يامه القمر علي الباب ... وكيف كانت الأغاني الخليعة قديما !!

أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8220 - 2025 / 1 / 12 - 20:12
المحور: الادب والفن
    

تمثل دراسة الفنون ، ومنها فن الغناء والموسيقى ، فرصة عظيمة لدراسة نفسية الشعوب ، ودرجة تطورها العقلي ، بما لا يتوفر - بهذه الحدة والحساسية - في مصدر آخر ...
وكيف تختلف نظرة شعب ما إلى الأخلاق ، وما يصح وما لا يصح من الأمور ، مع مرور الزمن..
وكيف تتغير ذائقة الشعوب وحاستها الفنية مع مرور الايام...

وأغنية فايزة أحمد الشهيرة " يامه القمر علي الباب" مثال على ذلك...

لقد كان من سوء حظها أن تلك الأغنية كانت من اوائل أغانيها فى مصر ، مع انها كانت هى أيضا سبب شهرتها ...

وفايزة أحمد من مطربات الطبقة الثانية في الغناء العربي فى رأيي ، مثلها مثل وردة الجزائرية ونجاة وشادية وصباح وغيرهن ، والطبقة الأولى تتربع عليها - فى اعتقادي - أم كلثوم بمفردها ...

وفيما يخص فايزة احمد فقد الكاتب المعروف أنيس منصور من أكبر المعجبين والمتحمسين لصوتها في مصر ...

جاءت فايزة أحمد إلى مصر عام ١٩٥٦، بعد تجارب غنائية غير مشهورة وشبه ناجحة فى لبنان سوريا والعراق ...

وقد ولدت فايزة احمد في صيدا بلبنان لأب سوري وأم لبنانية ، وغنت فى بدايتها في إذاعة حلب واذاعة دمشق ، ثم سافرت لمدة سنتين الي العراق وغنت هناك باللهجة العراقية، ثم كان قرارها بالمجئ الي مصر ، وغنت في البداية اغنية انا قلبي اليك ميال وكانت طريقها الي بدايات الشهرة ، ثم جاءت اغنية يامه القمر علي الباب ــ وقد غنتها ضمن فيلم تمر حنة ــ لتجعل منها نجمة من نجمات الغناء العربي ، وخصوصا مع الضجة التي أثارتها الاغنية ، بين معترض عليها لدواع اخلاقية وبين متحمس لها كلاما ولحنا ــ لمحمد الموجي ــ وغناء..

تبدأ الاغنية بنداء فتاة لأمها قائلة..

يامه القمر علي الباب نور قناديله
يامه أرد الباب ولا أناديله
يامه ...

ثم تستمر الفتاة في مخاطبة امها ...
يامه القمر سهران
مسكين بقاله زمان
عينه علي بيتنا
وحد م الجيران
وصف له قُلتنا
اسقيه ينولنا ثواب
ولا أرد الباب
ولا أناديله ؟!
......

بابص من الشباك
لمحته جي هناك
في طلعته الحلوة
نور عليا وقال
في عنيا كام موال
وخدي كام غنوة
لا قدرت أرد جواب
ولا أرد الباب
يامه
.........

وكان الجزء الاخير من الاغنية هو سبب المشاكل ...
وفيه تخاطب فايزة احمد امها قائلة بحرقة :

يامه القمر ع الباب
خبَّط وقال يا احباب
ردوا علي الخطَّاب
معدش فيها كسوف
يامه أعملي معروف
قومي افتحي له الباب
ولا انا أجيله
يامه ....

وبعد إذاعة الاغنية تقدم سيد جلال عضو مجلس الامة باستجواب الي وزير الارشاد المصري ــ وهو الاسم القديم لوزارة الإعلام ــ يطالب فيه بمنع إذاعة الاغنية..

وسيد جلال كان وقتها شيخ البرلمانيين ، لبقاءه عضوا في البرلمان المصري لعقود نائبا عن باب الشعرية في القاهرة ، وهو نفسه الرجل الذي تبرع بالارض التي اقيمت عليها مستشفى باب الشعرية ــ والتي سميت بمستشفي سيد جلال ــ وهي مستشفى طب الازهر بنات الآن ..

وكان مما قاله سيد جلال في البرلمان وفي الصحافة بخصوص اغنية يامه القمر علي الباب ما يلي:
ان المطربة يمكن ان تؤدي تلك الاغاني الخليعة علي المسرح ، ولكن ليس مهمة وزارة الارشاد ان تدخل مثل هذه الاغاني كل بيت..
وانه سوف يطالب بمنع كل اغنية تثير الشباب والشابات ، وتسبب الانحلال والميوعة ، بينما نحن الان في عصر الجد ... عصر الثورة ..

وفي الاردن صدر قرار رسمي بمنع إذاعة الاغنية علي موجات الإذاعة الأردنية من عمان ، واعتبرتها اغنية مخلة بالأداب ...

في حين نظر اديب كبير مثل عباس محمود العقاد الي الاغنية من زاوية أدبية ، وقال ان الجزء الاخير من الاغنية فيه من البلاغة ما لا يتوفر لقصائد كبيرة في الشعر العربي ...

اما في لبنان ــ وهو بلد معروف بانفتاحه ــ فلم تلفت جرأة الاغنية الاذهان ، بل تسببت في ازمة سياسية ، فقد قام احد الشعراء الشعبيين في لبنان ــ وهو عمر الزعني ــ مستغلا شهرة الاغنية بتحوير كلماتها لتناسب رأيه في سياسة وساسة لبنان وقتها ...
فقال :

يامه الدولار ع الباب
شمعون يناديله
مالك فتح له الباب
وسامي بيغني له

وشمعون هو كميل شمعون رئيس الجمهورية اللبنانية ، ومالك هو شارل مالك وزير الخارجية اللبناني، بينما سامي فهو سامي الصلح رئيس الحكومة اللبنانية.. والثلاثة من اشهر السياسيين في لبنان والعالم العربي وقتها وفيما بعد ...

وكانت النتيجة ان اعتقل الشاعر المسكين وأودع السجن ...

وفي القاهرة ــ وفيما بعد بسنوات قليلة ــ اتهم الصحفي الفني جليل البنداري علي صفحات اخبار اليوم مؤلف الاغنية ــ وهو الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز ــ بأنه سرق كلمات الاغنية من مطربة قديمة اسمها توحيدة ..

وان كلمات الاغنية الاصلية هي:
يابا القمر ع الباب
نور قناديله
أرد يابا الباب
ولا أناديله

واستعانت اخبار اليوم بكبار ادباء وكتاب مصر وقتها ليقولوا رأيهم، وكانت علي هيئة محكمة تحاكم المؤلف وتثبت ــ او تنفي ــ تهمة السرقة عنه..

وضمت لجنة التحكيم ــ او المحاكمة ــ الدكتور لويس عوض استاذ الادب الانجليزي في كلية الاداب جامعة القاهرة، والدكتور علي الراعي والدكتور عبد القادر القط، والدكتور محمد مندور الكاتب اللامع والشاعر الكبير صلاح عبد الصبور ...

وبعد فحص الاغنيتين قالت المحكمة كلمتها، وهي ان مرسي جميل عزيز تأثر فعلا بكلمات الاغنية في المدخل فقط ، لكن المعني والكلام اختلف بعد ذلك...

وبعد ان هدأت الضجة ، وبعد ان مر الزمن ، لم تعد الاغنية تلفت نظر احد في جرأتها ، بعد ان ظهرت اغاني اكثر جرأة وبكلمات اكثر بذاءة ، فبعد حرب ١٩٦٧ وانكسار الروح المصرية ظهرت موجة من الاغاني الهابطة ، والاغاني ذات الكلمات والمعاني الغريبة ، كأغاني المرحوم احمد عدوية ، مرورا بأغاني الثمانينات الشعبية وبعض كلماتها الخادشة للحياء ، حتي وصلنا مع الالفية الجديدة الي ما هو اشد غرابة !!!

#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات