|
الاغتراب الثقافي في مواجهة الفكر المعاصر
فواد الكنجي
الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 08:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع ما يشهده عالنا المعاصر من تطورات في تقنيات الصناعة الالكترونية الحديثة التي هيمنت عليها قوى الصناعة (الرأسمالية) لتغزو الأسواق العالمية بما تنتجه من الأجهزة الالكترونية المتطورة ومن التكنولوجية والتقنيات الاتصالات الحديثة وشبكات (الانترنيت) ليصل تطورها إلى ما تطرحه الآن من تقنيات هالة في (شبكات الانترنيت – الجيل الخامس)، وكل هذا الإنتاج لم يأتي اعتباطيا من اجل الاستفادة من مبيعاتها بما يرد إنتاجها من إرباح لأصحاب الرؤوس الأموال ومستثمرين الضالعين في نشر ثقافة (الرأسمالية) بل تم تسييس هذه التقنيات وإنتاجها لخدمة مصالح قوى (الرأسمالية) للهيمنة على مقدرات شعوب العالم، فاستثمروا هذا الإنتاج لنشر ثقافة (الرأسمالية) الملونة بالفكر (الليبرالي الراديكالي) و(النيوليبرالي)؛ ومن خلال هذه الثقافة والوسائل استغلوها استغلال حرفيا لعولمة العالم بهذه القيم، فرفدوا كل شبكاتهم عبر (الانترنيت) لبث معلومات وثقافات متنوعة هابطة وعالية المستوى وبشتى المجالات الحياة.. العلمية.. والأدبية.. والسياسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية، ولأهداف وغايات عولمة العالم بالثقافة (الليبرالية الراديكالية) و(النيوليبرالية) لغسل أدمغة البشرية بالبرامج تشرف عليها القوى (الرأسمالية) مباشرة ليتم إلغاء الهوية الوطنية والقومية من عقول كل أفراد المجتمعات لكل دول العالم؛ ليفتحوا عبر هذه التقنيات الحديثة في الاتصال والتواصل نوافذ لا حصر لها على كل مجتمعات هذا الكون لبث ثقافات متنوعة ليتخذ منها نافذة للانفتاح الثقافي والفكري تحقق لمستخدميها تطوير المعرفة والبحث العلمي وكل احتياجاته النفسية والوجدانية والاجتماعية ويتم التواصل وتشكيل العلاقات بين الأفراد وتبادل الخبرات والآراء من خلال بيئة افتراضية في تبادل الرسائل والملفات والصور؛ حيث تغلغلت رويدا – رويدا هذه الوسائل لتصبح جزء لا يتجزأ من نسيجنا الاجتماعي والتي نستخدمها بشكل يومي ولفترات طويلة جزءا من ممارسات اعتيادية في حياتنا الاجتماعية اليومية ليصل الأمر بنا بأننا بتنا نعتمد عليها في جميع أوجه أنشطتنا الاجتماعية.. والثقافية.. والسياسية.. والاقتصادية؛ لدرجة التي أخذت هذه التقنية هي من تقود الكثير من الأفراد؛ وهذا ما تحاول (العولمة الرأسمالية) فعله لمحو خصوصية الأفراد والمجتمعات قاطبة للسيطرة والهيمنة عليهم .
الإيديولوجية الرأسمالية استخدمت ثقافة الصناعة لفرض هيمنتها على الأفراد
لذلك لابد لنا إن نعي كيف.. ولماذا.. نستخدم (التكنولوجية والتقنيات الاتصالات الحديثة وشبكات الانترنيت) لكي لا يجرفنا التيار إلى ما ليس من صميم واقعنا كمجتمعات محافظة لها خصوصيتها وهويتها، لذلك لا بد إن نستخدمها ونتعامل مها وفق حدود الحاجة ونتمعن من معلومات التي نأخذها أو قد أخذناها لتجنب كل ما هو دخيل على عاداتنا.. وقيمنا.. وأخلاقنا.. وثقافاتنا.. وبالتحليل.. والوعي.. والإدراك؛ لكي لا نشطح في المنزلقات لا يحمد عقباه. لان من مسلمات العقل (الواقعي) تؤكد لنا بان (المجتمعات الغربية) ومن خلال ما تطرحه من الفكر المعاصر لـ(الرأسمالية الأمريكية) لها الأثر الكبير والفاعل في صياغة وبث نظريات ( الليبرالية الراديكالية المعولمة) لغزو ثقافة مجتمعات العالم قاطبة بحكم هيمنة النظام الاقتصادي (الرأسمالي) الاستبدادي التي فرضت على مجتمعاتها نظاما صناعيا اقتصاديا ليعيش الإنسان فيها (مغتربا) و(متشيئا)، لان الإيديولوجية (الرأسمالية) استخدمت ثقافة الصناعة (الرأسمالية) بمختلف مظاهرها لفرض هيمنتها على الفرد، ومبدأ صناعة الثقافة كان لها مخرجات فاعلة في نشر ثقافة العولمة.. والليبرالية الراديكالية.. والنيوالليبرالية؛ حتى أصبح (الفكر المعاصر) في عصر العولمة والهيمنة ثقافة الصناعة (الرأسمالية) مرتبط بالثقافة الاستهلاكية للمجتمعات المعاصرة؛ والتي روجت لها عبر تكنولوجيا الاتصال الحديثة لتتجسد أزمة ثقافية التي يعانيها ويعيشها المجتمع المعاصر متجسدة في غيابها الفاعلية على المستوى الفرد والمجتمع؛ في ظل عدم استقرار رغبات الحياة الاجتماعية في مواكبة الأسواق بما تطرحه الصناعة (الرأسمالية) الاستهلاكية لتطبع ثقافة الجماهير بهذه المظاهر؛ وهي مظاهر تطبع عليها صفة (الاغتراب) بكونها بعيدة عن واقع الفرد؛ فيغترب شعوره بعد أن يشعر بان ذوقه ورغباته أصبح بعيدا عنه ولا تلبي طموحاته لأنه يشعر ويحس بان محاط ومحاصر بمظاهر هو غريب عنها؛ بل يشعر بان كل شيء أصبح بعيد عن ذاته ومشاعره وأفعاله وأداءه.
مظاهر الاغتراب تأخذ أبعادها في ثقافة المجتمعة
ومن هنا تبدأ (مظاهر الاغتراب) تأخذ أبعادها في ثقافة المجتمع وترسخ في عقليتهم رويدا – رويدا بفعل ما تبثه (العولمة) الخاضعة لثقافة الاستهلاكية (الرأسمالية) المعاصرة لتوصل الفرد والمجتمعات إلى الثقافة الاستهلاكية فيأخذها (الاغتراب الثقافي) بعد إن تغلق فضاء الفرد والمجتمع بقيم (اللامعنى.. واللامعيارية.. والتشيؤ)، وغيرها من الأبعاد التي ارتبطت من وجهة نظرية الثقافة الجماهيرية بـ(الثقافة السلعية) والتي تروج لها (الرأسمالية) عبر (ثقافة العولمة) والتي تبثها عبر وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة المدعومة بـ(الذكاء الاصطناعي التوليدي)، فتدخل هذه الثقافة وهي ثقافة دخيلة تأخذ بالاتساع والانتشار والاستحواذ على النظم الثقافية.. والاجتماعية.. والأخلاقية.. والاقتصادية.. والمؤسسات (التربية) و(التعليم) وفق ما يفرضه واقع (العولمة) بسبب تحكم (الرأسمالية) وسيطرة أيديولوجيتها على النظم الاجتماعية لتسقف الحياة بمعايير (الفردية) و(المادية)، وهي معايير تجعل من الإنسان (المحافظ) يشعر بأنه يعيش في مجتمع غريب عنه مجتمع ليس مجتمعه وان كان يعيش فيه؛ فيسعى إلى الهروب من هذه البيئة الاجتماعية فيتغلب عليه الإحساس بـ(الاغتراب) بعد إن يتفاقم صراع (وعي بذاته) لأنه من ناحية؛ هو يواكب التقدم المعرفي وتكنولوجيا الاتصال الحديثة وتطورات العصر؛ ولكن يومياته تصطدم بالجانب (المادي) فتضطرب مواقفه بين الجانب (المادي) و(المعنوي)؛ بما يؤدي ذلك بسقوط الفرد في حالة من (الاغتراب الثقافي) لشعوره بالإحباط المتواصل بانعدام الاستقرار والاضطراب النفسي؛ وهي مظاهر التي تجعل الفرد يعيش حالة من الصراع.. والتمرد.. وعدم الاندماج النفسي والفكري؛ في ظل هيمنة ثقافة العولمة (الرأسمالية) التي تبعد الفرد المشاركة الجماعية وفي أي نشاطات اجتماعية لكون (العولمة) تطرح البديل للتواصل عن طريق (تكنولوجيا الاتصالات الحديثة) لدرجة التي تجعل من هذا البديل بأن ذات (ألفرد) وقدراته تصبح مجرد أشياء منفصلة عنه وأنه عاجز عن تحديد مساره فيشعر بحالة من (الاستلاب) وبأنه لا يوجد شيء في هذه الحياة له قيمة أو معنى؛ لان عالمة يشعر بان المادة طوقت مسارات الحياة وقيمها الاجتماعية لتجعل كل الطموحات والأحلام والأهداف مجرد وهم لا قيمة لها في ظل هيمنة ثقافة المادة والتي قلعت جذوره من واقعه الإنساني وهو لا يقبل ويرفض (التشيؤ في المادة)، ليعيش حالة من (الاغتراب) وهي حالة ترسخ ثقافة (الاغتراب) في ذاته؛ والتي تفاقمت مع انتشار وتوسع أفق العولمة بفعل (ثورة الاتصالات والمعلومات والتكنولوجيا)؛ التي هي اليوم من تهيمن على كل مجريات الحياة بكونها هي (الهيمنة بعينها) وإقصاء خصوصية والذاتية من أعماق الفرد؛ ليفقد النظام الاجتماعي أصالته نتيجة انجراف الأفراد في (عالم العولمة) وانفتاحهم واندفاعهم بجنون على ثقافات مستوردة من المجتمعات أخرى؛ وهذا الانجراف المتهور الغير العقلاني يقودهم نحو التخلي عن هويتهم وثقافتهم والإقبال بشغف نتيجة لانبهاره بثقافة أجنبية عنه؛ نتيجة انغماسه المتواصل في متابعة ما تبث (أجهزة التكنولوجيا والاتصالات الحديثة)؛ وهذا ما يقود ميله نحو تقليد الثقافات الأخرى ، خاصة بما يتعلق بالعادات.. والتقاليد.. والأعراف.. وأسلوب الحياة.. والنظام الاجتماعي، وما ينتج عن ذلك من ضعف قدرة الفرد على التواصل والانسجام مع ثقافة مجتمعه.
العولمة هي من جعلت الفرد يفقدوا الحسي الاجتماعي للانتماء القومي والهوية الوطنية
لنفهم مما تقدم؛ بان وجهة نظر هؤلاء (الأفراد) تعتبر في يقينهم بأنها معطيات (العولمة) ما هي إلا عين التقدم والتحضر؛ دون تفكير فيما إذا كانت هذه الثقافات وما تحويه من سلوكيات (مناسبة له) وهو يعيش في مجتمع محافظ أو (لا)، لدرجة التي يفقدوا الحسي الاجتماعي للانتماء والهوية الوطنية؛ بعد إن تأخذهم السلبية.. والأمراض الاجتماعية.. والنفسية.. والتبلد.. واللامبالاة؛ وهذه المشاعر تتبلد في نفسية الفرد؛ فيشعر الفرد بالانفصال عن المجتمع؛ وأنه أصبح غريبا عنه؛ وان حياته تمضي بلا هدف؛ وانه عاجز عن اتخاذ القرارات؛ وهذه المشاعر تشعره بحالة من (الاغتراب) التي تصاحب في نفسية الفرد الكثير من التغيرات والاضطراب نفسية فينجرف نتيجة ضغوطات نفسية حادة إلى انحرافات سلوكية نحو الإدمان.. والإلحاد.. وتعاطي المخدرات.. والعنف.. والتطرف.. واللامبالاة.. والانتحار.. وعدم الاستقرار.. والضياع.. وشعور بالقلق المستمر، وهذه هي سمات (الاغتراب عند الإنسان المعاصر)؛ باعتبار (الاغتراب) ظاهرة ومتغير اجتماعي تؤثر سلبا على توافق الفرد مع بيئته ومحيطه؛ بعد إن ينجرف في تبني واخذ أطروحات ثقافية أجنبية وثقافة مجتمع وحضارة من المجتمعات الأخرى؛ فتحدث عنده (الصدمة الاغترابية) لما يواجه الفرد من تغير وتحولات هائلة وعلى كل مستويات الحياة وتحديدا على المستوى الاجتماعي.. والثقافي.. والاقتصادية.. وفي مجال الثورة التكنولوجية في عالم الاتصالات.. والميديا.. والثورة الرقمية.. وفي عالم المعرفة وغير، ذلك فان (التقنيات التكنولوجية في عالم الاتصالات والكومبيوتر وشبكات الاتصالات والذكاء الاصطناعي) التي أصابت عقل الفرد بالذهول بما تم انجازه وطرحه في الأسواق من تقدم علمي ومعرفي واسع النطاق وهائل في مجال (المعرفة التكنولوجية والاتصالات) و(الذكاء الاصطناعي) بشكل كبير ومخيف ومرعب؛ بكونها لم تعد الثقافة التقليدية قادرة من واجهة هذا المد وهذا الاكتساح الغربي (المعولم) بالثقافة (الرأسمالية) لحجم (ثورة الاتصالات والتطورات العلمية والتكنولوجية) التي اجتاحت كل أفاق الفرد دون إن يتمكن من تلافيها لتحدث خللا سلوكيا لم يستطع إمام هذا الثورة المعرفية ضبط سلوكه من اجل تحقيق نوع من التوازن في سلوكه لترتبك حياته الاجتماعية والنفسية؛ وهذا الارتباك لم يحدث على (مستوى الأفراد) بل حدث على (مستوى المجتمعات) قاطبة؛ لكونها لم تستطع غلق أبواب التغيير أمام التطورات الهائلة في مختلف الميادين والاتجاهات الإنسانية الحاصل في العالم بوجه مجتمعها أين كان، فيقع (الفرد) أمام ما يراه من تحولات تفوق حدود تصوراته وتخيلاته في معاني الحياة ومعالمها فيسقط في دائرة (الاغتراب النفسي) و(المجتمعي)؛ بعد إن يجد (الفرد) نفسه في خضم زمن شديد الغرابة والتعقيد وفي صورة جديدة للحضارة الإنسانية المعاصرة تسحقه تقنية المادة.. وثورة الصناعة (الرأسمالية).. وثقافة العولمة.. والذكاء الاصطناعي.. وشبكات الاتصالات الحديثة؛ فكل شي حول (الفرد متشيؤ) في المادة وهو مطوق بقوة الهيمنة والسيطرة المادة والمنافسة لتحقيق الربح بعد طغيان الوسائل المادية النفعية على الغايات الإنسانية الأخلاقية النزيهة؛ ليتحول (الفرد المتشيء) إلى عتلة من عتلات الآليات الماكنة الصناعية (الرأسمالية) تروجها (الليبرالية) في (ثقافة العولمة)؛ لتجرد الفرد من قيمه وإنسانيته وتسقط عنه هويته وانتماءه الوطني؛ ليبقى بلا قيمة إمام ارتفاع قيمة الإنتاج الصناعي (الرأسمالية) التي تهيمن على الأسواق المجتمعات لتغلق منافذ الحياة الاجتماعية بوجه الأفراد؛ وبهذا الإطار التنافسي من اجل الحصول على كل ما هو جديد حتى وان كان فائض عن احتياجاته ليتم تجريد الفرد من ملكات التفكير بالإبداع.. والابتكار.. والتأمل.. بقيم إنسانية عالية، ليبقى الإنسان أو الفرد بلا ثقافة؛ ليعيش حياته في دائرة (التشيؤ) و(الاستلاب الثقافي) .
ثقافة العولمة تعمل على غسل الأدمغة وتدمير الوعي لدفع الفرد إلى الانسلاخ عن واقعه ليشعر بـالغربة والضياع
لذلك فان (الإنسان المعاصر) اليوم يعيش حالة من (الاغتراب) نتيجة الصدمة الثقافية التي استهدفت : أولا... ملكات الوعي.. والتفكير.. والتأمل. ثانيا... استهدفت هوية الإنسان.. وانتماءه القومي والوطني.. وقيمه الإنسانية والاجتماعية. ولما كانت سمات (الثقافة الغربية المعولمة) تتمثل بالمادية والاستهلاك والفردية وجلها تخضع لقانون (العرض) و(الطلب)؛ بمعنى إن هذه الثقافة تعمل بكل ما يتيح لها العمل من اجل غسل الأدمغة وتدمير الوعي لدفع الفرد إلى الانسلاخ عن واقعه ليشعر بـ(الغربة) و(الضياع)؛ وهذا ما يدفعه إلى التمرد والعدوانية حتى مع ذاته . ومن هنا فان الفرد الذي يعيش في ظل الثقافة التقليدية؛ هو أساسا يعاني من حالة (الاغتراب المزدوج) بين (الثقافة التقليدية) و(ثقافة العولمة والحداثة)، فـ(الثقافة التقليدية) توصف بكونها (ثقافة تخلف)؛ وهي ثقافة التي تسود في بلدان الشرق أو بالأحرى في بلدان العالم الثالث، قياسا لحجم التطور التكنولوجي.. والاتصالات الحديثة.. والذكاء الاصطناعي التوليدي.. والثورات الرقمية التي تسود في بلدان (الرأسمالية) الغربية، فـ(الثقافة التقليدية) تفرض على أفراد مجتمعاتها فروض الخضوع والطاعة لكل ما أورثوه من الماضي؛ من ميثيولوجيا ومن الخرافات.. والأوهام.. والتعصب.. لغرس قيم الخضوع للأمر الواقع بما تضفى (الطابع القدسي) على معظم جوانب الحياة في مجتمعاتهم .
حضارة الإنسان سقطت في مأزق بين الانفتاح والانغلاق ليصبح الاغتراب قضية الإنسان المعاصر أينما كان
وفي ظل القهر السياسي.. والاجتماعي.. والأخلاقي.. تتحول الثقافة في هذه المجتمعات إلى كيان مفرغ من إنسانيته وتجرد الفرد من قدرته على الحركة والانطلاق والإبداع، وهذه الثقافة إي (الثقافة التقليدية) ما هي إلا ثقافة تعمل على استلاب الفرد ووضعه في دائرة (الاغتراب) كما تعمل (ثقافة العولمة والحداثة) على حد سواء؛ فهذه الصورة قاتمة جدا للثقافة الإنسانية بصورة عامة فيما يتعلق بـ(الاغتراب) الفرد في هذا العالم، لان كلا الثقافتان يسعيان إلى تفريغ الإنسان من معانيه الإنسانية ومن مضامينه الأخلاقية؛ بل وتعملان على تخدير الإنسان.. وتعليب العقل.. وتدمير ملكة الإبداع والتأمل والتفكير لتحطيم ذات الفرد المبدعة، لذلك (سقطت حضارة الإنسان) في هذا المأزق بين (الانفتاح) و(الانغلاق)؛ ليصبح (الاغتراب) قضية الإنسان المعاصر أينما كان؛ لان شعوره بـ(الضياع) و(الغربة) تأخذ أفعاله وإدراكه؛ بكونه فقد (المعرفة) بحقيقة نفسه وذاته؛ لإحساسه بضياع أهدافه.. واللاجدوى من الحياة؛ لان ضميره حين استيقظ وجد بان لا شيء يوافق العقل؛ بقدر ما يجد بان كل المعطيات العالم؛ في ضل هذه الحداثة؛ تنجرف وراء مصالح دنيوية أنية، فـ(الحداثة) السائدة في المجتمعات الغربية والتي يرفد أفكارهم الفلاسفة الماديون.. والبرجماتيون.. والعلمانيون.. ومن يبنون برامجهم وفق رؤاهم؛ هم نخب من السياسيين الرأسمالية يديرون أعمالهم وسياساتهم وبرامجهم واستراتيجياتهم من اجل التقدم التكنولوجي؛ الذي لا يخدم إلا مصالح الطبقة (الرأسمالية)؛ لزيادة الإنتاج.. والكسب مزيد من الأموال.. والترفيه.. والسيادة والسيطرة على الآخرين؛ ليسقط (الإنسان المعاصر) في فخ الاختراعات والاكتشافات لزيادة الإنتاج من جهة ومن جهة أخرى لتحقيق الترفية و الرخاء؛ ولكن نسى هذا (الإنسان) بان من يستفاد أكثر من كل ذلك هو يأتي بدرجة الأولى لصاح (الطبقة الرأسمالية) وعلى حساب طبقة (الفقراء) من الأفراد والشعوب؛ لتم في المجتمعات العالم قاطبة ازدياد الفارق بين الطبقتين بين (الأغنياء) و(الفقراء)؛ فيتم استغلال غالبية العوام بمشاريع مشروعة وغير مشروعة؛ فيباعوا.. ويشتروا حالهم كحال أية سلعة في سوق العرض والطلب لتمحي من المجتمعات قيم النبيلة؛ ليستغرق (الإنسان المعاصر) في هذه المظاهر (المادية) وأفكارها وينقاد وراء رغباته وشهواته وغرائزه وملذاته الحسية انقيادا أعمى ليخرج (الإنسان المعاصر) من إنسانيته .
الرأسمالية بتكنولوجيا الاتصالات الحديثة غيرت العالم وطبيعة حياة الفرد لتفرض على الإنسان القهر المادي.. والغربة.. والضياع.. والعبثية.. والانصياع إلى شهواته وملذاته الحسية
لذلك فإن (الحضارة المادية المعاصرة) في ظل (الرأسمالية) المتوحشة ونظامها (المعولم بالمفاهيم الليبرالية) والتي تغذيها الفلسفات المادية الإلحادية.. والعلمانية.. والبرجماتية.. والوجودية؛ والتي تكون تحت رعاية الحكومات (الرأسمالية) والقوى السياسية النفعية التي توظف كافة إمكانيات حكومات الدول وسلطتها ومؤسساتها التشريعية.. والقضائية.. والتنفيذية؛ لدعم هذا الواقع المتوحش على الأفراد لتفرض على الإنسان القهر المادي.. والغربة.. والضياع.. والعبثية.. والانصياع إلى شهواته وملذاته الحسية؛ فيرضخ صاغرا بالقبول بالأمر الواقع المنحرف.. والبائس.. والاستسلام إليه وتشعره أفعاله بالحقارة.. والتفاهة.. والدناءة؛ بسبب انغماسه في مغريات المادة بما يشهده العالم من ثورة صناعة وخاصة في مجال (تكنولوجيا الاتصالات) التي غيرت العالم وطبيعة حياة الفرد؛ والتي أثرت على مختلف مناحي الحياة وعلى جميع الأصعدة الأخلاقية.. والثقافية.. والاجتماعية.. والاقتصادية؛ والتي أسهمت في التغيرات السلوكية التي طالت الأفراد والمجتمعات لدرجة التي دفع بالأفراد لتخلي عن ثقافتهم (القومية) وهويتهم (الوطنية) دون تفكير بمخاطر ذلك على مستقبلهم؛ لان ثمرة تمرد الفرد على الثقافة المجتمع الذي يعيش فيه كانت سقوطه اللاوعي في أزمة (الاغتراب الثقافي) التي أصبحت ظاهر المجتمعات التي غزتها (العولمة) بعد ثورة (الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة) وما تبثه الأجهزة الالكترونية المتطورة عبر تقنيات الاتصالات الحديثة.. وشبكات الانترنيت.. والتي هي من دفعت الأفراد بالعزلة.. وبالوحدة.. وبعدم الرغبة في إقامة علاقات اجتماعية سليمة أو التواصل مع الآخرين؛ لعدم انسجامه معهم أو التكيف مع بيئتهم؛ لشعوره الدائم بسلبية أفعالهم وتصرفات أفراد المجتمع الذي يعيش فيه؛ وهذه المشاعر التي تندابه هي التي تجعله يشعر بـ(الاغتراب عن الذات) بما يجعله ينفصل عن (ذاته) فيغترب عن ثقافة التي تربى عليها؛ ليجد من خلال تواصله المستمر مع أجهزة (الاتصالات الحديثة المتصلة بالانترنيت) وما تبثه (ثقافة العولمة) فيها؛ باعتبارها – كما يضن (الفرد) – هي النموذج الأمثل لتطلعاته العصرية؛ فينغمس في مواكبة (ثقافة العولمة الغربية)؛ وهذا ما يؤدي بـ(الفرد) نتيجة لتناقض بين ثقافتي ثقافة التي نشا فيها وثقافة التي تأثر بها؛ وهذا ما يجره إلى رفض واقعه فيشعر بالضيق والاختناق من عالمه الحقيقية؛ وهذا ما يؤدي بعجزه من السيطرة على مشاعره.. وأفعاله.. وتصرفاته.. ورغباته.. فتضيع أهدافه؛ لتصبح حياته بلا هدف؛ وهو الأمر الذي يدفعه إلى (اللا مبالاة) فيتحول إلى إنسان عبثي همه هو المصلحة والمكاسب لان جل سلوكياته تصدر عنه ليس لها ضوابط أو معايير تحكمها فيتمرد عن واقعه بما فيها من قوانين.. وأعراف.. وآداب.. وقيم عامة مجتمعية؛ وهذا هو (الاغتراب الثقافي) لينتج عنه الكثير من الظواهر السلوكية وأمراض الاجتماعية نتيجة انحراف سلوكية خطيرة تورق المجتمعات .
مجتمعات العالم مطالبة ببناء الوعي على مستوى الفرد والمجتمع وباستراتيجيات علمية لمواجه الفكر بالفكر
وحينما يكون المجتمع إزاء هذه الظاهرة من (الاغتراب الثقافي) فلابد من مواجهتها بفكر.. وثقافة.. وتربية.. وتعليم معاصره؛ تضمن في تكوين اتجاهات ثقافية ايجابية متمسكة بهوية المجتمع لاندماج المجتمع بـ(المعاصرة) وفق رؤية تأخذ كل الاعتبارات الجارية مع نموذج (التطور التكنولوجي) و(ثورة الاتصالات)؛ لبناء مستقبل أفضل للأجيال التي تعيش واقعنا المعاصر بكل ايجابياته وسلبياته؛ لتتمكن الاندماج والمشاركة بفعالات تنموية تعالج كل قضايا المجتمع اجتماعيا.. وسياسيا.. وثقافيا.. وأخلاقيا.. وكل ما يتعلق بـ(الدين) و(التراث) من اجل تأصيل الهوية الثقافية ودعم شخصية الفرد لإقامة علاقة متوازنة بين الثقافة الدخيلة للمجتمعات الخارجية بثقافاتها المتعددة والآتية عبر (العولمة) وثقافة الأصيلة للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد؛ لدعم العلاقة بين أفراد المجتمع وفق معطيات (الفكر المعاصر) لخلق توازن بين (الثقافة المتجددة) و(الثقافة المحافظة) من اجل مواجهة تحديات (الاغتراب) التي تواجه هويتهم الثقافية. ولتنفيذ هذه المهام لابد من تفعيل دور (التربية) و(التعليم) للاهتمام بالهوية الثقافية لتشكيل وعي يهيئ المتلقي من التلاميذ والطلبة منذ نعومة أظافرهم بمناهج التفكير العقلاني في السلوك والتدبير ليواكبوا (التطورات المعاصرة) و(ثورة الاتصالات) عقليا.. ووجدانيا.. واجتماعيا؛ لخلق مناخ ثقافي واعي يمهد لفتح الحوار مع الحضارات الأخرى ليتم اكتساب منهم الخبرة بمختلف اتجاهات الحياة وفق مبدأ الأخذ.. والعطاء.. والتفاهم.. والتعاون.. والانفتاح.. والإفادة من المستجدات والاتجاهات النافعة.. وأخذ ما يلاءم معايير على الصعيد (الأسري) أو (المجتمع). فعلى (الصعيد الأسري) لابد من الإشراف الأبوي على محتوى ما تبثه وما يشاهده المتلقي سواء كان طفلا أو مراهقا أو شابا؛ من خلال (شبكة الإنترنت). وعلى (الصعيد المجتمع) يجب توجيه مؤسسات (التعليم) و(التربية) لإتباع منهج تربوي يعزز احترام الثقافة السائدة في المجتمع؛ والاهتمام بـ(اللغة الأم) لأن (اللغة) هي الوسيلة الأساسية الذي تنتقل (ثقافة المجتمع) من جيل إلى آخر وعبرها؛ ليتم خلق جيل متدرب يكتسب أبناء المجمع مهارات الذكاء الثقافي؛ ومتى ما امتلكها الفرد فانه – لا محال – يستطيع الانفتاح وهو واثق بقدراته وإمكانياته على الثقافات الأخرى والتعايش معها مع الحفاظ على ثقافته مجتمعه الأصلية والتي تكون بمثابة دعائم متينة تقف بوجه الأفكار الضالة وانتشارها عبر منصات (التواصل الاجتماعي) التي تغزو كل مجتمعات العالم في هذه الأيام، لذلك يتطلب بناء (الوعي) على مستوى (الفرد) و(المجتمع) وباستراتيجيات علمية لمواجه الفكر بالفكر؛ وفي نفس الوقت تواكب العصر والمعاصرة بثورة الاتصالات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ لتكون ذلك في صلب أنشطة مؤسسات (التربية والتعليم) و(ثقافة الأسرية)؛ ليستمر توسيع هذه القاعدة من اجل ترسيخ أسسها من خلال الثقافة السائدة في المجتمع؛ ليشعر (الفرد) بانتمائه (القومي) و(الوطني)؛ وكلما ترسخ هذا الشعور في نفوس الأفراد كلما تنامي الشعور بالأمان والألفة بين أفراد المجتمع الواحد؛ لأنه يشعر بان كل من حوله يتحدثون بـ(اللغة) ذاتها وتجمعهم روابط مشتركه سواء من اللغة.. والعادات.. والتقاليد.. والقيم مجتمعية. ومن هنا تبرز أهمية (الوعي) و(الثقافة البناءة) لمواكبة (حداثة التكنولوجيا) و(ثورة الاتصالات) لتقبل الأخر من حضارات والمجتمعات العالم؛ بعد إن يدرك (الفرد) كيف يستثمر (الاختلاف) للتكامل البناء المثمر لثقافة (الفرد) و(المجتمع) لأنها تبعد (الفرد) من مشاعر (العزلة) و(الاغتراب) .
#فواد_الكنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عام يمضي.. وأخر يأتي.. لنجعل من منازل الأسر ومدارس الدولة ور
...
-
إشكالية قبول الأخر
-
هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم ي
...
-
التنبؤات هل هي خزعبلات العرافات والعرافين أم هي تنبؤات بإملا
...
-
الأمية وانعكاساتها السلبية على السلوك الاجتماعي
-
القيم الأخلاقية في مواجهة متغيرات العصر
-
مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق انتكاسة تشريعية
-
يوم الشهيد الآشوري .. في السابع من اب 1933 الملك (فيصل الأول
...
-
تحديات التي تواجه مستخدمي الذكاء الاصطناعي التوليدي
-
عيد الصحافة العراقية.. الصحافة العراقية على المحك في أوضاع ا
...
-
التجاعيد محطات من تاريخ العمر.. فيا سيدتي إزالتها بجراحات ال
...
-
المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستات
-
اين صوت العرب من معاناة الشعب الفلسطيني.........!
-
في اليوم العالمي لحرية الصحافة
-
عيد العمال والنقابات العمالية ما لها وما عليها في ظل الأزمات
-
في الذكرى مذابح (سيفو) في تركيا بحق الآشوريين والأرمن، جريمة
...
-
العيد القومي الآشوري.. رأس السنة الأشورية (اكيتو).. من ميثول
...
-
يوم المرأة العالمي .. حرية المرأة في وعيها
-
دور المرأة الآشورية في نضال الأمة والتحديات التي تواجهها
-
الاغتراب والضغوط النفسية على الإنسان المعاصر
المزيد.....
-
مدريد تكشف عن اختطاف مواطن إسباني في شمال أفريقيا
-
من أمام مطعم -لو شيف- بالجميزة.. ماكرون يتذوّق فطائر بالسبان
...
-
ترامب بعد مكالمة مع الرئيس الصيني: أتوقع أن نحل العديد من ال
...
-
-هناك قوى تريد إفساد الصفقة، وعلى الإسرائيليين الكفاح من أجل
...
-
إيران وروسيا توقعان على اتفاقية شراكة استراتيجية أثناء زيارة
...
-
الكابينت الإسرائيلي يصادق رسميا على اتفاق غزة وسط انقسامات د
...
-
بانتظار قرار الحكومة الإسرائيلية مجلس الوزراء الأمني يوافق ع
...
-
قبيل تنصيب ترامب..معاهدة شراكة استراتيجية بين إيران وروسيا
-
بوتين وبزشكيان يوقعان اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين روس
...
-
ماكرون: لبنان انجر لحرب مع إسرائيل رغما عنه ونعمل على إقامة
...
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|