أسباب تركيز -إسرائيل- المتجدد على سوريا

اسعد عبدالله عبدعلي

الحوار المتمدن-العدد: 8220 - 2025 / 1 / 12 - 10:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في 27 نوفمبر الماضي من عام 2024، وعند الساعة 4:00 صباحًا بالتحديد تم الاعلان عن دخول وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل"، بوساطة امريكا وفرنسا حيز التنفيذ, و المصادفة العجيبة ان يكون هو نفس اليوم الذي بدأت فيه الثورة السورية (يا سبحان الله) على هذه المصادفة! إن الحرب الأهلية السورية والتي تقودها جماعات تكفيرية مرتبطة بتنظيم داعش والقاعدة ضد نظام بشار الأسد، كانت هذه المرة متأكدة ان ابواب دمشق ستفتح لها, وان النصر على الجيش العربي السوري سيتحقق, وأن روسيا ستقف موقف المتفرج, فالأمر كان بتدبير من القوى العالمية, مع تفاهمات اقليمية, وانتهت حفلة الثورة السورية بعد 11 يوما فقط! عندما سقط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول. فهل كان ذلك محض صدفة؟

• ما الذي أدى إلى وقف إطلاق النار؟
بعد شهرين من بدء التحرك العسكري الصهيوني باتجاه جنوب لبنان، منعت المقاومة اللبنانية العدو الصهيوني من تأمين المنطقة التي تهدف للسيطرة عليها, وعلى الرغم من نجاحات الكيان الصهيوني في استهداف القيادة الرئيسية لحزب الله والبنية التحتية، إلا أن مقاتلي حزب الله أبطأوا تقدم الجيش الصهيوني الممتد بالفعل في لبنان, ومن خلال استخدام حرب العصابات والمواقع المحصنة والعلاقة الوثيقة مع المجتمعات المحلية، وتمكن حزب الله من الصمود في وجه الأسلحة المتفوقة للعدو, مع ارتفاع عدد القتلى بين جنود الجيش الصهيوني, بالإضافة الى تزايد الخسائر في صفوف المدنيين، كان هناك رد فعل محلي ودولي متصاعد ضد الأعمال العسكرية الصهيونية, وقد أدت هذه الاعتبارات إلى تكثيف الدعوات إلى الاعتدال والدبلوماسية, وأخيرا وجد الكيان الصهيوني صعوبة في تحقيق بعض أهدافه الاستراتيجية، مثل تأمين منطقة عازلة أو إزالة سيطرة حزب الله على جنوب لبنان الذي يشكل تهديدًا لشمال الكيان الصهيوني.
ومع المبادرات الدبلوماسية التي أطلقتها امريكا وفرنسا والتي رددت النداءات الدولية للسلام، أدرك الكيان الصهيوني أن تكاليف إطالة أمد الصراع تفوق الفوائد المحتملة, وبدلاً من أن تمثل الهدنة نصراً عسكرياً، فقد مثلت إعادة اصطفاف استراتيجي مع تحول "إسرائيل" إلى الاحتواء السري وتكتيكات السيطرة السياسية في لبنان.

• سوريا في قلب المنافسات العالمية
تلعب سوريا دوراً محورياً في توازن القوى بين الأطراف المتنافسة في المنطقة, بسبب موقعها الاستراتيجي الهام، يحدها مع الكيان الصهيوني ولبنان والعراق والأردن وتركيا, وبسبب علاقاتها مع إيران وحزب الله، ظلت "إسرائيل" تنظر إلى سوريا منذ فترة طويلة على أنها تهديد وفرصة في نفس الوقت! إن سوريا المنقسمة قد تضعف خط المقاومة الاسلامية في المنطقة, حيث يمكن حماية المصالح الصهيونية إذا تمكنت من السيطرة على أجزاء من سوريا، وخاصة مرتفعات الجولان التي توفر منطقة عازلة, بالإضافة إلى الأصول المائية الحيوية والتربة الخصبة, فأهمية مركزية سوريا في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط واضحة, من خلال الطريقة التي تتقاطع بها مصالح القوى الإقليمية والعالمية - مثل الكيان الصهيوني وامريكا وتركيا وإيران وروسيا - لخلق بيئتها السياسية.
ونظراً لأن سوريا كانت بمثابة قاعدة لعمليات حزب الله وقناة للنفوذ الإيراني، فإن "إسرائيل" تعتبرها تهديداً أمنياً, وبحسب ما ورد ساعد الصهاينة الجماعات المتمردة في سوريا مثل فرسان الجولان في إنشاء منطقة عازلة, ومنع القوات المدعومة من إيران من تحقيق مكاسب على الأرض بالقرب من حدودها رداً على هذه المخاوف, كما نفذت إسرائيل هجمات مستهدفة على منشآت عسكرية سورية,
ونظراً لضعف نظام الأسد نتيجة تشتيت الموارد والاهتمام، تمكنت هيئة تحرير الشام من استغلال الوضع والتقدم نحو دمشق.

• أمريكا والرغبة في سوريا
بالإضافة إلى ذلك، حافظت امريكا على وجود عسكري في سوريا، ودعمت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في قتالها ضد داعش. وتسعى واشنطن إلى تقييد نفوذ إيران في المنطقة, مع التأكيد على أهمية سلامة الأراضي السورية وتقرير مصيرها, في المقابل أعطت تركيا الأولوية لمنع إنشاء منطقة حكم ذاتي كردية قريبة حدودها، فضلاً عن دعم جماعات المعارضة السورية وتنفيذ عمليات عسكرية عبر الحدود, علاوة على ذلك، تم تشكيل المشهد السياسي والعسكري في سوريا من قبل روسيا، الحليف الرئيسي للنظام السوري. ورسخت موسكو نفسها كوسيط بين الفصائل المتعارضة، وأمنت قواعد عسكرية استراتيجية بسبب تدخلها في الصراع، مما عزز نفوذها الإقليمي. ومن ناحية أخرى، تواصل إيران استخدام شبكات وكلائها للحفاظ على وجودها في سوريا، وبالتالي التأكيد على تفانيها في الهيمنة الإقليمية. إن التصرفات الجماعية لهذه الجهات الفاعلة، مع طموحاتها الجيوسياسية التنافسية، تسلط الضوء على الأهمية الدائمة لسوريا كمركز اقليمي.
فجاء التغيير السوري لتخسر فيه روسيا وايران, وتكسب فيه امريكا والصهاينة والاتراك.

• مناورات صهيونية بعد سقوط الأسد
في الساعات الاولى للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، بدأت "إسرائيل" عملياتها العسكرية الأكثر أهمية في سوريا لأول مرة منذ حرب يوم الغفران عام 1973, وقد حافظ اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، الذي أنشأ منطقة عازلة منزوعة السلاح بين إسرائيل وسوريا، على الاستقرار لعقود من الزمن, وقد أدى انهيار نظام الأسد إلى تعطيل هذا التوازن، مما اضطر "إسرائيل" إلى التحرك بسرعة وعلى مدار 48 ساعة تقريبًا، نفذت القوات الإسرائيلية أكثر من 350 غارة جوية وبحرية استهدفت أهدافًا حرجة للبنية التحتية العسكرية السورية، مثل أنظمة الدفاع الجوي ومستودعات الأسلحة والقواعد البحرية, تم تدمير شحنات الصواريخ الموجهة بدقة في حملة جوية كبيرة أجريت بالقرب من دمشق, واستولت القوات البرية على جبل الشيخ، وهو موقع مرتفع استراتيجي يتمتع بقدرات مراقبة حرجة، عند دخولها المنطقة العازلة.
وتشير التقارير أيضًا إلى أن "إسرائيل" استخدمت طائرات بدون طيار وتقنيات الحرب السيبرانية لتعطيل الاتصالات وإيقاف أنظمة الرادار السورية, علاوة على ذلك يُزعم أن العمليات الاستخباراتية الصهيونية توسعت في جنوب سوريا, لتقديم الدعم للفصائل المتمردة, مما يسهم في إنشاء منطقة عازلة أمنية, وتؤكد هذه التدخلات عزم "إسرائيل" على منع خصومها من استغلال فراغ السلطة في سوريا لفرض تهديدات جديدة على طول حدودها.
وحتى قبل سقوط نظام الأسد، ظهرت أدلة توضح العلاقة بين الكيان الصهيوني وجماعات المعارضة السورية, وأشاد النتن نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيونية بالانهيار, وصف يوم سقوط نظام الاسد بانه: “يوم تاريخي في تاريخ الشرق الأوسط” بعد يوم من سقوطه, علاوة على ذلك، تتوافق مناورات هيئة تحرير الشام مع بعض الأهداف الإسرائيلية، مما يوفر لإسرائيل فرصة رئيسية لتعزيز موقعها الاستراتيجي في المناطق الحدودية المجاورة, وفي 29 كانون الأول/ديسمبر أي بعد حوالي 20 يوماً من سقوط النظام، أكد الجولاني، في مقابلة مع قناة العربية، أن تحرك هيئة تحرير الشام نحو دمشق كان ضرورة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة, والحد من النفوذ الإيراني في سوريا فقط, وهو ما يخدم المصالح الصهيونية.

• خاتمة
يشير السقوط السريع للأسد, ومضاعفة جهود "إسرائيل" العسكرية في سوريا, إلى أن تدخل "إسرائيل" في سوريا تجاوز مجرد اغتنام الفرصة، بل ساهم بشكل فعال في تشكيل النتيجة, وبعد سنوات من مواجهة مقاومة شرسة من قِبَل حزب الله في لبنان، حولت إسرائيل تركيزها نحو الشرق، حيث قدم تفكك نظام الأسد مساراً جديداً لتأمين مصالحها وإعادة تأكيد نفوذها الإقليمي.
تشير الأدلة إلى دعم إسرائيلي كبير لجماعات المعارضة السورية مثل هيئة تحرير الشام، بما في ذلك التمويل والأسلحة والمساعدات الطبية. هذه التصرفات، رغم أنها غالباً ما يتم تأطيرها على أنها دفاعية أو استراتيجية، تكشف عن جهد متعمد لزعزعة استقرار نظام الأسد.
ويبدو أن النهج الذي اتبعته "إسرائيل" كان متعدد الأوجه: تقويض نظام معادي، ومواجهة نفوذ إيران وحزب الله، واستغلال الدولة السورية المجزأة لتحقيق نفوذ استراتيجي.
وأصبحت سوريا مركزية في استراتيجية "إسرائيل" الإقليمية، مع توجيه الجهود نحو تسهيل الإطاحة بالأسد والتدخل في فراغ السلطة الذي خلفته "إسرائيل". وربما تعكس مثل هذه التصرفات استراتيجية "إسرائيل" المستقبلية تجاه سوريا الجهود للعب دور في مستقبل سوريا الجديدة.

#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات