|
مسرح عربي ؟ ام مسرح ناطق باللغة العربية ؟
حسام الدين مسعد
كاتب وقاص ومخرج وممثل مسرحي ويري نفسه أحد صوفية المسرح
(Hossam Mossaad)
الحوار المتمدن-العدد: 8218 - 2025 / 1 / 10 - 09:52
المحور:
الادب والفن
تطرح الرؤية المباشرة للواقع المسرحي الراهن في بيئتنا العربية سؤال الوجود المسرحي الكامن بعنوان هذا المقال، ولا يعد هذا السؤال من قبيل الكلام الأيديولوجي النظري، أو من قبيل الأوهام التي تستبدل نفسها بأمور واقعية تشوهها بما تنتجه حولها من عوالم خيالية متوهمة، فالفكرة التي نتعامل معها ليست فكرة مجردة، بل فكرة حية تسعى إلى توجيه سلوك المسرحيين العرب إلى إحداث التغيير بالوعي الأيديولوجي القائم على منفعة خالصة باستعمال طاقة مخزونة وغير مستعملة لديهم، لكن كيف لنا أن نتحدث عن مسرح عربي له خصوصيته وهويته في ظل نظرية مستعارة تستحضر نسقًا فكريًا يستهدف حجب واقع يصعب ويمتنع تحليله؟
إن هذا السؤال السالف يبرز ضرورة إعادة النظر في مفاهيمنا النقدية وتوسيعها لتشمل السياقات الثقافية الفريدة كي ندرك أن التمسك بالمناهج الغربية دون تكييفها مع الخصوصيات المحلية ربما يعيق الفهم العميق والإبداع الأصيل، إذ يظل المنهج المبني على تفسيرات غربية أداة وليس رؤية ثابتة، ويتجلى ذلك في ما يشير المستشرقون والباحثون إليه: "أن الفن المسرحي وفد إلى البيئة العربية كفن جديد من الغرب"، مما عزز السؤال الكامن في عنوان هذا المقال، لكن هل ما أشار المستشرقون إليه في قراءة النصوص والإنتاجات المسرحية العربية انتهج منهجًا تحليليًا مختلفًا عن المقاربات المبنية على المنهج الغربي؟ أوهل انتهج منهجًا غربيًا استطاع أن يتكيف مع الخصوصيات المحلية؟
لقد استند المستشرقون إلى رؤية معيارية تستحضر النموذج الغربي دون اعتبار للخصوصية الثقافية المحلية، هادفين إلى بث بذور الشك في الذات العربية وزعزعة ثقتها في موروثها الثقافي العربي، بل ركزوا على غياب الظواهر الدرامية في التراث العربي، معتبرين أن البيئة العربية كانت تفتقر إلى شكل درامي أصيل يمكن أن ينافس المسرح اليوناني أو الغربي، رغم أن الأشكال الاحتفالية الدرامية العربية متأصلة ومتجذرة في الأوساط الاجتماعية العربية في العصر الوسيط الإسلامي، إذ يقول محمد بن سليمان التنكابني: [التمثيل من مخترعات الصفوية (1501-1726م)، ولما ظهر مذهب التشيع في بلاد إيران، وحكم الصفويون أمروا الذاكرين بإنشاد مصيبة سيد الشهداء (ع)، لكن الناس لم تكن تبكي لأن المذهب لم يترسخ بعد في نفوسهم، فاخترعوا التمثيل لعلَّ الناس تتألم من مشاهدة مصائب سيد الشهداء (ع) ويرق قلوبهم، وسُمي هذا العمل بالتعبئة، وهي بمعنى الاختراع أيضًا، وهذه التعبئة لم تكن موجودة في الأزمنة السابقة]، وربما إشارة التنكابني لاختراع التمثيل تشير إلى تحول الظاهرة الدرامية من مرحلة التمثيل الفردي إلى مرحلة الظواهر الاجتماعية، لأنه في العصر العباسي ظهر القاص السردي أو الحكواتي الذي انبثق منه فيما بعد المحبظاتية، الذين وصفهم المستشرق إدوارد لين بأنهم: [يضحكون الناس بنكات هابطة مفسدة، وكان هؤلاء المحبظاتية يُشاهدون في حفلات الزواج والختان في بيوت الكبراء، وأحيانًا في ميادين القاهرة العامة]، ولعل دعوات د. علي الراعي التي كشفت عن وجود مسرح شعبي مكتمل في مصر قبل ظهور مسرح مارون النقاش، إذ يقول الراعي: [قد كان هناك طوال القرن التاسع عشر على الأقل دراما محلية تمامًا خالية من المؤثرات الأجنبية التي أخذت تتعامل مع فن التمثيل في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر، وما لبثت أن أثرت تأثيرًا بارزًا على حرفية هذا التمثيل]، ويصف الراعي عروض المحبظاتية بأنها [كانت عبارة عن كوميديا انتقادية انتُزعت موضوعاتها من الواقع الحي المحيط بالممثلين والمتفرجين]، ولا ننسى ما أشار إليه د. يوسف إدريس في كتابه نحو مسرح عربي حين تحدث عن مسرح العلبة الإيطالية إذ يقول: [إنه مسرح صحيح وليس كل المسرح] في إشارة إلى تعدد الفضاءات التي يُقدم فيها العرض المسرحي، وكذلك تنوع الجمهور المتلقي لعروضه.
ورغم بزوغ قالب الحكيم العربي الذي استمد شكله المسرحي من الحكواتية والمقلدين والمداحين، إلا أن المسرح بعلبته الإيطالية التقليدية التي استوردها مارون النقاش بات القالب الثابت في منطقتنا العربية، وأصبح مقتصرًا على فئتين من جمهور المتلقين: الأولى هي الفئة التي تمتلك المال لشراء بطاقات العروض، والفئة الثانية هي أصحاب الاتجاهات المشتركة.
كل ما سبق يمكن أن يفسر لنا ظاهرة النخبوية التي سادت في الممارسة المسرحية العربية على مدى عقود، وأفضت إلى تماهي المسرحيين العرب الرواد مع إشارات المستشرقين وتبنيهم بالنتيجة للشكل المسرحي الغربي جهلًا وكسلًا دونما اجتهاد في إدراك سلسلته المعرفية وخلفيته الفلسفية، ودواعيه الاجتماعية، ومبرراته التاريخية.
-لقد طفح الكيل من هؤلاء أنصار الكلام الأيديولوجي المناصرين لمقولة (المسرح لا وطن له)، إذ تعد هذه المقولة مجرد كلام أيديولوجي نظري لا وجود لمضمونه في الواقع دون تحليل تطبيقي يمكننا من قياس الصحة والخطأ فيه بالوعي الكاشف للتشكيك والإدراك من المسرحيين العرب بوجود أيديولوجيا تخدعهم وتستغلهم في الغالب كل يوم أكثر، إذ تلعب دور الأنموذج الذهني الذي يسهل عملية التجسيد لا عملية التغيير، فارتباط المفكرين العرب بإنتاج الفكر اليوناني بصفة عامة، وانبهار البعض بأفكار أرسطو بصفة خاصة دفع البلاغيين العرب ليس بالضرورة إلى رفض التأثير اليوناني، بل إلى مقاومته بإنتاج بديل عربي (نظرية الشعر العربي)، وهذا ما أكده شكري عياد من أن [العقل العربي لم يكن فكرًا تابعًا، بل فكرًا موازيًا طور البيان العربي قياسًا على النموذج الأرسطي].
ومن هذا المنطلق وكما ذكرت د. نهاد صليحة بكتابها نظرية العرض المسرحي في وصفها إلى مكان العرض: [أما المواقع المحايدة فهي أماكن مفتوحة، وخالية لا تميزها ملامح محددة ثابتة، ولا ترتبط بأنماط استعمال محددة، وفي هذه المواقع قد يُوجه العرض المسرحي جنبًا إلى جنب مع أنشطة أخرى].
إن ما أشارت إليه د. صليحة في تعريفها للمواقع المحايدة يدعونا إلى التخلي عن المبنى القديم الاتباعي، أو ما تم وصفه بالمواقع الدافعة، أو الأماكن التي خصصت تمامًا أو بصورة شبه تامة لهدف واحد وهو تقديم العروض المسرحية، وهذه المواقع التي اعتمدت في تأسيسها الشكل التقليدي للعلبة الإيطالية، والتوجه إلى المواقع المحايدة التي تتشابه مع موروثنا العربي، فهذا ليس ترقيعًا بتغيير الجزء وترك الكل في عملية التغيير صوب مسرح عربي، بل هو تغيير اجتماعي تفرضه ضرورة التكيف مع الخصوصية الثقافية العربية، إذ إن قدرة المكان على التحول المجازي بسهولة ويسر تولد الصراع الأبدي بين رغبة المؤدين المشروعة في الحصول على مكان عام دائم يُخصص بصورة رسمية علنية وبين النموذج المثالي لمكان العرض المسرحي كفضاء محايد لا تحده ملامح مميزة ولا تثقله سمات ثابتة. إننا نحتاج إلى ما أشار إليه رائد الاحتفالية العربية د. عبدالكريم برشيد كي ننهي ذاك الصراع الأبدي: [نحتاج إلى ذاك العمود المكلل بالزهور الذي يتم زرعه وسط ميدان تتجمع الناس حوله، فيتحول نظرهم إلى موضوع للفرجة يرون صورهم منعكسة في عيون الآخرين، فيحبون أنفسهم فتتوثق روابط الألفة بين الجميع، ويغدو البشر أنفسهم هم الاحتفال].
وحتي لا يتصور البعض أنني أميل إلى إضفاء طابع الإجلال والعظمة على التراث العربي وثرائه، أو إنني أدعو إلى إعادة قراءة التاريخ وإعادة صياغته، أو تخيله وفق الراهن والواقع بزيادة ما أُنزِل منه إليه واستبعاد ما لا نقبله، لكني أسعى إلى فكرانية عربية تقود الوعي الأيديولوجي إلى عملية تهدف إلى غرض نفعي خالص هو تجديد التراث العربي المسرحي، ولا أعني ذلك الاصطلاح النظري للقديم، بل أعني تغيير الواقع تغييرًا جذريًا بالقضاء على أسباب وأشكال المسرح الناطق باللغة العربية، إذ أن مهمة التجديد عملية لا نظرية، فهي المساهمة في البناء النظري للواقع بالقضاء على الأفكار الثابتة فيه، والأحكام المسبقة التي لا يمكن أن تكون أساسًا نظريًا لتغيير الواقع المسرحي العربي الراهن، فالعقل العربي لم يكن أقل عصرنة من العقل الغربي، ونقل المسرح اليوناني أو التأثر به في حقبة زمنية ماضية يُحسب للعقل العربي، لكن هل يظل العقل المسرحي العربي عاجزًا عن إبراز أهم الجوانب التقدمية في مسرحنا تلبيةً لمتطلبات العصر من تقدم وتغير اجتماعي؟ أعتقد أن العقل المسرحي العربي يحتاج إلى الانتقال من العلوم الإنسانية إلى الثقافة العربية، ومن الثقافة العربية إلى التغيير الاجتماعي والسياسي كي يحلل الموروث القديم وفق ظروف نشأته، ومعرفة مساره في الشعور الحضاري، بالإضافة إلى تحليل البنية النفسية للشعوب العربية وبلوغ نتيجة هامة تفيد بأن أبنية الراهن هي أبنية ناشئة بدورها عن الموروث القديم
#حسام_الدين_مسعد (هاشتاغ)
Hossam_Mossaad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يزج بالنقاد في دورته الثامنة ... المهرجان الدولي لمسرح الشار
...
-
التفاعل الديناميكي،ام الإشتباك الديالكتيكي ؟
-
قراءة اللذة
-
الفكرة العظيمة من يوميات متصوف في رحاب SITFY
-
دراماتورجية الخريف العربي في ليلة الأنحوتة
-
-كوتار- متلازمة الواقع المشوه
-
معادلة (همس)١+١=٣
-
فرضية -هنا،والآن- في إثبات البدايات لمسرح الشارع
-
-الجسد السارد -
-
نحن ندرك كل شئ
-
مقدمة كتاب (مسرح الشارع -هنا،والآن)
-
اهم ما كُتب عن كتاب مسرح الشارع بين الخلط الشائع -مقاربة مفا
...
-
آليات التلقي النقدي لعروض مسرح الشارع
-
مسرح الشارع ( لاشئ خارج النص ...وليس إعلانا بموت المؤلف)
-
العزلة الإجتماعية ...صرخة -اوفيليا-النباتية
-
مسرح الشارع_الوجود والوعي
-
ميكانيكا الكم ما بين الإيقان،والإرتياب أو يوربيدس الجديد (قر
...
-
القدريات بين مطرقة المجربين،وسندان المارقين (نص شكسبير في جب
...
-
مصطلح مسرح الشارع وغياب المفهوم عربيا
-
إشكالية الكتابة النصية للمسرح الجامعي
المزيد.....
-
سوريا.. ابنة الفنان عبد المنعم عمايري تعلق على تعرض والدها ل
...
-
أميرات الحرية.. قصة أختين ناجيتين من ظلام سجون الأسد
-
نزلها الآن .. تردد ام بي سي بوليود لمتابعة الأفلام والمسلسلا
...
-
مشاركة مصرية في مشاريع سينمائية روسية
-
“آخر تحــديـث“ تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025 على النايل
...
-
تفاصيل جديدة في قضية -راست-
-
كوريا الشمالية.. اللغة الروسية لأول مرة في إعلان إصدار طوابع
...
-
ترامب -يحترم- رفض المحكمة تأجيل الحكم ضده بقضية الممثلة الإب
...
-
أكشن ودراما عربي ومصري “مش هتعرف تغمض عينك بجد ” تردد روتانا
...
-
مصر.. حقيقة فيديو سقوط محمد رمضان من على المسرح ودفاع نجيب س
...
المزيد.....
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
المزيد.....
|