|
الجيش السوري: أزمة هوية واستجابة للثورة
كرم خليل
كاتب
(Karam Khalil)
الحوار المتمدن-العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 04:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نحو بناء الجيش السوري الجديد المفهوم العام للجيش والقوات المسلحة في السياق الفلسفي والمجتمعي، يُعَدّ الجيش مؤسسة رسمية ومنظّمة، تُناط بها مسؤولية حماية الوطن وسيادته وضمان أمنه، كما يتجسد الجيش بوصفه كيانًا شرعيًا يستخدم القوة المنظمة ضمن إطار القوانين والضوابط الأخلاقية، ملتزمًا بأعلى معايير النزاهة والشرف،ولا يقتصر دوره على الدفاع العسكري، بل يشمل أيضًا حماية المصالح الوطنية والقيم الإنسانية؛ فالجيش يعبر عن زراع الوطن القوي، مجسدًا إرادة الأمة في الدفاع عن نفسها والمساهمة في السلام العالمي، ورمزًا للوحدة الوطنية والتضامن المجتمعي، حيث يجتمع أفراده من مختلف الخلفيات والطوائف والقوميات تحت راية واحدة لتحقيق الأمن والاستقرار.
الجيش السوري: أزمة هوية واستجابة للثورة
الجيش السوري، كما في العديد من الدول، كان يُفترض به أن يكون مؤسسة وطنية تسعى لحماية السيادة الوطنية وضمان أمن البلاد والشعب. إلا أنّ الجيش السوري كان يعاني من أزمة أخلاقية وانسانية و من خلل بنيوي واضح، تركز في عقيدته العسكرية التي تمحورت حول الولاء الشخصي للرئيس حافظ و بشار الأسد وعائلته، بدلًا من الولاء للوطن والمواطنين. هذا التحول الفلسفي من مفهوم "الفرد في خدمة الدولة" إلى "الدولة في خدمة الفرد" أدى إلى انحراف الجيش عن دوره بوصفه حاميًا للوطن، ليصبح أداة للحفاظ على النظام الحاكم. نتج عن ذلك ضعف الروح القتالية والاحترافية، وتفشي الفساد والمحسوبية، مما أضعف الهيكل التنظيمي للجيش وأدى إلى تآكل الثقة بين الجيش والشعب. وفي عام 2011، تجلت أزمة الهوية هذه بوضوح عندما استخدم النظام الجيش لقمع الثورة السورية بدلًا من الاستجابة لمطالب الشعب، وقد عكس سلوك الجيش تجاه الثورة أزمة هوية وفقدان البوصلة الأخلاقية، حيث تحول إلى كيان يعمل لحماية مصالح الفئة الحاكمة، مما زاد من تعقيد الأزمة وأدى إلى تفاقم الوضع الإنساني والسياسي في البلاد.
سورية "نحو بناء جيش جديد"
تتطلب إعادة بناء الجيش السوري بعد نجاح الثورة عملية شاملة ومعقدة تهدف إلى تشكيل مؤسسة عسكرية تعتمد على أسس وطنية، تضمن الولاء للوطن والمواطنين بدلًا من السلطة الحاكمة، وتشمل هذه العملية وضع مبادئ واضحة ترتكز على احترام حقوق الإنسان والحفاظ على سيادة الوطن ووحدته، وجعل هذه المبادئ جزءًا لا يتجزأ من تعليم وتدريب الجنود؛ ولتوحيد الفصائل المسلحة التي شاركت في الثورة تحت لواء الجيش الجديد، يجب حل هذه الفصائل بما فيهم هيئة تحرير الشام رسميًا وانضمام عناصرها كأفراد مستقلين لا كمجموعات منظمة، لضمان انتقال الولاء إلى الوطن فقط، وتُعدّ إعادة بناء الجيش جزءًا أساسيًا من هذه العملية، حيث يجب توزيع السلطة بشكل عادل واعتماد نظام رقابة ومساءلة تضمن الشفافية والنزاهة. كذلك، لا بد من التركيز على التدريب والتعليم لتعزيز الانضباط العسكري والقيم الوطنية، مع تقديم برامج تعليمية متقدمة حول الدور العسكري في الوطن والقوانين الدولية، ناهيك عن التواصل الفعال مع المجتمع، الذي يُعد أساسيًا لبناء الثقة، من خلال تنظيم حملات توعية ومبادرات مجتمعية، كما يجب لضمان الشفافية والمساءلة داخل الجيش، إنشاء هيئات مستقلة لمراقبة الأداء والتحقيق في التجاوزات، كما أنّ تعزيز الثقافة الوطنية داخل هذه المؤسسة يتم من خلال الفعاليات الوطنية والدروس حول تاريخ الوطن، مع توفير دعم شامل للجنود وأسرهم لضمان رفاهيتهم. كل هذه الخطوات تهدف إلى بناء جيش محترف ووطني يلتزم بخدمة الوطن والمواطن.
دور الضباط المنشقون في بناء الجيش السوري الجديد يتطلب تشكيل الجيش السوري الجديد بعد نجاح الثورة عملية شاملة تتسم بالعناية البالغة والتخطيط الدقيق. في هذا السياق، يلعب الضباط المنشقون عن النظام السوري دورًا محوريًا وحاسمًا، حيث إن إشراك هؤلاء الضباط ليس فقط ضرورة بل وواجباً اخلاقياً ، بل بالغ الأهمية لتحقيق جيش وطني يتمتع بالكفاءة والمصداقية، يمكن القول إن الضباط المنشقين يمثلون قيمة خاصة في عملية بناء الجيش الجديد، حيث اتخذ هؤلاء الضباط قرارًا جريئًا بالانشقاق عن النظام القمعي المجرم ، مما يعكس التزامهم بالقيم الوطنية والإنسانية، ومن هنا إعادة دمجهم في الجيش الجديد يعكس الالتزام بالعدالة والمصالحة والمساواة ، ويعزز الشرعية الأخلاقية للمؤسسة العسكرية الجديدة. على الجانب العملي، يتمتع الضباط المنشقون برتب عسكرية عليا ومتوسطة و بخبرة واسعة في الشؤون العسكرية والتكتيك الحربي، مما يجعلهم مصادر قيمة للمعرفة والتدريب، كما أنّ الاهتمام بالكفاءة العسكرية لهؤلاء الضباط يعد جزءًا أساسيًا من عملية إعادة البناء، حيث يمكنهم المساهمة في رفع مستوى الاحترافية داخل الجيش الجديد، ويجب تقديم برامج تدريبية متقدمة تهدف إلى تطوير مهاراتهم وتعزيز قدراتهم القيادية، مما يضمن استفادة الجيش بأكمله من خبراتهم الواسعة. ويجب أن تُبنى عملية دمج الضباط المنشقون على أساس من الشفافية والعدالة، وذلك من خلال إجراءات واضحة ومعايير صارمة تضمن اختيار الأشخاص الأكفاء والمؤهلين لشغل المناصب القيادية، ويتطلب ذلك إنشاء هيئات اكاديمية مستقلة تشرف على عمليات الاختيار والتعيين، لضمان أن تكون العملية نزيهة وغير متأثرة بالولاءات الشخصية أو الفئوية، كما يجب مراعاة التراتبية العسكرية للضباط المنشقون لضمان انسجام هيكلية القيادة الجديدة وتوزيع السلطات بشكل عادل. إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية: من الولاء الشخصي إلى حماية الوطن تأسست الفروع الأمنية في الدولة بهدف حماية النظام من التهديدات الخارجية والداخلية، ولكن النظام السياسي حوّلها إلى أدوات لتحقيق أهداف شخصية وسياسية، مما أدى إلى انحراف المؤسسة العسكرية عن دورها الطبيعي، إذ أصبحت هذه المؤسسات تهدف إلى حماية الرئيس بدلًا من حماية الوطن، مما أضعف كفاءتها وتسبب في تفشي الفساد والمحسوبية والجريمة. وهذا التحول أضعف الثقة بين الشعب والأجهزة الأمنية وساهم في تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية. لذا، إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية ضرورية لضمان عودتها إلى دورها كحامي للوطن والشعب، وذلك من خلال مراجعة شاملة للعقيدة العسكرية، تعزيز الشفافية والمساءلة، وضمان تكافؤ الفرص والاحترافية. الهدف هو بناء مؤسسة قوية قادرة على مواجهة التحديات وضمان السلام والاستقرار وحفظ الوطن وابناءه وسيادته
#كرم_خليل (هاشتاغ)
Karam_Khalil#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحديات النصر السوري ومستقبله
-
مواقع التواصل الاجتماعي حديث في الإيجابيات والسلبيات
-
المرأة ثورة روحية لا تخمد ولغز لا ينتهي
-
كساندرا التي فرضت حظر التجول في سورية لسبعة أشهر
-
زلزال أنطاكيا جرح غائر في صفحات التاريخ الإنساني
-
التطرف الديني بين الخرافة والبدعة
-
سرد حكاية شالوم في رواية قمر أورشليم
-
شيزوفرينيا الديموقراطية في ربوع مزرعة الأسد
-
تأرجح العلاقات التركية تدفع ثمنه ادلب السورية وسط تنازلات تر
...
-
صراع القرن وحرب فرض النفوذ
-
أكذوبة -نظرية المؤامرة- غيّبت الشعوب العربية عن الصراع العال
...
-
الحرية بين الإعتقاد والحقيقة
-
أسباب النكوص في المسار الثوري
-
المجتمع المدني كجوهر ثقافي في حياة الشعوب
-
دور المجتمع المدني في بناء المجتمعات
-
الأمل إكسير الحياة ودفقها المتجدد في الروح
-
في ظل اضمحلال التنوير وسطوة التعصب: كيف يتعامل الإسلاميون مع
...
-
الحرب في مواجهة الهوية: سوريا نموذجاً
-
سرطان البيروقراطية.. النمسا نموذجاً
-
الألم ديدن الإبداع ودفق الحياة
المزيد.....
-
فيديو منسوب لوزير الدفاع السوري الجديد لتحطيم تمثال السيدة م
...
-
هل تدخل إسرائيل في حرب مع تركيا؟
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 عسكريين بمعارك بيت حانون أقصى ش
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة جندي بنفق في رفح
-
محللان: استعادة جثمان الزيادنة يؤكد فشل إسرائيل ويعمق أزمتها
...
-
مواجهة علنية بين الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع
-
وزير الدفاع السوري: نسعى لترميم الفجوة بين الجيش والشعب
-
-قبل اللام-.. المغنية السورية رشا رزق تشارك في أغنية عن حياة
...
-
-إنه أمر مخيف للغاية-.. مالك متجر بيع شاي يصف لحظات اختراق و
...
-
الفراغ الرئاسي في لبنان يقترب من نهايته.. فهل يكون قائد الجي
...
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|