أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حكومة الذقون















المزيد.....


حكومة الذقون


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8220 - 2025 / 1 / 12 - 18:25
المحور: الادب والفن
    


في عالم متخيل، تولت حكومة جديدة مقاليد الحكم في بلد أطلق عليه سكانه اسم "أرض المرايا". كانت هذه الحكومة مختلفة عن أي حكومة أخرى عرفها العالم، حيث كان هناك شرط واحد للانضمام إلى صفوفها: امتلاك ذقن كثيفة وجميلة. لا يهم إن كنت عبقريًا في الاقتصاد والهندسة أو جاهلًا بشؤون السياسة، المهم أن تكون ذقنك مرآة لشخصيتك.

بدأت الحكاية عندما فاز حزب "ذقن وأمان" بأغلبية ساحقة في الانتخابات. كان الحزب يدعو إلى العودة إلى "القيم الأصلية" والمظهر الحسن، معتبرًا أن الذقن رمز للحكمة والوقار. ما لبثوا أن أصدروا قوانين تجعل تربية الذقن إلزامية لكل مواطن ذكر، وأعلنوا تشكيل حكومة من الأعضاء الأكثر ذقنًا، بدءًا من رئيس الوزراء المعروف بلقب "ذو الذقن الذهبية".

لم يكن الأمر سهلًا على الشعب. فقد تحولت الذقون من مجرد شعر ينبت على الوجه إلى رمز اجتماعي وسياسي. أُنشئت وزارة خاصة تُدعى "وزارة الذقن والشؤون الجمالية" للإشراف على صحة الذقون وكثافتها. كان الوزراء يتفاخرون بطول ذقونهم، ويُقاس نجاح السياسي بعدد الجوائز التي حصل عليها في مسابقات الذقون الوطنية.

أُغلقت صالونات الحلاقة، وأصبحت الحلاقة نفسها جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن في "معسكرات إعادة نمو الذقن".

توسعت الحكومة في سلطاتها حتى أصدرت قوانين غريبة، مثل تصنيف المواطنين حسب كثافة ذقونهم. أُنشئ سجل وطني للذقون يُعرف باسم "دليل الشعر القومي"، حيث تُمنح درجات لكل مواطن وفقًا لطول ذقنه، كثافتها، ولمعانها.

سرعان ما أصبح الذقن معيارًا وحيدًا للتوظيف والتعليم والزواج. أولئك الذين لا يستطيعون تنمية ذقونهم لأسباب جينية أو طبية تم وضعهم في خانة "المواطنين القاصرين"، وهم أشخاص يُحرمون من الحقوق السياسية والاجتماعية. وفي مكان آخر حُكم على شاعر بالإعدام لأنه كتب قصيدة بعنوان "شفرات صالحة للحلاقة".

تدهورت الحياة في البلاد. في الأسواق، اصطف الناس لشراء "منشطات نمو الذقن"، التي أصبحت سلعة نادرة وباهظة الثمن. الأطفال في المدارس أُجبروا على ارتداء أقنعة تحتوي على فراء صناعي حتى يعتادوا على "الهيبة" منذ الصغر.

في الوقت نفسه، توسع جهاز "شرطة اللحية" ليشمل فروعًا جديدة: "وحدة الذقن القصيرة" لتعقب أولئك الذين يجرؤون على تقصير ذقونهم. و"فرقة تلميع الذقون" التي تفرض على الناس الحفاظ على لمعان معين لذقونهم، وإلا تعرضوا للغرامات.

مع مرور الوقت، بدأت المشاكل تتراكم في ظل حكومة "الذقون الذهبية". على الرغم من أنها بدأت بشعارات سامية عن الحكمة والوقار، إلا أن الشعب بدأ يدرك تدريجيًا أن الذقن لا تعني شيئًا حقيقيًا من حيث الكفاءة أو الحكمة. أسئلة كثيرة راحت تطفو على السطح: هل الذقن حقًا هو ما يحدد من يستحق الحكم!؟ ماذا عن النساء؟ ماذا عن الرجال الذين لا تنمو ذقونهم بسهولة؟ وماذا عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية والإنسانسة التي أهملتها الحكومة لانشغالها بالعناية بذقونها؟ هل فشلُ النظام في معالجة القضايا الحقيقية يعود فقط إلى غياب الذقن المناسبة؟ كانت البلاد تنهار ببطء. الاقتصاد في ركود، العلوم توقفت، والناس يعيشون في خوف دائم.

وفي زاوية مظلمة من أحد الأحياء الفقيرة، همس شاب بلا ذقن لرفاقه:
"ربما لن أعيش لأرى ذلك، ولكن سيأتي يوم تُحلق فيه كل هذه الذقون... وسيُمحى هذا الجنون."

مع ذلك، ظل حكم الذقون قائماً، وازداد جنون النظام حتى أصبح العالم بأسره يسخر من "أرض المرايا"، حيث الذقون كانت أسمى من العقول.

تدريجيًا، بدأ الشعب ينقسم بين مؤيد للحكومة ومعارض لها. بدأت الأصوات المعارضة تتصاعد من داخل الحكومة نفسها. كانت هناك دعوات للمراجعة، لتغيير الأولويات، والعودة إلى القيم التي تضع العقل والعمل الجاد في المقدمة، وليس فقط المظهر الخارجي. ظهرت حركة معارضة جديدة أطلقت على نفسها اسم "الحلاقون الأحرار"، تطالب بإلغاء القوانين المتعلقة بالذقون وإعادة الأمور إلى طبيعتها. كانت هذه الحركة تمثل خطرًا كبيرًا على الحكومة، التي بدأت في استخدام جهاز الشرطة المعروف بـ"شرطة اللحية" لملاحقة المعارضين.

بعد سنوات من الصراع بين الحكومة وشعبها، تمكنت حركة "الحلاقون الأحرار" من إشعال ثورة ضخمة. اجتمع الناس في الساحات العامة حاملين أدوات الحلاقة كرمز للتحرر من قبضة "حكومة الذقون". في قمة الأزمة، قرر "ذو الذقن الذهبية" أن يتخذ خطوة غير تقليدية. وبينما كان يلقي خطابه الأخير محاولًا الدفاع عن إرث حكومته، انفجر الجمهور ضاحكًا عندما علق طرف ذقنه بأزرار معطفه، مما جعله يبدو كمن يختنق بـ"رمز حكمه". لم يبق أمامه إلا اعتماد "سياسة التكويع الطوعي". طلب مقصاً وشفرة ثم قام بحلاقة ذقنه أمام الجميع. قال بصوت رخيم:
"أيها السادة، لقد أخطأنا جميعًا. كانت الذقون مجرد ستار أخفينا وراءه عجزنا عن التغيير. الحكمة لا تكمن في المظاهر، بل في العقول التي تتفكر، والقلوب التي تنضج."

بعد ذلك أُجبر أعضاء الحكومة على التنحي واحدًا تلو الآخر. وفي احتفال كبير نُصبت "مقصات وشفرات الحرية" في وسط العاصمة، وقام الناس بحلق ذقونهم علنًا كرمز للانتصار.

ولكن لم يدم الأمر طويلًا. في انتخابات جديدة، ظهر حزب آخر باسم "الشارب العظيم" بقيادة سياسي ذي شارب كثيف يُلقب بـ"القائد الملولب". وعد الحزب بتغيير المسار من حكم الذقون إلى حكم "الشوارب الأنيقة". فاز الحزب بأغلبية ساحقة، وأُصدر قانون جديد يُلزم كل رجل بتربية شارب، مع تصنيف المواطنين حسب طول الشوارب وانحناءاتها.

وهكذا، استيقظ الناس ليجدوا أنفسهم في دوامة جديدة، حيث الشوارب أصبحت رمز السلطة، وتم إنشاء "وزارة الشوارب والعناية بالزوايا" و"شرطة الشوارب". أدرك الجميع أنهم لم يغيروا سوى شكل الزعيم، بينما بقيت الفكرة نفسها: حكم المظاهر لا ينتهي.

جلس أحد المواطنين البسطاء في مقهى متواضع وهو يقول لصديقه:
"ألم أقل لك؟ الشوارب أقصر، لكن مشاكلها أطول!"
وضحك الجميع من حوله، لأنهم علموا أن النكتة أصبحت جزءًا من الواقع الذي يعيشون فيه.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدب بلا أسوار
- صرخة في البرية
- الحرية تمر عبر المعدة
- مع اقتراب رأس السنة
- أهمية التمويل الذاتي للجامعات
- إلى تلك التي لم ألتقِها بعد
- الأستاذ الجامعي في زمن الذكاء الاصطناعي
- الكاتب والذائقة الأدبية في زمن الذكاء الاصطناعي
- مستقبل القصة القصيرة في زمن الذكاء الاصطناعي
- هل الأديب سياسي؟
- فريق الجيل الجديد
- ذيل السنونو
- العمل -أربعة- في ألمانيا
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 8 والأخيرة
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 7
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 6
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 5
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 4
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 3
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 2


المزيد.....




- لم تتحدث عن غزة.. ترجمة مُضللة لفيديو تايلور سويفت حول حرائق ...
- 7 أسباب وراء هيمنة الفنانات على المشهد الغنائي العالمي
- جيمي لي كورتس -ملكة الصراخ- ونجمة سلسلة أفلام هالوين
- ارتدادات سقوط الأسد تعصف بنقابة الفنانين في سوريا.. ما علاقة ...
- اللسان الأروي.. قصة لغة تجمع بين العربية والتاميلية
- احداث مشوقة.. مسلسل المتوحش الحلقة 51 مترجمة على تردد القنوا ...
- الحلقة كاملة.. تابع مسلسل المتوحش الحلقة 51 مترجمة للعربية ب ...
- اقبال لافت لاهالي الناصرية في العراق على مسرحية -قيامة الارض ...
- بيلا حديد تشارك صورا مأساوية لمنزل طفولتها المدمر بحرائق لوس ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يقر خططا للانسحاب من غزة


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حكومة الذقون