أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - بدون فلتر *** ليبيا: قهوة ورصاص مع لمسة من الموت














المزيد.....


بدون فلتر *** ليبيا: قهوة ورصاص مع لمسة من الموت


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 07:51
المحور: كتابات ساخرة
    


حين قررت زيارة ليبيا، لم أكن أبحث عن مغامرة بقدر ما كنت أتطلع لاكتشاف أرض غنية بالتاريخ والثقافة. لكن ما وجدته كان أقرب إلى رحلة في فيلم أكشن، مع رشة من السخرية وجرعة من الجنون. ليبيا، تلك البلد التي خرجت لتوها من تحت حكم معمر القذافي، كانت في تلك اللحظة كأنها ميدان تجارب لأفلام هوليوود، حيث يختلط الرصاص بالقهوة، والموت بالحياة اليومية.

وصلت إلى طرابلس، حيث اخترت الإقامة في فندق "هايتي" الذي كان اسمه يوحي بالفخامة، لكن الواقع كان أقل من متوسط. كانت الغرف أشبه بمخيم لاجئين، حتى ظننت أنني في فيلم وثائقي عن مآسي الحروب. وفي تلك الليلة الأولى، بينما كنت أحاول النوم وسط أصوات غير مفهومة، اكتشفت أنني كنت أسمع الرصاص يطلق في كل اتجاه. في البداية، اعتقدت أنها أصوات موسيقى خلفية لفيلم رعب، لكنني أدركت سريعا أن هذه كانت مجرد "فواصل موسيقية" لحياة طرابلس اليومية.

ثم انتقلت للإقامة مع ابن عمي، الحاج محمد الوكيلي، الذي كان يسكن في منزل يطل على ثكنة عسكرية للثوار. كان هذا المكان ينضح بالهدوء، لكن سرعان ما اكتشفت أن هذا الهدوء كان مجرد خدعة. كنت أستمتع بفنجان قهوة في الصباح، وفي المساء أسمع صوت الرصاص وكأنني في مشهد من أفلام الأكشن، بينما كان الموت يتراقص على حافة الشارع، يراقب الجميع دون أن يرف له جفن.

ولكن أكثر اللحظات غرابة كانت عندما قررت زيارة مقهى "الفصول الأربعة"، الذي كان يبدو وكأنه المعقل الأخير للهدوء في طرابلس. توقعت أن أجد نفسي في مكان هادئ، ولكن فجأة دوى صوت رصاص، وكأن الحياة قررت أن تذكرني بأن الموت في ليبيا ليس شيئا نادرا. وعندما عدت إلى المقهى في المساء، اكتشفت أن الزجاج الأمامي للمقهى قد تحطم بالكامل، وكأن أحدهم قرر أن يضيف لمسة درامية إلى يومي. في تلك اللحظة، شعرت وكأنني قد دخلت في فيلم سيء، حيث لا يكتمل المشهد إلا بتحطم الزجاج.

أما المفاجأة الأكبر فكانت في سوق السمك في طرابلس. وبينما كنت أتجول بين الأكشاك، لفت انتباهي أن بعض الأشخاص كانوا يعرضون الأسلحة بجانب الأسماك. "هل تريد بندقية أم مسدس؟" كان أحدهم يسألني بابتسامة عريضة، كما لو أنه يعرض علي علبة حلوى. كان من السهل أن تظن أنك في مشهد من فيلم كوميدي، حيث يبدو أن الموت قد أصبح سلعة رائجة تباع جنبا إلى جنب مع الأسماك الطازجة.

لكن رغم كل هذه المفارقات، كانت هناك لحظات توازن هذه الفوضى. فذكرياتي عن ليبيا، رغم كل ما فيها من غرابة، تظل مرتبطة بالكرم والضيافة التي لم أكن أتوقعها. أهل ليبيا، بكل ما عانوه، لم يترددوا لحظة في فتح قلوبهم بصدق، وكانوا دائما ما يرحبون بي كأنني واحد منهم. من ابن عمي الذي استضافني في منزله بكل حب، إلى الجيران الذين كانوا يشاركونني ضحكاتهم رغم التوترات المحيطة، كانت ليبيا تظهر لي وجهها الآخر، وجه لم يكن له مكان في الأفلام أو الأخبار.

وفي النهاية، كانت تجربتي في ليبيا أشبه بزيارة إلى مدينة مقلوبة رأسا على عقب. حيث يمكنك أن تبدأ يومك في مقهى هادئ، ثم تجد نفسك في سوق يعرض الأسلحة كأنها سلع عادية، والموت يتنقل بين الناس كما يتنقلون هم بين المحلات. ليبيا، بهذا المزيج الغريب من الفوضى واللامبالاة، كانت تقدم لك تجربة لا تشبه أي شيء آخر. في هذا البلد، لا شيء يبقى ثابتا، حتى الموت يفضل تغيير المكان كل يوم. ومع ذلك، فإن كرم ضيافة أهل ليبيا وصدقهم في التعامل يجعل كل ما عشته هناك تجربة لا تنسى، مليئة بالتناقضات، ولكنها مليئة بالذكريات الجميلة التي لا يمكن للزمان أن يمحوها.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدون فلتر *** أحلام الطفولة: حين تسخر الحياة من طموحاتنا وتع ...
- -منطقة الساحل: منافسة أم فرصة للتعاون؟ المسألة التي طرحتها ج ...
- لطيفة أحرار: خطوة جريئة أم مشهد من مسرحية؟
- -عندما يصبح لعب الأطفال مأساة سياسية: هل من يوقف هؤلاء؟-
- -من 2025 إلى 2026: خريبكة تختار فوضى الزمن في خطوة نحو العصر ...
- -بدون فلتر *** ديك رومي بين التين الشوكي: ملحمة عبثية في كرم ...
- -من الهجاء إلى الاعتذار: تأملات كاتب في العام الجديد-
- -عبد اللطيف وهبي في محكمة الضحك: من وزير للعدل إلى بطل كوميد ...
- بن سالم الوكيلي: رحلة إلى العالم الآخر... حيث المراجعات الكو ...
- - من دار الدنيا إلى دار الآخرة: لقاء غير متوقع مع عبد اللطيف ...
- -مدونة الأسرة المغربية: فوضى القوانين بنكهة الفكاهة!-
- -الطماطم ومعجزة أخنوش: ملحمة الغلاء في المطبخ المغربي-
- بدون فلتر** -شهادة الألومنيوم: كوميديا بيروقراطية في مقهى مك ...
- -تحلية الديمقراطية: حين تختلط مياه البحر بملوحة المصالح-
- -سياسة الأوهام: ابن كيران بين بطولة مسرحية وسخرية ثلاثي النا ...
- بدون فلتر** -زيت الوكيلي: كوميديا سوداء بنكهة الزيتون-
- -نايضة: كوميديا تبحث عن نفسها في متاهة الكليشيهات-
- **زيارة الموت: عندما يكون لديك -وقت إضافي-**
- -اللصوص الجدد: كيف تسرق أفكار الآخرين وتجعلك عبقريا في عيونه ...
- جنود الحدود: صمت الأبطال في مواجهة اللامبالاة-


المزيد.....




- الفنانة إليسا تهاجم نائبة لبنانية بسبب الانتخابات الرئاسية
- السينما في ياقوتيا
- بين البنيوية الشكلية والتداولية.. دراسة تحليلية للإشاريات ال ...
- بنزيما يوجه رسالة باللغة العربية بعد تأهل الاتحاد إلى نصف نه ...
- -لعبة الحبار- الأكثر مشاهدة في تاريخ -نتفليكس-
- سوريا ولبنان يتصدران ترشيحات الجائزة العالمية للرواية العربي ...
- -أنا ست مصرية أصيلة-.. الفنانة داليا مصطفى ترد على أنباء طلب ...
- رفض طلب ترامب بشأن -قضية الممثلة الإباحية-
- امتحانات الثانوية العامة بالسودان.. كيف تهدد الحرب مستقبل ال ...
- خالد أرن.. رحلة 40 عاما في خدمة الثقافة والفنون الإسلامية


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - بدون فلتر *** ليبيا: قهوة ورصاص مع لمسة من الموت