أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لبيب سلطان - عرس لبنان ودلالاته الكثيرة















المزيد.....


عرس لبنان ودلالاته الكثيرة


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 8224 - 2025 / 1 / 16 - 14:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1. استرجاع وطنية الدولة هو العرس
شاهدنا في الايام الماضية حفلة عرس مثيرة وجميلة حقا، ‏شكلا هي التصويت على تنصيب رئيس جديد للجمهورية في لبنان ، ولكن موضوعها الاساس هو الاحتفال باسترجاع لبنان لدولتة الوطنية ، وهو البلد الذي عانى طويلا،كباقي بلدان المنطقة، من موجات "تسونامية " مؤدلجة ، بدأت قومجية ناصرية او عفلقية صرفة ، وتطورت لاحقا بعد هزيمة 67 الى قومية تقدمية مناهضة للامبريالية (بعد تطعيمها بطروحات سوفياتية ) وانتهت اسلاموية ولائية . افلحت هذه الموجات بتقويض مفهوم الدولة الوطنية في بلدان هامة في المنطقة وتحويلها الى عقائدية، حسم التحول سريعا بانقلابات عسكرية بدأت في مصر وسوريا والعراق وامتدت الى اليمن وليبيا والسودان وهلمجرا، ولكن في لبنان ،لم يقم انقلاب لبسط هيمنة هذه الايديولوجيات، ربما بسبب ترسخ دستوره ونظامه الديمقراطي الليبرالي منذ استقلاله عام 1943 وتمسك الجيش بالوطنية والدستور وولاؤه الوطني ، ولكن على ارض لبنان جرت معارك ساخنة بل وطاحنة بين الوجات العقائدية الوافدة من المنطقة والوطنية اللبنانية، استطاعت الاولى الهيمنة على الثانية على مدى خمسين عاما كاملة، قرابة 25 منها كان لبنان تحت هيمنة مشروت القومجية العربية الوحدوية التقدمية تحت زعامة أسدية، و25 التالية تحولت لهيمنة الولائية لحزب الله على الدولة اللبنانية بمشروع تحت زعامة اية الله من قم باقامة الامر الاعظم ، امر قيادة الامة الاسلامية. كلا المشروعان ادعي بتوحيد الامة ،تارة عربيا، وتلاها ولائيا اسلامويا موازيا للاخونجية، الهدف بشعار تحرير فلسطين، ولكن كلاهما جعل لبنان ساحة للمعركة لبسط مشروعه التوسعي، والسر في ذلك ، أي في اختياره للبنان كساحة لغرض لتوسع هو للهيمنة، وهناك قاعدة غير مكتوبة تقول من يسيطر على لبنان يسيطرعلى المنطقة، وهي قاعدة غريبة حقا، ولكنها واقعية، وسنأتي لمناقشتها تحت والسبب ليس فقط جغرافيا لمواجهة اسرائيل كما يبدو، فحدود سوريا والاردن اوسع بكثير، وربما لضعف لبنان عسكريا كما قد يبدو، ولكنه ليس كذلك، فلبنان اثبت انه الوحيد الذي استطاع دحر وتأديب اسرائيل وتحرير ارضه واجبرها على الانسحاب بعد غزو عام 82 وعلى يد ابنائه وقواه الداخلية بدوافع الوطنية ، وليست ولائية كما ادعته الولائية زورا فيما بعد.
لقد شهد هذا البلد حروبا اهلية استمرت قرابة العقدين بين جهة لبنانية سميت المارونية السياسية "الرجعية الانعزالية *، وانا اسميها عكسها انها ممثلة "للوطنية اللبنانية" ،ومعسكر مؤدلج اتخذ من لبنان ساحة يقاتل فيها لتحرير فلسطين ، وكالة عن امة متقاعسة ونظما ديكتاتورية قومجية تتفاخر وتدعي مصارعتها للصهيونية، ولكنها تركت على اللبنانيين خوض القتال مع اسرائيل ، وواقعا اثبتت الاحداث ان المارونية كانت تدافع عن الوطنية اللبنانية امام هذه المشاريع والانظمة التي تبرقعت باسماء المقاومة وتحرير فلسطين لمشاريع بسط نفوذ زعاماتها ليس الا على المنطقة ( بدأً من ناصر ثم اسد وصدام وحتى قذافي ،حالمين جميعا بالتتويج قائدا وحيدا للامة العربية) ،وليس اخرها المشروع الولائي لتتويج اية الله قائدا للامة الأوسع ، الاسلامية، من على ارض لبنان.
لقد عاش لبنان خمسون عاما ساحة للعبث والصراعات والحروب التي دمرته بعد ان كان ومنذ الاستقلال عام 1943 واحة للحريات والديمقراطية ،والرئة التي تنفست منها المنطقة هواء التحديث كنافذة على اوربا وعلى العالم بعد انهاء هذلا الدور لمصر على يد قمع عبد الناصر الذي انهى دورها الرائد هذا في المنطقة واحتلته منذ تحرر المنطقة من الاحتلال العثماني.
ان زفة العرس هذه جاءت لاعلان استقلال جديد للبنان ، ويسمونها كذلك ولادة جديدة له، ولكنها واقعا رجوع لبنان لحاله، دولة وطنية ، كما كان بعد اعلان استقلاله عام 43، وبنفس الوقت ايضا هي ولادة جديد ، بمعنى ارجاع الكهل شابا، فهي واقعا اعلان استقلال جديد، يختلف عن القديم، هذه المرة اعلان استقلاله من هيمنة الايديولوجيات القومية التقدمية او الاسلاموية الولائية التي صادرت دولته وتم اليوم استرجاعها، ومنه ترى هذا الحماس والفرح والتفاؤل بين الشعب والجمهور الواسع من اللبنانيين . جاءت الزفة جميلة وانيقة وفريدة بكل مشاهدها واخراجاتها ، وامتاز حفل الانتخاب والتنصيب للرئيس في مبنى البرلمان وحضور النواب ببدلات انيقة وتنظيم متحضر، وحضور النائبات الجميلات والشجاعات ذات الشخصيات الرادعة ( مثل النائلة بولا يعقوبيان) وبملابس زاهية انيقة وجميلة ( وليس مما تراه من خبازات وملايات مكمطات والرفيقات السابقات اللائي تحجبن تحت حزب الدعوة ليصبحن اكبر الحراميات في التاريخ، وامثالهن يملأ البرلمان العراقي وفق الكوتة النسائية ،لا نفع ولا دفع ، ليمثلن ببراعة الحقيقة للتيار التنسيقي الولائي الحاكم في العراق).
وامتاز حفل التنصيب ايضا بسعة وتنوع حضور العدد الكبير من المدعويين الاجانب ،ممثلين لدول كثيرة، وكأنه لتنصيب امبراطورا في هذا البلد الصغير، مما يدل على اهمية هذا الحدث للجميع، والبعض كانوا نشطين عرابين لانتخاب رئيس وطني مثل الجنرال عون ، حضروا ومعهم عروضا ووعود مغرية ،وحتى يقال ان هدايا وحقائب مال كاش للدفع المباشر قد حضرت لدفت لبعض النواب المترددين والدلالين من جماعة باسيل مثلا كالتي حملها "يزيد ابن فرحان " أي ابن معاوية الفرحان " في اقتحام سعودي للمشهد وذلك لمصالح سعودية كبرى لضرب عصفورين بحجر واحد سنأتي عليها، وعروضا سخية بتمويل مشاريع اعمار ضخمة خلجانية وفرنساوية واميركية واوربية نسقها لودريان ، وتعهداتا اميركية بحفظ سيادة لبنان على كامل ارضه وبانسحاب اسرائيل منها ، وتقوية الجيش ، وعروضا سخية باحياء اقتصاد لبنان ،حملها جميعها هوكشتاين ، وهؤلاء الثلاثة (يزيد ولودريان وهوكشتاين )لم يبارحوا العاصمة اللبنانية حتى تم الانتهاء من حفلة العرس واعلان تنصيب العميد جوزيف عون رئيسا جديدا للجمهورية اللبنانية الجديدة وبدء عهد جديد بعد طول فراق عن لبنان الوطني.
الكل يعلم، لبنانيين او عربا او افرنجا، ان انتخاب عون رئيسا يمثل واقعا اعلان استقلال جديد للبنان ليكون وطنيا كما كان بعد الاستقلال ، دولة وطنية ليبرالية محايدة، لينهيعصر سيطرة وتغول الايديولوجيات والميليشيات على لبنان .ان واحدا من اسباب هذا الاهتمام الاقليمي والدولي الكبير بالحدث ربما يمكن ارجاعه للتأثيرات الكثيرة التي ربما سيحدثها هذا الحدث ، منها الطرح ليكون لبنان مثالا مستقبليا لدول المنطقة لتكون وطنية وديمقراطية ومنه دلالته بتأثيراته عليها، وهو امر وارد جدا ، بان لهذا الحدث ستكون له تأثيرات كبيرة وعظيمة في المنطقة، وعدا انهائه عمليا لمشروع اية الله ، فانه في حقيقته السياسية والاجتماعية هو مشروعا لاقامة نظام ديمقراطي في المنطقة ، واذا نجح ، فعلاج ناجح لمريض يمكن تطبيقه على اخر مصابا بنفس المرض او قريبا منه، وما اكثر المرضى في المنطقة ذوي البلدان المنكوبة والمهدومة المبتلية بحكم ديكتاتوري اومؤدلج ، او كلاهما، ولا احد يتوقع طبعا ان الامر سيكون بسهولة التحول كما في لبنان ، بمجرد حفلة عرس وتنصيب دستوري لرئيس وطني جديد في البلاد، ولكنها بلاشك البداية الواعدة كما سنأتي لمناقشتها تحت دلالات هذا الحدث.
2. الوثيقة الوطنية لعون اعلان تاريخي للمنطقة
جاء خطاب القسم والتنصيب للرئيس عون بمثابة وثيقة لبدء العهد الجديد، عهد استقلال لبنان الجديد، طرحت فيها الاسس التي سيقوم عليها العهد باعادة لبنان للحكم الوطني اللبناني وفق احكام الدستور الاصلي للبلاد ،وتعهد بارجاع مكانته واحترامه وتفعيل اليات تنفيذه، أي اعادة لبنان الى هويته كدولة وطنيه ليبرالية ديمقراطية التوجه والممارسات . ولوفحصنا ما جاء في هذا الخطاب الوثيقة ( التي اعتقد سيتم اعتمادها مستقبلا نموذجا لاسس اقامة الحكم المنطق وفي لبنان كمثال لوثيقة الحكم الوطني الراشد ، لقوة وجوهرية مبادئها في صياغة شكل المستقبل القادم لحكم لبنان) ، فهي تعلن الرجوع لمرحلة لبنان الوطني كما كان قبل الموجتين،الى فترة لبنان الازدهارية بعد الاستقلال ، وتنص ،مستفيدة من التجارب المريرة التي مر بها ، على ابعاد الدولة واجهزتها عن تبني اية عقيدة، او الوقوع تحت سيطرة احداها او تأثيرها اونفوذها، ومنع تحكم وتغول احدى الجماعات العقائدية عليها ، أي وطنية الدولة ومؤسساتها، ووطنية الجيش ومنع تسييسه، واعلن حصر حمل السلاح بيد الدولة واحتكار هذا الحق لها فقط كما ورد في خطابه ( وهنا صفق النواب طويلا وتلقائيا لوضوحها باعلان انتهاء عصر سطوة سلاح ميليشيات حزب الله التي تحكمت بالدولة وتحت شعار زائف وحدة "الجيش والشعب والمقاومة" الذي طالما تم تكراره في اروقة نفس هذا البرلمان ( ورفعه واسعا لافتاتا في كل مكان وفي كل شوارع لبنان ومرافقه ،كمراكز البلديات والمطار امثلة، مزينا بثلاثة صور حوله لاية الله وللسيد حسن نصر الله وسليماني ،. كأنما يفصح عن حقيقة الشعار اننا نحن من يحكم بين ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ) .
تعهد العهد والخطاب بالاستقلال الكامل للقضاء وانهاء الوضع المأساوي للقضاء في عهد الميليشيات ، وتعهد بتمكينه من وضع اكبر صماخ من مافيات الفساد والافساد في الدولة تحت طائلة القانون مهما كان منصبه ( وضمنا منهم وزراء سابقين كجبران وقادة مافيات لتبييض الاموال في مصارف لبنان وتهريبها بقوانين وزارة المال ومنهم المسؤول عن تفجير مرفأ بيروت امثلة) ، وعلى ضوء تعهداته هذه اختار النواب القاضي الدولي المتمرس نوفل سلام ، وكان هو مرشح كتلة المستقلين والمجتمع المدني بقيادة النائبة بولا يعقوبيان حسنة الذكر اعلاه وتم تنصيبه تتويجا لنشاطها مع زملائها في كتلتة التغييروالمستقلين، وعددهم جميعا 25 نائبا ، الذين خيبوا امال الثنائي على انتخاب دميتهم الميقاتي كما بدا للجميع حتى يوما قله ، واصبح الصبح ليتم فوز ترشيح سلام ، وهو القاضي الدولي الذي سيعيد للبنان قضاءه وقوة تطبيق القانون وانهاء استلاب الميليشيات ومافيات الفساد.
و كما تعهد عون بانهاء مايمكن تسميته "الاقتصاد الميليشياوي" دون ان يلفظها كلمة او مصطلحا ( واعتقد انه حقا جديرا ان يكون مصطلحا يشير لصنف شائع من اقتصاد الفساد ساد العراق ولبنان وغيرهما) ولكنه قصده واضحا بمظاهره وهي السيطرة على المنافذ والحدود والمطار والمرافئ واستخدامها لتهريب منتجات تكنولوجيا زراعة وتصنيع المخدرات ، وما معها من مافيات سياسية للتهربب والتمويل وتبييض الاموال ( ألتي واقعا امتد نفوذها بقيادة حزب السيد حتى كولومبيا والارجنتين).
وعلى المستوى الاجتماعي ثبت الرئيس عون في وثيقته العهد مبدأ المساواة في المواطنة وضمان الحقوق والحريات لجميع اللبنانيين على اسس واحدة بعبارة جميلة واحدة تجمع وتعبر عن كل محتوى المساواة "انكسار احدنا سيكسرنا جميعا" وهي اجمل عبارة يمكن ان تقال عن المساواة في المواطنة وحقوقها اتت من هذا العسكري وكأنه فيلسوفا في فهم حقوق المواطنة الفردية او لكافة فئات واطياف وطوائف المجتمع .
كانت هذه ملخصا لاهم الاسس والمبادئ التي اعلنها العميد جوزيف عون في خطابه الذي يمكن اعتباره وثيقة حقوقية بليغة لاسس ادارة الدولة والحكم الوطني في لبنان الجديد.

3. عن اسباب الولادة للبنان الجديد وايصال عون
لنتوقف قليلا عند الاسباب لتمكن اللبنانيين من ايصال العميد عون لاعلى هرم الحكم والسلطة لاعلان بداية عهد جديد. ربما يعتقد كثيرون ان ضربات اسرائيل الاخيرة لحزب الله واضعافه هي التي ادت لهذه الولادة وامكانية تنصيب العميد جوزيف عون ، ويضيفون لذلك الدعم الاميركي والغربي والسعودي، وكل ذلك دون شك هو هاما ، ولكنه ليس حاسما ،كما اعتقد ومثلي كثيرون ، فلو حللنا الامر جليا سنجدها عوامل مساعدة او مسرعة لاغير، وليست حاسمة، فلولا التهيؤ الشعبي الداخلي الواسع للتوجه والمشاركة لاحداي هذا التغيير الجذري لما حدثت الولادة اطلاقا، والدليل عليه ان مثل هذه الضربة العسكربة تقريبا قد وجهت لحزب الله عام 2006 ، ولم تؤدي لغير للعكس تماما، ادت لتعاظم وتقوية نفوذ ومركز حزب الله في لبنان، وتصاعدت سطوته وسيطرته على الدولة والمجتمع اللبناني باعتباره اصبح عنتر الامة ،بطل الانتصار والتحريروالمقاومة، ورغم نفس الدمار وقتها قد حصل ، لم يكن الشارع مهيأ بعد ،بل الذي حصل ان الجميع كان متحدا لمواجهة اسرائيل مارونية ودروز وسنة، جميعهم وقف وراء السيد كبطل للمقاومة، وربما سببه ان وقتها لم يكن مشروع حزب الله العقائدي الولائي قد توضح في جوهره واهدافه للناس بعد،انه ليس مشروعا للمقاومة للبنان، وفقط بعدها اصبح واضحا انه مشروع لايران، وليس للبنان . ولم يكن لحزب الله وقتها نواب ولا هيمنة على اجهزة الدولة وافسادها ،كما ان الاقتصاد وقتها عام 2006 لم يكن ميليشياويا ، بل كان لازال وطنيا ، بعد نهوضه زمن الرئيس رفيق الحريري حتى اغتياله على يد الحزب بامر من ايران وبشار عام 2005 ، وبدء بالانهيار بعد اغتياله وانتهى الى تحوله الى الاقتصاد الميليشياوي . طبب حزب الله بعد عام 2006 منهجية مكتسبة من رؤيا اية الله ، المؤسس ، تقوم على اقامة اجهزة لدولة موازية داخل الدولة الرديئة لاضعافها و تحييدها ولاجل السيطرة عليها ( جيش مواز مثل الحرس الثوري، اقتصاد مواز (مثل الاقتصاد الميليشياوي للاعتماد على الذات ،واسهلها اقتصاد تكنولوجيا المخدرات التي تدر مئات الملايين اضافة لمهمتها الاخرى بتسميم الغرب الامبريالي الكافر)، وداخليا يتم تهديم اركان الدولة بشراء ذمم السياسيين من كافة الملل والطوائف ووضعهم باعلى المراكز للاغتناء الشخصي وممارسة الفساد ( كشراء الاصوات المارونية واقامة الامبراطورية المالية لميشال عون وصهره جبران باسيل مثالا، او السنة في العراق)، تدعم ذلك اجهزة الامن والارهاب الميليشياوي لاشاعة الرعب والتصفية لمن يعترض ويفتح فمه من المناوئين ، تماما الحال في لبنان كما هو الحال في العراق، وغيرها من الوسائل والادوات التي تفنن بها حزب الله ونقل كل خبرته وابداعاته وتجاربه للعراق حيث تراها مجسدة تماما بنفس الصورة والممارسات لما تفعله ميليشيات المقاومة واحزاب الاسلام السياسي في العراق اليوم ، وحزب الله هو خير مبدع ومطور لطرح الاصل في منهج الدولة الموازية من انتاج اية الله الذي طبقه اولا على نفسه وتراه واضحا في طهران بقيادة الحرس الثوري وسيطرته على كل مرافق الدولة من الامن الى الدفاع والى الاقتصاد، وتم نقل تطبيقه ( موازيا لنقل التكنولوجيا الجارية في العالم ، وتصح تسميتها "تكنولوجيا اية الله لانتاج الدويلات الموازية وترى تطبيقاتها وبنفس مواصفاتها في كل من لبنان واليمن والعراق ، وللامانة ففي الاخيرتين تم تدجين هذه التكنولوجيا على يد مقاومة السيد نصر الله، برع جميعهم بهدم اركان الدولة الاصيلة ونخر مؤسساتها من الداخل والسيطرة عليها لاخضاعها لمشروع اية الله واقامة امبراطورية العظمى (ربما يشبه مشروع ابو مسلم الخراساني تاريخيا باقامة الامبراطورية العباسية مع استفادة من التجربة السابقة لجعلها هذه المرة خالصة لاهل البيت، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وارجاع الحق لنصابه لتسيطرعلى دول شرق المتوسط قبل استفحال مشروع الاخونجية او الاموية العثمانيى الموازي على غرب المتوسط ثم منه للجنوب الخليجي ( وحدسهم صحيح بما نراه ربما بداية بؤرته في سوريا اليوم على يد جولاني).
لنعود لموضوعنا الاساس لنثبت من اعلاه ان ولادة لبنان الجديد ما كانت لتتم لولا التهيؤ الداخلي الشعبي الواسع له، فالعصا الخارجية يمكن ان تضعف ، ولكنها لاتحسم امر خلق نظاما وطنيا اذا لم يكن مدعوما شعبيا ومشاركة فيه من المجتمع بقيادة فئاته التي تؤمن بالوطنية. ولا بد من التذكير هنا ولتعزيز هذا الرأي بشكل موضوعي لحدوث هذه الولادة هو الدور الكبير الذي لعبته كتلة التغيير والمستقلين والمجتمع المدني في البرلمان اللبناني ( بقيادة النائبة بولا يعقوبيان حسنة الذكر اعلاه ) التي فازت ب25 نائبا في انتخابات عام 22 وهي وكانت الكتلة قد شكلت اثر انتفاضة 17 تشرين عام 2019 واتت نتائجها اليوم. والواقع انها انطلقت في لبنان بعد ثلاثة اسابيع من انطلاقها في العراق وبنفس الشعارات تقريبا لانتفاضة تشرين العظيمة في العراق والتي ايضا اوصلت عددا كبيرا من النواب المدنيين والمستقلين في انتخابات 1921 وكادت ان تعصف بالحكم الميليشياوي وتحدث ولادة مشابهة لولا ظروفا خاصة وتامرا ايرانيا كبيرا ادى لتشتيت وتضييع هذه الفرصة، وهو امرا قادما من جديد، فلن تفوت فرصة حتى تأتي اخرى لو توفرت ظروفا مناسبة، كما سنبحثه تحت.

4. دلالات الحدث اللبناني وتأثيراته المحتملة على المنطقة
ان ما يمكن استخلاصه لموجز العرس الوطني في لبنان هما دلالتان هامتان جدا:
الاولى: انه لايمكن لاية عقائد او ايديولوجيات ان تحل محل الوطنية في بناء تحضر وتقدم دولها ( وهو امرا اثبته لبنان للتو من خرابه، كما اثبتته تجارب دول حتى عظمى وعديدة في العالم قبله منها المانيا وايطاليا وروسيا والصين امثلة). وهذه النتيجة هامة لشد عزم وعمل الوطنيين في العراق وسوريا وغيرها من بلداننا المبتلية بموجات الاسلمة والديكتاتوريات مثلا، فالوطنية دوما ستنتصر ، عاجلا ام اجلا ( شرط صياغتها كما هي النضال لابعاد الدولة عن سيطرة العقائد والايديولوجيات هي ترجمة اخرى لمصطلح الدولة العلمانية الذي تم تشويه فهمه واستخدامه).
الثانية: وتخص مستقبل المنطقة تحديدا وتستخلص من تجربة لبنان ، وتقول ان هناك ثلاثة دورات من الانتكاسات الوطنية التي تمر بها دول المنطقة العربية قبل الخروج منها والرجوع الى فضاء الدولة الوطنية ( وهذه الدورات الموجات الثلاثة في المنطقة هي القومجية العربية الصرفة ، القومية التقدمية المطعمة او المطلية بشعارات وطروحات من الاشتراكية السوفياتية ، تليها السلفية الاسلاموية ( بصنفيها الولائي والاخونجي) ، وبعدها فقط سيمكن الرجوع لوطنية الدولة ومعها امكانية اقامة الديمقراطية ( ونظريا لا يمكن فصلهما لو ترجمت الوطنية بمعنى المساواة في الوطنية ويمكن البرهنة على ذلك ) ، ومنه فالمرحلة القادمة ستكون لامحالة الرجوع للوطنية والديمقراطية وبعدها الليبرالية كاسس للدولة والمحتمع ، ولبنان اثبت ذلك ‏ فيالواقع، ومنه اهمية العرس والتجربة التي ستعطيه الريادة في فتح عهد جديد في المنطقة ، وستتبعه موجات الرجوع القادمات لحكم النظم الوطنبة عاجلا ام آجلا، سواء في هذا العقد او الذي بعده، او في هذا القرن او الذي يليه ، فلا مفر من قانون لظاهرة حدثت ولا يوجد ما يمنع حدوثها مرة ثانية ، وفق قوانين العلم الطبيعي والاجتماعي معا، شرط فهم ظروف حدوث هذه الظاهرة ،وايجاد القوانين المنظمة لها والعمل على توفيرها لتحدث فعلها باعادة احداث الظاهرة ( كاستحضار ظاهرة البرق في المختبر مثلا بتوفير شروطه كظاهرة طبيعية، او اجتماعية كظاهرة الكذب، مثلا حيث يمكن احبار اكبر صادق على الكذب ، حتى وان كان الامام جعفر الصادق، لو تم توفير ظروف مؤاتية مثلا لانقاذ من فتنة او حياة انسان الخ) . وكمثال واقعي حول تكرار ظاهرة لبنان في استرجاع الدولة الوطنية هو العراق كونه قطع نصف طريق لبنان ، اما سوريا فقد دخلت وللاسف متأخرا وللتو للمرحلة السلفية ومنه ربما سيتأخر او يتم حدثا ما يسرع برحلة جولاني .
وعدا هذه الدلالات اعلاه لا بد من التوقف ايضا على بعض التأثيرات التي سيحدثها العرس الوطني اللبناني على المنطقة وخصوصا الدول المجاورة.
اولها ربما يفسره قفز السعودية بكل ثقلها لجانب عودة لبنان، وهو بلاشك لفرحها لتقليص نفوذ ايران، ولكن ربما لايقل اهمية وربما الاهم في المستقبل لها ( نظرا لضعف مركز ايران اليوم ، وخصوصا بعد استشهاد السيد نصر الله وهروب الاسد المخزي لروسيا) هو اقامة من لبنان حاجزا امام قطر واردوغان والاخونجية من التمدد الى خارج سوريا، وحتى يقال انها بادرت وحتى منذ هذه الايام بالاتفاق مع النصف القائد من الثنائي الشيعي لتمويل اعمار ما تضرر من الجنوب والبقاع والضاحية ، وعلى صعيد الدولة اللبنانية فستقوم بضخ الاموال والاستثمارات للبنان وتطبيق نموذج الالمانيتين او الكوريتين احدهما يزدهر وهو لبنان والاخر ، والاخر شرقه الاخوان ليبقى يعاني من عدم رفع الحصار وعدم ورود استثمارات وتتبخر مليارات قطر لاغناء زمر ذوي اللحايا حوله وهم كثر ويتبخر المال، هذا اذا لم تستطع السعودية شراءه او تحييده او حتى للعمل على اسقاطه اذا تجرأ على الاردن او الخليج حتى ولو بنشرة اخبار.

وربما التأثير سيمتد حتى لنظم مثل مصر وليبيا والسودان..فالعماد عون عسكري وكان قائدا للجيش ، مثل الرئيس السيسي ولا بد للاخير ان يستوعب تجربة عون ويستخلص ان خير من يجابه الاخونجية و السلفية هم ليسوا الجيش والامن والمخابرات وفرض الديكتاتوريات ، بل اطلاق الحريات لحركات الفكر المتحرر والمجتمع المدني والاعلام وخلق ظروف الديمقراطية ومنها الاستقرار لجذب الاستثمارات الانتاجية الدولية الضخمة لمصر وتطوير اقتصادها موازيا ونتيجة لتطوير نظمها نحو الديمقراطية والشفافية وفصل السلطات لمحاربة الفساد والافساد وكل ما استفاد منه عون لانقاذ لبنان من براثن السلفية الولائية.

د.لبيب سلطان
15/1/2024
------------------
* ان اطلاق مصطلح المارونية السياسية واتهامها بالرجعية والانعزالية عن محيط لبنان العربي والولاء لاسرائيل ، هو خطأ فاضحا ارتكبته القوى االوطنية اللبنانية كان هدفها النيل من الوطنية اللبنانية للطائفة المارونية لعدم انخراطها بالحركات العقائدية العروبية الوافدة اليها من المنطقة، بما فيها مجابهتها لسيطرة عرفات على لبنان، ولعلم القارئ فالمارونيون غالبا ما يشيرون كما وفي مصادرهم عن اصلهم انهم من قبائل عربية شمالية قطنت حوران واندمجت بالثقافة الارامية والفينيقية للقبائل والمدن على ارض سوريا الكبرى وتبنت معها المسيحية قرونا طويلة قبل غزو معاوية لما سمى بلاد الشام لنشر الاسلام فيها ، ولا احد من العمائم يستطيع لليوم موضوعيا الاجابة كيف ان الغزو المحرم في الاسلام اصبح حلالا على غزو العراق ومصر وبلاد الشام وهي ذات دين لنفس الاله، وسكانها من اهل الكتاب كما ورد في المصحف الشريف نفسه ومن نفس الاله). المهم ان المارونية في نهاية المطاف من حمت ودافعت عن وطنية لبنان، بينما طالبوها بالانخراط بالمشروع القومجي العربي ورفضت ، ومنه اتهامها هذا الباطل.



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دستور جولاني
- أرفع راسك فوق انت سوري حر*
- صورتين للصين
- مداولة في وقائع اسقاط نظام الاسد
- ظاهرة هوكشتاين
- مخطط ترامب للانقلاب
- الولائية مشروع لاجهاض حل الدولة العلمانية ( تشريح محور المقا ...
- بحث في دهس الولائية على الوطنية (تشريح محور المقاومة ـ2)
- تشريح محور الممانعة والمقاومة
- حول كتابين في معرض بغداد الدولي
- تحليل بوتين
- بحث حول تراجع العلمانية في العالم العربي-2
- بحث حول تراجع العلمانية في العالم العربي
- في دحض الشعبويات المتاجرة بالقضية الفلسطينية
- تحليل للظاهرة الترامبوية
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
- نافالني رمزا لادانة الاستبداد والدولة البوليسية
- الاسس الخمسة لبناء الدول القوية والمجتمعات الناجحة
- مطالعة اضافية في سبل اصلاح اليسارالعربي
- أليسار الاجتماعي واليسار الماركسي عالميا وعربيا


المزيد.....




- المبادرة المصرية تدين استمرار استهداف هشام قاسم بتقديمه لمحا ...
- -وقف إطلاق النار في غزة قبل أداء ترامب اليمين الدستورية تأيي ...
- خبراء: مؤشر كتلة الجسم ليس دائما الأساس ولا المعيار في تشخيص ...
- روسيا تكثف هجماتها.. تدمير عشرات الدبابات والمدرعات والأسلحة ...
- قبل ساعات من وقف إطلاق النار في غزة.. فلسطيني يخلد -طوفان ال ...
- لندن تعارض إرسال قوات لحفظ السلام إلى أوكرانيا
- الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 10 عسكريين بانفجار في موقع تدريب ...
- بيسكوف: وقف إطلاق النار في غزة خطوة نحو السلام.. وندعم أي تس ...
- معارك شرسة على الحدود.. القوات الروسية تتصدى لهجمات كييف وتو ...
- زاخاروفا: الولايات المتحدة وأوكرانيا تخليان السوق أمام الغاز ...


المزيد.....

- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لبيب سلطان - عرس لبنان ودلالاته الكثيرة