أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد الكفائي - أوروبا الحائرة بين ضغوط أميركا وتهديدات روسيا ومنافسة الصين















المزيد.....


أوروبا الحائرة بين ضغوط أميركا وتهديدات روسيا ومنافسة الصين


حميد الكفائي

الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 10:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أوروبا، القارة التي كانت مهداً للعلوم الحديثة والابتكارات، والحاضنة الأولى للثورة الصناعية، والمعين المتدفق للفلسفة والأدب والأفكار السياسية والنظريات الاقتصادية، صارت الآن ضعيفة وحائرة، رغم ثرائها وقدراتها الهائلة، في عصر بات فيه التمييز بين الحليف والخصم صعباً.



فبعدما كانت أوروبا القوة الأولى في العالم، عندما استعمرت دولها قارات آسيا وأميركا وأفريقيا وأستراليا، وصارت مسرحاً لحربين عالميتين بسبب التنافس الشديد بين دولها القوية، صارت اليوم مهددة تبحث عن حلول لمشاكلها السياسية والاقتصادية والدفاعية.



روسيا تشن حرباً توسعية في الشرق، وتنذر بالتهام عدد من دول أوروبا المستقلة، أو الهيمنة عليها، والصين صارت الآن تُنافسها اقتصادياً وصناعياً، بينما تهدّد أميركا بالتخلي عنها والتعامل مباشرة مع خصميها، الصين وروسيا، دون أي اعتبار لمصالحها.



لم تكن أوروبا غافلة عن هذا المآل، بل سعت للتوحّد وتجنب الحروب والتناحر بين دولها الرئيسية، خصوصاً ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، وقد بدأت هذه المساعي، بدعم أميركي، مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، فنشأت المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي تحولت لاحقاً إلى السوق الأوروبية المشتركة، حسب اتفاقية روما عام 1957، ثم إلى الاتحاد الأوروبي في اتفاقية ماستريخت لعام 1993، التي شرَّعت أيضاً لتبنّي العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، التي صارت عملة رسمية عام 1999.



وفعلاً، بدأت أوروبا رحلة التماسك والتوحد، فانضمّت معظم دولها إلى الاتحاد الأوروبي حتى بلغ العدد 28 دولة، لكن صعود اليمين المتشدد في أميركا، الذي أوصل دونالد ترامب إلى رئاستها عام 2016، أعاد عجلة التكامل والانسجام الأوروبي والعالمي إلى الوراء، فتنامت النزعات الوطنية في العديد من الدول الأوروبية، وقد أدى ذلك إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي، بعد انسحاب بريطانيا منه عام 2020، الذي اتضح أنه خطأ جسيم، تسبّب بإضعاف بريطانيا وأوروبا.



ومع الصعود الاقتصادي للصين، أخذت أوروبا تتكل على وارداتها الرخيصة، واعتمدت حتى صناعاتها المتطورة على السلع الوسطية الصينية، بينما اعتمدت من جهة أخرى على صادراتها الميسّرة إلى الولايات المتحدة، وفق مبادئ منظمة التجارة العالمية، واطمأنت أمنياً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانضمام معظم دولها إلى حلف الناتو بقيادة أميركا.



لكن التوجه الأميركي الجديد في ظل قيادة دونالد ترامب، سيجردها من الطمأنينة الأمنية والنمو الاقتصادي، بينما يزيدها التوجه الروسي نحو التوسع والهيمنة قلَقاً، وخصوصاً أن العديد من دولها الكبرى، كألمانيا، تضررت عند تخليها عن الطاقة الروسية.



شكَّل الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي دفع العالم الغربي أجمعه إلى فرض عقوبات صارمة على روسيا، بينها مقاطعة الطاقة الروسية وحظر التجارة معها، إلى جانب انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية، ضربتين مزَعزِعتين لتماسك أوروبا ومساعيها نحو الوحدة والرخاء والاستقلال، ضمن دولة عملاقة متماسكة. كما أثار هذان العاملان الفرقة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فبعضها يعتمد على الطاقة الروسية ولا يريد التخلي عنها، كسلوفاكيا والمجر، بينما الأخرى مضطرة لمجاراة أميركا بسبب خشيتها من روسيا.



وفوق كل ذلك، هناك المشاكل الاقتصادية التي تعصف بأوروبا، خصوصاً ألمانيا، أكبر وأغنى دول الاتحاد، والتي تعاني الكساد للسنة الثالثة. أما فرنسا، الدولة الثانية في قيادة الاتحاد، فتعاني من تفاقم حجم الديون نسبةً إلى الناتج الإجمالي، إذ بلغ 100%.



إسبانيا وإيطاليا هما الأخريان تعانيان من ضيق مالي، بينما تزيد توجيهات البنك المركزي الأوروبي الأخيرة، الأمور تعقيداً، إذ تقضي بأن يتخلص الأعضاء جميعاً من الديون، إما عبر فرض الضرائب أو تقليص الإنفاق. فإن اتخذت الدول المعنية هذا الإجراء، ولا بد أن تفعل، لأنها تحتاج إلى دعم البنك، فلن تتمكن من زيادة الإنفاق على الدفاع، الذي صار ضرورياً بعد تولي ترامب قيادة أميركا مجدداً.



وإضافة إلى المشاكل الاقتصادية، هناك مشاكل سياسية ليست قليلة. ألمانيا منقسمة مع تصاعد قوى اليمين، التي يغذيها اليمين الأميركي، الذي صار فيه الملياردير إيلون ماسك محركاً فاعلاً. الانتخابات الألمانية تُجرى الشهر المقبل، ولا شك في أنها ستنتج حكومة ائتلافية، يكون اليمين فيها فاعلاً. في إسبانيا هناك حكومة أقلية غير قادرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية المهمة. أما فرنسا فدخلت في أزمة سياسية، منذ أن سارع الرئيس ماكرون لإجراء انتخابات مبكرة العام الماضي، إثر خسارة حزبه في الانتخابات الأوروبية، التي تقدم فيها اليمين، ما دفعه لتشكيل حكومة قلقة، سقطت في أول اختبار لها بعد بضعة أشهر، فتشكلت حكومة قلقة أخرى.



وإن كان الموقف الأوروبي موحداً تجاه روسيا، فإن الموقف من الولايات المتحدة والصين يثير الانقسام. ألمانيا لديها مصالح اقتصادية جوهرية مع الصين ولا تستطيع أن تجاري السياسة الأميركية المتشددة معها، فإن فرضت تعرفات على استيراد السيارات الصينية، فإن مبيعات السيارات الألمانية إلى الصين سوف تتضرر. هولندا هي الأخرى تعتمد على تصدير أشباه الموصلات إلى الصين، وأي عقوبات أوروبية على الصين ستقود إلى إلحاق أضرار كبيرة بصادراتها. بريطانيا أيضاً تسعى لتطوير علاقاتها بالصين، من أجل تخفيف الصعوبات الاقتصادية ذات المنشأ الأميركي التي تواجهها حالياً.



وبسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية حالياً في عموم أوروبا، سيكون صعباً على الاتحاد الأوروبي أن يرفع الإنفاق العسكري بنسبة 3% لإرضاء أميركا، الأمر الذي يتطلب مجاراة سياساتها تجاه الصين وروسيا.



الخيارات المتاحة لأوروبا هي إما زيادة الإنفاق العسكري، وتوفير مئة مليار يورو لحماية نفسها، وهذا، إن حصل، فإن تطوير التسلح الأوروبي وإنشاء قوة دفاعية متماسكة يحتاج إلى وقت غير متوفر حالياً، وإما مجاراة السياسة الأميركية وتكبّد خسائر اقتصادية هائلة عندما تفرض عقوبات على الصين.



مجاراة أميركا لن تحصن أوروبا ضد التعرفات الجمركية الأميركية، التي يعتزم ترامب فرضها على صادرات الدول الأخرى، بما فيها الدول الأوروبية (الحليفة)! وليس مستبعداً أن يتوصّل ترامب إلى اتفاقيات ثنائية مع الصين وروسيا، دون استشارة الأوروبيين أو الاكتراث لمصالحهم وأمنهم!



لقد تأخر الأوروبيون كثيراً في عملية الانسجام والتماسك، واعتمدوا على أميركا في الدفاع، وعلى روسيا في الطاقة، وعلى الصين في البضائع والسلع الوسطية التي تدخل في الصناعة، والسلع الاستهلاكية التي تسهم في خفض معدل التضخم، وانشغلوا بخلافاتهم السياسية والتجارية، بدلاً من التحوط ضد المتغيرات الدولية.



هل تدفع هذه التحديات الخطيرة أوروبا إلى التماسك والاتفاق على حلول تتضمن تنازلات وتضحيات وطنية؟ هناك أسباب ملحة تدفعها بهذا الاتجاه، لكن العقبات جمة، فضعف الاقتصادَيْن الألماني والفرنسي، لن يساعد الأوروبيين على اتخاذ قرارات مصيرية، تتطلب إنفاق أموال استثنائية للحفاظ على الاستقلال السياسي وتحقيق الأمن وتنمية الاقتصاد.



لقد أربك انتخاب ترامب الحسابات الأوروبية، وقد جاء في أحلك الظروف. لكن الأوروبيين لن يستسلموا، فليس أمامهم خيار غير الانسجام، وتنمية الاقتصاد وزيادة التسلح، وحينها سيتمكنون من الصمود بوجه أميركا، والتنافس مع الصين، ومواجهة روسيا.



#حميد_الكفائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجموعة بريكس: تحالف استراتيجي أم منتدى للحوار؟
- أين موقع العراق في صراع الشرق الأوسط؟
- إبراهيم الحيدري عاش بسموّ ورحل بهدوء
- لا عطلة في الإسلام... والعُطَل الرسمية ظاهرة عصرية
- كي لا تتحول الديموقراطية الكويتية إلى عبء على الدولة
- السّلم العالمي مهدّد بينما الحلول غائبة
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
- دورة السياسة البريطانية تتجه يسارا
- جو بايدن.. الحالم الذي لم تُبدد حلمَه النوائب
- التعاون لا يلغي التنافس بين الدول العصرية
- هل تصمد اقتصادات الشرق الأوسط أمام تحديات الحروب؟
- هل تغير مفهوم السيادة؟ أم النظام الدولي يتداعى؟
- العراق يسير نحو الهاوية والحكومة تتفرج!
- أيُّ مستقبل ينتظر العالم في عام 2024؟
- ما الذي يجمع الأرجنتين والعراق وفنزويلا؟
- في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان...
- الحرب على التضخم بين الإقلاع والهبوط!
- لماذا استعان غوتَيرَش بالمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة؟
- الرابحون والخاسرون في الأزمة الدولية الحالية
- هل يضعِف التنافس الفرنسي - الألماني الاتحاد الأوروبي؟


المزيد.....




- نيران تقترب من منزل عائلة غير موجودة بداخله... شاهد كيف تدخل ...
- -سر القاشوش- وقصة -يلا ارحل يا بشار-.. منشد حراك حماة عبدالر ...
- حماس تكشف عن تطور بشأن العقبات النهائية باتفاق وقف إطلاق الن ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير8 بلدات في جمهورية دونيتسك ومقاطعة ...
- الملكة رانيا تلتقي ميلانيا ترامب في فلوريدا (صور)
- مشاهد جديدة ترصد حطام مركبة سبيس إكس تتحطم فوق جزر في الأطلس ...
- الرئيس الإيراني بزشكيان يضع إكليلا من الزهور عند ضريح الجندي ...
- شاهد.. منازل ماليبو الفاخرة على ساحل كاليفورنيا تتحول إلى أن ...
- بيان نعي صادر عن المكتب السياسي للوحدة الشعبية بالقائد المقـ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير8 بلدات في جمهورية دونيتسك ومقاطعة ...


المزيد.....

- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد الكفائي - أوروبا الحائرة بين ضغوط أميركا وتهديدات روسيا ومنافسة الصين