خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8218 - 2025 / 1 / 10 - 12:08
المحور:
الادب والفن
في البدء،
كان الظلُّ يبحثُ عن وجهٍ،
والمرايا غافيةٌ على ضوءٍ يتيم.
كان الهواء يُرتِّق جُرح الفراغ،
وكانت الريح تسرقُ صوتها
لتُخبِّئه في صدفةِ بحرٍ أعمى.
هنا، حيثُ الصمتُ أكثرُ ضجيجًا من الحياة،
وحيثُ الأفقُ يمشي عاريًا،
تولدُ الأسئلةُ بلا أمٍّ،
وتُرضِعُها الشكوكُ من ثديِ الغموض.
أنا وأنتَ...
شظيتان في كوكبٍ يتناثرُ بين يديّ الليل،
نستبدلُ النجوم بخيباتٍ تسافرُ بلا تأشيرة،
ونجمعُ في حقائبنا خُرافةَ البدايات.
أيُّها العابرُ بين أصابع الضوء،
هل تذوقتَ يوماً طعمَ الحزنِ
حين يُسكِتُ نايًا في صدرِ عصفور؟
هل رأيتَ النهرَ يختبئ في دمعِ الورق،
والمطرَ يُقَبِّلُ الأرضَ ثم يرحلُ دون اعتذار؟
نحنُ مجرّدُ احتمالاتٍ تمشي على خيطِ الهباء،
مُعلّقون بين صرخةِ الولادةِ وصدمةِ النهاية،
تُشاغبنا الريحُ...
ثم تتركنا أسرى في زنزانةِ السماء.
أيُّها الإنسان،
ما أنتَ إلا قصيدةٌ كُتبتْ بلا حبر،
صفحةٌ طوتها العواصفُ قبل أن يقرأها الزمن.
فلمن تُغني؟
ولمن تهمسُ في عتمةِ روحك؟
هناك،
حيث يتعرّى الضوءُ أمام السرِّ الأعظم،
تتلاشى الأقنعةُ،
وينهارُ الجدارُ بين السؤال والجواب.
تدركُ أخيرًا
أن كلَّ الطرقِ
ليست إلا مرايا...
تكسرُ ذاتَها لتصنعَ من الحُطامِ أبديةَ الغياب.
في رحاب الغموض وأجنحة اللامدى
وحين تهدأ العواصفُ في قفصِ الكون،
يبقى الفضاءُ شاهداً
على جريمة الضوء حين قسَّم الظلامَ
إلى نُدوبٍ فوق جبينِ الحقيقة.
يا أنت،
يا طيفًا يعبرُ غابةَ الروح
حافيًا من كلِّ يقين،
أما آن لكَ أن تسألَ الريحَ
عن سرِّ الخطوة الأولى
حين تعثّرتْ فوق أهداب الأبد؟
كلّنا أنصافُ دوائر،
نكملُ فراغَنا بشظايا الغير،
نرسمُ ظلالَنا فوق جدارِ السراب
ثم نختفي في النقطة.
أيُّها الحلم،
كم مرّةً سافرتَ في عروقِ النجوم
لتعيدَ رسمَ البداية؟
وكم قبلة أحرقتْ جبينَ الوقت
حين ظنَّ أن الصباحَ حقيقةٌ
لا تُناقضها العتمة؟
نحنُ وهمٌ يحاورُ يقيناً،
وجسدٌ يسكنُ حدودَ الوهم،
ما من شجرةٍ إلا وتحملُ أوراقًا
تَكتبُ عليها الريحُ صمتَ الخريف.
هناك،
في أعمقِ نقطةٍ من الليل،
تلتقي الأشياءُ بماهيةِ ضياعها،
ويصبح الغيابُ بابًا
يعبرُ منه الضوءُ لينتحرَ في نهرِ الأسرار.
فلا تسألني عن الغاية،
ولا تطاردْ صوتَ الصدى في متاهةِ الجبال،
فكلّ الإجاباتِ قصائدُ ناقصةٌ،
وكلّ الأسئلةِ أنبياءٌ
قُتِلوا بيدِ الصمت.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟