|
من آثار تصدير الثورة
جعفر سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8215 - 2025 / 1 / 7 - 11:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يخف الإيرانيون نواياهم يومًا بتصدير الثورة الإسلامية التي أشعلها الراحل السيد الخميني لدول الجوار، فالرؤية بالنسبة لهم كانت واضحة والأهداف محددة، فهناك فقيه يقود ثورة، ينجح في الصعود لأعلى هرم السُلطة، سرديته تتمحور حول ولاية أمة المسلمين (ليس الشيعة أو الإيرانيين فقط، بل كل المسلمين)، لذلك فمن الطبيعي أن تكون البحرين وبسبب تركيبتها الطائفية ووضعها التاريخي من أولى الأهداف، فهنا شيعة كُثر وهناك ادعاء إيراني بتبعية البلاد لهم، مما يجعلها هدف يسيل له اللعاب نوعًا ما، بخلاف دول أخرى في الجوار، كعمان مثلا أو الإمارات، ولكن السؤال هل نجحت إيران بتصدير ثورتها؟ للإجابة على السؤال أعلاه لابد من استعمال نقطة قياس تاريخية للإنطلاق منها لمحاولة فهم تأثير الثورة، وهنا من المنطقي أن تكون تلك النقطة هي السنة السابقة للثورة الإيرانية، ونظرة سريعة على تلك الفترة الزمنية ستعطينا لمحة عن خارطة البحرين السياسية والاجتماعية والدينية. فسياسيا كان الناس يتوزعون بين الناصرية والبعث والماركسية، أما الإسلام السياسي فكان حجمه ضئيل جدا، واجتماعيًا كانت هناك ليبرالية بسيطة، تتمحور حول احترام الجميع لحرية الفكر واللباس والاختلاف، إما دينيًا فكان التدين الفطري البسيط هو السائد، بلا تعقيدات الطائفية وبلا خلط مع السياسة، والحديث هنا تحديدًا عن المجتمع القروي في البحرين، أي ذلك المجتمع الذي كان الهدف الأساس لتصدير الثورة. لم تبق الأمور كما كانت قبل الثورة، فكانت هناك ما يشبه الموضة الإسلامية، فبدأ المجتمع بالتحول تدريجيًا من البساطة إلى التعقيد ومن الانفتاح إلى الانغلاق، بل الأسوأ أن هناك من بدأ في توجيه المجتمع البسيط تدريجيًا ليكون مساره في خط تصادمي مع الدولة، بدءًا من محاولة الانقلاب في الثمانينات، إلى أحداث التسعينات التي بدأت بهجوم على ماراثون، وصولا إلى أحداث ألفين وأحد عشر والتي كانت ارهاصات انقلاب نفس التيار على الميثاق والذي بدأ بعد عودة أحد أبرز قيادات التأزيم من إيران، وبعد أن كان شعب البحرين بغالبيته الساحقة يستعد للاحتفال بديمقراطيته الوليدة. كان المجتمع يتغير لصالح قوى الإسلام السياسي، أفكار كثيرة يتم حشوها في عقول الناس، بالتدريج وبطريقة منظمة، ومن خلال عنوان مضلل كبير اسمه (مظلومية طائفة)، عنوان يُلامس العاطفة ويُلامس شعور الاستحقاق المبالغ فيه عن البشر، فالإنسان العادي بطبعه يعطي نفسه الكثير من الاستحقاق، فيرى نفسه الأحق بهذا الأمر أو ذلك، ومن شأن العزف على وتر المظلومية أن يدعم شعور الاستحقاق ويعمق المرء في شعور المظلومية. عودة للسؤال الرئيس، هل نجحت إيران في تصدير ثورتها إلينا؟ الجواب نعم ولا، نعم كونها نجحت في تصدير أفكار ثورتها، ونجحت في تغيير الكثير من عاداتنا ومن رؤانا والأخطر أنها نجحت في جعل شطر كبير من المجتمع يعزل نفسه عن الدولة ويتعامل وكأنه حالة خاصة لا يمكن أن تندمج في الدولة، وذلك تحت عنوان الخصوصية المذهبية والمظلومية الكبرى، فجعلت بذلك شطر كبير من المجتمع يتقوقع على ذاته. من جهة أخرى، لم تنجح في نقل ذلك التقوقع للمرحلة التالية، وهي مرحلة خلق الكيان الموازي داخل الدولة وفرضه كأمر واقع، وأقصد بالكيان الموازي، شيء مشابه لما يوجد في تلك الدول التي مدت فيها إيران أذرعها، أي كيان فعلي قائم بموازاة الدولة، كميليشيا أو حزب لا يستطيع إزاحة الدولة ولا تستطيع الدولة إزاحته. نعم هي لم تنجح تماما بسبب حائط الصد القوي والحكيم هنا، لكنها حاولت لدرجة أن محاولاتها تلك سببت الكثير من الضرر على المستوى الاجتماعي والثقافي والديني والسياسي، بل أن الضرر لايزال مستمر وكأنه مرض مزمن متغلغل في جسد وطننا. هناك العديد ممن استيقظوا بعد الصفعة القوية التي تلقاها محور المقاومة مؤخرًا، هناك من استوعبوا أخيرًا أين يجب أن تقع أولويتهم، ومع ذلك لايزال الكثيرون في ظلمات الأيديولوجيا يعمهون، وإن كنت أتمنى أمر هنا، هو أن تكون البحرين واضحة مع إيران في تواصلها القائم حاليًا من أجل إعادة العلاقات، عن مسألة تصدير الثورة والتدخلات، والأمر الآخر، أن تستفيد الدولة هذه الظروف المواتية وتطلق مشروع فكري مضاد، تعيد من خلاله أبناء البحرين ممن تاهوا في الطريق إلى بحرينهم.
**********
شهادات على مقال الكاتب البحريني جعفر سلمان عادل محمد - اعتذروا لشعب البحرين قبل فوات الأوان! - الحوار المتمدن https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=497175
فيديو.. البحرين.. صندوق فبراير - العربية https://www.youtube.com/watch?v=SUQStTRMpVg
#جعفر_سلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا والمليون سؤال
-
لا ناقة لنا فيها ولا جمل
-
التغيير الثقافي والفكري لم يعد ترفًا
-
النهر لا يسير إلى منبعه
-
هل حان وقت الدبلوماسية؟
-
الردع الاستراتيجي
-
ولاية الفقيه سُلطة الله في الأرض
-
الثورة البحرينية ( غياب اليسار )
المزيد.....
-
روسيا.. احتدام القتال في منطقة كورسك وموسكو تعلن سيطرتها على
...
-
كندا وبنما وغرينلاند.. ما قد لا تعلمه عن أهمية وموارد 3 مناط
...
-
مجلة: على الغرب الإقرار بانتصار روسيا بفضل الحلول الابتكارية
...
-
وزير مصري سابق يكشف تفاصيل مثيرة أعقبت ثورة يناير وموقفه مع
...
-
سوريا.. إصابات بانفجار مستودع للذخيرة في ريف حلب (فيديو)
-
تحطم طائرة غرب أستراليا يودي بحياة سائح سويسري وآخر دنماركي
...
-
إصابات وذعر وآلاف المنازل المدمرة.. الحرائق تخرج عن السيطرة
...
-
الحرب في يومها الـ440: مستشفى ناصر يحذر من موت المرضى اختناق
...
-
غالبية الألمان: تصريحات ماسك تصب في صالح حزب -البديل-
-
موقع إسرائيلي يشيد بإزالة وزارة التعليم المصرية -مظاهر معادا
...
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|