أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود قبيلات - ابنُ لنكك.. نفسٌ مليئة بالغضب ولسانٌ سليطُ















المزيد.....


ابنُ لنكك.. نفسٌ مليئة بالغضب ولسانٌ سليطُ


سعود قبيلات

الحوار المتمدن-العدد: 8217 - 2025 / 1 / 9 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


هو أبو الحسن محمَّد بن محمَّد بن جعفر البصري، الصَّاحب ابن لنكك. نشأ في البصرة، ثمّ انتقل إلى بغداد لطلب العلم، وتوفِّي في العام 360 هـ / 970 م.
وصفه الثَّعالبي بفَرْد البصرة وصدرِ أدبائها، ووصف شعرَه، قائلاً: «أكثر شعره ملح وطرف، جلّها في شكوى الزَّمان وأهله وهجاء شعراء عصره».
ولسان ابن لنكك ذربٌ سليط، إلى حدِّ أنِّي لا أستطيع أنْ أُثبِّتَ بعض قصائده هنا، لفرط ما في مفرداتها مِنْ تجاوزٍ للمعايير «الأخلاقيَّة» السَّائدة في العالم العربيّ الآن في عصر انحطاطه الماثل.
كان ساخطاً على زمانه وأهل زمانه، خصوصاً النُّخبة الثَّقافيَّة والأوساط المتحكِّمة. وكثيراً ما نطقت قصائده بالشَّتائم الصَّريحة، فيصف النَّاس بالحمير أو القرود أو البقر؛ كما يصف بعضهم بـ «العَير». وليس من النَّادر أنْ تكون شتائمه من النَّوع الَّذي يُقال عنه في أيَّامنا «من الزِّنَّار وتحت».
له ديوانُ شعرٍ اطَّلع عليه الثَّعالبي وأورد منه مختاراتٍ؛ وكان معاصراً للمتنبِّي، وقد هجاه هجاءً مُقذِعاً في بعض قصائده.
وقصائد ابن لنكك جميعها قصيرة، وهي تتميَّز بصدقها وصراحتها:
ويبدو واضحاً أنَّه كان يُحسُّ بغربةٍ شديدة عمَّا حوله مِنْ مكوِّنات المجتمع الَّذي كان يعيش فيه.. المجتمع الخراجيّ الطبقيّ المحكوم بسُلطة أوتوقراطيَّة مستبدَّة.
وها هو يذمُّ معاصريه، ويعبِّر عن حنينه إلى الأحرار الَّذين مضوا وانقرضوا، مفسِّراً بهذا سبب انقطاعه عن الخروج إلى النَّاس:
«مضى الأحرار وانقرضوا وبادوا وخلََّفني الزَّمان على علوجِ
وقالوا قد لزمتَ البيتَ جدَّاً فقلتُ لفَقْدِ فائـــــــدةِ الخروجِ
فمَنْ ألقى إذا أبصــــــــرتُ فيهمْ قروداً راكبين على السُّـروجِ
زمانٌ عَزَّ فيه الجودُ حتَّى تعالى الجودُ في أعلى البروجِ»
ويقول أيضاً في السِّياق نفسه:
«ذهب الَّذين يُعاشُ في أكنافهمْ وبقيتُ في خَلَفٍ بلا أكنافِ
ببطالسَ وقلانسَ محشـــــــوَّةٍ يتعاشرون بقلّة الإنصـــافِ
ما شئت مِنْ حُللٍ وفره مراكب أبواب دورهم بلا أجــــوافِ»
وهو يرى أنَّ الزَّمان منحازٌ للأحمق الجهول، وفيه محنة لذوي العقول:
«زمان قد تفرغ للفضول يسود كُلُّ ذي حُمقٍ جَهول
فإنْ أحببتم فيه ارتياحاً فكونوا جاهلــين بلا عقول»
ويتابع في ذمِّه للزَّمان قائلاً:
«يا زمانا ألبـــس الـ أحــــرارَ ذلاً ومهانة
لســـت عندي بزمانٍ إنَّما أنــــــت زمانه
كيف نرجو منك خيراً والعلى فيك مهانة
أجنونٌ ما نــــــــــراه منك يبدو أم مجانه»
وقال كذلك في ذمِّ الزَّمان:
«الدَّهرُ دهرٌ عجيب فيه الوليدُ يشـيبُ
العير فوق الثُُّريَّا وفى الوهاد الأريبُ»
ويقول أيضاً:
«زمانٌ رأينا فيه كُلَّ العجائب وأصبحت الأذنابُ فوق الذَّوائب
لو أنَّ على الأفلاك ما في نفوسنا تهافتت الافلاكُ مِنْ كُلِّ جانب»
وأحياناً، يبلغُ الزَّمان من السّوء حدَّ أنْ يُصبحَ الموتُ أهنأ:
«نحن والله في زمانٍ غشوم لو رأيناه في المنام فزعنا
يصبح النَّاس فيه من سوء حالٍ حقّ مَنْ مات منهم أنْ يهنا»
بيد أنَّ ذمَّ الزَّمان سلوكٌ نمطيٌّ أجوف؛ لذلك، لا يلبث ابن لنكك أنْ يبرِّئ الزَّمان من الذُّنوب الَّتي ألصقها به، فيستدرك قائلاً:
«يعيبُ النََّاس كلُّــهم الزَّمانا وما لزماننا عيبٌ ســـــــــوانا
نعيب زمانَنا والعيـــبُ فينا ولو نطق الزََّمان إذاً هـــجانا
ذئابٌ كلُُّــــــنا في زيِّ ناسٍ فســـــــــبحان الََّذي فيه برانا
يعافُ الذِّئبُ يأكلُ لحمََ ذئبٍ ويأكلُ بعضُنا بعضاً عـــــــيانَ»
وكان له نوعٌ من النَّظرة الوجوديَّة للحياة؛ حيث يقول:
«أمرُ غدٍ أنت منه في لبسِ وأمسُ قد فات فالْهُ عن أمـسِ
وإنََّما العيش عيشُ وقتكِ ذا فبادر الشَّمسَ بابنة الشَّمسِ»
إنَّه قولٌ يشبه ما عبَّرَ عنه عمر الخيّام الَّذي جاء في عصرٍ لاحقٍ لعصر ابن لنكك (بحوالي قرن ونصف)، كما عرفناه في ترجمة أحمد رامي لرباعيَّات الخيَّام التي غنَّتْ أمّ كلثوم بعضاً منها؛ إذ قال:
«أطفئ لظى القلب بشهد الرِّضاب فإنَّما الأيَّام مثل السَّحاب
وعيشنا طيفُ خيالٍ فنل حظّكَ منه قبل فوت الشَّـــــــــباب»
وكما يحدث لكلِّ مثقّف وأديب طموح وذكيّ ومعتدٍّ بنفسه، عندما يجد نفسه مبتلىً بالعيش في مجتمعٍ طبقيّ يتحكَّم به نفوذ المال وسلطة قاهرة غشوم، فقد كان ابن لنكك دائم الشُّعور بالاغتراب والإحباط والقهر والغضب والضَّجر:
«إنْ أصبحتْ هممي في الأفق عالية فإنَّ حظِّي ببطن الأرض ملتصقُ
كم يفعلُ الدَّهرُ بي ما لا أســـــرُّ به وكم يسيءُ زمــــــانٌ جائرٌ حَنِقُ
كم نفخة لي على الأيَّام مِنْ ضـــجرٍ تكاد مِنْ حــــــرِّها الأيَّامُ تحترقُ».
إنَّه ضجرٌ يُشبه ضجرَ المثقَّفين الوجوديين في القرن الماضي (القرن العشرين).
وهو مِنْ شدَّة سُخطِه يصف النَّاس حولَه بأنَّهم بقرٌ خُلِقوا للحرث، ويصف وجودَه بينهم بأنَّه كالمأتم، فيقول:
«لا تصلحُ الدُّنيا ولا تستوي إلَّا بكم يا بقرَ العالم
مَنْ قال للحرث خُلِقتُم فلم يكذب عليكم لا ولم يأثم
ما أنتم عارٌ على آدم لأنَّكم غيرُ بني آدم
وعصبةٌٌ لما توسَّطتُهم ضاقت عليَّ الأرضُ كالخاتمِ
كأنَّهم مِنْ بعد افهامهم لم يخرجوا بعدُ إلى العالم
يضحكُ إبليسُ سروراً بهم لأنهم عارٌ على آدم
كأنَّني بينهم جالسٌ مِنْ سوء ما شاهدتُ في مأتمِ»
ويقول أيضاً:
«لا تخدعنَّك اللحى ولا الصُّورُ تسعةُُ أعشارِ مَنْ ترى بقرُ
تراهم كالسَّحاب منتشراً وليس فيه لطالبٍ بقرُ
في شجر السَّرو منهم مَثَلٌ.. له رواءٌ وماله ثمرُ»
ثمَّ يوجِّهُ سهامَ نقده للمتكسِّبين بالدِّين، فيقول:
«أقولُ لعُصبةٍ بالفقه صالت وقالت ما خلا ذا العلم باطلُ
أجل لا علم يوصلكم سواه إلى مال اليتامى والأرامل
أراكم تقلبون الحكمَ قلباً إذا ما صُبَّ زيتٌ في القنادلِ»
أمَّا هجاؤه للمتنبِّي، فنورد منه القصيدة التَّالية، مع الاعتذار:
«ما أوقح المتنبِّي فيما حكى وادَّعاه
أبيح مالاً عظيماً حتَّى أباح قفاه
يا سائلي عن غِناه مِنْ ذاك كان غناه
إنْ كان ذاك نبيَّاً فالجاثليق إله».
وله قصائد هجاءٍ أُخرى في المتنبِّي، يصعب إيرادُها هنا؛ كما أنَّه هجا آخرين عديدين غير المتنبِّي؛ وقصائد هجائه لهم، يصعب أيضاً إيرادها هنا؛ بل إنَّه هجا مدينته، البصرة، فقال:
«إنَّما البصرة أنشا بٌ ونخلٌ وسماد
ليس في البصرة حرٌّ لا ولا فيها جواد»
وهذا كُلُّه يوصلُه إلى الزُّهد في الدُّنيا بتمامها، فيقول:
«لا مكَّث الله دنيانا فقيمتها ليست تفي عندَ ذي عقلٍ بقيراط
دنيا تأبَّت على الأحرار عاصيةًً وطاوعتْ كُلَّ صفعانٍ وضرَّاط»
ونختم بنغمةٍ حزينة، مبثوثة في البيتين التَّاليين مِنْ شعره، اللذين يتفجَّعُ فيهما على فراق خلَّانه، ويُعبِّرُ عن فقدانه الأمل في هذه الحياة الَّتي لا تصفو إلَّا كحُلمٍ جميلٍ غامضٍ سُرعان ما تُبدِّده قسوةُ الواقع بلا هوادة:
«فراق أخلائي الَّذين عهدتُهم يوكل قلبي بالهموم اللوازمِ
وماذا أُرجَّى مِنْ حياةٍ تكدَّرت ولو قد صفت كانت كأضغاث حالم».



#سعود_قبيلات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمات موجزة عن سُخرية التَّاريخ
- وْسومها على خْشومها!
- تنازلاتُ حركةِ التَّحرُّرِ العربيَّةِ الأساسيَّةِ ونتائجُها ...
- قريباً.. سيعرف الَّذين فرحوا مع مَنْ فرحوا وما الَّذي فرحوا ...
- يبذلون لغزَّة الكلام فقط.. وأمَّا فعلهم ففي سوريا..
- وقف إطلاق النَّار ووحدة السَّاحات وإسناد غزَّة
- أُمَّةٌ حيَّةٌ.. أُمَّةٌ تُقاوِمُ.. كلمة في ملتقى تونس لدعم ...
- تقرير من الأمين العامّ للحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ إلى اللجنة ...
- برنامج الحزب الشُّيوعيّ الأُردنيّ الجديد والقضيَّة الفلسطيني ...
- حوار عن توجُّهات الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ بعد مؤتمره الثَّا ...
- المؤتمرُ الثَّامنُ (التَّوحيديُّ) للحزبِ الشُّيوعيِّ الأردني ...
- في «مليح» عرفتُ الماركسيَّة وفي «مادبا» عرفتُ الشُّيوعين الأ ...
- تحليلٌ مغلوطٌ بقالبٍ طَبقيٍّ زائف!
- السبول وماياكوفسكي ورامبو وهيمنجواي.. ولعنةُ فائضِ العُمْرِ. ...
- ناهض حتَّر.. الاغتيال السِّياسيّ تحت ستار تكفيريّ
- الفوز في معركة خاسرة
- الفِكرُ اليوميُّ وتداعياتُ الصِّراعِ بين روسيا والأطلسيّ
- أزمة اليسار ومساعي الشُّيوعيين الأردنيين إلى الوحدة
- مقابلة عن الحرب في أوكرانيا
- الدّكتور عبد الطّواهية ورفاقه وديرتنا الأردنيّة


المزيد.....




- فيلم -حقيبة سفر-.. الاختيار بين المقاومة والخيانة
- رفض تعطيل الحكم على ترامب بقضية الممثلة الإباحية
- الجزائر.. تبون يستحدث جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة العر ...
- -الجحيم- يعطل ترشيحات الأوسكار.. -نيران- على أبواب هوليود
- ترك بصمة كبيرة.. وفاة سيد الأغنية المغربية الزجلية (صور)
- من قارورة عطر إلى ركام مغطى بالبارود.. أطلال بمدن الأشباح ال ...
- مشاهير السينما والموسيقى يفقدون منازلهم في الحرائق التي تهدد ...
- الفنانة عزة أبو ربعية تحكي عن تجربتها مع الثورة والإعتقال وا ...
- مصر.. سقوط محمد رمضان من على المسرح.. ما حقيقة الفيديو المتد ...
- أكاديمية المملكة المغربية تطلق -أنطولوجيا الملحون-


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود قبيلات - ابنُ لنكك.. نفسٌ مليئة بالغضب ولسانٌ سليطُ