|
اشكاليات المثقف بعد التغيير
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 20:47
المحور:
الادب والفن
د. قاسم حسين صالح
كنت حريصا على ان اتابع ما حصل للثقافة في العراق بعد 2003 لغاية الان. فبعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي اعتمد ثقافة الحاكم الواحد والحزب الواحد، حصل اول تحول سيكولوجي بظهور (ثقافة الضحية) التي صنفت العراقيين الى ضحيتين( الشيعة والكورد) وان على الضحية المظلومة ان تقتص من الجلاد الظالم (السنّة). ومن أول سنة تغيير(3003) تراجعت (ثقافة المواطنة ) يوم سدد لها بريمر ضربة( ثقافة التثليث.. شيعة،سنة،كورد).
بعدها بسنة ظهرت (ثقافة الأحتماء)..فبعد ان تعطل القانون وصارت الحياة فوضى والسلطة لمن هو اقوى في الشارع..اضطر البغداديون بشكل خاص الى ان يغادروا بغداد ليحتموا اما بالعشيرة او المدينة التي ينتمي لها ..كأن يذهب الراوي الى راوه مثلا. بعدها بسنتين شاعت وتعمقت (ثقافة الولاءات المتعددة )التي تفرّق لتصل الى ابشع حال في احتراب (الهويات القاتلة ) لسنتين كارثية(2006-2008)،ورفع من صار رئيس وزراء في حينه شعار (صارت عدنه وما ننطيها). وتراجعت ثقافة التسامح وثقافة الحوار،لتظهر ثقافات متعددة الأسماء : ثقافة التحرير ، ثقافة الغزو ، ثقافة العمالة ، ثقافة الارهاب،ثقافة المقاومة،وثقافة كاتم الصوت.وكان اقبحها هي( ثقافة الطائفية )التي وزعت العراقيين الى جماعات تفرقها ثقافة التعصب وتجمعها ثقافة الكراهية.
المثقف..بعد التغيير من عادتي ان استطلع الرأي العام حين اريد توثيق ظاهرة اجتماعية او ثقافية ، وقد فعلت ذلك بخصوص حال المثقف العراقي بعد التغيير في (2017) ، اليكم نماذج من اجاباتهم:
• المثقف العراقي يواجه ثقافة دينية طائفية عشائرية مدججة بالسلاح والمال والنفوذ ، لكنه رغم ذلك يعمل ويبدع ويقاوم.
• المثقفون لا يملكون قوة المال ولا غاز مسيل للدموع ، والهجمة الان ضخمة وقوية.
• بدون زعل،لانهم لم يسمعوا كلام غادة السمان فهاجروا ثم ذبلت ازهارهم هناك ولم يدركوا ان الاشجار لا تهاجر.
• المثقفون..منهم من وجد ذاته بعيدا وغادر الوطن ولم يتذكره، والموجودون في واد والجماهير في واد اخر، ومنهم من انساق وراء مغريات السلطة للاسف.
• لا يوجد تاثير للمثقف على سواد الناس الذين يمثلون قاعدة الجهل العريضة ويتاثرون بخزعبلات الملّا والمشعوذ،والبعض منهم يعتبر المثقف بانه ينشر الكفر بين الناس.
وبعد ست سنواتٍ وفي العام (2023) أعدنا الاستطلاع ذاته، إليكم نماذجَ من إجابات حرصنا أنْ تحملَ أفكاراً مختلفة: * حسب رأي غرامشي: الأكثريَّة في المجتمع هم مثقفون لكنْ بثلاثة أصناف: التقليدي المهني مثل الموظف والمعلم، والثاني الذين يعرفون الأخطاء ويقبلون بها طمعاً بعطاءٍ من السلطة وهم الأغلبيَّة في العراق من كتاب وفنانيين وآخرين، والثالث هم الذين يشخصّون الأخطاء ويعملون على تصحيحها ويدافعون عن التغيير نحو الأفضل. * المثقف العراقي الحقيقي غائبٌ أو مغيبٌ في وسط هذا التزاحم والفوضى وقلة الوعي وانتشار الخرافة والتدين الزائف والجهل المدقع والتدليس والأمية بكل أنواعها. هناك مثقفٌ اجتماعيٌّ يحملُ همومَ الناسِ ويسعى إلى تغيير الواقع، وآخر لا يهمه سوى منجزه الأدبي. أما الانتهازيون والمتكسبون فهم الفئة الأكبر الآن، وهؤلاء يلعقون ما ترميه لهم السلطة ويعتاشون على فتاتها. ويرى آخرون أن المثقفين بعد التغيير قليلون جداً،والسبب هو تغليب النزوات والغرائز على العقل بسبب ظروف الحرب وقساوة الحياة وتدمير عقل الإنسان، وأن الكم الهائل من ثقافة العصر جعلت من الصعب على المثقف الحفاظ على موقعه،وأن المثقف العراقي إنسانٌ أولاً،منهم النرجسي والموضوعي والذاتي والمتواضع والمتكبر الذي لا تغير ثقافته من طبعه ، وليس مطلوبا منه أنْ يطلبَ من الآخرين جلد ذواتهم، وهو الأمر الذي يحدث لدينا ولا يحدث في العالم المتقدم الذي يعدُّ المشاركة الثقافيَّة فخراً لصاحبها..كما يضيفون. ثلاث اشكاليات نقصد بالمثقف هنا الذي يمتلك نزعة انسانية ورؤية شاملة وضميرا اخلاقيا ومعارضة موضوعية لواقع لا يليق بحرية الانسان وكرامته..هذا المثقف بالتحديد يعيش اكثر من اشكالية:
الأولى سيكولوجية..يشعر فيها بالتهميش فيعاني بسببها الاغتراب وفقدان المعنى من وجوده في الحياة.
الثانية ..فجوة كبيرة بينه وبين المجتمع ..خلاصتها انه يرى المجتمع قد وصل الى حالة (بعد ما تصيرله جاره).
الثالثة الأخطر..اشكاليته مع السلطة..،فهو ناقد بطبيعته للجوانب السلبية،فيما السلطة بطبيعتها لا تحب من ينقدها،وادراكه بان الصورة التي تحملها السلطة عنه بأنه (عدو) وانها تخشاه لانه اقرب منها نفسيا للناس ،والأصعب..أن السلطة تشعر بالنقص الثقافي امام المثقف،فتتولد لدى كليهما عقدتان سيكولوجيتان متناقضتان: شعور السياسي بالنقص وشعور المثقف بالاستعلاء. العراق..خامسا توثق شبكة الساعة وشفق نيوز بالاسماء مقتل (نحو 300) صحفيا ومثففا في العراق بعد 2003، فيما اشار تقرير (للجزيرة) ان العراق (حلّ بالمرتبة الخامسة على مستوى العالم في مؤشر افلات قتل الصحفيين والمثقفين من العقاب بالرغم من وجود قوانين تعنى بحماية الصحفيين). والأسوأ ..ان تعرض المثقفين والصحفيين الى القتل..ازداد الآن بعد سيطرة المليشيات على الشارع العراقي،واوصلت المثقفين الى ان يعيشوا واحدة من أسوا المحن التي مرّت بهم ..فتوزعوا بين من غادر الوطن مضطرا ، وبين من وجد ان لا معنى للحياة دون حرية قلمه فدخل حالة الاغتراب النفسي ، وبين من هادن السلطة والتحق بهذا الحزب او ذاك لتامين لقمة العيش لعائلته، وبين من وضع كفنه على راحة يديه ..ويعلم أنه مقتول مقتول. بقي علينا ان يكون لدينا فهم مشترك بأن الثقافة تعني..نوعية الأفكار والمعتقدات والأخلاق التي نحملها بخصوص انفسنا والآخرين والعالم،وأنه لهذا السبب جرى الأعتراف بها دوليا في الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر بقرار الجمعية العامة عام 1984الذي أكد على أن (لكل شخص الحق في ان يسهم بحرية في الحياة الثقافية للجماعة، وفي ان يتمتع بالفنون، و يشارك في مختلف انواع التقدم العلمي وفي الفوائد الناجمة عنها). وعراقيا،انشغل جيل الشباب "بثقافة " الفيسبوك و و..وما عاد يعرف حتى رموز الثقافة في وطنه..وبينهم من لا يعرف حتى الجواهري ومظفر النواب.( سألت شابين كانا معي في الطائرة..هل تعرفان الجواهري؟ اجابا :لا ، هل تعرفان مظفر النواب، اجابا : ما نعرفه!) وكثير من العراقيين يغفلون دوره الثقافة، ولا يدركون ان ما نحمله من قيم وأخلاق ..هي من صنع الثقافة. والأكثر من ذلك ان الثقافة هي التي تتحكم بسلوكنا، وانها هي السبب في اختلاف سلوك رجل الدين عن سلوك الأرهابي ،وسلوكك عن سلوك الآخر..ولك ان تتذكر كيف كان سلوك العراقي في ثلاثة أزمان: الملكي والجمهوري والديمقراطي بعد التغيير. ولك ان تعرف ايضا ان تضاعف حالات الطلاق والانتحار وتحول الفساد من فعل كان يعدّ خزيا في قيمنا العراقية الى شطارة وانتهاز فرصة.. سببه الرئيس شيوع ثقافة الخرافة والنفاق والدجل وتوظيف الدين لخدمة الحاكم الفاسد.. وتلك هي الأشكالية التي يعيشها المثقف العراقي الحقيقي و محنته في الزمن الديمقراطي..التي غاب فرجها باغتيال ثورة تشرين! *
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهاية العراق..هل هي مؤجلة؟
-
وداعا 2024 اهلا 2025
-
ابو محمد الجولاني..من خلعه جلباب داعش الى المدني أحمد الشرع!
...
-
حماية الأطفال والمراهقين من اخطار الأنترنت ومنصات التواصل- م
...
-
أبو محمد الجولاني..شخصية جدلية
-
طغيان الحاكم..تحليل سيكولوجي
-
جاسم المطير..عقل عراقي استثنائي افتقدناه في الغربة
-
المفهوم الحديث للتعداد السكاني في العراق..هل يقترب منه العرا
...
-
مؤتمر دبي نحو تنظير جديد للأبداع في العالم العربي
-
ترامب..تحليل سيكولوجي لشخصية رئيس الدولة الأقوى في العالم
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الغاشرة والأخيرة)
-
انتفاضة تشرين..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الثامنة)
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة السادسة)
-
متلازمة الأذن الموسيقية..اغرب اضطراب نفسي
-
فضل الأكتئاب على الفنون والآداب !
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الخامسة)
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الرابعة)
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الثالثة)
-
انتفاضة تشرين ..في ذاكرة التاريخ (الحلقة الثانية)
-
انتفاضة تشرين ..في ذاركرة التاريخ .توثيق للتاريخ والأجيال (ا
...
المزيد.....
-
الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا
...
-
بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب
...
-
مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب
...
-
فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
-
من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة
...
-
إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار
...
-
الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
-
رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
-
جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال
...
-
مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|