيرة تطاول نيوتن، ولم يكن من المستغرب أن تختاره مجلة التايم(Time) رجل القرن العشرين، بل أن كثير من المؤرخين عدوه واحداً من مائة شخصية هي الاكثر تأثيراً في الألفية المنقضية، وقد تجاوزت شهرة أينشتاين حدود الفيزيائيين، إذ لم يكن معروفاً من قبل كل المهتمين بالعلوم، وترجع هذه الشعبية إلى الدور الثوري الذي لعبته اعمال أينشتاين في تطور المعرفة للفيزياء، وتناوله لأعمق القضايا التي تشغل بال الإنسان، وأن الابداع العلمي لأينشتاين قد ترك بصماته على تطور الفكر الفلسفي في القرن العشرين، وكان من أولى العوامل التي حددت مساهمة أينشتاين في تطور الفكر الفلسفي هو الدور الذي لعبته نظريته النسبية الخاصة والعامة، في تغيير الصورة العلمية للعالم، فهذه الصورة قد غدت مختلفة تماماً عن الصورة التي رسمتها الفيزياء الكلاسيكية، إذا تم فيها تفسير بنية الزمان_ المكان للكون بطريقة جديدة، وبفضله تمكن جيل القرن العشرين من رؤية العالم بحلة جديدة تختلف عن الاجيال السابقة، والعامل الثاني كان تأثير الابداع العلمي لأينشتاين على اسلوب التفكير العلمي، فقد أوجد أينشتاين معايير جديدة للمعرفة العلمية، وأدت استنتاجاته المبرهنة إلى تفسير العديد من الظواهر العلمية التي فشلت الفيزياء الكلاسيكية في اثباتها، وذكاؤه العظيم جعل كلمة أينشتاين مردافاً للعبقرية.(1) أينشتاين سيرة وفكر: حياته: ولد ذلك الرجل الذي غير من رؤيتنا للكون بأسره في 14 من شهر أذار عام 1879، في بلدة ألمانية صغيرة تدعى أولم، لكن سرعان ما انتقلت أسرته إلى ميونخ، وكان والدا أينشتاين يهوديين علمانيين ينتميان إلى الطبقة الوسطى ويكافحان لتوفير حياة كريمة لأسرتهما الأخذة في النمو، وكانت والدته بولين كوخ أينشتاين( 1858_1920) أبنه لتاجر ثري نسبياً، وكانت بولين مثقفة وأصرت على أن يتعلم أبناؤها الموسيقى منذ صغرهم، وهو الأمر الذي نتج عنه عشق أينشتاين لآلة الكمان منذ طفولته، أما والده هيرمان أينشتاين(1847_1902) فعمل بالصناعة الكهرو كيماويات ثم في صناعة المولدات والمصابيح الكهربائية، لكن الحظ لم يحالفه وفشل المشروع وأدى به ذلك إلى أزمات مالية متوالية أفلسته أكثر من مرة وأجبرت العائلة على الانتقال كثيراً خلال طفولة ألبرت، وقد تأخر أينشتاين الصغير في تعلم الكلام حتى أن والديه خشيا أن تكون لديه إعاقة ذهنية، لكنه حين نطق كان كلامه جملة كاملة، لكنه مع ذلك لا يتحدث جيداً حتى التاسع من عمره، ولم يكن له إلا شقيقة واحدة اسمها ماريا( مايا،1881_1951) تصغره بعامين، ومن الطرائف تذكرها أخته أن كونها الأخت الصغرى لألبرت لم يكن بالأمر الممتع، فقد كانت له عادة سيئة وهي إلقاء الاشياء على رأسها، وكما قالت هي بعد ذلك" لا بد لأخت المفكر أن تكون لها جمجمة قوية".(2) زواجه: عرف عن أينشتاين بأنه كان حار العاطفة في الجانبين الشخصي والعلمي، ففي أثناء دراسته وقع في حب جنوني مع الفتاة الوحيدة في قسم الفيزياء، فتاة صربية سمراء حادة الطباع تدعى ميليفا ماريتش(1875_ 1948) وتطورت بينهم قصة حب، وهي ليست قصة حب بين أينشتاين و ميليفا، بل قصة حب جوني ودولي الصغيرة، وكان أينشتاين يدلعها بالكثير من الاسماء ومنها( طفلتي الحلوة وملاكي الصغير وساحرتي الصغيرة وذراعي اليمين) وكتب لها قصيدة عام 1900 متحدثاً فيها عن شدة اشواقه ورغبته، وكانت ميليفا امرأة فريدة من نوعها، وقد قررت بنفسها أن تذهب إلى سويسرا لأنها كانت البلد الوحيد الناطق بالألمانية الذي يسمح للنساء بالالتحاق بالجامعة، وقد وجد أينشتاين في هذه المرأة نصفه الآخر، لأنها كانت قادرة على التكلم بلغة الفيزياء حبه الأول وسرعان ما أغرم كلاهما بالآخر، وحين كانا يفترقان أثناء العطلات كانا يتبادلان رسائل حب طويلة ملتهبة يخاطب فيها أحدهما الآخر، وكتب أينشتاين لها قصائد حب وعبارات غزل رقيقة، وفي عام 1903، استطاع أينشتاين أن يجمع شتات نفسه ويتزوج من ميليفا، وقد اسفر عن زواجهما ولدين وهما هانز ألبرت أينشتاين(1904_1973) والثاني إدوارد أينشتاين(1910_1965) وهكذا وطن أينشتاين نفسه في حياته كموظف حكومي بسيط في بيرن وزوج وأب، لكن نظراً لانشغال أينشتاين بمسيرته العلمية وتفضيل العلم على أسرته وبسبب علاقته الغرامية مع إلسا لوينثال،(1876_1936) تدهورت علاقتهما وعرض أينشتاين عليها صفقة، وقال لها أنه سوف يفوز بجائزة نوبل يوما ما، وعندما حصل عليها منحها لها، وقد طلقها في فبراير 1919، وتزوج بعدها أبنة عمه إلسا.(3) دراسته: كان أينشتاين بطيئاً في تعلم الكلام وقال فيما بعد:" كان أبواي قلقين، لدرجة أنهما استشارا طبيباً". وحتى بعد أن تعلم الكلام ظهرت عليه غرابة في الاطوار، وكان آخرون في اسرته يلقبونه بالمتخلف، وكان لتعلمه البطيء قد جعل من احد المدرسين يقول له أنه لا يصبح شيء ذو قيمة، وقد جعلت هذه السمات من أينشتاين القديس الراعي لأطفال المدارس العاجزين عن التركيز، وقد دخل أينشتاين الطفل المدرسة، وكانت مدرسة أولية كاثوليكية، فقد كانت المدارس في ميونخ تحت إشراف هيئات دينية، ولم تهتم أسرة أينشتاين كثيراً بالدين، فلم تجد الاسرة غرابة وهي اليهودية ديناً أن يكون ابنها كاثوليكي التعليم ، وسرعان ما بدأت طباع أينشتاين تفضح عن نفسها مبكراً، إذ كان حالماً وكثير الاستغراق في التفكير أو القراءة، وكان زملاءه في المدرسة يصفونه باستمرار بكلمة معقد، ويروي أحد زملاءه عن ذلك قائلاً:" اعتبره بقية التلاميذ غريب الاطوار، لأنه لم يكن يبدي أي اهتمام بالرياضة، واعتبره المدرسون غبياً لعدم قدرته على الاستظهار ولغرابة طباعه أيضاً". وحين بلغ العاشرة من عمره التحق بمدرسة لويتبولد في ميونيخ وفيها عانى الأمرين في تعلم اللغة اليونانية الكلاسيكية، وكان يكتفي أثناء تلقي دروسها بالجلوس على مقعده وعلى شفته ابتسامة تخفي ملله، وحينما كان في الصف السابع حدث أن قال له معلم اللغة اليونانية أنه سيكون من الأفضل إلا يحضر هذه الدروس، وعندما اعترض أينشتاين مبيناً أنه لم يرتكب خطئاً، رد عليه المدرس بغلظة قائلاً:" نعم هذا صحيح، لكنك دائماً تجلس في الصف الخلفي مبتسماً وهذا يتنافى مع الاحترام المطلوب من التلاميذ لمعلمهم". ثم أنتهى من دراسته الأولية والتحق بمدرسة ثانوية وهو في العاشرة من عمره، ودرس في هذه المدرسة تعاليم الديانة اليهودية وتفاعلت تعاليم اليهود مع تعاليم الكاثوليكية التي سبق أن تعلمها في المدرسة الأولية، وأخرجت منه شاباً لا يدين بدين، ويشعر بأن الأديان معوقات تعوق التفكير الحر الطليق، وعندما انتقل إلى سويسرا تمتع بمناخ الحرية في المدرسة وتخلص إلى حد ما من القوانين القمعية الدكتاتورية للنظام التعليمي في ألمانيا، وأحب السويسريين الذين يقدسون معاني التسامح وحرية الروح، وقال أينشتاين عن هذا فيما بعد:" السويسريين هم أكثر الناس الذين عاشرتهم إنسانية". ولأن الذكريات السيئة لحياته في المدارس الألمانية كانت لا تفارق فكره، فقد أتخذ خطوة مفاجئة وغير متوقعة من شاب مراهق وقرر أن يتخلى عن جنسيته الألمانية، وظل بلا جنسية نحو خمسة أعوام إلى أن صار في النهاية مواطناً سويسرياً". وكان من تبعات مناخ الحرية الذي تمتع به أينشتاين أن بدأ يتخلى عن طباعه القديمة من الخجل والعصبية والانطواء واصبح شخصاً اجتماعياً متفتحاً للحديث مع الآخرين وذا اصدقاء حميميين، وبرع في المواد التي كان يهتم بها كالرياضيات والفيزياء، ولهذا كان أبعد ما يكون عن تحقيق التفوق في المدرسة، وعندما سأل والده مدير المدرسة عن المهنة التي تصلح في المستقبل لألبرت أجابه قائلاً:" لا تشغل بالك بهذا، فهو لن ينجح في أي شيء". لكن أينشتاين وصل إلى مستوى رياضي عال قبل سنوات من أقرانه، وتعلم أينشتاين ذو الاثني عشر عاماً الجبر والهندسة الإقليدية في صيف واحد، واكتشف أيضاً بشكل مستقل برهانه الأصلي على مبرهنة فيثاغورس بعمر 12 عاماً وذكر معلم العائلة ماكس تالمود " إنه خلال وقت قصير بعدما أعطى أينشتاين البالغ اثني عشر عاماً كتاباً في الهندسة، عمل أينشتاين على الكتاب بأكمله، ومن ثم كرس نفسه للرياضيات العليا، وسرعان ما برع في الرياضيات ، لدرجة أنني لم أتمكن من متابعته، و أدى شغفه بالهندسة والجبر إلى اقتناع الطفل ذي الاثني عشر عاماً بأن الطبيعة يمكن فهمها على أنها بنية رياضية". وبدأ أينشتاين بتعليم نفسه حساب التفاضل والتكامل في سن الثانية عشرة، وعندما بلغ الرابعة عشرة قال إنه "أتقن حساب التفاضل والتكامل". ولم يكن أينشتاين يغرق نفسه في تعقيدات الرياضيات، بل كان يفكر بأسلوب الصور الفيزيائية البسيطة، كالقطارات المسرعة، والمصاعد الهابطة، والصواريخ، وحركة عقارب الساعة، وكانت هذه الصور هي التي ساعدته للخروج بأعظم أفكار القرن العشرين، وعن هذا كتب:" إن جميع النظريات الفيزيائية وتعبيراتها الرياضية يمكن أن تشرح عن طريق صور وصفية بسيطة حتى الطفل الصغير يستطيع أن يفهمها". لكنه مع ذلك لم يكن أينشتاين معلماً جيداً، أي أنه لم يستطيع تبسيط نظرياته، وبقت صعبة جداً، لا يفهمها إلا العلماء والمتمرسون في الفيزياء.(4) تواضعه: يتحلى أينشتاين بإنسانية وسخاء وسرعة بديهة سواء حين كان ينادي بالسلام العالمي، أو يسبر أغوار خفايا الكون وحتى الاطفال يهرعون لرؤية ذلك الفيزيائي الهرم وهو يجوب الطرقات وكان يكافئهم على حفاوتهم تلك بأن يحرك لهم أذنيه، وكان أينشتاين يحب أن يتجاذب اطراف الحديث مع طفل في الخامسة اعتاد أن يرافق المفكر العظيم في سيره إلى معهد الدراسات، وذات مرة أثناء سيرهما المتأني، أنفجر أينشتاين ضاحكاً، وعندما سألت أم الصبي أبنها عما حدث، فأجاب سألته هل ذهب إلى الحمام اليوم، ولما رأى أينشتاين في قمة الحرج، قال لها" أنني سعيد بأن هناك من يسألني سؤالاً استطيع الاجابة عليه". ويتحلى بروح الفكاهة فيذكر أن سيدة جميلة سألت أينشتاين، عن النظرية النسبية، فقال لها أنتِ سيدة جميلة لو جلست معك 3 ساعات تعبر الساعات وكأنها 3 ثواني، بينما لو جلست مع سيدة قبيحة 3 ثواني تعبر وكأنها 3ساعات. وذات مرة طلب أحد الصحفيين من ألبرت أينشتاين أعظم العباقرة بعد نيوتن، أن يشرح له معادلته الخاصة للنجاح، تأمل المفكر العظيم قليلاً ثم اجابه:" إذا كان أ يرمز للنجاح، فإن المعادلة يجب أن تكون على النحو الآتي: أ = س+ ص+ ع، حيث يرمز حرف س إلى العمل، وحرف ص إلى اللعب وسأله الصحفي عما يرمز إليه حرف ع، فأجابه أينشتاين إلى أغلاق فمك. وصل بتواضعه بأنه لا تملكه الغيرة من منافسيه التي غالباً ما تدفعهم للانغماس في صراعات عقيمة، إلا أن أينشتاين لم يستنكف عن أن ينسب جذور أفكاره الرائدة إلى فيزيائيين عظماء مثل نيوتن وجيمس كليرك ماكسويل، اللذين وضع صورهما في أماكن بارزة على مكتبة وجدران غرفته، وأينشتاين لم يبخل أبداً بوقته على الآخرين وميالاً للدعابات المرحة مع الصحفيين، وعلى الرغم من الانجازات الشامخة نجده يظهر تواضعاً جماً بالغاً، فتجده يخرج لسانه للكاميرا، ويتصف بأنه اشعث الشعر، غير مهندم اللبس، كارهاً للجوارب له قلب مفعم بالحيوية والدفيء رجلاً مسالماً.(5) الجوائز: حصل أينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921 عن تفسيره الرائع لظاهرة التأثير الكهروضوئي، وهذه الظاهرة تتعلق بتفاعل الضوء مع المادة، وهي حجر الزاوية في فهمنا للضوء والذرة، ولقد كان لاكتشافه التأثير الكهروضوئي خطوة حاسمة في تطور ميكانيكا الكم، وهي النظرية التي تصف سلوك المادة على المستوى الذري والجزئي، ورغم أن أينشتاين لم يحصل على جائزة نوبل عن النسبية، إلا أن هذه النظرية تعتبر واحدة من أهم الإنجازات العلمية في القرن العشرين، وأثرت بشكل عميق في فهمنا للكون، والزمان، والمكان، والجاذبية. وإن حصول أينشتاين على جائزة نوبل عن التأثير الكهروضوئي لا ينقص من شأن النظرية النسبية بأي شكل من الأشكال، فكلا الإنجازين يمثلان قفزات هائلة في فهمنا للكون، و أينشتاين يستحق بكل جدارة مكانته كواحد من أعظم العقول العلمية في التاريخ، وتفضل لجنة نوبل بصورة عامة الانتظار لعدة سنوات للتأكد من أن الاكتشاف العلمي قد أحدث تأثيراً كبيراً ومستداماً في المجال، وهذا النهج يهدف إلى ضمان أن الجائزة تمنح لأعمال ذات قيمة حقيقية ودائمة، وليس لأعمال قد تكون مؤقتة أو مثيرة للجدل في وقتها، وقد تكون الأبحاث الجديدة، مثل النظرية النسبية في وقتها، مثيرة للجدل وغير مقبولة بشكل كامل من قبل المجتمع العلمي حيث تحتاج هذه الأبحاث إلى وقت لتثبت صحتها وتأثيرها، وهذا يتطلب أدلة تجريبية قوية، وقد يكون منح جائزة لنظرية جديدة ومثيرة للجدل، مثل النسبية، قد يثير جدلاً واسعاً داخل المجتمع العلمي، إذ تفضل لجنة نوبل تجنب مثل هذا الجدل، وافساح الوقت للآراء العلمية أن تستقر، ولم تمنح نوبل للنظرية النسبية ، لأن القاعدة العامة هي منح جائزة واحدة فقط لكل فئة في كل عام، وهذا يجعل من الصعب منح جائزة لأينشتاين عن النظرية النسبية، خاصة وأن تأثيرها الكامل لم يكن واضحاً بعد في وقت منح الجائزة. ومن الجوائز التي حصل عليها أيضاً: 1_وسام فرانكلين (1935). 2_جائزة المحاضر ليوشيا ويلارد جيبس (1934). 3_جائزة بيير جانسين (1931). 4_ميدالية ماكس بلانك (1929). 5_دكتوراه فخرية من جامعة باريس (1928). 6_الميدالية الذهبية للجمعية الفلكية الملكية (1926). 7_وسام كوبلي (1925). 8_عضو فخري في الجمعية الملكية النيوزيلندية. 9_الدكتوراة الفخرية من جامعة كمبلوتنسي بمدريد (1923). 10_عضوية أجنبي في الجمعية الملكية (1921). 11_ميدالية ماتيوتشي (1921). 12_ميدالية بارنارد للخدمة الجليلة للعلوم (1920). 13_الدكتوراة الفخرية من جامعة جنيف. 14_الدكتوراة الفخرية من جامعة برينستون. 15_وسام الاستحقاق البروسي. 16_وسام الاستحقاق للفنون والعلوم. وفاته: توفي الفيزيائي أينشتاين في 18 أبريل 1955 في برينستون في نيو جيرسي عن عمر يناهز 76 عاماً، وكان السبب الرئيسي لوفاته هو تمدد الأوعية الدموية ، بعد أن تدهورت صحته في السنوات السابقة بسبب مشاكل في القلب، وقد نصح الاطباء أينشتاين بأن يذهب إلى جراح فربما يستطيع اصلاح الشريان الأورطي، فرفض أينشتاين الخضوع وقال:" إن إطالة العمر بطريقة صناعية هو أمر لا طعم له، لقد قمت بواجبي وآن الأوان الرحيل، وسوف أرحل بطريقة جميلة". وبوصيه من أينشتاين أحرقت جثته، ونثر رماد جثته في نهر ديلاوار، وقد اصر أن يبعثر رماد جثته بحيث لا يصبح مثواه الأخير موضوع تبجيل، واستخرج الطبيب توماس هارفي مخ أينشتاين دون أخذ تصريح من العائلة وقام بتحنيطه، واصبح مخ أينشتاين تذكاراً متجولاً، وعندما علمت عائلته أينشتاين اتصل هانز ألبرت بالمستشفى يشكو ما حدث، لكن الطبيب هارفي أصر على أن ما فعله قد تكون له قيمة علمية في دراسة المخ، ووافق هانز ألبرت على مضمضة، وبقى الطبيب هارفي محاصراً من الكثير الذين يريدون جزء من مخ أينشتاين، وبقي يتنقل المخ معه، وفي عام 1998 اصبح هارفي عمره 86 واعطى المخ لشخص يعمل في مستشفى برينستون، وقد شرح العلماء دماغ آينشتاين وقاسوا أبعاده ووزنه، وتوصلت البحوث إلى أن دماغه تميز بأن خلاياه العصبية مرصوصة بشكل غير طبيعي، مما أتاح له ربما التعامل مع المعلومات بشكل أسرع من سواه، كما كانت المناطق في دماغه المسؤولة عن إدراك المكان والتفكير الرياضي أكبر من الحجم الطبيعي غير أن البعض اعتبر ذلك مجرد تخمين، وحالياً يحتفظ دماغ أينشتاين في متحف في ولاية نيوجيرسي الأميركية بمعظم ما تبقى من دماغ عبقري الفيزياء.(6) السيرة العملية: بدأ اهتمام أينشتاين بالعلوم مبكراً بتعرفه لأول مرة على المغناطيس التي قال أنها كانت أول معجزة يشهدها، وكان والده قد أهداه بوصلة، ففتنه بشد، ورأى أن هناك قوى خفيه قادرة على تحريك الاجسام المادية، ويتذكر أينشتاين هذه التجربة ويقول عنها " أن هذه التجربة قد تركت أثراً عميقاً ودائماً في نفسي، وأدركت حينها أن هناك أموراً خفيه تتوارى خلف الظواهر". وتخرج أينشتاين عام 1900 من معهد بوليتكنيك بشهادة في الفيزياء، وفي عام 1902، عمل أينشتاين في مكتب براءات الاختراع كخبير فني من الدرجة الثالثة براتب زهيد للغاية، وكانت لهذه الوظيفة ثلاث ميزات وهي: 1_فرضت عليه إيجاد المبادئ الفيزيائية البسيطة التي تشكل اساس كل اختراع يعرض عليه. 2_ كان كثير من تطبيقات الاختراعات التي تعرض عليه تتعلق بالأجهزة الكهرو ميكانيكية. 3_ساعدته هذه الوظيفة على البعد عن التشتيت، ومنحته الوقت الذي يحتاجه كي يفكر في المسائل العميقة الخاصة بالضوء والحركة. لكنها مع ذلك لم تكن هذه الوظيفة تغطي احتياجاته المادية و نشر أينشتاين اعلاناً في الصحف المحلية عارضاً دروساً خاصة في الرياضيات والفيزياء، رغبة منه لزيادة دخله ، وكان أول من استجاب لإعلانه هذا طالب فلسفة يهودي روماني يدعى موريس سولوفين، وكان أينشتاين بقمة السعادة بهذا الطالب، وفيما بعد كون أينشتاين حلقة دراسية غير رسمية، سماها متهكماً( الأكاديمية الأولمبية) بهدف مناقشة القضايا البارزة على الساحة. تجلى نبوغ آينشتاين منذ الصغر، وتبلور هذا النبوغ عام 1905 عندما نشر وهو لم يتجاوز سن 26 عاماً 4 أوراق بحثية غيرت شكل الفيزياء إلى الشكل الذي يعرف اليوم، ويتعلق الأمر بورقة التأثير الكهروضوئي التي ساعدت في إفساح المجال أمام ميكانيكا الكم من خلال تأكيد أن الضوء جسيم وموجة في الوقت ذاته، إضافة إلى الحركة البراونية التي يؤكد فيها أينشتاين أن حركة الجزيئات التي تبدو عشوائية في السائل (الحركة البراونية) هي جزء يمكن التنبؤ به وقياسه من حركة الذرات والجزيئات، وساعد ذلك في تأسيس نظرية الحركة الجزيئية للحرارة، وبحلول عام 1908 اعترف بأينشتاين كعالم رائد ، وعين محاضراً في جامعة برن، وفي العام التالي عين أستاذاً مشاركاً، وبعدها أصبح أينشتاين أستاذًا متفرغ في جامعة تشارلز فرديناند الألمانية في براغ في أبريل 1911، ووافق على الحصول على الجنسية النمساوية في الإمبراطورية النمساوية المجرية للقيام بذلك، وخلال إقامته في براغ كتب أحد عشر عملاً علمياً خمسة منها في الرياضيات الإشعاعية ونظرية الكم للمواد الصلبة، وفي عام 1914 أصبح مديراً لمعهد القيصر فيلهلم الفيزيائي وأستاذًاً في جامعة برلين ، وأكمل حياته في ألمانيا حتى عام 1933، ليتخلى بعد ذلك عن جنسيته الألمانية عندما استلم أدولف هتلر الحكم في ألمانيا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة ليعمل أستاذًاً للفيزياء النظرية في جامعة برينستون، وتمكن من الحصول على الجنسية الأمريكية عام 1940، ومن ثم تقاعد في عام 1945. نشر أينشتاين طوال حياته مئات الكتب والمقالات، إذ نشر أكثر من 300 ورقة علمية و150 ورقة غير علمي، وفي 5 ديسمبر 2014، أعلنت الجامعات ودور المحفوظات عن إطلاق أوراق أينشتاين، التي تضم أكثر من 30000ألف وثيقة فريدة، وكان لنظريات أينشتاين مساهمة كبيرة في تطور العلوم، ومع ظهور تقنيات وأجهزة لم تكن موجودة في عشرينيات القرن الماضي، كالأقمار الصناعية والليزر وأجهزة الكمبيوتر الفائقة وتكنولوجيا النانو وأجهزة رصد في اعماق الذرة تحصد تنبؤات أينشتاين، جوائز نوبل لمصلحة علماء آخرين، فحتى فتات مائدة أينشتاين اصبح يفتح أفاقاً جديدة للعلم، ومثال على جائزة نوبل عام 1993، التي ذهبت لأثنين من الفيزيائيين اللذين أثبتا بصورة غير مباشرة عن طريق تحليل حركة النجوم النيوترونية المزدوجة في السماء، وجود أمواج الجاذبية التي تنبأ أينشتاين بوجودها عام 1916، وأيضاً جائزة نوبل لعام 2001، التي فاز بها ثلاثة فيزيائيين بعدما أكدوا وجود ما يسمى بمكثفات يوس_ أينشتاين، وهي حالة فيزيائية جديدة توجد قرب الصفر المطلق كان أينشتاين قد تنبأ بها عام 1924، وكثير من التنبؤات لأينشتاين تتأكد، ومنها ما اعتبر يوماً جانباً غريباً من جوانب نظرية أينشتاين مثل الثقوب السوداء، رصدت عن طريق التلسكوب هابل وغيرها الكثير.(7) دور الفلسفة في منهج آينشتاين: شدد أينشتاين في العديد من المناسبات على أن الفيزياء الحديثة لا يمكنها السيطرة على مسائلها الحالية بدون المعرفة الفلسفية، وذلك لما أثارته من مسائل مشوقة بدت شديدة الارتباط بالمسائل التي ظلَت تناقشها الفلسفة سنوات طويلة، وقد كلل أينشتاين هذه الدعاوي بقراءات لأعمال العديد من الفلاسفة، وقد كانت اهتمامات أينشتاين محصورة بشكل تقريبي على الأبستمولوجيا أو علم المعرفة ومسائلها التقليدية عن جوهر المعرفة و أساسها و مصادرها وحدودها وطبيعة عملية الإدراك وغيره , وعند تحليل كتابات أينشتاين نجد بأنها بدت معارضة لما يسمى بالواقعية الساذجة أو الجامدة ، أي بمعني الادعاء القائل بوجود العالم كما ندركه، وقد التجأ أينشتاين للتصدي لذلك ببعض آراء هيوم و كانت وبركلي، وقد استفاد أينشتاين أيضاً من أعمال هيوم لمهاجمة التجريبية الكلاسيكية، فقد بين هيوم أن العديد من المفاهيم الضرورية للعلم كالسببية مثلاً لا يمكن أن تستمد بشكل مباشر من التجربة، وقد تأثر أينشتاين بأفكار الفيلسوف كانت تأثراً شديداً حتى أنه فكر في أن يصبح فيلسوفاً، لكن والده الذي أراد لأبنه مهنة أكثر واقعية رفض ذلك الهراء الفلسفي على حد قوله، وكان من حسن طالع أينشتاين أن والده يعمل في الصناعات الكهروكيميائية، فقد كان يمتلك مصنع يمتلئ بالمولدات الكهربائية والمحركات والاجهزة، وهو ما ساهم في تغذية فضوله وزاد اهتمامه بالعلوم، ولا شك أن وجود الاجهزة الكهرومغناطيسية الكثيرة حول أينشتاين أيقظ فيه أدراكاً حدسياً للكهرباء والمغناطيسية، وهو على الارجح ما شحذ قدرته الفذة على خلق صور مادية حية تصف قوانين الطبيعة بدقة شديدة، ويرى أينشتاين أن في الكثير من الاحيان تؤدي نتائج البحث العلمي إلى تغيير في النظرة الفلسفية لمسائل تمتد إلى أبعد من مجال العلم الضيق، وأن التطورات العلمية تصبح منبعاً لوجهات نظر فلسفية جديدة، وهنا يرى أينشتاين بأن العلم يسبق الفلسفة، بل هو من يؤثر عليها ويعطيها منهاج، ومن جانب ثاني يرى أن الافكار الفلسفية الأولى تأثير قوي على تطور علم الطبيعة إلى أن ظهرت أدلة جديدة، وحقائق ونظريات جديدة كونت اساساً جديداً للعلم وحتمت ترك المبادئ القديمة.(8) النظرية النسبية الخاصة: في ذات يوم سأل احد الصحفيين أينشتاين، أن يصف النظرية النسبية في جملة واحدة، وأجاب أينشتاين" طوال حياتي كنت أحاول أن اضعها في كتاب واحد، وتريدني أن اضعها في جملة واحدة". وعندما ضغط عليه الصحفي أن يحاول يقدم وجهة نظر بسيطة، قال:" أنها نظرية عن المكان والزمان من الناحية الفيزيائية، وتؤدي إلى نظرية الجاذبية". وفي أحد المرات سألت زوجة أينشتاين إلسا عن فهمها للنظرية النسبية، فأجابت " لا، على الرغم من أنه شرحها لي مرات عديدة، لكنها ليست ضرورية لسعادتي". نشرت النظرية النسبية الخاصة لأينشتاين في عام ١٩٠٥، وهي تعد أحد أعظم الإنجازات العقلية في تاريخ الفكر الإنساني، وتوجد نظريتان للنسبية، الأولى هي النسبية الخاصة والثانية هي النسبية العامة، ويقول أينشتاين بخصوص النظرية النسبية :" كنت أجلس على كرسي في مكتب براءات الاختراع ببرن عندما طرأت لي فكرة، لو أن شخصاً سقط سقوطاً حر فلن يشعر بوزنه". هذه الفكرة التي أفزعته، جعلته يبدأ جهداً مضنياً طوال سنوات لتعميم نظريته عن النسبية الخاصة، ودفعته نحو نظرية الجاذبية، وفيما بعد سوف يطلق على تلك الفكرة بفخر (أسعد الافكار في حياتي)، وقد كان أينشتاين يدرس الكون ووضع هذه النظرية في بيتهم، أي أنه لم يكن يدرس الكون عن طريق المختبرات والتلسكوبات، واحتلت النسبية الخاصة موقعاً بارزاً بين الانجازات القائمة للفكر العلمي الحديث، واسقطت هذه النسبية مفهوم الزمن عند نيوتن، والذي كان يرى الزمن مطلق، أي كمثل البحر والنجوم والسدم والفضاء يسبح فيها، لكن أينشتاين ضرب هذه النظرية وقال بنسبية الزمن، وأثبتت أن الكون يتوسع، وأن سرعة الضوء ثابتة ولا تتغير مهما كان مصدرها متحرك أو غير متحرك، فمثلاً صاروخ وفي رأسه مصباح، ولو افترضنا الصاروخ يسير بسرعة مقاربة لسرعة الضوء وهي 300000ألف كيلو متر بالثانية، وهذا مستحيل، لكن لو افترضنا ذلك، فالمصباح الذي في رأس الصاروخ أيضاً يسير بسرعة 300000 ألف كيلو متر بالثانية، و أثبت أينشتاين أن موجات الضوء تستطيع أن تنتشر في الخلاء دون الحاجة لوجود وسط أو مجال، على خلاف الموجات الأخرى المعروفة التي تحتاج إلى وسط تنتشر فيه كالهواء أو الماء، وإن سرعة الضوء هي سرعة ثابتة، ويرى أينشتاين أن هناك حقيقتان ثابتة، وهي: 1_ قوانين الفيزياء واحدة في جميع الأطر الثابتة. 2_سرعة الضوء ثابتة في جميع الأطر الثابتة. ولقد أصبح هذان المبدآن هما المحددان الرئيسيان، لكل النظريات المتعلقة بالكون، ومن خلالهما يستطيع المرء تكوين صورة واضحة وجديدة عن الزمان والمكان، أما الأسس التي بنيت عليها النظرية النسبية هي 1- لا وجود للحركة المطلقة في الكون من الوجهة الطبيعية، ولا يمكن الكشف عن وجودها . 2 - سرعة الضوء مقدار ثابت لا يتأثر بحركة المصدر المشع للضوء (شمس - نجم - مصباح متحرك … الخ) . ولا تتأثر سرعة الضوء بحركة الراصد له مهما كان الاتجاه، ومهما كانت الأوضاع، ومن هذا أن سرعة الضوء هي المقياس الوحيد المطلق في الكون، ومقداره في أي منطقة ثابت ، سواء كانت المنطقة ساكنة أو متحركة أو مائلة أو معتدلة . سميت النظرية النسبية الخاصة، لأنها تتعلق بالقوانين الطبيعية المطبقة في مناطق تتحرك بحركات منتظمة، فخصصت الحركات بالانتظام، أو قيدت بالانتظام، لذا تسمى احياناً ب النظرية النسبية المقيدة، وفسرت النظرية النسبية العديد من الظواهر والفرضيات المختلفة وفهمها بشكل جيد، فمن خلال هذه النظرية تمكن العلماء من فهم التفاعلات التي تحدث بالجسيمات وطبيعتها، وقد قام العلماء سنة 1971، باختبار للنظرية النسبية، فجلبوا الساعة الذرية والتي تكون دقيقة جداً، ووضعوا واحدة بالطائرة والثانية في مكان ثابت، وبعد مغادرة الطائرة ورجوعها تبين الساعة التي في الطائرة متباطئ عن الساعة الموجودة في مكان ثابت، وبذلك تصح النظرية النسبية القائلة كلما زادت سرعة الجسم تباطء الزمن، ولو وصل الجسم سرعته مقارب لسرعة الضوء ينعدم الزمن وتدخل في الابدية، (ولربما والله العالم الجنة والتي ذكر عنها فيها شباب لا كهولة ولا كبر، لربما الجنة تسير بسرعة الضوء أو أكثر)، وساعدت النظرية النسبية على تطوير الكثير من العلوم، كالعلوم النووي بكافة أشكاله، والذي تزايد الاهتمام به بعد اكتشاف أينشتاين للنظرية النسبية، كما عملت على تفسير السلوكيات الخاصة بالجزيئات بالتفاعلات النووية، وعملت على إظهار الخواص والصفات الخاصة بها، كما قامت بتفسير الكثير من ظواهر الكون والفضاء كالموجات التابعة للجاذبية، وما يعرف بالثقوب السوداء بالفضاء، وغيرت النظرية النسبية الكثير من المفاهيم بما يتعلق بالمصطلحات الاساسية في الفيزياء، المكان والزمان والكتلة والطاقة، حيث احدثت نقلة نوعية في الفيزياء النظرية وعلم الفلك في القرن العشرين، وغيرت مفهوم الحركة لنيوتن، حيث نصت أن كل حركة نسبية، ومفهوم الزمن تغير من كونه مطلق، إلى كونه نسبي وجعله بعدْ رابع يدمج مع الأبعاد الثلاثة المكانية فيما يعرف بالزمان، وجعلت الزمان والمكان شيئاً موحداً بعد أن كان التعامل معهما سابقاً كشيئين مختلفين، وجعلت مفهوم الزمن يتوقف على سرعة الأجسام وشدة الجاذبية التي يتحرك فيها الجسم، وأصبح تقلص وتمدد الزمن مفهوماً أساسياً لفهم الكون، وبذلك تغيرت كل الفيزياء الكلاسيكية حسب مفهوم نيوتن، وأدت مفاهيم النظرية النسبية إلى ظهور علوم جديدة كلياً مثل: الفيزياء الفلكية وعلم الكون، بالإضافة لاستعمالها في تطبيقات حياتية كنظام الملاحة العالمي GPS.(9) النظرية النسبية العامة: النظرية النسبية العامة، هي النظرية التي طورها أينشتاين ما بين عامي 1907 و 1915، وقام بنشرها عام 1916، وفيها الوصف الحالي للجاذبية في الفيزياء الحديثة، وتعمل النسبية العامة على تعميم النسبية الخاصة وقانون الجذب العام لنيوتن، حيث تقدم وصفاً موحداً للجاذبية كخاصية هندسية للمكان والزمان، أو الزمكان، وبشكل خاص، يرتبط انحناء الزمكان بشكل مباشر بالطاقة والزخم أيا كانت المادة والإشعاع الموجودان، وترى النسبية العامة أن الجاذبية تجبر الاجسام على الانحناء، وأيضاً تؤثر على الزمن وتجعله متباطئ، فالجاذبية تؤثر على الضوء وتؤثر على انتشاره، فالضوء عندما يمر من الجاذبية ستؤثر على انتشاره واستقامته. بعد أن صاغ أينشتاين نظريته الخاصة عن النسبية عام 1905، أدرك أنها غير كاملة من ناحيتين، الأولى أنها اعتبرت أن التفاعل الفيزيائي لا يمكن أن ينتشر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، والثانية أنها لا تنطبق إلا على الحركة بسرعة منتظمة، وأدى بأينشتاين إلى أن يضع (مبدأ التكافؤ) ومن نتائج هذا المبدأ أن الجاذبية تحني اشعة الضوء، فينص مبدأ التكافؤ على أن هذا التأثير يبقى ثابتاً، إذ يجب أن يظهر الضوء منحنياً عندما يخترق مجال الجاذبية، وكان هدف أينشتاين عندما تابع نظريته العامة للنسبية إيجاد المعادلات الرياضية التي تصف عمليتين متكاملتين: 1_كيف يؤثر مجال جاذبية على مادة، ويخبرها كيف نتحرك. 2_كيف تولد المادة مجالات الجاذبية في الزمكان، ونخبرها كيف ينحني. وكانت فكرته الرئيسية هي أن يمكن تعريف الجاذبية بأنها الشعور في الزمكان، وبذلك يمكن تمثيلها بكمية ممتدة مترية، وعندما سأله أبنه الاصغر إدوارد، لماذا كان على درجة من الشهرة، رد أينشتاين باستعمال صورة بسيطة لوصف فكرته العظيمة بأن الجاذبية هي انحناء نسيج الزمكان وقال:" عندما تزحف خنفساء عمياء فوق شجرة منحن، فهي لا تلاحظ أن المسار الذي قطعته منحن بالفعل، لقد كنت محظوظاً بأن لا حظت مالم تلاحظه الخنفساء".(10) القنبلة النووية: العالم سيلارد (1898_1964) هو من فكر بأنشاء قنبلة ذرية واستعان بأينشتاين وهما من وضعا اللبنة الأولى للقنبلة الذرية، وعندما اكتملا من البحث وأرادا العمل به بعث أينشتاين خطاب للرئيس الأمريكي روزفلت ويقترح في رسالته بأنشاء قنبلة ذرية وتحذيرهما من أنها تكون مدمرة وفي نهاية الرسالة يحذر من أن الالمان بقيادة النازية، تسعى لامتلاك القنبلة، وهذا هو المنطلق الذي دعى أينشتاين يسعى بالمساهمة في إنشاء القنبلة، لأن النازية كانت تسعى لاحتلال العالم بقيادة هتلر وباعتقاده القضاء على اليهود، وهو بالفعل نفذ بهم محرقة، عرفت بالمحرقة الهولوكوست، لكن روزفلت لم يوافق على مقترحهم، وخصص مبلغ قليل لهم، لكن فيما بعد اصر سيلارد بالتعاون مع أينشتاين على العودة إلى روزفلت لأجل اقناعه لأنهم تصلهم رسائل من برلين من الاصدقاء أن البرنامج النووي يصل مراحل متقدمة، ثم عقد اجتماع روزفلت ودعى أينشتاين للحضور، لكنه لم يحضر وتحجج بأنه مريض بنزلة برد، لكنه بالمقابل كانت هناك رغبة من أينشتاين في المشاركة في الاجتماعات التي قادت فيما بعد إلى( مشروع مانهاتن) الذي طور القنبلة الذرية، لكنه لم يطلب منه الانضمام إلى مشروع مانهاتن، ولم يخبره أحد بشأن المشروع على نحو رسمي، ومن الواضح أنه لم يستدعي للمشروع، لأنه لم يكن من علماء الفيزياء النووية، ولم يكن خبيراً متمرساً في الموضوعات العلمية المطروحة، وهو بالأساس لم تكن لديه الرغبة في المشاركة، أو قدم طلب للاشتراك في هذا المشروع، ويبدو أن الأمريكان لم يخبروا أينشتاين، لأنه كان عالم معروف جداً ودائم التنقل واللقاءات الصحفية، وأيضاً تنقل في أكثر من بلد وحصل على أكثر من جنسية. عندما القيت القنبلة الذرية على هيروشيما في 6/8/ 1945، وعندما سمع أينشتاين بالخبر لم يقل شيئاً سوى( يا إلهي)، والقي اللوم في الكثير من الاحيان على أينشتاين، لكنه لم يشترك في الصناعة إلا هامشياً، لكنه مع ذلك وجه له اتهام، لأنه من حث الولايات المتحدة الأمريكية على البدء بأبحاث القنبلة، وعندما غطت مجلة نيويورك الأمر نشرت موضوعها تحت عنوان( الرجل الذي بدأ المسألة برمتها) وقد قال في لقائه مع المجلة، " لو علمت أن الالمان لن ينجحوا في صنع قنبلة ذرية، ما كنت ساحرك ساكناً" وقال ليونس بولنج:" ربما يمكن أن يغفر لي، لأننا شعرنا جميعاً بأن هناك احتمالاً كبيراً بأن الألمان كانوا يعملون في هذه المسألة، وربما ينجحون ويستعملون القنبلة الذرية ويصبحون الجنس المتحكم". وبعد القاء القنبلة اصبح أينشتاين قليل الكلام بطريقة غير معهودة عنه، فبدأ بالتهرب من الصحفيين الذين كانوا يطرقون باب منزله، وبعد أكثر من شهر من القاء القنبلتين، قال أينشتاين:" الخلاص الوحيد للحضارة وللجنس البشري يكمن في إنشاء حكومة عالمية، وإذا استمرت الدولة المستقلة في التزويد بالأسلحة وفي الاحتفاظ بأسرار تسلحها، فسوف يكون نشوب الحروب العالمية الجديدة أمراً حتماً". وبذلك النقطة الوحيدة التي ساعدت عليها القنبلة هي عززت دعمه الطويل، لإنشاء حكومة اتحادية عالمية، وبذلك سعى للتوصل إلى مجموعة موحدة من المبادئ يمكنها أن تخلق النظام من الفوضى، ورأى أن النظام القائم أنذاك من المحتم أن يتسبب في مزيد من الحروب فهو مبني على دول مستقلة لها قواتها العسكرية الخاصة وايديولوجياتها المتضاربة ومصالحها القومية المتصارعة، لذا فقد نظر إلى وجود سلطة عالمية على أنها مسألة واقعية وليست مثالية، فكرة عملية وليست ساذجة، لذلك دعى أينشتاين إلى سلطة أو حكومة عالمية تحتكر القوة العسكرية، وقد اطلق عليها كيان فوق القوميات بدلاً من كيان دولي، لأن سلطتها تكون أقوى من سلطة الدول الاعضاء ولن نكون مجرد وسيط بين الامم ذات السيادة وشعر أينشتاين أن الأمم المتحدة التي تأسست في اكتوبر عام 1945، لا تفي بهذه المعايير ورأى إن القوى العظمى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا ينبغي أن تنشئ معاً حكومة عالمية جديدة، وبعد ذلك تدعوا الأمم الأخرى للانضمام إليها، وسعى أينشتاين إلى توضيح أن الحكومة العالمية التي تصورها لن تحاول فرض ديمقراطية ليبرالية على النمط الغربي في كل مكان، وقد طالب أينشتاين بوجود جمعية تشريعية علمية تنتخب بالاقتراع السري المباشر بواسطة شعب كل دولة عضواً ، وفي هذا السلطة بدلاً من تعيينه بواسطة حكام تلك الدول، وقال لطمأنه روسيا:" ليس من الضروري تتغير النظام الداخلي للقوى العظمى الثلاث، فالعضوية في النظام الأمني فوق القوميات يجب ألا تقوم على أية معايير ديمقراطية تعسفية". ولم تكن جهود أينشتاين لمنع الحروب في المستقبل تحركها ميوله، بل أيضاً شعوره بالذنب للدور الذي لعبه في تشجيع مشروع القنبلة الذرية، وفي حفل غداء بمانهاتن دعته إليه لجنة جوائز نوبل في كانون الأول، ذكر أينشتاين أن ألفريد نوبل مخترع الديناميت ابتدع الجائزة، ليكفر بها عن اختراعه لأشد المتفجرات قوة في عصره". وأوضح أنه يقف في موقف مشابه وقال:" إن الفيزيائيين الذين شاركوا في صنع أكثر الاسلحة رعباً وخطورة في كل العصور يقلقهم اليوم شعور مساو بالمسؤولية إن لم يكن شعوراً بالذنب". ودفعت هذه المشاعر أينشتاين في أيار عام 1946، على أن يبدأ أبرز أدواره السياسية في حياته العملية، فقد اصبح رئيس لجنة الطوارئ للعلماء الذريين، التي كانت تكرس جهودها من أجل ضبط الاسلحة النووية، ومن أجل إنشاء حكومة عالمية، سعى لضبط التسلح وخاصة القنبلة الذرية واعتنق السياسة، لكنه مع ذلك كان يقول:" معادلاتنا أكثر أهمية لي، فالسياسة تعيش في الزمن الحاضر وتعيش المعادلات للأبد". وقبل عام من وفاته ، كتب رسالة إلى صديقه الكيميائي لينوس بولينج : "لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي: عندما وقعت الرسالة إلى الرئيس روزفلت التي أوصي فيها بتصنيع القنابل الذرية، وكانت الرسالة حجة حاسمة لروزفلت لبدء مشروع مانهاتن بقيادة أوبنهايمر، الذي طور أول الأسلحة النووية، وتقول بوابة مؤسسة التراث الذري، وهي منظمة مكرسة للحفاظ على ذاكرة الشؤون النووية: " لقد غيرت رسالة أينشتاين - سيلارد إلى الرئيس روزفلت مسار التاريخ من خلال تعزيز مشاركة حكومة الولايات المتحدة في البحوث النووية". وتضيف المؤسسة : "أدت الرسالة إلى إنشاء مشروع مانهاتن". ولم يعمل أينشتاين أبداً على تصميم القنبلة، لكنه تحرك للحث على بناء أسلحة نووية اعتقاداً منه أن الولايات المتحدة لن تستعملها أبداً إلا في الدفاع عن النفس ضد قوة معادية مجهزة بأسلحة مماثلة، لكنه احس بالذنب الكبير في مساهمته في الحث على صناعة آلة تدمير هائلة، وبدأ يناضل من أجل السلام، فقد سعى في كثير من مواقفه لمناهضة الحرب وأيضاً التجنيد الإلزامي، وفي مرحلة ما صرح أينشتاين " أنا لست مجرد داعية سلام، أنا مناضل من دعاة السلام، أنا على استعداد للقتال من أجل السلام، ولا يكفي أن تكون مسالماً ، يجب أن يكون المرء داعية سلام متشدداً". وكان السلام بالنسبة له قيمة غير قابلة للتفاوض وتتطلب المسؤولية والعمل.(11) الدين: حين اقترب من الحادية عشر من عمره، اتخذت حياته اتجاهاً غير متوقع، إذ تحول إلى التدين الشديد، وكان هناك شخص تربطه به صلة قرابة بعيدة يزوره ليعلمه العقيدة اليهودية، والغريب أن أينشتاين أقبل عليها بمنتهى الحماس وبشكل اقترب من التطرف، فقد أمتنع عن أكل لحم الخنزير وألف مجموعة من الترانيم في مدح الله، وكان ينشدها في طريقة إلى المدرسة، لكن فترة الحماس الديني تلك لم تدم طويلاً، ووصل إلى نتيجة وصفها بقوله:" من خلال قراءتي وصلت سريعاً إلى قناعة بأن كثيراً مما جاء في قصص التوراة لا يمكن أن تكون حقيقية". وهكذا تخلى أينشتاين عن الدين بنفس السرعة التي اعتنقه بها، لكن مع هذا كان لتلك المرحلة الدينية من حياته أثراً كبير على آرائه في مراحل لاحقة، وتحدث أينشتاين عن الدين في العديد من المناسبات، وقد اعترف في مذكراته أنه كان متديناً في طفولته مثل الكثير من معاصريه، ولكن ذلك أنتهى بشكل حاد عندما بلغ الثانية عشر، فيقول:" من خلال قراءتي للكتب العلمية العامة توصلت إلى قناعة بأن أغلب القصص الموجودة في الانجيل لا يمكن أن تكون حقيقية، وكانت النتيجة حرية التفكير". وحاول أينشتاين أن يماثل بين اسباب الافكار الدينية والإيمان بالقوى الخارقة إلى آخره، وآمن بأن الدين تاريخياً في الطبيعة، و ينبثق كما هو في مرحلة معينة من تطور المجتمع، فعند شعوب مختلفة وفي مراحل مختلفة من تطورها تولدت هذه الافكار الدينية لأسباب مختلفة. لم يؤمن أينشتاين شأنه شأن اسبينوزا بإله شخصي يتفاعل مع الإنسان على أنهما آمن بوجود تخطيط إلهي يتجلى في القوانين الرائعة التي تحكم طريقة عمل الكون، ويقول أينشتاين:" من المؤكد أن ميكانيك الكم مبهرة، لكن صوتاً داخلي يخبرني أنها ليست بعد الصورة الحقيقية، فالنظرية تقول الكثير، لكنها في الحقيقة لا تقربنا من اسرار الله الواحد الأحد، وإنني مقتنع تمام الاقتناع بأن الله لا يلعب بالنرد". بمعنى أن الله خلق الكون ليس بطريقة عشوائي، بل محكم النظام، وهذا ما كان يبهر أينشتاين كثيراً، ويذكر عن أينشتاين قوله لعل الله رياضياً بارع، وعندما سأل أينشتاين إن كان متديناً بالفعل، فرد " نعم يمكنك أن تقول هذا، حاول أن تخترق اسرار الطبيعة بوسائلنا المحدودة وسوف تجد أنه يوجد فوق نطاق كل القوانين والعلاقات التي تدركها شيء غامض لا يدرك ولا يمكن تفسيره، وإن ديانتي هي تعظيم هذه القوة الموجودة فوق نطاق أي شيء يمكننا فهمه، وبهذا أكون متديناً بالفعل". كثيراً ما يستعير المصطلحات والمفردات الدينية عند وصف الكون مما يكسبه مظهر رجل دين، لكنه مع ذلك عندما سأل هل تؤمن بالخلود؟ أجاب" لا، حياة واحدة تكفيني". وقد كان أينشتاين طوال حياته ثابتاً على موقفه في رفض رميه بتهمة الالحاد، وقال لصديقه:" هناك اشخاص يقولون بعدم وجود إله، على أن ما يغضبني كثيراً هو أنهم يستشهدون بي لدعم وجهات النظر هذه". ولم يشوه أينشتاين سمعة من يؤمنون بالله، بل على العكس فقد عمل على تشويه سمعة الملحدين وقال ذات مرة:" إن الملحدين المتعصبين شأنهم شأن العبيد الذين لا يزالون يشعرون بثقل سلاسلهم التي نزعت عنهم بعد نضال شاق، إنهم مخلوقات عاجزة عن سماع صوت موسيقى السماوات بسبب ما يكنونه في صدورهم من حقد على الدين المتوارث مما يجعلهم مثل أفيون الجماهير". وعندما سأل أينشتاين هل يؤمن بالله؟ فأجاب" لست ملحداً، فالمسألة المطروحة أكبر من أن تستوعبها عقولنا المحدودة، نحن نقف في موقف الطفل الصغير الذي يدخل مكتبة ضخمة مملوءة بكتب مكتوبة بلغات عديدة، يعرف الطفل أنه لا بد أن شخصاً ما كتب هذه الكتب، ولكنه لا يعرف كيف، فهو لا يعرف اللغات التي كتبت بها هذه الكتب، ويساور الطفل قدر ضئيل من الشك في أن هناك نظاماً غامضاً استعمل في ترتيب الكتب غير أنه يجهل كنه هذا النظام، وحسبما يتراءى لي فإن هذا هو موقف البشر من الله، حتى أكثرهم ذكاء، فنحن نرى الكون منظماً على نحو يثير الدهشة، ويخضع لقوانين معينة، لكننا لا نفهم هذه القوانين إلا بقدر ضئيل". ويرى أينشتاين:" إن الشعور الديني الكوني هو أقوى وأنبل الدوافع للبحث العلمي". وقد شرح العلاقة بين العلم والدين" أن مهمة العلم أن يحدد كنة المسألة، ولكن ليس عليه أن يقيم الافكار والافعال الإنسانية حول ما يجب أن تكون عليه المسألة، أما الدين فيقوم بعكس ذلك تماماً وإن كان هذا لا ينفي أن مساعي العلم والدين، قد ألتقت بعضها مع بعض احياناً، فلا يمكن أن ينشأ العلم إلا عن طريق أولئك الذين تملكهم الطموح للوصول إلى الحقيقة والفهم، ولا تنبع المشاعر إلا من المجال الديني". ويذهب أينشتاين إلى أن الإيمان ضروري للعامة ، لأنه يحث الناس على الفضيلة والتقوى، أما العلم فإن غايته هي فهم الظواهر الطبيعية وإيجاد العلاقات بينها ، فلا يجوز للدين أن يتدخل في العلم ، لأنه في هذه الحالة ينصب نفسه خصما له، وإن تدخل الدين في العلم من شأنه أن يعرقل مسيرة هذا الأخير ، ولعل ما فعلته الكنيسة مع جاليليو يؤكد صدق قولنا، فلا تصادم بين الدين والعلم ، لأن هذا التصادم ينشأ عندما ينتهك أحدهما مجال الآخر وفي هذا السياق يذهب اينشتاين إلى أن " الاختلاف بين الدين والعلم ينشب عندما تصر جماعة دينية على أن كل ما ذكر في التوراة صدق مطلق ، وهذا يعني تدخلاً من جانب الدين في دائرة العلم، وتبعاً لذلك يمكن القول بأن أينشتاين قد شكل توجهاً علمياً وفلسفياً يستمد جذوره الأبستمولوجيا والميتافزيقية من فلسفة سبينوزا ، ورأى البعض أن المعجزات تعتبر دليلاً على وجود الله، أما أينشتاين فكان يرى أن عدم وجود المعجزات هو ما يظهر العناية الإلهية، فحقيقة أن الكون يمكن فهمه وأن هذا الكون يسير وفقاً لقوانين محددة هي حقيقة تستدعي منها أن نقف أمامها بخشوع ورهبة، وهذه صفة تدل على إله يكشف عن ذاته من خلال تناسق كل ما أوجده، واعتبر أينشتاين هذا الشعور بالإجلال والمهابة هذا الدين الكوني، الينبوع والمعين الذي لا ينضب لكل الفنون والعلوم الحقيقية، وهذا ما كان يرشده وقال:" عندما أحكم على نظرية أسأل نفسي، لو كنت إلهاً هل أرتب الكون بهذه الطريقة وهذا ما حباه بالخليط الجميل من الثقة والرهبة.(12) القضاء والقدر: ذات مرة سأل أينشتاين إن كان يؤمن بأن للبشر قوة حرة فأجاب" لا، فأنا أؤمن بالحتمية في كل شيء، من البداية حتى النهاية، تحدده قوى ليست لنا سيطرة عليها، وهو محدد للحشرة كما هو للنجم أو البشر أو الخضروات أو الغبار الكوني فجميعنا نرقص على انغام لحن غامض يعزفه من بعيد عازف لا نراه". ويقول أينشتاين:" أنا مؤمن بالقضاء والقدر، ولا أؤمن بالإرادة الحرة". ويرى أنه من الضروري النظر إلى الإرادة الحرة على أنها شيء مفيد وضروري لمجتمع متحضر، لأنها تتسبب في جعل الناس يحملون مسؤولية تصرفاتهم وأفعالهم، وعندما يتصرفون كما لو كانوا مسؤولين عن تصرفاتهم فسوف يحفزهم هذا نفسياً وعملياً على التصرف بطريقة تحمل في طياتها قدراً أكبر من المسؤولية وأضاف" إنني مجبر على التصرف كما لو كانت الإرادة الحرة موجودة، لأنني إذا رغبت في الحياة وسط مجتمع متحضر فلا بد أن تنم تصرفاتي عن أنني شخص موثوق به". وحمل أينشتاين البشر مسؤولية خيرهم وشرهم، وفي الوقت نفسه استمر في الإيمان من الناحية الفكرية بأن افعال البشر جميعاً محددة سلفاً، وقال:" أعرف أن القاتل من الناحية النفسية ليس مسؤولاً عن جريمته، لكنني أفضل ألا أتناول معه الشاي".(13) موقف أينشتاين من فلسطين: بعد الحرب العالمية الأولى ظهرت في ألمانيا نزعة لمحاربة ومعاداه اليهودية، وهذه المعاداة زادت ارتباطه بتراثه ومجتمعه اليهودي، وعلى النقيض بعض اليهود الذين فعلوا ما بوسعهم للاندماج في المجتمع الالماني بما في ذلك اعتناق المسيحية، وحثوا أينشتاين على الاندماج في المجتمع الألماني، لكنه اتخذ طريقاً مختلفاً فاعتنق القضية الصهيوينة، إذ لم يكن موقف أينشتاين، في بداية حياته رافضاً للصهيونية، فقد نشأ وتعلَم في ألمانيا، ولذا فقد كان يؤمن بفكرة الشعب العضوي، وبأن السمات القومية سمات بيولوجية تورث وليست سمات ثقافية مكتسبة، فقد صرح بأن اليهودي يظل يهودياً حتى لو تخلى عن دينه، وقد عبر أكثر من مرة عن حماسته إنشاء دولة يهودية، لكنه انتقد الصهيوينة، واعرب عن مخاوفة عن الضرر الداخلي الذي ستبلوره اليهودية، إذا أتم تنفيذ البرنامج الصهيوني، وفي هذا رفض للفكر الصهيوني ولفكرة التاريخ اليهودي الواحد، وقد نصح أينشتاين من تجاهل المشكلة العربية، ونصح الصهاينة بأن يتجنبوا الاعتماد بدرجة كبيرة على الانجليز، وأن يسعوا إلى التعاون مع العرب إلى عقد مواثيق شرف معهم، وقد نبه في الخطر الكامن في الهجرة الصهيونية، وفي نفس الوقت أيد فكرة إقامة دولة مشتركة(عربية_ يهودية)، و دعا إلى تعاون اقتصادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإيجاد أرضية تقوم على العيش المشترك بين الطرفين، وأكد عام 1946 أن "فكرة دولة إسرائيل لا تتوافق مع رغبات قلبي، إنني لا أفهم لماذا نحن بحاجة إلى دولة كهذه". كما رفض فكرة تأسيس وطن قومي لليهود، فالدولة القومية بحسبه هي فكرة رديئة، وقال في ذلك "وقد عارضتها على الدوام، وإننا نقلد أوروبا، والذي دمر أوروبا في النهاية هو القومية". وانتقد ما فعلته الحركة الصهيونية بالعرب بالقول "ما يسبب لي حزنا عميقا أن أرى الصهيونية تفعل بالعرب الفلسطينيين أكثر مما فعلته النازية باليهود، وفي عام 1952، كتب السفير الإسرائيلي في واشنطن إلى أينشتاين نيابة عن رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون طالباً منه تولي منصب رئيس الدولة، وذلك تعبيرا عن "أعمق احترام يمكن أن يكنه الشعب اليهودي لأي من أبنائه". وأكد السفير في رسالته أن أينشتاين "سيمنح كل الحرية لمواصلة عمله العلمي العظيم". ولكن آينشتاين رفض العرض، قائلا إنه تأثر جداً به ولكن المنصب لا يناسبه نظراً لكبر سنه وشخصيته وقال :" أنا رجل علم ولست رجل سياسة".(14) من اقوال أينشتاين: 1_الشيئين اللذان ليس لهما حدود، الكون و غباء الإنسان، مع أني لست متأكدا بخصوص الكون. 2_أهم شيء أن لا تتوقف عن التساؤل. 3_إذا لم يوافق الواقع النظرية، غير الواقع. 4_الجنون هو أن تفعل الشيء مرة بعد مرة وتتوقع نتيجة مختلفة. 5_الحقيقة هي ما يثبت أمام امتحان التجربة. 6_يستطيع أي أحمق جعل الأشياء تبدو أكبر وأعقد, لكنك تحتاج إلى عبقري شجاع لجعلها تبدو عكس ذلك. 7_الحقيقة ليست سوى وهم، لكنه وهم ثابت. 8_أنا لا أفكر بالمستقبل، إنه يأتي بسرعة. 9_من لم يخطئ، لم يجرب شيئاً جديداً. 10_الثقافة هي ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته في المدرسة. 11_أنا لا أعرف السلاح الذي سيستعمله الإنسان في الحرب العالمية الثالثة، لكني أعرف أنه سيستعمل العصا والحجر في الحرب العالمية الرابعة. 12_أثمن ما في العالم هو الحدس أو الفكرة اللامعة. 13_الأمر الوحيد الذي أسمح له بالتدخل في علمي وأبحاثي هو معلوماتي وثقافتي الخاصة. 14_أنا لست موهوب، أنا فضولي. 15_مصير البشرية يعتمد كلياً على التطور الأخلاقي للإنسان. 16_ليس الأمر أنني عبقري، كل ما هنالك أني أكافح مع المشاكل لفترة أطول. 17_الحياة مثل ركوب الدراجة، لكي تحافظ على أتزانك لابد أن تستمر في الحركة. الهوامش: 1_ينظر ميشيو كاكو: كون أينشتاين( كيف غيرت رؤى ألبرت أينشتاين من إدراكنا للزمان والمكان)، ترجمة شهاب ياسين، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2011، ص9. وينظر أيضاً مجموعة مؤلفين: أينشتاين والقضايا الفلسفية لفيزياء القرن العشرين، ترجمة ثامر الصفار، الأهالي للطباعة والنشر، دمشق، ط1، 1990، ص5_6. 2_ ينظر ميشيو كاكو: كون أينشتاين، ص25_26. 3_ ينظر ميشيو كاكو: كون أينشتاين، ص35_40. وينظر أيضاً مجموعة مؤلفين: أينشتاين والقضايا الفلسفية لفيزياء القرن العشرين، ص19. وينظر أيضاً والتر إيزاكسون: أينشتاين( حياته وعالمه)، ترجمة هاشم أحمد، كلمات عربية، القاهرة، ط1، 2010، ص24. 4_ينظر ألبرت أينشتاين: النسبية النظرية الخاصة والعامة، ترجمة رمسيس شحاته، مكتبة الاسرة، القاهرة، ص17. وينظر أيضاً ميشيو كاكو: كون أينشتاين، ص26_30_33. وينظر أيضاً والتر إيزاكسون: أينشتاين( حياته وعالمه)، ص31_32. 5_ ينظر ميشيو كاكو: كون أينشتاين، ص17_18. 6_ينظر والتر إيزاكسون: أينشتاين( حياته وعالمه)، ص552_556_557. 7_ ينظر ميشيو كاكو: كون أينشتاين، ص 9_10_27_37_39_40. 8_ينظر ألبرت أينشتاين وليوبولد إنفلد: تطور علم الطبيعة( تحول الآراء من المبادئ الأولى إلى نظرية النسبية والكمات)، ترجمة محمد عبدالمقصو النادي و عطية عبدالسلام عاشور، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، ص39. وينظر أيضاً ميشيو كاكو: كون أينشتاين، ص28_29. وينظر أيضاً مجموعة مؤلفين: أينشتاين والقضايا الفلسفية لفيزياء القرن العشرين، ص8. 9_ينظر ألبرت أينشتاين: أفكار وآراء، ترجمة رمسيس شحاته، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986، ص11. و ينظر أيضاً ألبرت أينشتاين: النسبية النظرية الخاصة والعامة، ص24_25. وينظر أيضاً ميشيو كاكو: كون أينشتاين، ص45_46_48. وينظر أيضاً مجموعة مؤلفين: أينشتاين والقضايا الفلسفية لفيزياء القرن العشرين، ص7. و ينظر أيضاً والتر إيزاكسون: أينشتاين( حياته وعالمه)، ص163_164_300. 10_ ينظر والتر إيزاكسون: أينشتاين( حياته وعالمه)، ص205_206_211. 11_ ينظر والتر إيزاكسون: أينشتاين( حياته وعالمه)، ص385_494_495_497_498_499_500. 12_ وينظر ميشيو كاكو: كون أينشتاين، ص27. وينظر أيضاً مجموعة مؤلفين: أينشتاين والقضايا الفلسفية لفيزياء القرن العشرين، ص14_15. و ينظر أيضاً والتر إيزاكسون: أينشتاين( حياته وعالمه)، ص341_393_394_395_396_399_400_562. 13_ و ينظر والتر إيزاكسون: أينشتاين( حياته وعالمه)، ص402. 14_ينظر المصدر نفسه، ص290.
#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عراب النضال السلمي غاندي
-
سقراط الجديد جبريل مارسيل
-
الرجل الثاني في الإسلام وصوت العدالة الإنسانية، أمير المؤمني
...
-
مفهوم الميتافيزيقا
-
الظاهرة العبثية الإلحاد
-
الاقتصاد في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
-
النظام الاجتماعي في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
-
العالم الذي قهر الإعاقة ستيفن هوكينج
-
مفهوم الهوية في فكر عبدالجبار الرفاعي
-
فرسان العراق في حرب 6أكتوبر
-
مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية
-
المعوقات الاجتماعية لمشاركة المرأة العربية في صنع القرار الإ
...
-
الدين والتدين في فكر عبدالجبار الرفاعي
-
موقف عبدالجبار الرفاعي من التربية
-
موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد
-
الدولة في فكر عبدالجبار الرفاعي
-
عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر
-
البرلمان في فلسفة جون ستيوارت مل السياسية
-
مفكر بعقل فقيه، ماجد الغرباوي
-
بيل جيتس
المزيد.....
-
حرائق لوس أنجلوس.. أول دعوى بـ-سوء إدارة- تسبب بحرائق إيتون
...
-
مرض نادر ينهش جسدها.. طفلة فلسطينية تنتظر إجلاءها من غزة للع
...
-
مصر.. مئات شاحنات المساعدات تصطف عند حدود غزة استعدادًا لدخو
...
-
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري: طالما أن الله موجود في السم
...
-
خمس حيل للتغلب على الإرهاق وتحسين نومك
-
Cubot تطلق أحدث حواسبها اللوحية
-
مصر.. اكتشاف ديناصور عملاق بعد تدمير بقاياه خلال الحرب العال
...
-
طموحات تفاوضية
-
خبير إسرائيلي: الصفقة مع حماس يمكن أن تتسبب بأزمة سياسية
-
-حماس لن تذهب-.. رئيس استخبارات الجيش الإسرائيلي الأسبق يعلق
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|