أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الكرد السوريون وخياراتهم: واقع معقد وآفاق مفتوحة















المزيد.....


الكرد السوريون وخياراتهم: واقع معقد وآفاق مفتوحة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8215 - 2025 / 1 / 7 - 07:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إبراهيم اليوسف

يروي تاريخ الكرد في سوريا حكاية تداخل معقد ومرير بين الصمود والاضطهاد، معكساً تفاعلًا طويل الأمد بين التهميش السياسي والاجتماعي والإصرار على الوجود والهوية. رغم العقود التي حملت سياسات تهجير ممنهجة مثل مشروع الحزام العربي وغيره من سياسات العزل والتغيير الديموغرافي، ظل الكرد راسخين في أرضهم، مدافعين عن ثقافتهم وحقوقهم، وساعين لإقامة سوريا متعددة الثقافات تضمن الكرامة لجميع أبناء البلد على اختلاف مللهم ونحلهم. إن دور الكرد في سوريا لا يمكن اختزاله- كمايروج- في كونهم أقلية عرقية؛ فهم يشكلون جزءًا أصيلًا ومؤثرًا من المجتمع السوري، يتوزعون في مناطق استراتيجية ذات أهمية اقتصادية وزراعية كبرى. وإنهم منذ انطلاق الثورة السورية2011، لعبوا دورًا فاعلًا في محاربة الإرهاب والدفاع عن مناطقهم، وقدموا نموذجًا فريدًا في تنظيمهم وقدرتهم على الإدارة الذاتية، رغم العوائق الداخلية والخارجية. هذا الدور، مع الأسف، لم يُقابل بالاعتراف الكافي أو الدعم الحقيقي من القوى الإقليمية والدولية، بل تعرض لمحاولات تقويض مستمرة، لأسباب متعددة من بينها عدم انفتاح الكردي على الكردي، نتيجة سياسات كردستانية لاستخدام كرد سوريا كحصان طروادة!
وإنه مع تسارع المتغيرات الإقليمية والدولية، برزت مؤشرات خذلان متكررة للقضية الكردية من مختلف الجهات. القوى الدولية التي دعمت قوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد "داعش"، سرعان ما تخلت عنها في محطات حرجة، مثلما حدث في عفرين2018، وكري سبي/ تل أبيض، وسري كانيه/ رأس العين2019، حيث تم تمكين تركيا من احتلال هذه المناطق بدعم أو صمت دولي. تركيا نفسها استخدمت المعارضة السورية كأداة لضرب الكرد، متجاوزة كل شعاراتها حول "حماية وحدة سوريا"، لتثبت أن مطامعها تتعدى المصالح السورية نحو أهداف توسعية أيديولوجية وسياسية. وفي السياق ذاته، فقد أضعفت الانقسامات الكردية الداخلية الموقف العام. الأحزاب الكردية، من حزب الاتحاد الديمقراطي إلى المجلس الوطني الكردي، لم تستطع تجاوز خلافاتها لتقديم رؤية موحدة أو قيادة متفق عليها. سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي قوبلت بانتقادات حادة، خاصة فيما يتعلق بإدارته للعلاقات الدولية والمحلية. أما المجلس الوطني الكردي، فقد أخفق في استقطاب شرائح واسعة من الشعب الكردي، ما أدى إلى تراجع قدرته على التأثير، نتيجة ما مورس من قمع وتشويه منظم بحقه!
في ظل هذه التحديات، يتضح أن فشل الاعتماد على أية قوة خارجية وجعل الاعتماد على الوحدة الداخلية فقط هو السبيل الوحيد أمام الكرد السوريين. الوحدة يجب ألا تكون مجرد وسيلة لتجاوز محطة زمنية أو لخداع طرف على آخر وإسقاط هيمنته، بل لأنها ضرورة وجودية لضمان بقاء الكرد وكرامتهم. إن أي خلل في هذه المعادلة يمكن أن يؤدي إلى دمار هذا الشعب ومكتسباته، وهناك من يتعامل مع هذا المطلب بأمية تامة، غير مدرك لأبعاده المصيرية. فقد تأسس المجلس الوطني الكردي في عام 2011 كإطار سياسي، لكنه اضطر لاحقًا للتحالف مع الائتلاف السوري المعارض لضمان حضوره في لجنة التفاوض. هذه الخطوة أثارت جدلاً كبيرًا، خاصة أن الإدارة الحالية في سوريا لا تعترف بالائتلاف أو بأي حزب سياسي سوري.
إن الخيارات أمام الكرد السوريين اليوم تتطلب تعزيز الوحدة الداخلية وتجاوز الخلافات الحزبية الضيقة، إذ لا مجال لإضاعة الوقت في صراعات داخلية بينما هناك سعي حثيث كي تُسرق الأرض وتُغير الهوية. ومن هنا فإنه يجب على الكرد تطوير قدراتهم الذاتية في المجالات الاقتصادية والتعليمية والسياسية لضمان الاستقلالية في اتخاذ القرارات المصيرية بعيدًا عن الإملاءات الخارجية. كما يتعين عليهم السعي لمشاركة حقيقية في مراكز صنع القرار على جميع المستويات، بدءًا من رئاسة الجمهورية إلى الجيش والشرطة، والمطالبة بالاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية ثانية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يجب التصدي لخطاب الكراهية الذي تروج له بعض الأطراف من خلال نشر ثقافة الاحترام المتبادل والعمل المشترك مع القوى المناهضة للعنصرية.
إن حرية الكرد وكرامتهم ليست خيارًا قابلًا للتفاوض، بل هي حق إنساني وأخلاقي يجب تحقيقه. التحديات أمام الكرد في سوريا كثيرة، لكن فرصهم كبيرة إذا ما تضافرت الجهود لتحقيق الوحدة، واستغلال الإمكانات الذاتية، والانخراط في العمل الوطني بشكل فاعل. الطريق إلى الأمام يتطلب حكمة في اختيار الأولويات، وجرأة في مواجهة التحديات، وثباتًا على القيم الوطنية والإنسانية. على الكرد أن يدركوا أن نضالهم ليس مجرد معركة من أجل حقوقهم، بل هو جزء من معركة أوسع لتحرير سوريا من القمع والاحتلال. خياراتهم اليوم ستحدد مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة، ومع الإصرار والعمل المشترك، يمكنهم فتح آفاق جديدة نحو الحرية والكرامة والعدالة.

الكرد ركيزة استقرار المنطقة:
رسالة في اتجاهات متعددة

الآفاق المفتوحة أمام الكرد السوريين تعكس واقعًا جديدًا يحمل فرصًا للتغيير على المستويين المحلي والدولي. فمنذ تأسيس الدولة السورية، أثبت الكرد أنهم جزء أصيل من هذا الوطن، وقد حرصوا- بحق- على شراكتهم مع باقي المكونات، وتمسكوا بقوميتهم وحقوقهم، من دون أي تفريط، وهذا ما يسجل لهم، رغم محاولات التذويب والاضطهاد التي تعرضوا لها في أصعب المراحل. هذا الثبات جعلهم محط أنظار العالم، ليس فقط لدورهم في محاربة الإرهاب، بل أيضًا لإصرارهم على بناء نموذج يضمن التعايش والعدالة لهم ولشركائهم.
اليوم، تتجه الأنظار نحو الكرد باعتبارهم ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة، وهو ما يعزز مسؤولية السوريين في إدراك أهمية دورهم. إذ أن استمرار تجاهل حقوق الكرد سيتيح للقوى الأجنبية التدخل واستغلال أي خلل داخلي لتحقيق مصالحها، ما يعيد تكرار سيناريوهات مؤلمة شهدتها سوريا في العقود الأخيرة. من هنا، فإنه يصبح تبني الفيدرالية حلاً واقعيًا ومنطقيًا، ليس فقط لضمان حقوق الكرد، بل للحفاظ على وحدة سوريا ومنع تفككها في ظل صراعات الأطراف المختلفة، وهذا ما يجب أن يدركه هؤلاء الذين لديهم تلك الروح التي من شأنها أن توافق على دمار سوريا: مكاناً وكائنات، شريطة ألا تقوم للكرد قائمة!؟
ولابد من الإشارة، إلى أن الغرب، رغم تضاربه في السياسات، يدرك-في النهاية- أهمية الكرد كشريك استراتيجي في المنطقة. لكنه في الوقت ذاته، يراهن على مواقف محلية أكثر عقلانية تدعم الاعتراف بحقوقهم، وتجنب تحويل سوريا إلى ساحة مفتوحة للتنافس الدولي. وعلى جميعنا: معادين للكرد أو متفهمين أو منحازين إليهم أن يدركوا أن المستقبل للكرد لن يكون استمرارًا للوضع الراهن؛ فمئة سنة أخرى من التهميش ليست خيارًا. الكرد اليوم في موقف يؤهلهم للعب دور أكبر، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، شرط أن يستثمروا هذه الفرص بوحدة داخلية ورؤية واضحة، وأن يدرك الآخرون أن الاستقرار في سوريا يبدأ من الاعتراف بحقوق جميع مكوناتها.، كما أن على الكرد أن يدركوا أن في تشتتهم ما يبيقيهم ضحايا لهؤلاء الذين ينفذون مخططات إبادتهم، وأن في قوتهم ما يحقق عودتهم إلى مسرح التاريخ والجغرافيا، أقوياء، فاعلين، كما يليق بتاريخهم البطولي والإنساني!



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة العنف بين إرث السلطة ودوامة الحرب2/2
- تشكيل الحكومة المؤقتة: خيارات خاطئة وتحديات المصالحة والبناء ...
- مفاهيم تُعيد إنتاج الاستبداد: قراءة نقدية في رؤى المرحلة
- التطرف بأشكاله: حرب مفتوحة على الكُرد وبيان من 170 كاتباً-1
- رسالة الأدباء والكتاب الكرد إلى السيد أحمد الشرع
- رسالة الأدباء والكتاب الكرد إلى الشرع
- الإرث الدموي في سوريا: كيف نعيد بناء المجتمع؟1/2
- سوريا بين الماضي والحاضر: أي مستقبل نريد؟ في إطاراستعادة وطن ...
- سوريا المتناثرة بين ثورتين: هل تحتاج كتابة الدستور ثلاث سنوا ...
- صمت المثقف السوري: محاولة قراءة في موقف النخبة من التحولات ا ...
- إنها مقومات حرب أهلية: مقدمات بغددة دمشق
- السوريون والخطط الوهمية: سيرومات الوهم
- دمشق الجديدة والمعادلة الصعبة
- هل مات التوثيق الكتابي في زمن الصورة الإلكترونية؟
- اللصوص يسرقون من اللصوص بوتين والأسد كمثالين
- الخطاب الشعبوي: صناعة الوهم واستدامة الكارثة-2-
- الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات
- في شؤون وشجون “الموفد الكردي” الموحد إلى دمشق
- الدكتور محمد فتحي راشد الحريري: مسيرة علم وأخلاق وحياة خالدة
- آن الأوان لعودة- ب ك ك- إلى ساحته


المزيد.....




- أزمة سكانية خطيرة تواجه اليابان مع تراجع معدلات الولادة إلى ...
- حريق هائل بكاليفورنيا الأمريكية يجبر نحو 30 ألف شخص على إخلا ...
- ألمانيا تسعى لتخفيف العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا
- مبعوث ترامب يتوجه للدوحة ويأمل في إبرام صفقة تبادل
- هاليفي يتوعد من جباليا بمواصلة الحرب في غزة
- كاميرا تفضح معلمًا يُسيء معاملة طالب مصاب بالتوحد.. ووالداه ...
- تصريح ترامب عن -جحيم- بالشرق الأوسط إذا لم تسلم حماس الرهائن ...
- بنما تنفي إجراء محادثات مع ترامب حول قناتها
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف عناصر -حماس- في خان يونس
- الصحة الأردنية تكشف حصيلة الإصابات بالفيروس الرئوي البشري في ...


المزيد.....

- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الكرد السوريون وخياراتهم: واقع معقد وآفاق مفتوحة