|
الجولاني بين ماضيه الدموي و الحاضر المنفتح ...
خالد الياس رفو
الحوار المتمدن-العدد: 8217 - 2025 / 1 / 9 - 10:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد انهيار نظام البعث في العراق ، وسقوط الدكتاتور المقبور صدام حسين ، ثم سقوط نظام مبارك في مصر ، والقذافي في ليبيا ، وعلي عبد الله صالح في اليمن ، وأخيرًا سقوط نظام البعث في سوريا بهروب بشار الأسد ، شهدت المنطقة تحولات دراماتيكية ، منذ سقوط صدام حسين ، غرق العراق بدماء الأبرياء على يد التنظيمات الإسلامية الإرهابية مثل القاعدة وداعش وغيرها . في كثير من الأحيان ، تُسفك دماء الأبرياء بسبب الصراع الطائفي أو النزاعات على السلطة والنفوذ بين الأحزاب السياسية ، حيث يكون الضحايا دائمًا من المواطنين العزل الذين لا ذنب لهم . أبو محمد الجولاني ، المعروف أيضًا باسم أحمد حسين الشرع ، هو زعيم هيئة تحرير الشام ، وهي جماعة مسلحة نشطة في الحرب الأهلية السورية ، ولد في عام 1982 في الرياض/السعودية ، لعائلة سورية من الجولان ، ونشأ في دمشق في حي المزة بعد عودة عائلته إلى سوريا . انضم الجولاني في بداية مشواره إلى تنظيم القاعدة في العراق ، حيث شارك في التمرد العراقي ضد القوات الأمريكية . تم القبض عليه من قبل القوات الأمريكية وسجن في العراق من عام 2006 إلى 2008 . بعد إطلاق سراحه ، عاد إلى سوريا ليؤسس " جبهة النصرة " في عام 2012 ، وهي كانت في البداية فرعًا لتنظيم القاعدة . في عام 2016 ، أعلن الجولاني انفصال جبهة النصرة عن القاعدة ، وأصبحت تعرف باسم " هيئة تحرير الشام " ، حيث ركزت على محاربة نظام الأسد بدلًا من الأهداف الجهادية العالمية التي كان يسعى لتحقيقها في البداية .
تحول الجولاني من " إرهابي " إلى " رجل سلام " بعد سقوط بشار الأسد ، بدأ الجولاني استخدام اسمه الحقيقي " أحمد الشرع " في محاولة لتعزيز شرعيته في أوساط السوريين . أصبح يقود إدارة عسكرية ومدنية في المناطق التي تسيطر عليها جماعته ، وبدأ في تقديم نفسه كـ "رجل معتدل" ، في محاولة لكسب تأييد دولي وإقليمي . أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى يصنفون أبو محمد الجولاني أرهابيا ، كما أن وزارة الخارجية الأمريكية قد عرضت مكافأة مالية لمن يقدم معلومات تؤدي إلى القبض عليه . يعتبر الجولاني من بين أبرز الشخصيات المطلوبة دوليًا .
الجولاني وماضيه الدموي الجولاني هو من بين أولئك الذين تلطخت أيديهم بدماء المدنيين الأبرياء في العراق ، في فترة قيادة أبو مصعب الزرقاوي ، كان الجولاني من أبرز أعوانه ، حيث بايعه وكان يشارك في ذبح المدنيين ، وتفخيخ الأسواق والمستشفيات والمدارس ، بما في ذلك رياض الأطفال . بسبب هذه الأعمال الإجرامية ، تم القبض عليه وسجنه في العراق لمدة عامين قبل أن يتم الإفراج عنه . بعد ذلك ، بايع أيمن الظواهري ، زعيم تنظيم القاعدة ، وأسس فرعًا جديدًا له في سوريا . عندما أعلن أبو بكر البغدادي عن "دولة الخلافة" ، اقترب الجولاني منه ، الذي كان قد تعرف عليه في السجن ، وبايعه ، معا شاركوا في سفك دماء الأبرياء في العراق وسوريا . لكن ، مع مرور الوقت ، تحول الجولاني بين ليلة وضحاها إلى " رجل ديمقراطي " . بدأ يدعي أنه مناضل في سبيل الحرية والعدالة والسلام ، وروج لنفسه كـ " فاتح بلاد الشام " و بطل ثائر سوري يقود مرحلة التغيير والتحول من الدكتاتورية إلى التعددية والحرية . لكن ، هل يمكن الوثوق بشخص نشأ وتربى على التكفير والكراهية والتطرف ، وتحول من قاتل وإرهابي إلى " رجل سلام " ..؟! ، وهل يمكن لشخص بهذا التاريخ أن يصبح رائداً لبناء مستقبل جديد في منطقة تعيش منذ عقود في دوامة من الصراعات الطائفية والمذهبية والقومية ..؟! الحقيقة ، بالنسبة لي شخصياً ، لا أصدق ذلك . إن منطقة الشرق الأوسط ، التي تعد واحدة من أكثر المناطق سخونة في العالم من حيث الصراعات الدينية والمذهبية ، لا يمكن أن تتحمل المزيد من التجارب الفاشلة . الدماء تسيل منذ أكثر من ربع قرن ، وما زالت المنطقة مشتعلة . في ظل هذا الواقع ، يبقى الجولاني مجرد واحد من أخطر الإرهابيين المطلوبين دولياً ، ولا أعتقد أن بإمكانه أن يكون عاملًا من عوامل السلام في سوريا والمنطقة . الجولاني وتهديده المستمر للأمن والاستقرار إن أبو محمد الجولاني وهيئة تحرير الشام يمثلون تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة بشكل عام . فكرهم المتطرف وأيديولوجيتهم العنيفة لا تختلف عن داعش ، وإذا استمروا في فرض أجندتهم ، فإنهم قد يدفعون بالمنطقة إلى المزيد من الهاوية . الحلول الحقيقية للسلام والاستقرار في سوريا تتطلب مواجهة هذه الجماعات بشكل حازم ، مع العمل على إيجاد تسوية سياسية شاملة تعيد بناء سوريا بعيدًا عن التطرف والصراعات الدموية المستمرة .
لقاء الجولاني مع وفد عراقي من المثير للفضول والشك ، زيارة وفد عراقي رسمي للجولاني في دمشق برئاسة حميد الشطري ، مدير المخابرات العراقية ، وذلك بهدف البحث عن الاستقرار في الحدود المشتركة بين البلدين ، على الأقل وفقًا لما تم التصريح به علناً . أي متابع للوضع الجيوسياسي في المنطقة ومطلع على الوضع الأمني في العراق وسوريا يعلم بوجود سجناء عراقيين في السجون التابعة لنظام الأسد أو التابعة للفصائل المسلحة في سوريا ، ومنها داعش و هيئة تحرير الشام التي يترأسها الجولاني ، وفي الوقت ذاته ، هناك سوريون في السجون العراقية . وهنا قد يتساءل البعض : ما هو مصير هؤلاء السجناء ؟! وكيف ستتعامل الحكومة العراقية مع الجولاني بشأن هذا الملف ..؟! هناك قضية أخرى أكثر أهمية ، وهي قضية إنسانية ملحة جداً ، ألا وهي قضية المختطفات الإيزيديات اللواتي تم اختطافهن أثناء غزو سنجار عام 2014 من قبل إرهابيي داعش . العديد من المختطفات تم اقتيادهن إلى الأراضي السورية ، وهناك ما يقرب من 2700 امرأة وطفل إيزيدي مختطف مجهول المصير . يعتقد بأنهم ما زالوا بين أيدي الجماعات التي كانت تتقاتل في سوريا . على الحكومة العراقية أن تبحث هذا الملف بشكل دقيق وسريع مع الجولاني ، وأن تشكِّل خلية إدارة أزمة تشرف على عملية البحث وإنقاذ المختطفين الإيزيديين المتواجدين على الأراضي السورية . في ظل الظرف الراهن ، إذا لم يتم التحرك في هذا الاتجاه والعمل الجاد لإنقاذ مواطنين عراقيين أبرياء ، فإن هذا يعني أن النظام العراقي الحالي ونظام الجولاني لا يختلفان كثيرًا عن الفصائل المسلحة في البلدين .
لقاء الجولاني مع ممثلين عن الاتحاد الأوروبي في الأيام القليلة الماضية ، كان هناك لقاء بين الجولاني وممثلين عن الاتحاد الأوروبي ، متمثلين في وزيرة خارجية ألمانيا و وزير خارجية فرنسا . أثناء استقباله لهم ، لم يصافح بيربوك ، وصافح جان نويل برؤوس أصابعه وكأنه يتعالى عليهم . هذا التصرف يعود إلى تربيته العقائدية لجولاني التي تعتبر المرأة عورة وناقصة عقل ، وتعتبر الغرب كفارًا مشركين أرواحهم وأموالهم وعرضهم مباحاً وحلالاً " للجهاديين الإرهابيين " من أمثاله . هنا يعاد الاستغراب والاستفهام حول تصرفات القوى التي تسمي نفسها " العظمى " و " راعية الحرية والديمقراطية والسلام العالمي " ، حيث كانت في الأمس القريب تصف الجولاني بالإرهابي ، واليوم تعتبره راعياً للحرية والسلام في سوريا الجديدة . إن دل ذلك على شيء ، فإنه يدل على قذارة السياسة الدولية وزيف شعاراتها وحضيض دبلوماسيتها ، التي تتعامل مع الرابح القوي على أرض الواقع ، بغض النظر عن طريقة وصوله إلى القيادة ، وخلفيته الفكرية ، ومبادئه وعقيدته ونهج إدارته للحياة في مناطق نفوذها . بعد كل ما تم متابعته في الوضع الجديد العام لسوريا ، نستنتج أن الغرب ، بموافقة إسرائيل وبعض الدول الإقليمية ، هو الداعم في صعود الجولاني لتولي الإدارة الجديدة ، على حساب دماء الأقليات والمواطنين الابرياء والحريات العامة ، وذلك للمحافظة على مصالحها وهيمنتها في المنطقة ، بغض النظر عن النتائج المجتمعية للمواطنين المستضعفين الأبرياء .
#خالد_الياس_رفو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سقوط حلب .. أم عودة دولة الخلافة ؟
المزيد.....
-
البكالوريا المصرية: نظام لتطوير التعليم أم جباية الأموال؟
-
قصف روسي على خيرسون يخلّف إصابات ودمار كبير لعشرات المباني
-
أوستن: حلفاء كييف وافقوا على خطة الدعم
-
وزير الداخلية الفرنسي ينتقد الاحتفالات والرقص فرحا عقب وفاة
...
-
مصر.. حريق هائل يلتهم عدة منازل ومصانع في القاهرة (فيديو)
-
فصيلة دم أصحابها أقل عرضة لأمراض القلب
-
تعاون برلماني روسي جزائري
-
حرائق كاليفورنيا تشعل غضبا ضد بايدن
-
أوستن يوجه رسالة طمأنة لشركاء واشنطن في -الناتو- بعد تصريحات
...
-
ماسك يوجه نصيحة لألمانيا ويحذرها من -أمر جنوني-
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|