أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - ثقافة العنف بين إرث السلطة ودوامة الحرب2/2














المزيد.....

ثقافة العنف بين إرث السلطة ودوامة الحرب2/2


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8215 - 2025 / 1 / 7 - 04:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثقافة العنف بين إرث السلطة ودوامة الحرب
2/2

لم تكن ثقافة العنف في سوريا وليدة لحظة أو حدث عابر، بل هي نتاج عقود من السياسات القمعية التي سعت إلى إحكام السيطرة على المجتمع من خلال ممارسات شمولية اعتمدت الترهيب والتدمير المنهجي لأي محاولة للخروج عن النص السلطوي. حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة عام 1970، أرسى قواعد نظام أمني مبني على الخوف والولاء المطلق، حيث لعبت الأجهزة الأمنية دوراً محورياً في قمع الحريات واحتكار السلطة. المجازر التي ارتكبها النظام خلال فترة حكمه، وعلى رأسها مجازر حماة عام 1982، شكلت رمزاً لهذه السياسات الدموية. لم يكن تدمير المدينة وقتل الآلاف مجرد رد فعل عسكري على تمرد مسلح، بل رسالة واضحة إلى كل من يفكر في تحدي سلطة النظام.
ومع انتقال السلطة إلى بشار الأسد، لم يكن التغيير سوى في الأسلوب لا الجوهر. وإن الخطاب الذي استند في بداياته إلى الحداثة والإصلاح سرعان ما انهار مع اندلاع الثورة السورية عام 2011. فقد أضاف الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة وثورة الاتصالات بعداً جديداً للصراع، حيث تم استغلال الإعلام لتسويغ القمع وكشف صور جرائم النظام، التي باتت تُرتكب علناً. وما بدأ كمظاهرات سلمية للمطالبة بالحرية والكرامة سرعان ما تعرض لحرب شاملة نتيجة قمع النظام الوحشي. كما أن دخول قوى إقليمية ودولية على خط الصراع أضاف تعقيداً غير مسبوق، حيث أصبحت سوريا ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية، بينما دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً من الدماء والدمار.
العنف المضاد وأثره على النسيج الاجتماعي
ردود الفعل الشعبية التي لجأت إلى العنف المضاد لم تكن إلا انعكاساً للطبيعة القمعية للنظام، لكنها في الوقت ذاته ساهمت في تعقيد المشهد. فالفصائل المسلحة التي ظهرت كرد فعل طبيعي على قمع النظام انزلقت- بدورها- تدريجياً إلى ممارسات مشابهة لما تحاربه، بعد تمويل أكثرها من قبل تركيا وبعض دول الخليج. كما أن استهداف بعض المدنيين العزل الأبرياء من قبل النظام على أنهم وراء ذلك أو من قبلهم تحت ذريعة مقاومة النظام عزز مناخ الخوف والانقسام داخل المجتمع. هذه الممارسات لم تضعف قبضة النظام فحسب، بل أعطته فرصة لتقديم نفسه كحامٍ للدولة في مواجهة "الإرهاب"، مستغلاً ذلك لتسويغ حملاته القمعية أمام الداخل والخارج.
العنف المضاد لم يكن مجرد خيار تكتيكي، بل تحول إلى نهج لدى بعض الأطراف المعارضة، ما أدى إلى مزيد من الشرخ الاجتماعي. استهداف الفئات التي لم تصطف بشكل واضح مع أي طرف من الطرفين: الموالاة والمعارضة، ساهم في تمزيق الهوية الوطنية وتكريس ثقافة الانتقام. هذا النهج أدى إلى فقدان الكثير من السوريين الثقة في أي حل سياسي، حيث بات بعضهم يرى في الطرفين، أدوات للعنف لا للبناء، لاسيما بعد تعنت رأس النظام ورفضه للحل الأممي غيرالجاد، في رأيي!
سوريا بين الإرث الثقيل ورؤية المستقبل
الخروج من هذا الإرث المأساوي يتطلب قراءة شاملة للتاريخ الحديث لسوريا، حيث لا يمكن تجاهل أن ثقافة العنف ليست مجرد سياسة نظام، بل هي انعكاس لبيئة سياسية واجتماعية ساهمت في تعزيزها. بناء سوريا جديدة يتطلب إصلاحاً عميقاً يبدأ من الاعتراف بالأخطاء الماضية وتقديم العدالة للضحايا، وصولاً إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس تحترم حقوق الإنسان وتضمن العدالة والمساواة لجميع المواطنين. كما أن الحل لا يكمن فقط في إنهاء العمليات العسكرية أو تغيير النظام السياسي، بل في إعادة صياغة مفهوم السلطة ودورها. السلطة التي تستمد شرعيتها من العنف لا يمكن أن تكون أساساً لدولة حديثة. الانتقال إلى مجتمع يقدس الحوار والتفاهم يحتاج إلى مشروع وطني جامع يضع حقوق الإنسان فوق المصالح الفئوية والسياسية.
إن سوريا، التي تحملت عقوداً من القمع وصراعات الدم، بحاجة إلى نهضة حقيقية تعيد لها مكانتها كدولة تنبذ العنف وتؤسس لمستقبل يستند إلى السلام والكرامة. كما أن الخروج من هذه الدوامة يتطلب جهوداً جماعية من كل مكونات الشعب السوري، حيث يصبح البناء المشترك وسيلة لترميم الهوية الوطنية وتحقيق العدالة التاريخية التي افتقدتها البلاد لعقود.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكيل الحكومة المؤقتة: خيارات خاطئة وتحديات المصالحة والبناء ...
- مفاهيم تُعيد إنتاج الاستبداد: قراءة نقدية في رؤى المرحلة
- التطرف بأشكاله: حرب مفتوحة على الكُرد وبيان من 170 كاتباً-1
- رسالة الأدباء والكتاب الكرد إلى السيد أحمد الشرع
- رسالة الأدباء والكتاب الكرد إلى الشرع
- الإرث الدموي في سوريا: كيف نعيد بناء المجتمع؟1/2
- سوريا بين الماضي والحاضر: أي مستقبل نريد؟ في إطاراستعادة وطن ...
- سوريا المتناثرة بين ثورتين: هل تحتاج كتابة الدستور ثلاث سنوا ...
- صمت المثقف السوري: محاولة قراءة في موقف النخبة من التحولات ا ...
- إنها مقومات حرب أهلية: مقدمات بغددة دمشق
- السوريون والخطط الوهمية: سيرومات الوهم
- دمشق الجديدة والمعادلة الصعبة
- هل مات التوثيق الكتابي في زمن الصورة الإلكترونية؟
- اللصوص يسرقون من اللصوص بوتين والأسد كمثالين
- الخطاب الشعبوي: صناعة الوهم واستدامة الكارثة-2-
- الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات
- في شؤون وشجون “الموفد الكردي” الموحد إلى دمشق
- الدكتور محمد فتحي راشد الحريري: مسيرة علم وأخلاق وحياة خالدة
- آن الأوان لعودة- ب ك ك- إلى ساحته
- الثقافة الكردية في سوريا الجديدة نحو الاعتراف القانوني


المزيد.....




- حماس ترفض الاقتراح الإسرائيلي وتقول إن تسليم سلاح المقاومة - ...
- -بلومبرغ-: واشنطن تُعرقل إصدار بيان لمجموعة السبع يُدين الهج ...
- ما الذي يحدث في دماغك عند تعلم لغات متعددة؟
- الأردن يعلن إحباط مخططات -تهدف للمساس بالأمن الوطني- على صلة ...
- أبو عبيدة: فقدنا الاتصال مع المجموعة الآسرة للجندي عيدان ألك ...
- في سابقة علمية.. جامعة مصرية تناقش رسالة دكتوراة لباحثة متوف ...
- الإمارات تدين بأشد العبارات -فظائع- القوات المسلحة السودانية ...
- ديبلوماسي بريطاني يوجه نصيحة قيمة لستارمر بخصوص روسيا
- الحكومة الأردنية تكشف تفاصيل مخططات كانت تهدف لإثارة الفوضى ...
- -الحل في يد مصر-.. تحذيرات عسكرية إسرائيلية رفيعة من صعوبة ا ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - ثقافة العنف بين إرث السلطة ودوامة الحرب2/2