أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الخاتم السحري















المزيد.....


الخاتم السحري


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8218 - 2025 / 1 / 10 - 13:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


267 - أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
15 - ديكا-ميرون أو المئة حكاية

فلورنسا، هذه المدينة-الجمهورية والتي أسسها يوليوس قيصر سنة 59 قبل الميلاد كانت قوة ثقافية واقتصادية وسياسية وفنية مهمة في أوروبا. كانت عملتها المعدنية، الفلورين، هي العملة التجارية المهيمنة في أوروبا الغربية للمعاملات واسعة النطاق، وأصبح يتم تقليدها على نطاق واسع في جميع أنحاء القارة. خلال الفترة الجمهورية، كانت فلورنسا أيضًا مهد عصر النهضة، الذي يعتبر فترة مزدهرة من "النهضة" الثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية الأوروبية. ولا شك في أن القرن الرابع عشر هو من أسوأ الفترات التاريخية الأوروبية من حيث الحروب والكوارث والأوبئة التي حصدت ربع سكان القارة. فقد شهد هذا القرن بداية الحرب بين إنجلترا وفرنسا والتي أندلعت في سنة 1337 واستمرت 116 سنة ولم تنته إلا في منتصف القرن الخامس عشر 1453، بالإضافة إلى سنوات القحط والمجاعة المتتالية ونهاية بجائحة الموت الأسود أو وباء الطاعون الذي سبب في موت الملايين من الرجال والنساء والأطفال في كل أوروبا. وفلورنسا كانت من المدن التي فقدت الآلاف من سكانها جراء الوباء المميت. وفي أرض الخراب هذه جاء شاعر يتغنى بالحب والنساء والطبيعة والسلام بين البشر، بينما كانت الجثت تملأ شوارع المدينة دون أن تجد من يدفنها.
جيوفاني بوكاتشو Giovanni Boccaccio 1313 – 1375 كان كاتبا وشاعراً إيطالياً من فلورنسا، وصديقًا وتلميذًا ومُراسلاً للكاتب فرانشيسكو بتراركا 1304 - 1374، الباحث والشاعر الإيطالي الكبير وأحد أوائل الإنسانيين في عصر النهضة والذي كان يسمى أحياناً كثيرة بـ «أب الإنسانية». وكان بوكاتشو شخصية هامة في نشر مباديء النهضة الإنسانية ومؤلف عدد من الأعمال البارزة بما فيها رواية "ديكاميرون" التي تهمنا في هذا المقام لعلاقتها بمسرحية "ليسنغ"، ناثان الحكيم المذكورة سابقا. والكتاب هو مجموعة قصصية، تحتوي على عشرة فصول، ومئة قصة. وقد بدأ بوكاشيو بوصف الواقع المأساوي الأليم الذي عاشته فلورنسا بسبب وباء الطاعون الذي أجتاح أوروبا، مسهبا في ذكر التفاصيل عن هذا الكابوس المروع وما أحدثه بفلورنسا المزدهرة، ويصف ما كان للموت الأسود الذي اجتاح أوروبا بأكملها في عام 1348 وما بعدها من آثار مدمرة. ويبدو أن المرض قد نشأ في الأوساط الفقيرة بسبب الحرب، والضعف الجسدي وسوء التغذية بسبب المجاعة، فامتد الوباء من آسيا إلى بلاد العرب ثم إلى مصر، ومن البحر الأسود إلى روسيا وبلاد بيزنطية، ثم نقله تجار البندقية، وسرقوسة، وبيزا، وجنوة، ومرسيليا وسفنها من القسطنطينية والإسكندرية وغيرهما من ثغور الشرق الأدنى بمساعدة البراغيث والفئران إلى إيطاليا وفرنسا ثم كل أوروبا. وأكبر الظن أن سنوات القحط المتعاقبة التي حلت بأوربا الغربية من سنة 1333 حتى سنة 1347- قد أوهنت ما تبقى للفقراء من قوة المقاومة، ثم انتقل الوباء إلى سائر الطبقات. وانتشر الوباء في صورتين: طاعون رئوي مصحوب بحمى عالية، وبصاق دموي ويؤدي إلى الموت في خلال ثلاثة أيام من بدء الإصابة، ودملي مصحوب بحمى وخراجات وجمرات ويؤدي إلى الموت في خلال خمسة أيام. وقضى الطاعون في هجماته المتعاقبة على نصف سكان إيطاليا بين عامي 1348 و 1365. ثم ينتقل بوكاتشو بعد ذلك من مناظر الخراب وصور الرعب السالفة الذكر، إلى جوهر الموضوع الذي يريد معالجته في حقيقة الأمر، وهو كيفية الخروج من هذه الكارثة بواسطة الإستمتاع بالحياة وممارسة البهجة والمرح والفكاهة في عالم طبيعي خلاب يشبه الجنة الأرضية. فيتخيل سبعة فتيات تربط كل منهن بالأخريات برباط الصداقة أو الجيرة أو القرابة، علما بأن بوكاتشيو كان يعرف أربعة من هؤلاء الفتيات معرفة شخصية وقد ذكر أسمائهن الحقيقية، وتتراوح أعمارهن بين الثامنة عشرة والثامنة والعشرين من العمر " وكلهن ذوات فطنة، ونبل، وجمال، وآداب عالية، مرحات مرحا يزينه الشرف." وتقترح إحداهن أن يقللن من خطر عدوى الطاعون وذلك بالخروج من المدينة إلى بيوتهن الريفية وأن "يستمتعن بالمرح واللهو الذي يتيحه ذلك الفصل من فصول السنة... فهناك نستطيع أن نستمع إلى تغريد الطيور، ونرى التلال والسهول وقد اكتست بحلة سندسية، والحقول وقد امتلأت بالقمح يتماوج فيها تماوج ماء البحر، وفيها نرى آلافا من أنواع الثمر، ونشاهد وجه السماء مبسوطا للناظرين، لا يحجب عنا جماله، وإن كان مغضبا علينا ". وينضم إلى مجموعة الفتيات ثلاث شبان بالصدفة، ووافق الجميع على الذهاب إلى مزرعة كبيرة في الريف لنسيان هذا الواقع المقرف وترك أهل المدينة يموتون بالطاعون.
وبعدها يبدأ بالحديث عن الشبان العشرة الذين هربوا من الطاعون، وذهبوا للحياة في مزرعة ريفية يتوسطها بيت أوقصر فخم، وقد اتفقوا أن يكون هناك ملك أوملكة كل في يوم على التوالي، وتتمثل المهام الملكية باختيار أساليب التسلية، واختيار مواضيع القصص التي ستُروى في كل يوم من قِبل الشخصيات العشرة للرواية.
وفي اليوم الأول قصت نيفليه القصة الثالثة والتي سننقلها هنا بالكامل كما ترجمها صالح علماني :
" صلاح الدين الذي رفعته شجاعته من رجل عادي ليصير سلطان بابل، وأحرز إنتصارات كثيرة على ملوك المسلمين والمسيحيينن أنفق ما في خزائنه على حروبه الكثيرة وبذخه الواسع. واحتاج في أحد الأيام إلى مقدار كبير من المال؛ ولم يجد طريقة للحصول على المال بالسرعة التي تستدعيها حاجته إليه. فخطر لباله يهودي يدعى ميلكياديس، يُقرض المال بالربا في الإسكندرية. ولكنه كان شديد البخلء لا يمكن له أن يقرض صلاح الدين المال برضاه؛ ولم يكن السلطان راغباً في إكراهه على ذلك. لكنه بدافع الحاجة فكر في طريقة يتمكن بها من جعل اليهودي يلبي طلبه. فخطر له أن يجبره على تلبية طلبه بذريعة مقبولة في الظاهر. فأرسل يستدعيه واستقبله بمودة وأجلسه معهء وقال له:
- بلغني من أناس كثيرين؛ أيها الرجل الطيب؛ أنك حكيم واسع المعرفة وأنك متعمق في دراسة الأمور الإلهية؛ ولهذا أريد أن أعرف ما هي الديانة الحقيقية في رأيك: اليهودية أم المسيحية أم الإسلام ؟..
وكان اليهودي رجلاً حكيماً بالفعل؛ فأدرك جيداً أن صلاح الدين يريد أخذه بكلامه ليحصل منه على شيء. وفكر في أنه إذا ما امتدح أياً من الديانات الثلاث، فإن صلاح الدين سيّظهر له خطأه وينال منه. ولأنه لا بد له من تقديم إجابة ما فقد شحذ ذهنه إلى أن خطر له الجواب التالي:
مولاي؛ إنه لسؤال في غاية الأهمية هذا الذي وجهتموه، ولكي أجيب عليه لا بد لي من أروي لكم هذه الحكاية القصيرة: أتذكر أنني سمعتُ كلاماً كثيراً، إذا لم أكن مخطئاًء عن رجل واسع النفوذ والثراء، وكان بين جواهره النفيسة خاتم لا تقدر قيمته بثمن. فأراد أن يكرم ذلك الخاتم بما تستحقه قيمته، وأن يخلفه لذريته. وقرر أن يرث الخاتم الابن الذي يكون الخاتم بحوزته، عند موته. وأن يعتبرهذا الابن وريث الأب الذي يتوجب على الأبناء الآخرين احترامه وتوقيره. وقد حافظ من ورثه على النظام نفسه الذي اتبعه أبوه. وباختصارء ظل الخاتم يتنقل من يد إلى يدء حتى وقع أخيراً في يد رجل له ثلاثة أبناء مهذبين وصالحين؛ ومطيعين جداً لأبيهم في الوقت نفسه، فكان الأب يحب الثلاثة على قدم المساواة. وكان كل واحد من الشبان الثلاثة، العارفين بقصة الخاتم، يرغب في البروز يمزاياة علي الآخرين، ويطلب من ابيه العجوز أن يورثه الخاتم يعد موته. ولم يستطع الأب المحب أن يختار واحداً منهم يترك له تلك الحلية. ولأنه كان قد وعد كل واحد منهم بذلك الخاتم؛ فقد قرر إرضاء الثلاثة. وهكذا كلف، في السر، صائغاً ماهراً بصنع نسختين أخريين متقنتين من الخاتم. فكان الخاتمان الجديدان شبيهين بالأول إلى حد لا يمكن معه لمن صنعهما أن يميزهما عنه. وعندما أحس الأب بدنو أجله، سلّم خاتماً لكل واحد من أبنائه الثلاثة، على انفراد. وبعد موت الأب، أراد كل واحد من الأبناء الاستحواذ على الميراث والشرف كله. وفي أثناء جدالهم، أظهر كل منهم خاتمه؛ ليثبت أنه صاحب الاستحقاق. فكانت الخواتم الثلاثة متشابهة، لا يمكن التمييز بينها ومعرفة أيها الحقيقي، وقد ظلت قضية الخاتم الحقيقي معلقة؛ ومازالت معلقة حتى اليوم. لهذا أقول لكم يا مولاي، بشأن المسألة التي طرحتها علي عن الأديان الثلاثة التي أنزلها الله على الشعوب الثلاثة، بأن كل واحد تلقى ميراثه وشريعته الحقيقية، وعليه الالتزام بتنفيذ تعاليمها؛ لكن القضية لا تزال معلقة، مثلما هي الحال في مسألة الخواتم الثلاثة.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين وعصر التنوير
- جاكوبي ومحاولة تحطيم العقل
- صدق المنجمون ولو كذبوا
- ظاهرة الشخص الزائد
- والتر بنيامين والزمن المتراخي
- غرزة بودلير وشلته
- تاريخ المخدرات
- عفاريت شكسبير
- كش مات
- عالم هكسلي المرعب
- أكتشاف المسكالين
- الوعي والمخدرات
- الهوية الغائبة
- حكاية الفيل والتمساح
- جاكوبي، الإيمان ضد العقل
- العلمانية
- الفكر المتحرر
- كميونة باريس
- الثورة الفرنسية والكنيسة
- الجمهورية العدمية


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يحذر من حسابات -تصطاد في الماء العكر- بين السع ...
- أول تعليق إيراني على انتخاب رئيس جديد في لبنان
- البيت الأبيض يتهم -حماس- مجددا بعرقلة التوصل إلى صفقة تبادل ...
- البيت الأبيض: ترامب سيحتاج إلى موافقة الكونغرس لرفع العقوبات ...
- الخارجية الأمريكية تعلن عن عقوبات قاسية ضد قطاعي النفط والغا ...
- الخارجية الفرنسية تستدعي السفير الإيراني وتطالب بالإفراج عن ...
- حرائق كاليفورنيا: النيران تلتهم منازل وقصور مشاهير هوليوود
- خبراء: تراجع نفوذ إيران وحلفائها أتاح انتخاب رئيس للبنان
- لبنان.. قتلى في غارة قالت إسرائيل إنها على -شاحنة صواريخ-
- -الصندوق السعودي للتنمية- يمول بناء مستشفيين في تونس


المزيد.....

- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الخاتم السحري