الصراع الإيراني والتركي حول سورية، محمد عبد الكريم يوسف

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 8214 - 2025 / 1 / 6 - 20:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الصراع الإيراني والتركي حول سورية

مقدمة

لقد اجتذب الصراع السوري، الذي اندلع في عام 2011 كجزء من الربيع العربي الأوسع، العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، ولكل منها مصالحها وأجنداتها المميزة. ومن بين هؤلاء اللاعبين، تبرز إيران وتركيا بسبب عداواتهما التاريخية وتطلعاتهما الجيوسياسية ونهجهما المتناقض تجاه الحرب الجارية. إن تقاطع مصالحهما في سورية لا يعكس فقط تنافسهما الأوسع على النفوذ الإقليمي، بل يسلط الضوء أيضا على تعقيدات الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. يحلل هذا البحث الصراع بين إيران وتركيا حول سورية، ويفحص السياق التاريخي والمصالح الاستراتيجية وتداعيات تنافسهما على الدولة السورية والمنطقة.

السياق التاريخي
=========
تاريخيا، كانت إيران وتركيا دائما متنافستين، نابعة من توسع الإمبراطورية العثمانية في الأراضي الفارسية في العصر الحديث المبكر. وعلى الرغم من أن كلتا الدولتين تشتركان في أوجه تشابه من حيث التراث الإسلامي، فإن انتماءاتهما الطائفية تمثل نقطة خلاف كبيرة؛ فإيران شيعية في الغالب، بينما تلتزم تركيا، على الرغم من حكومتها العلمانية، بالإسلام السني بشكل أساسي. لقد أثر هذا الانقسام الطائفي بشكل خاص على ردود أفعالهم تجاه الصراع السوري، حيث يدعمون الفصائل والقوى المتعارضة التي تهدف إلى تشكيل مستقبل سورية.

لقد وفر الربيع العربي ساحة معركة جديدة لهذا التنافس، حيث سعى كل من البلدين إلى الاستفادة من الفوضى في سورية لتوسيع نفوذهما. كانت إيران، التي تدعم نظام الرئيس بشار الأسد، تهدف إلى تأمين "محور المقاومة"، الذي يشمل حزب الله في لبنان ومختلف الميليشيات الشيعية في العراق، وبالتالي ربط مجال نفوذها عبر بلاد الشام. وعلى العكس من ذلك، تحالفت تركيا، خوفا من صعود الحكم الذاتي الكردي وإمكانية قيام دولة كردية على طول حدودها الجنوبية، مع مختلف الفصائل المتمردة التي تنوي الإطاحة بالأسد.

المصالح الاستراتيجية
=============
من منظور إيران

بالنسبة لإيران، فإن الحفاظ على نظام الأسد في سورية يشكل جزءا لا يتجزأ من الحفاظ على نفوذها الإقليمي. تعمل سورية كممر حيوي يمكّن إيران من إمداد حزب الله في لبنان وإبراز قوتها في البحر الأبيض المتوسط. وترى إيران أن استقرار حكومة الأسد أمر بالغ الأهمية لاستراتيجيتها الأوسع نطاقا المتمثلة في إنشاء "هلال شيعي" يمتد من طهران عبر بغداد ودمشق إلى بيروت (منصور، 2019).

وعلاوة على ذلك، استثمرت إيران موارد كبيرة، بما في ذلك الأفراد العسكريين والدعم المالي، في الصراع السوري. ويقدر المحللون أن إيران التزمت بأكثر من 20 مليار دولار منذ بدء الصراع، وقدمت الدعم من خلال المستشارين العسكريين وتعبئة مجموعات الميليشيات الشيعية (فالك، 2021). وبالتالي، فإن مصلحة إيران الراسخة في الحفاظ على الأسد تتوافق مع رؤيتها طويلة الأجل لإعادة تشكيل النظام الإقليمي لصالح هيمنة الشيعة.
إن انهيار نظام الأسد فيما يعنيه هو انهيار للمشروع الإيراني في المنطقة وسوف تضطر إيران للجلوس على الطاولة مع دول كانت تعتبرها إيران غير ذات أهمية.

من المنظور التركي

على النقيض من ذلك، تكمن المصلحة الأساسية لتركيا في مواجهة كل من نظام الأسد والنفوذ المتزايد للجماعات الكردية في شمال سورية. وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب، الميليشيا الكردية الرئيسية في سوريا، على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، وهي منظمة إرهابية مصنفة من قبل أنقرة. إن ظهور كيان كردي قوي في سورية يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي التركي وسلامة أراضيه (غونتر، 2018).

لقد اتسم تورط تركيا في سورية بمزيج من التدخل العسكري والجهود الإنسانية. بدءًا من عام 2016 بعملية درع الفرات، هدفت تركيا إلى تطهير المناطق الحدودية من مقاتلي وحدات حماية الشعب وإنشاء منطقة آمنة للاجئين السوريين. وعلاوة على ذلك، فإن دعم تركيا للجيش الوطني السوري، وهو تحالف من الفصائل المتمردة المختلفة المعارضة للأسد، يعكس استراتيجية أنقرة لتشكيل الحكم المستقبلي لسوريا بعيدًا عن أي نفوذ كردي (أوزدمير، 2020).
إن سقوط نظام الأسد يعني بالنسبة لتركيا ، التوسع جنوبا خاصة وأن تركيا تاريخيا تعتبر سورية جزءا لا يتجزأ من الدولة العثمانية وبوابة تركيا نحو العالم العربي. وستحقق لتركيا مصالح اقتصادية شتى للسوريين الذين يفتقدون الحاجات الأساسية للحياة وتركيا التي يعاني اقتصادها انكماشا استمر ثلاثة عشر عاما وهي مدة الحرب السورية . يضاف إلى ذلك تحقيق نظرية الأواني المستطرقة التي تقول إن انحسار النفوذ الإيراني في سورية يعني فيما يعنيه تقدم النفوذ التركي ليحل محله.

منطقة الصراع: التنافس العسكري والأيديولوجي
==========================
يتسم البعد العسكري للتنافس الإيراني التركي في سورية بالمواجهات المباشرة والمعارك بالوكالة. وشمل الوجود العسكري الإيراني في سوريا نشر عناصر من فيلق القدس وتعبئة قوات الميليشيات الشيعية، والتي غالبا ما تسعى إلى تعزيز المصالح الإيرانية بشكل مباشر ضد القوات المدعومة من تركيا. وعلى النقيض من ذلك، صعّدت تركيا عملياتها العسكرية في إدلب ومناطق أخرى لمواجهة الكيانات المدعومة من إيران، مما أدى إلى توتر العلاقات وزيادة خطر المواجهة المباشرة بين قوات البلدين (سيزر، 2021).

أيديولوجيا، تتفاقم المنافسة بينهما بسبب الروايات المتنافسة للحكم - تروج إيران لنموذج قائم على السلطة الدينية وهيمنة الشيعة، بينما تدعو تركيا إلى إطار حكم بقيادة السنة يتماشى مع جماعة الإخوان المسلمين والفصائل الإسلامية الأخرى (جاغابتاي، 2021). إن الهوة الإيديولوجية بين البلدين لا تعقد المفاوضات فحسب، بل تؤدي أيضا إلى تفاقم العنف المستمر، حيث يسعى كل منهما إلى تشويه سمعة الآخر في نظر السكان المحليين.

التداعيات على سوريا والمنطقة الأوسع
=====================
لقد أحدث الصراع بين إيران وتركيا بشأن سورية عواقب وخيمة على البلاد والمنطقة الأوسع. أولا، يعني استمرار الحرب بالوكالة أن السكان المدنيين ما زالوا يتحملون وطأة الأعمال العدائية. فقد شهدت المدن السورية دمارا واسع النطاق، ولا يزال الملايين نازحين نتيجة للقتال المستمر (هيومن رايتس ووتش، 2021).

بالإضافة إلى ذلك، يهدد النفوذ المستمر للمصالح الإيرانية والتركية بمزيد من زعزعة الاستقرار في سوريا. وقد سهّل الفراغ في السلطة الناجم عن الصراع صعود الجماعات المتطرفة مثل الدولة الاسلامية، التي تستغل الفوضى لإعادة الظهور - وهو التطور الذي يشكل تهديدًا مباشرًا لتركيا وإيران وأنصارهما في المنطقة (الحسيني، 2022).

وأخيرا، فإن التوترات بين إيران وتركيا لها آثار أوسع على التحالف الإقليمي والدبلوماسية الدولية. ويمثل التنافس تحديات لمفاوضات السلام، خاصة وأن القوى الخارجية مثل روسيا والولايات المتحدة تتعامل بشكل مختلف مع كل طرف. وبينما تنحاز تركيا إلى مصالح حلف شمال الأطلسي والقوى الغربية، تعمل إيران على تعزيز العلاقات الوثيقة مع روسيا والصين، مما يؤدي إلى تكثيف لعبة الشطرنج الجيوسياسية في سورية.

الخلاصة

يجسد الصراع الإيراني التركي بشأن سورية تعقيد الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، ويكشف عن التفاعل بين الخصومات التاريخية والانقسامات الطائفية والمصالح الاستراتيجية المعاصرة. وبينما تسعى كل من الدولتين إلى تحقيق أهدافها في سورية ، تبدو فرص التوصل إلى حل مستقر ضئيلة. وبدلا من ذلك، لا يعمل العداء المطول على تقويض آفاق السلام داخل سوريا فحسب، بل ويغذي أيضا عدم الاستقرار الإقليمي الأوسع نطاقا. إن فهم الفروق الدقيقة لهذا الصراع أمر ضروري لصياغة سياسات فعّالة يمكن أن تساهم في التوصل إلى حل دائم واستعادة الاستقرار في سورية والمنطقة المحيطة بها.
لقد سقط النظام السوري بعد صراع استمر لمدة 14 عاما بين تمدد وتقلص للقوى المتصارعة على الأرض وفي الأروقة السياسية ، إن هذا السقوط وفق نظرية الأواني المستطرقة سيقود بالتأكيد إلى تقلص وتمدد قوى جديدة على الأرض وفي الأروقة السياسية.

المراجع:
1. Al Husseini, M. (2022). "The resurgence of ISIS in the Middle East: Threats and Challenges." Middle East Institute . Retrieved from [middleeastinst.org](https://www.mei.edu)
2. Cagaptay, S. (2021). "Turkey and the Middle East: A historic Rivalry." Washington Institute for Near East Policy. Retrieved from [washingtoninstitute.org](https://www.washingtoninstitute.org)
3. Falk, A. (2021). "The cost of war: Iran s expenditures in Syria and its implications." Journal of International Relations.
4. Gunter, M. M. (2018). "Turkey s War on the Kurds in Syria: Implications for the U.S. policy." The Turkish Studies Association Journal.*
5. Human Rights Watch. (2021). "Destruction of Syria s Civilian Infrastructure." Retrieved from [hrw.org](https://www.hrw.org)
6. Mansoor, A. (2019). "Iran s regional ambitions and the Syrian conflict." The Atlantic Council. Retrieved from [atlanticcouncil.org](https://www.atlanticcouncil.org)
7. Özdemir, E. (2020). "Turkey s Strategy in Northern Syria: Resettling Refugees and Building Influence." Turkish Policy Quarterly.
8. Sezer, A. (2021). "Turkey s military interventions in Syria: Objectives and outcomes." Middle East Policy Council Journal.

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات