|
صدام الذي عرفت
جلال عقاب يحي
الحوار المتمدن-العدد: 1789 - 2007 / 1 / 8 - 09:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
محاولة للدخول إلى الرجل، وإلى المشروع الذي حمل .. جلال عقاب يحيى الأربعاء 3 يناير 2007 مقاربات ..ومدخل :
ليست الكتابة في، وعن صدام حسين بالأمر اليسير .. ذلك أن أسباباً، وموجبات متداخلة تقتحمنا، لابدّ من المرور عليها بسرعة ... ـ يصعب الكتابة عن الوجه المشرق، الخصب، المعطاء، الكبير، والاستثناء( بالقياس إلى الأوضاع العربية) لكل من صدام حسين : القائد، والإنسان، ومعه البعث ونظامه.. لفترة زمنية تمتدّ من العام /1968 ، وحتى لحظة إعدامه : عيد الأضحى المبارك، وآخر أيام 2006 .. بموضوعية ، وشيء من الحيادية دون التطرّق إلى الوجه الآخر : الفردي، الأحادي، العنيف.. ودون الإشارة إلى سلبيات ناتجة عن إشكاليات بنيوية، وعن وتيرة مسار المشروع القومي النهضوي، وإخفاقاته، وتدهوره، وانكماشه..( بفعلين متداخلين : ذاتي وخارجي) .. وعن حدة وشمولية الفعل الخارجي، إن كان لجهة إيران، ومهما كان تقييم مشروعها، أو لجهة : امريكا والصهيونية العالمية.. ولجهة الحالة الكردية ( الثغرة، والجرح المفتوح)، وامتداداتها : الإقليمية، والدولية، وحجم توظيفها في الانقضاض على النظام ( بما يهدف، وبما يحمل من مشروع قومي ) .. دون نسيان " الحالة التشيعية" ، خاصة بعد قيام الجمهورية الإسلامية، المؤمنة، باختلاط متشابك، بمشروعية تصدير الثورة، واقله " حماية الشيعة".. وهي الحالة التي نقصد بها، على طول الخط، تلك السياسية، المرتبطة بمشروع خارجي، والحاملة إرث الحقد التفكيكي، وإرث المظلمة التاريخي للشحن، والتجييش، وتوريم النفوس..
ـ إنني ابن تجربة تنتمي إلى نفس الجذر، وإن اختلفت عنها في مسائل كثيرة، وإن أعلنت الافتراق، والطلاق عن النظامين البعثيين الحاكمين في كل من سورية، والعراق.. وحاولت إرساء خط، ونهج مختلفين، على قاعدة : وعي جذور الأزمة في "حركة التحرر العربية" عموماً، وحركة البعث بوجه الخصوص، ومحاولة تناولها برؤية نقدية شجاعة تحقق : الاستمرارية والتجاوز بآن . ( رغم الصعوبات، والاختلاطات، والتداخلات.. ورغم الفشل والهزيمة في الكثير من المفاصل، والآمال ...)، وعلى قاعدة : رفض الأحادية، ومنطق الاحتكار، والوصاية، والإنابة.. ومفرخاته في الاستبداد، والقمع المنهّج، والدكتاتورية..واختيار الديمقراطية : حاضنة، ونهجاً، وطريقاً. تجربتنا ( القصيرة) في السلطة.. ومهرنا الكبير الذي دفعناه ثمناً لمواقف مبدئية ( مئات المعتقلين، والشهداء، والمعذبين، وآلاف الأطفال والعائلات التي حرمت من الأب، والأخ ، والابن، ومن حق الحياة.. ومئات الممنوعين من العمل والسفر، والمطاردين، والمطلوبين..وهو عمرنا بالنتيجة) ..ووعينا الذي اكتسبناه : بالمعاناة، والحوار، والتأمل والتحليل..يختلف جذرياً عن القبول بفكرة الحزب الواحد، القائد، الكلي، الجبروت.. ناهيك عن تعظيم الفرد، وإطلاق يده في صلاحيات لا حدود لها، وتحوله من قائد، أو مسؤول في حزب ونظام.. إلى الحزب، والنظام، والوطن .. وبالوقت نفسه، وأنا أرفض الكتابة عن الأشخاص، أو تمجيدهم، أو النفاق لهم.. فإني أعترف أن (موضوعيتي) ملوثة بعاملين متراكبين : ـ الأول : بقايا التعبئة غير الموضوعية على النظام العراقي ورموزه .. تلك التي عشناها زمناً، وحاولنا تجاوزها عقلياً.. لكن آثارها ظلّت كامنة، تبحث عن أية ثغرة، أو منفذ بالنظام العراقي وقائده( وهي كثيرة وبارزة) للولوج منها إلى ذلك القابع في اللاوعي.. لإحياء نوع من تأكيد الذات .. ـ الثاني : مناقض للأول، ومشتقّ من مشاهدات، وزيارات متعاقبة للعراق، ومن تتبّع للمشروع العراقي الذي حاول النظام التعبير عنه، وكان الرئيس صدام أصدق، وأوفى، وأنضج المجسدين له .. دون أن ننسى إقحام العامل الخارجي : العنيف ـ الجبروت ـ التآمري على خط وعينا، وموقفنا.. وقد وصل مداه في غزو العراق وتدمير الدولة العراقية.. وفي إخراج قيحه الكحلي.. في إعدام الرئيس.. بتلك المحاكمة الهزلية، والتوقيت، والطريقة ...وبكل الذي يجري في العراق ... ـ استخلاصاتنا الأهم : أن غياب الديمقراطية، والتعددية.. وسياسة الكل الأمني، والقبضة الشديدة.. هي العوامل الرئيسة لأزماتنا، وهزائمنا، وأوضاعنا ( بغض النظر عن النوايا الطيبة، والصدق، وعن أكوام الإنجازات)، وأن مواجهة التحديات، وبناء دولة المواطنية، والانتماء. دولة الحق والمساواة والقانون .. لا تتحقق إلا بالديمقراطية ومفرداتها، ومنتجاتها، وألف باءاتها : التعددية، والتداول السلمي على السلطة، ووضع الشعب في موقع المسؤول عن خياراته، ونظامه.. عبر انتخابات حرّة ، متكافئة ..
ـ الثالث ويرتبط بحالة الإرهاب الجاثمة علينا، والتي نمارسها على قناعاتنا، وعواطفنا ..وهي حالة اختلاطية.. نجح الأعداء في فرضها بعد أن ضخوا، ولسنوات، حرباً ضارية .. منظمة، لئيمة على النظام العراقي عموماً، وشخص الرئيس صدام حسين خصوصاً، خاصة ذلك التركيز المحموم على المشرق، والأساس فيه، وما ،جز، وفعل : بناء عراق قوي مستقل، وتحدي اللاءات الإمبريالية، ورفض الانصياع للقبول بالكيان الصهيوني، ورفع راية فلسطين العربية ( من البحر إلى النهر° حتى آخر لحظة من حياته.. حتى صار في مخيال قطاعات شعبية، ولدى عديد المثقفين، والعاملين في مجال هيئات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان : أنموذج الطاغية ـ المجرم ـ السفاح والسفاك.. وغيره كثير من الأوصاف ..( بينما تغمض العيون، والمعلومات عن جرائم فظيعة ارتكبها ويرتكبها حكام عرب بحق شعوبهم، ويدعم اليمين الصهيوني لإدمان القتل والاغتيال والتدمير والاستيطان، ويقف مجرم العصر بوش: المسؤول الأكبر عن المذابح، والإبادة البشرية.. مفتخراً بما يفعل، ومشيداً ب" إعدام صدام حسين.. الذي سيكون نقطة تحول على طريق إرساء الديمقراطية" !!!!!! ....... هنا، وإن استبقت مجرى ( هذه المحاولة) فإني أدرك، ومنذ سنوات مديدة، أن حرباً أقسى، وأشرس من تلك التي خيضت على العراق عام 1991 ، ومن الحصار الوحشي، الاستثناء.. تشنّ في مجال الإعلام، و"مراكز البحث والدراسات" ودوائر التخصص الصهيونية والأمريكية، والغربية على العموم، وغيرها، بما فيهاعديد النظم العربية، وخونة العراق .. لتشويه الإنجازات العراقية، وشخصية الرئيس صدام.. بدءاَ من قتل المكانة التي انتزعها في قلوب ملايين العرب والمسلمين، وأحرار العالم كبطل قومي، ورمز للمقاومة، والتحدي، وكأول زعيم عربي ينتج صواريخاً تضرب" إسرائيل".. ثم الإيغال في صناعة الدجل والخلط فيما يسمى ب"المقابر الجماعية" وغيرها من المجازر والجرائم التي نسبت للنظام.. والتي لم تبتّ بحقيقتها أية جهة قضائية، أو دولية مستقلة.. كل ذلك كان مقدمات ل : غزو العراق وتدميره، ومحاولة إعدام الخط القومي، وما مثله صدام حسين من معاني الإباء، والعروبة، ورفض المساومة . شدة الحرب الإعلامية المدروسة، ونجاحها الملحوظ.. جعلت جلّ المنتمين إلى الخط القومي، أو إلى خط مقاومة السياسة الأمريكية ـ الصهيونية رهينة هذه الحالة الإرهابية، وكأنهم بحاجة لإثبات مصداقية ديمقراطيتهم، وانفتاحهم، وعشقهم للإنسان وحقوقه ( كغاية أسمى) بأن يعلنوا نوعاً من البراءة من " نظام صدام حسين وجرائمه"، وأن يبدأوا أحاديثهم ب"إدانة سياسة المقابر الجماعية"و" الديكتاتور"، وعديدهم يتسابق لنوع من توبة ، وهو يحرص على البقاء في المنطقة الرمادية.. فتأتي و" لكن.." تعبيراً فصيحاً ..
ـ إن طريقة، وتوقيت إعدام الرئيس صدام .. وفيض الحقد الأسود الذي عبّر عن بعضه أثناء الإعدام، وذلك القابع تحت العمائم السوداء، والبيضاء.. لدى " المراجع" الإيرانية وتوابعها( ناهينا عن "إسرائيل"، وأمريكا، وبريطانيا.. والكويت).. وقبله، وبعده : تلك الوقفة البطولية النادرة للرجل الشجاع، المؤمن الذي واجه ذروة الحقد والظلم برباطة جأش لم يحدثنا التاريخ عن أمثالها كثيراً.. مسقطاً أرضاً أعداءه.. ومرسخاً قيمه كرمز لن يموت.. لقد صفع صدام حسين رأس العرب والمسلمين وأحرار العالم بوقفته المدّوية.. وكأنه يعلن : أما قلت، وأنذرت. أما نبّهت.. وقاتلت .. فكنت على حق .. رسائل كثيرة ، كبيرة خطها صدام حسين بصموده الأسطوري، وكلماته الدّالة، ووقفته.. تجعل أصحاب الضمير أمام مراجعة صادقة لمسار الأحداث، ولإعطاء الرجل ـ الإنسان، والقائد، والمقاوم حقه ، ومكانته في التاريخ ...
بدايات التعرف على العراق.. وما يجري فيه :
ما زلت أذكر تلك الليلة الطويلة التي سبقت سفري لأول مرة إلى بغداد.. لاستكمال حوارات مع قوى معارضة سورية بغية إنهاض جبهة عريضة على أسس واضحة، متفق عليها .. بعد أن ضاقت بنا مدن العرب والعالم.. فلم نجد مكاناً آمناً، أو ممكناً .. وكنّا ممن لا يحبذون بغداد مكاناً، أو منطلقاً لعمل سوري جماعي ، لاعتبارات متداخلة . كوابيس احتلّت يقظتي، فاندلق ماض مليء بالحقن، والأحكام، والتعبئات المنوّعة، الحاملة لكل أنواع التهم، بما فيها العيار الثقيل.. الذي يتجاوز التصنيف الأديولوجي ـ الفكري، وحتى السياسي ..إلى نوع من الخوف المجلبب بأفانين تلك التعبئات وما أوغلت فيه، وكأنني أزور تل أبيب، وليس عاصمة عربية .. يعلن فيها، وبغض النظر عن رأيي بالمحتوى، اسم البعث، والأمة، والعرب .. ربض أمامي وأنا أناقشه بروحية الحذر، المتردد.. فأقدم، وأحجم، وأسوق المبررات ثم أنسفها، وإذ بي أمام أكوام من الانتقادات، والملاحظات، والهواجس.. وكنا قد اتخذنا، بشكل مسبق ، توجهاً واضحاً بأن نفصل : بين المهمة التي أنوي القيام بها، وبين النظام ( بما له وعليه)، وأن لا نخوض أي نقاش، ولا نقيم أية علاقات سياسية مع جهات رسمية، وألا نتعاطى مالياً مع النظام، اياً كانت ظروفنا.. وأن تقتصر العملية على الأطراف السورية ..خاصة وأننا كنا قد اتفقنا، في حوارات سابقة على المبادئ الأساسية للعمل الجبهوي( كان الرئيس الشهيد ياسر عرفات قد وفّّر لنا مكان الحوار وحمايته، لكن الخارجية السورية احتجّت معترضة ، فأحرج الرئيس عرفات، ولم يعد أمام استكمال الحوار من مكان آخر سوى بغداد .. التي رحّبت، وأعلنت أنها لن تتدخل في شأن يخص المعارضة السورية)، وأهمها : الاستقلالية عن جميع النظم ـ المساواة والتكافؤ بين جميع الأطراف ـ الديمقراطية : نهجاً، وتعاملاً، وتجسيداً .. الخ .. كنت ابناً لذات الحزب الذي انقسم، ثم اشتعلت بين جناحيه حرباً لا تبقي ولا تذر، بكل وقودها الاتهامي، وانعكاساتها،على الحزب ( أو الحزبين)، والبلدين، والأمة.. وكنا ـ أيامها ـ مؤمنين أننا بصدد تجربة نوعية ـ يسارية .. تحمل آمالاً وأحلاماً ببناء حزب يقود ولا يكون مقاداً ، أو واجهة ، أو مطية..وأن اليسار ( المتطور) استنادنا، وعنوانناً للتفارق، والتقويم، والتصنيف، والتمايز .. وأشياء كثيرة رافقت تلك الحرب الضروس.. وأن الآخر : يمين، ومتخلّف.. وكثير من الأوصاف ، والتهم . وبالتالي ، ومما لاشكّ فيه : أننا البعث : بدءاً، وميراثاً، وشرعية. وأننا الحق، والآخر باطل، أو مزيّف، وملغوم .... وكانوا بدورهم يذهبون مديات أبعد في الاتهامات، خصوصاً وأن " الشرعية التاريخية" ممثلة بالأستاذ ميشيل عفلق / القائد والمؤسس/ وعدد من رفاقه التاريخيين هم من أبعد وفصل في حركة ( 23 شباط 1966)، .. وكان منطق المؤامرة ( عند الطرفين) هو الأسهل في تفسير جوهر الخلاف، وفي إقرار ما تعرّض له البعث من انقسام كبير يعبّر، في أحد وجوهه الرئيسة، عن أزمة بنية، وأزمة فكر، وأزمة تركيب، وأزمة برنامج، وأزمة حكم، وأزمة وعي وقيادة، ونخب وطلائع، وأزمة وعي الواقع وسمات المرحلة على ضوء الإمكانات، والمتغيرات، والتأثيرات الإقليمية والدولية، وأزمة ديمقراطية وتقاليد مؤسساتية..وأزمة ثقة بالنفس والمبادئ.. والخ.. وأن السلطة التي وصل إليها( عن طريق انقلاب عسكري شارك فيه رفاق عسكر بعثيون) أكبر من العموميات، والشعارات، والمقولات العامة.. وأنها الامتحان والكاشف .. سقطت تجربتنا ( بتراكب أزمتها الداخلية مع الفعل الخارجي)..ونجح العسكر بقيادة الأسد في الانقلاب، والدوس على الشرعية، والنظام الداخلي، ومؤسسات الحزب.. وفرح نظام البعث في العراق ب"إزاحة الخصوم"، بعد أن قدّموا أشكالاً محتلفة من الدعم للأسد، قبل وبعد انقلابه، اعتقاداً بأنها الفرصة لإعادة وحدة الحزب، وإعادة " القيادة التاريخية" إلى مواقعها .. ف"خذلهم "الأسد ، صاحب المشروع الخاص به، والذي امتطى البعث لتنفيذ ذلك المشروع.. المنبثق من، والمتناغم مع تحولات عربية ارتدادية، ومع ضغط خارجي ملموس لفرض خط، ومناخ ، وفكر، وقوى التسوية و" الاعتدال" ، والمصالحة مع الأعداء التاريخيين .. سقطت آمال بناء " حزب ثوري" من داخل الحكم، وحدث ما يشبه الانهيار ، حين التحق معظم ذلك التنظيم بالانقلاب، وحين لم تستطع قيادة الحزب الإجابة ( الموحدة) على جملة الأسئلة المركزية التي ولّدها الانقلاب، وهزيمة حزيران قبله، وبروز" التكتل العسكري" وطرق التعامل معه.. وصولاً إلى ظروف انعقاد المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي ، وقراراته بفصل الأسد..ثم طرق مواجهة المرحلة الجديدة، وعشرات الأسئلة المتداخلة، المربكة.. بما فيها " المراهنات"، والوعود الخلّبية، وسياسة الانتظار ...... سقطت تلك المحاولة، وانبرى الإطار المتقدم لإعادة التنظيم وفق رؤى مغايرة تهدف إلى " إحداث تغيير جذري" ينبثق من وعي مفاعيل الأزمة ( الأزمات)، ويستجيب لما اعتقد أنه بيت القصيد في تلك الأزمات . لكن إرث الاتهام ، والتعبئة، والتقويم المتأثر بالصراع الذاتي، والصراع على الإرث، والمشروعية.. لم يسقط داخلنا، وإن اكتسى بعداً جديدا ينتمي إلى " امتلاك المنهج العلمي في التحليل والتركيب" . وبالتالي : إطلاق حكم شامل على النظام العراقي وفقاً لذلك التحليل المستمد من النظرية الثورية، والخاص بالأجنحة العليا في البرجوازية الصغيرة التي تستكمل، وهي في الحكم، دورة ارتدادها باتجاه نوع من " البرجوازية البيرقراطية المسلّحة بطعم خاص من الفاشية، وبأنياب قمعية شمولية ".. و رغم أننا اعتقدنا، ونحن نختار الانتماء إلى النظرية الثورية، ونطرح مقولة " التحول" التي تعني في جوهرها : التجاوز للانتقال إلى مواقع أخرى، توفر لنا مساحة كبيرة من التمايز عن ( أحزاب البرجوازية الصغيرة ، بأجنحتها المتعددة)، بأننا سنصبح على مسافة واضحة، وقاطعة من أحزاب البعث الحاكمة في العراق وسورية .. وبأننا غيرهما ، وقد تجاوزناهما.. ظهر ارتباك الإرث فينا كبيراً، ومختلطاً، وملتبساً، ومؤثراً، ومتماوجاً، وبدت شهوتنا المفتوحة للتمسّك به كأكثر الأمناء له وعليه، وأكثر المعبّرين عنه وعن تواصله ( وربما الوحيدين.. حيث أن القابع داخلنا لم يكن يعترف بأن الغطاء الحاكم في سورية هو حزب للبعث، وفي العراق أيضاً) . كما ظهر أن كل هذه العملية التحولية ليست سوى قشرة رقيقة لدى البعض فرضتها الأمواج القوية، ومنطق الهروب إلى الأمام. وجودنا في المعارضة، لعقود، بكل التماوجات والمحاولات والنتائج.. فتّح أعيننا على حقائق كثيرة، كان وجودنا في السلطة يخفيها، او يلونها بألف لون ومبرر.." حتى أن المثل الرائج عن " بغل الساقية" فيه الكثير من الصحة . كما أن تطورنا، المتوافق مع إرادة الحياة من جهة، ومع المتغيرات الداخلية والعالمية من جهة أخرى.. سلّحنا بشجاعة الانتقاد، وبالرؤية النفّاذة لجوهر المسائل ، ولاستنتاجات ورؤى كبيرة ( وإن كانت المتغيرات لم تسمح لها بالتوالد والتجسيد ) .. وبالوقت نفسه .. فعقود المعارضة المترافقة مع سلسلة الانهيارات والهزائم العربية، وانكشاف عورات " النظام العربي" للجميع، وفي الميادين العامة..والنتائج الكارثية لألف باء المشروع القومي ـ النهضوي ( على يد من يدعي الانتماء إليه ، أساساً) ..شكّلت لدينا ذهنية نقدية ( حادّة).. لا ترى غير الانهيار، وأكوام السلبيات، والأخطاء، ، والانسدادات ..فكان يجب بذل الجهد الكبير، القصدي، للبقاء في حيّز الموضوعية، وشيء من واقعية ( نسبية) تفرضها الأوضاع العربية، والمتغيّرات الدولية، حين نقوم بالتقويم، والتحليل، وإصدار الأحكام ... كنا مقتنعين، ومن وقت مبكّر، أن الوقائع أسقطت ، بما لا يقبل المحاججة والتبرير، مقولة : الحزب الواحد، القائد، والفكر الشمولي.. ناهيك عن : الفرد الزعيم .. شبه المعصوم .. وأن الديمقراطية المفقودة، المصادرة هي العامل الأهم في التلاشي، والانهيار، وقبض الريح .. ناهيك عمّا فرخته تلك المقولة من إحلال الفرد محل الحزب، فالسلطة، فالدولة..وتحويل الأوطان إلى مزارع وملكيات خاصة، وممالك للرعب، ومستوطنات للنهب، والتسلط ، وسحق كرامة، وحياة ومواطنية، وحتى انتماء الإنسان .. كان ذلك قبل عقود من انهيار الاتحاد السوفياتي، وقبل أفانين القتل المنظم، والرعب المعمم، والإفساد، والتوريث.. يوم اقتحمت نتائج حزيران ال1967 وعينا على الإقرار بأننا لسنا وحدنا من يمثل الوطن، وأن لنا فيه شركاء يجب أن يشاركوا ..وكان ذلك وعياً بدئياً تطور مع الأيام.. إلى الايمان الكلي بالتعددية، والديمقراطية : نهجاً ومخرجاً وحكماً .. وأن على الأنظمة المحسوبة على " حركة التحرر العربية" أن تعيد النظر بأسّ مقولاتها، ووحدانيتها ، وممارساتها قبل الطوفان، وقبل أن تواجه المأزق الشامل .. هكذا، وفي صبيحة عيد الأضحى من عام 1989 .. اتجهنا إلى بغداد عن طريق القاهرة ( الرفيق المرحوم مصلح سالم ـ عضو القيادة القومية السابق، وأنا ).. فسبقتنا إليه أنباء فاجعة : مقتل عدنان خير الله ، وزير الدفاع، وابن خال الرئيس صدام، في حادث طائرة مروحية..فالتفتّ إلى الرفيق ( أبو سالم) ، وقلت : أي فأل هذا ؟... في مقعد الطائرة كانت أفكاري تروح وتجيء ، فتختلط مع تلك الكوابيس الليلية، وتطرح أسئلة مسّتجدة عن الذي حصل.. وهل يمكن أن يكون بفعل مرتّب .. للتخلّص ممن يقال عنه أنه أكثر المسؤولين قبولاً في الشارع العراقي، وأهم المرشحين لخلافة صدام ( إن حدث شيء)، فغمغمت، وقد حضرت أمامي صورة ذلك الاجتماع الحزبي( أيلول 1979) الذي قرر إعدام 23 قيادياً بتهمة " محاولة انقلابية على النظام بدعم من النظام السوري)، وتتالت صور ، وأخبار التصفيات في بلدي الحبيب، وفي العراق.. حتى بدا وكأن " نظامي البعث" هما الأكثر دموية، واستهانة بحياة وحقوق البشر، حتى لو كانوا رفاقاً، وأخوة درب طويل ، ومن أنبل المناضلين وأكثرهم صدّقية ونزاهة وإخلاصاً.. صدمتني الصور الكثيرة المنتشرة في كل مكان، واسم المطار..وهذا ( الإغداق) في تعظيم الفرد ( أياً كان).. وذكّرتني بمثيلاتها في بلدي.. وكأنهما يتسابقان .. اقّشعر بدني.. ولم تكن التماثيل قد انتشرت بعد .. وانهالت أسئلة كثيرة طالما تداولها ذهننا عن موقع الفرد في التاريخ، وعن الشرق وخصوصياته، وصناعته للبطل، وأفكار " المستبدّ العادل" السارية في دماء وعقول وثقافة المنطقة.. وذلك المستورد من التجربة الاشتراكية ، خاصة صورة ستالين.. وماو .. وكيم إيل سونغ.. وربما كاسترو .... وطالما استغربت، ونحن نعيش حالة الأسد.. وكيف كبّر، ونفخ به، وبإمكاناته، ودوره.. وصولاً إلى القدسي، والمقدّس، والتعظيم والمعظّم ، والأبدي المؤبّد .. وهو الذي عرفناه، وعرفه رفاقه الأكبر مني سناً، بأنه لم يكن متميزاً لا بثقافته، ولا بمواهبه القيادية.. ناهيك عن التنظير، والحنكة، وتلك القدرات التي انهالت وانهمرت في توصيفه ..حتى لم تبق صفة في اللغة العربية ( الواسعة) إلا وأغدقت عليه .. وكثيراً ما طرحت أسئلة ساذجة عن حالة هؤلاء وهم يرون آلاف الصور المعلّقة لهم، هم الذين جاؤوا من أصول فلاحية بسيطة، وآمنوا بأفكار تعظّم الشعب ، وتدعو إلى تقدمه، وتثويره، وتجاوزه للموروث من العقد والتركيبات الماقبل قومية.. وحتى رأسمالية.. كنت أقول : هل يقبلون ذلك ؟.. هل يتمّ التكبير، والتلفيق، والتقديس، وغيره كثير .. بمعرفتهم، و أوامرهم .. أم أن جهات مختصّة بالنفاق، والتلغيم.. هي التي تزيّن لهم، وتسهل الانزلاق ؟... وهل يصدّقون أنهم من طينة خاصة، ويملكون قدرات خارقة لا يملكها غيرهم ؟؟؟... وماذا يبقى من حزب، ونظام.. ووطن تمرّكز فيه كل الصلاحيات بيد شخص أحد ؟؟.. وأين موقع القيادة الجماعية، أو الرقم الثاني ( لو حدث "مكروه" للقائد) ؟؟..بل وأين الوطن ومستقبله ؟؟... أمور كثيرة اجتاحتني وأنا أرى فيض الصور.. فأغمضت عيناي.. كأنني لا أرى.. بينما كان قرع من تأنيب يدبّ في عروقي، ويضعني في جذوة مفارقة عجائبية .. نحن الرافضون لنظام الاستبداد، والدكتاتورية، والقمع.. الذين دفعنا عمرنا لمبادئ آمنا بها، وسعينا لتحقيقها،الباحثون عن مخارج استراتيجية لبلدنا وأمتنا .. نرى في التعددية والديمقراطية، والاعتراف بالآخر مدخلها وحاضنها .. فهل يمكن أن نسوّغ لأنفسنا، وتحت يافطة العداء للنظام السوري، اللجوء إلى المشابه( على الأقل في مجال الحريات الديمقراطية)، حتى وإن اقتصر الأمر على مجرد محادثات مع قوى سورية اضطرتها ظروف الملاحقة للإقامة ببغداد ؟؟.. رددت مراراً مثلنا الشعبي " من تحت الدلف إلى تحت المزراب"، وعبّرت بصراحة عن هذه المفارقة، وعن رفضنا أن تنطلق الجبهة، إذا ما اتفقنا عليها، من بغداد، وأن تكون مقراً لها ( رغم أن الظروف كانت تجبر الآخرين.. وسط يتم المعارضة، وضيق مساحة حركتها ) .. لكنني بالوقت نفسه كنت أسوق مبررات أجدها كافية " لغض النظر" عن شأن لا علاقة لي به، يخصّ العراقيين أساساً.. وأهمها : أن هذا النظام يمثل البعث في أبرز طبعاته التاريخية، وأنه في الخندق الوطني والقومي، حيث لم يساوم مرة على القضية المركزية : فلسطين، ولم يقبل دخول بيت الطاعة العربي بالاعتراف بالكيان الصهيوني.. وأنه قدّم الكثير على الصعيد القومي..ويحمل تباشير بناء معادلة جديدة تعيد التوازن في صراعنا المصيري مع الصهيونية وحلفائها .. وكان عليّ ومن زوايا متعددة أن أفحص وأعاين هذه التجربة وما قدّمته للعراق، ثم أسمح لنفسي بتقويم موضوعي أدقّ .
إن انتصار العراق في الحرب مع إيران ( بغض النظر هنا عن أسبابها، وعن المستفيد منها)..كان انتشاء لزمن عربي أدمن الهزيمة، والتسول، والتوسل.. فارتفعت قامات ورؤوس، وانتشى أمل بإمكانية تحقيق الحلم الكبير : فلسطين العربية.. ( وربما ما هو أكبر..)فكانت نقطة تحول لدى عديد الأوساط التي كانت لها بعض التحفظات والانتقادات.. فاندفعت لحسم الاصطفاف في خندق النظام الواعد، وكثرت ، بالتأكيد، قوائم المادحين، المصفقين .. والمروجين .. وغضّ الكثير النظر عن الجوانب السلبية في النظام، خاصة لجهة الحريات الديمقراطية، وموقع الفرد.. وتغنى الكثير بخصائص، ومآثر، ومواهب الرئيس صدام ، وبعضهم سوّغ تلك الأحادية، وبرر تلك الممارسات القمعية التي تطال الآخر غير البعثي، بما في ذلك قولبة المجتمع العراقي على صيغة وصورة البعث، والقائد، وموجبات الموافقة والخضوع .. كان المهم التعرّف على خلفية وعوامل، ونتائج ذلك الانتصار، والوقوف الموضوعي حول ما يحكى عن القفزة التي حققها العراق في ميادين : البحث العلمي، والعلماء، والانتاج العسكري.. وكأننا غير مصدقين أن بلداً عربياً يمكنه أن يفعل ( المعجزة)، وأن يفلت ( في غفلة من الصهاينة والأمريكان، والغرب عموماً).. فيرسي أسساً جديدة لميزان قوى نوعي .. خاصة وأن الإعلان عن " الكيماوي المزدوج"، وكلام مبهم ، لكنه موح، عن النووي.. يزيد الآمال إشراقاً، ويوجّه الأنظار نحو هذا الانحياز، وما يمثله، وموقعه من معادلة الصراع مع الصهيونية وكيانها الاستيطاني، ومع أمريكا ومشروعاتها ...
العراق .. عن قرب ..
تلاحقت رحلاتي إلى العراق ، تواصلاً لتلك المهمة، وما عرفته من أحوال.. وحافظنا على قرارنا بالابتعاد عن إقامة أية علاقة مع أركان النظام.. حتى كان " مؤتمر القوى الشعبية"( ماي 1990) حين دعينا، بصفة رسمية للحضور.. فاستجبنا.. وهو المؤتمر ( العرس) الذي حضرته أكثر من /2500/ شخصية تمثل جلّ الأحزاب والقوى العربية( عدا تلك المستظلة بخيمة النظام السوري).. والذي أظهر فيه الرئيس صدام ( نقلتها شاشات التلفزة) إنتاجاً عراقياً يشابه نموذجاً غربياً لما يسمى ب" قداحة" ذات علاقة بتطور الصناعة النووية .. وسط زغاريد النساء ، وهتافات وتصفيق الرجال .. عرس الاحتفال بالعراق المنتصر، والعراق الذي وضع أقدامه على أرض الإنتاج العلمي المتطور، وإن نفخ فينا روح النشوة، والاعتزاز( نحن المهزومون منذ قرون، المتعطشون لأي انتصار، ولو على الورق، والوعد).. كان يطرح أسئلة مركزية حول : 1 ـ هل تسمح أمريكا، ومعها صهيونية متغلغلة لبلد عربي أن يتجاوز الخطوط الحمراء فيدخل بوابة الإنتاج العلمي والعسكري المتطورين ؟؟... 2 ـ وهذا العراق العريق .. العراق الذي كانت له بصماته الواضحة في جميع المواجهات مع الكيان الصهيوني، المسلّح بثروات عملاقة، وإرادة صلبة، ومشروع قومي لا يعترف بشرعية الاغتصاب، ولا بأية تسوية لفلسطين العربية ( من النهر إلى البحر)..هل سيترك حرّاً فيواصل تقدمه بجيش يفوق الثلاثة ملايين .. جيش مجرّب، منتصر، ومسلّح جيداً ؟؟.... 3 ـ بالمقابل : أين ستكون وجهة العراق ؟؟...( ولم يعتقد أحدنا أن الكويت هي الوجهة القادمة، رغم ما تمثله عند عموم العراقيين كجزء استلب بقوة المستعمر..) .. ورغم أنني لا أنوي الوقوف عند " قصة الكويت" ودخولها، وموقعها من الفخّ المنصوب، ومن المراهنات الخاسرة، المفاجئة.. ( وقد كتبت حول الموضوع كتاباً بعنوان " العراق في زمن الاستثناء"...)..وما رتبته من نتائج كارثية، ومن فتح شهية المشروع الصهيوني ـ الأمريكي لاحتلال العراق، وتقسيمه ( كما كتبوا وخططوا منذ عقود ) .. فقد كان يشغلني، ولسنوات : معرفة التركيبة العراقية الحاكمة، بدءاً بحزب البعث، ووصولًاً، ومكوثاً عند الشخصية الأبرز : صدام حسين، ومحاولة التغلغل، ولو من مسافة إلى داخله .. هنا، ورغم إدانتي المسبقة، ورفضي الواضح، الذي لم أبخل بالتعبير عنه حيث أتيح، وفي قلب بغداد، للأحادية والدكتاتورية، والحزب الواحد، ولتعظيم الفرد وإطلاق يده.. ناهيك عن كثير الممارسات القمعية، الفوقية، والمظاهر السلبية الفاقعة.. ورغم إدراكي لمخاطر المشروع، والإنجازات.. في ظلّ غياب الديمقراطية، والتعددية، والاحتقان الداخلي، وإمكانية تدميره من داخله، أو عبر الأخطار التي تحيط بالعراق، والقادمة من جميع الجهات ... ورغم مناقشة البعض( في أعلى سلّم القيادة العراقية) في أهمية إقرار " الأحزاب"، والاعتراف بالآخر، واطلاعي على تدخلات الرئيس صدام المتقدمة على غيره من رفاقه بشأن الانفتاح، والتكريس.. ثم التبريرات المتلاحقة، وموقع التحديات الخارجية .. ورغم أشياء كثيرة عرفتها، واستنتجتها عن الأجهزة الأمنية وتغلغلها في الحزب، والدولة، والمجتمع، وفوضى ممارساتها، ومدى هيمنتها وقوتها ، وما تطرحه من مسوّغات لديمومة الحال التشددي ـ الأحادي .. وأمور متشابكة لا تحتاج إلى عناء كبير لاكتشافها، تخصّ البنية الحاكمة وركائزها، وحقوق الإنسان، والحريات الديمقراطية، والآخر وحجمه، ومواطنيته ... ورغم أنني من أصحاب الراي الذي يرى أن مواجهة المؤامرات، مهما اشتدّت وعظمت، ( وهي شديدة وخطيرة فعلاً، وليست اختراعاً ) لا يمكن أن تكون مضمونة النتائج إلا بانفتاح النظام على شعبه، والقيام بمصالحة وطنية شاملة، تتجاوز قوانين العفو المتكررة إلى خطوات جدّية تقرّ حق الآخر بالتعبير، والتحزب، والعمل، والمشاركة في الدفاع عن الوطن المهدد .. فقد كنت أدرك أن موجبات الأجهزة الأمنية ستنتصر، وستعزز القبضة الحديدية وفكرة : " أن الأوضاع تحتاج وحدة الإرادة والقرار"، ولهذا جرى التأجيل المتلاحق لإقرار قانون الأحزاب تحت عنوان " البتّ به بعد مواجهة الغزو".. الذي كانت نذره في الأفق المكشوف .. أعرف أن كثيرين سيرددون أفكارهم عن " المعارضة الخائنة ـ العميلة ـ المرتمية في الأحضان الأمريكية أو الإيرانية"، والتي لا فائدة ترجى منها..وأنه لا توجد أحزاب( بالمعنى الدقيق) تستحق الاعتراف بها ..( وقد أثبتت جلّ أطراف المعارضة ـ الغطاء والأداة ـ أنها كذلك) .. وأعلم أن حالة المعارضة العراقية تكاد تكون استثناء في تاريخنا.. من حيث قبولها الاستقواء بالأعداء لغزو بلدها، وتطوعها لتكون رأس حربة، ومصدر معلومات، وواجهة تغطية.. وإلى آخر الوقائع المعيبة التي كرستها جملة المعارضة، خاصة أطرافها الرئيسة : الكردية و"الشيعية ".. كما أعلم أن إيران، بمشروعها الخاص( وبغض النظر، هنا، عن مناقشة هويته، وأهدافه) تسعى بكل السبل لتدمير العراق ..ثم التمدمد فيه، أو بما يتبقى منه .. ولئن استغرب البعض ولوج عمائم سوداء( تنسب أصولها للإمام الحسين) المناطق المحرّمة : قبولاً بالتعاون مع الغازي " الشيطان الأكبر"، ومن خلفه صهيونية لا تخفي مراميها وحقدها على العراق، وقيادته، وعلى الأمة، بما فيهم آيات كبار وصغار، وحزب إسلامي ..فإن مخزون الحقد المجلبب بالمظلمة التاريخية، الراكب على شعارات الديمقراطية، والتغيير.. والحامل مشروعاً اختلاطياً شديد المزج والغموض.. يقدّم لنفسه المسوغات التي تبيح المحظورات.. وكأنه يثبت أن مقولات النظام العراقي فيهم لم تكن متجنّية، أو خاطئة ... أقول : رغم حصيلة عامة تكوّنت، خاصة في مجال الحريات الديمقراطية.. فإن مسائل أخرى بدت جليّة لي، كنت أتردد دوماً في تناولها خوفاً من سوء التفسير.. وقد جاء استشهاد الرئيس صدام حسين.. بكل دلالاته، وحيثياته.. حافزاً لإنصاف هذا الرجل البطل ( بكل مقاييس البطولة) .. لقد سألت كثيرين، واستفسرت أكثر عن خصائص التجربة العراقية ، وما أنجزه النظام.. واستمعت لوجهات نظر متعددة، بما فيها وجهات نظر رفاق لم ينخرطوا في الحزب القائم، فظلّوا أوفياء لقناعاتهم واختياراتهم.. حين كانوا جزءاً من التجربة التي عرفتها سورية ( 23 شباط) ومنهم عدد من " قيادة قطر العراق"، والرفيق القيادي : المرحوم الدكتور فؤاد شاكر ( عضو القيادة القومية، فالأمين العام المساعد، فالمهجّر)، والرفيق سلمان عبد الله ، عضو القيادة القومية الذي أمضى أزيد من /23/ سنة في سجن المزّة، بعد اختطافه من لبنان، وحديثه التفصيلي عن لقائه، بعد خروجه مع الرئيس صدام، وكيف كان يهتمّ بمرض زوجته في سنوات سجنه، والتي أرسلها مرتين للعلاج في بريطانيا على نفقة العراق، وتفاصيل كبيرة وصغيرة عن ذلك اللقاء، والرفيق الدكتور عمار الراوي ـ عضو القيادة القومية، والرفيق الدكتور محمود الحمصي ( الذي لم تجر بيننا أحاديث تفصيلية عن الوضع والرئيس).. وكذا عديد من رفاقنا القياديين في " التنظيم الفلسطيني الأردني الموحد، خاصة أولئك الذين أمضوا في سجن المزة ما يقارب الربع قرن، وأخصّ بالذكر منهم : الرفاق ضافي جمعاني ـ حاكم الفائز ـ مجلي نصراوين ( أعضاء القيادة القومية)، والرفيق حسن الخطيب ( عضو القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الأردني الموحّد) ، ( بتفاوت الآراء والتقييمات بين متحمّس جداً للتجربة العراقية.. إلى درجة الإيمان بإعادة فكرة توحيد الحزب، أو الانضمام إلى " التنظيم القومي".. وبين من يضع جملة ملاحظات على التركيبة والممارسة الأحادية، مع الإقرار بدعم الجميع للنظام وما يمثل من موقع صلب، متقدّم في مواجهة الصهيونية والولايات المتحدة، والإشادة، التي لا لبس فيها، بالموقف من القضية الفسطينية، وما تعرفه من دعم متعدد الوجوه لها، واعتقادهم بإيمان صدام غير المحدود بأمته، ووجود مشروع استراتيجي لديه يخصها.. ( بغض النظر عن الاتفاق، أو الاختلاف معه حول وسائل التجسيد ..) .. وكثير من البعثيين السوريين الذين كانوا يفتحون قلوبهم لي ، ويبثوني همومهم، وقناعاتهم، ومرارتهم.. والكثير الكثير من انتقاداتهم وملاحظاتهم، خاصة على رفاقهم السوريين، وعلى بعض رموز القيادة العراقية، والأجهزة الأمنية، وعمليات التقريب، والإبعاد، والتهميش . مع إشادة ، دائمة، بالرئيس صدام، والتي تتجاوز، كما أعتقد، منطلق الخوف، وتحسّب الاقتراب من المقدّس.. لاعتقادهم بأنه الأكثر تجسيداً لروح البعث، خاصة في جوهره القومي، والأكثر إيماناً بوحدة الحزب والأمة، وبعداً عن القطرية، والعرقنة .. التي وجدت كثير المسوغات لها إبّان الحرب مع إيران، والموقف ( غير المشرّف، وغير القومي .... للنظام السوري)، ثم تلك الفواجع الناجمة عن مواقف الأنظمة العربية في التحضير لغزو العراق، والمشاركة فيه من قبل عدة أنظمة عربية ..تحت القيادة الأمريكية بيافطة " تحرير الكويت"، ودورهم في إدامة الحصار الذي كان عربياً بالأساس ... كما استمعت لآراء عدد من القوى السياسية السورية المتواجدة..الصريحة منها، والخائفة، أو تلك التي تقيم الحساب لحرمة المكان المضيف... وإلى آراء العديد من الوفود التي كانت تتقاطر على العراق في مِؤتمرات" القوى الشعبية"، خاصة تلك الأكثر وفاء للعراق، والتي واظبت على المشاركة سنوات الحصار، في حين تملّص، وابتعد كثير.. خاصة من أؤلئك الأكثر نفاقاً، وتفخيماً، وتصفيقاً..واستغلالاً لكرم العراق، والرئيس صدام ..
ـ سأترك ما قام به النظام من إنجازات عملاقة في بناء العراق الحديث ، والتي تناولتها العديد من الدراسات والتقارير الدولية الرسمية.. إن كان في ميادين : التعليم، أو الصحة، أو الخدمات، أو البنى التحتية، أو البحث العلمي، أو الهندسة بفروعها.. أو شتى مناحي الحياة.. والتي وضعت العراق في مقدمة الدول العربية ، من حيث وتائر التطور، والتقدم، وتوزيع الثروة ومجالات استخدامها .. كذلك تلك الإرادة الجبارة في مواجهة آثار العدوان الثلاثيني، وإعادة الإعمار في أزمنة قياسية، وبتحد يقترب من اجتراح المعجزات، خاصة بظلّ الحصار الشامل.. إلى درجة أننا، ونحن في أول زيارة إلى بغداد، أشهراً بعد العدوان، ذهبنا وبالذهن صور الدمار والخراب التي شاهدناها على شاشات التلفزة، فأصبنا بالذهول لمرأى بغداد الشامخة، الزاهية.. التي بالكاد يظهر عليها أثر تلك الحرب الوحشية.. حين نجح النظام في إعادة ما دمّر، سوى جسر الجمهورية الأثري.. الذي كان العمل لإرجاعه، وبأحسن مما كان يجري ليل نهار.. ومنظر ملجأ العامرية الذي ترك كما هو كشاهد حيّ لحقد وجريمة العدوان ...والإصرار الواثق على إضافة طوابق جديدة للأبنية والوزارات التي هدّمت، وللأبراج التلفزية والإذاعية، وكذا بناء المزيد من الجسور الفسيحة على نهر دجلة .. سأترك مقاومة العراقيين الضارية لتطويع وتهشيم الحصار النادر في التاريخ.. وكيف تمكّنوا من تحويله إلى عوامل إيجابية حينما قرروا الاعتماد على أنفسهم بكل شيء.. بدءاً بالخدمات التي كان يعافها العراقي ( الفنادق والمطاعم والسياحة، وغيرها )..مروراً بالتوجه نحو الأرض لزراعة آلاف الهكتارات الجديدة، وإصلاح آلاف الدونمات، وشقّ الترع والأنهار، وبناء السدود العملاقة.. وصولاً إلى مواصلة الإنتاج الصناعي.. والعسكري ( بما يخرج عن الرقابة وشروط القرارات الدولية الجائرة ) .... سأترك آراء وانطباعات الجالية السورية، خاصة البعثيين منهم، بما في ذلك ما كانوا يعبّرون عنه في جلساتهم ( الموثوقة) عن سنوات الغربة ، وكثير التململ، والامتعاض، وربما خيبات الأمل، وعن البعد عن الوطن بمرارة ، وربما بندم .. وإجماع، جلهم، على قومية، وكرم وحماية الرئيس لهم، ونظرته الخاصة لأوضاعهم، وحرصه على توفير الحياة الكريمة لهم، وأنه ملجأهم، واستنادهم . ( لم يكن مبعث الكلام الخوف، أو المداهنة )وإنما ربطه بسلسلة من القرارات، واللفتات، والإجراءات .. أما الحديث عن الجالية الفلسطينية التي لجأت للعراق بعد النكبة، وتلك التي استوطنته على مدى الأعوام .. بما في ذلك مكاتب التنظيمات الفلسطينية..فهو خاص.. حميمي، دافيء.. ينطلق من قناعة راسخة بأن الرئيس اشد فلسطينية من أغلب الفلسطينيين، وأنه لا يقدّم لفلسطين من منطلق قطري، أو كمنّة.. فهو مؤمن حتى النخاع بعروبتها( من النهر إلى البحر)، وبمسؤوليته عن تحريرها في الظرف المناسب..وجملة الإجراءات العملية التي يقوم بها النظام، والرئيس صدام بالذات، لجعلهم في مصاف العراقيين، بل وقبلهم .. في الدراسة، والعمل، والتملك، وفي الجيش..( حيث أعداد كبيرة من الضباط والمتطوعين)، وغير ذلك من مناحي الحياة .. وأنه لا ينساهم، ويتفقّد أحوالهم، طالباً من المسؤولين تلبية احتياجاتهم مهما كانت. هذا عدا أطنان الأحاديث والقصص عن الرئيس حول فلسطين، وعلاقته الحميمة بالرئيس أبو عمار، ودعم خط المقاومة والاستشهاد.. وتخصيصه مبالغ لكل استشهادي، وفدائي، ومعتقل، وصاحب بيت مهدّم، وصاحب حاجة يمكن تلبيتها.. وحرصه الشديد على إيصال المبالغ إلى أصحابها في عزّ الحصار، والمغزى الكبير لإنشاء " جيش القدس"، وشعوره بالحزن والمرارة لتخاذل وتواطؤ الحكام العرب على فلسطين.. ومدى تأثره باستشهاد الطفل محمد الدرّة، وعشرات الأطفال ..وقولته الشهيرة " أما اهتزّت شواربكم ..." .. أما مصر ومكانتها في قلب صدام حسين، وتجسيده لمقولته الشهيرة بأن ثروة العراق ملك الأمة.. فقد وجدت ترجماتها الفريدة في استيعاب العراق ، ولسنوات طويلة، أكثر من ثلاثة ملايين من الشعب المصري الشقيق. كثيرون منهم كانوا من المدقعين الباحثين عن فرصة العمر لتحسين أوضاعهم..ففتح العراق صدره لهم، ومنح الكثير منهم قطعاً أرضية لاستغلالها زراعياً، وملكيات للعمل، وسهّل لهم إجراءات التصريف، والتحويل، بينما غض الطرف عن تحويلاتهم عن طريق السوق السوداء.. معتبراً أنهم أخوة لهم ما للعراقي تماماً ..محاولاً أن يعبر بذلك إلى الحلم العربي بالوحدة التي تمهد لها ، وتصنعها الشعوب العربية بعلاقاتها المشتركة، وتمازجها، وتجاوزها للسدود القطرية المعيقة . ورغم المواقف النذلة للحاكم المصري، المفتقرة للحد الأدنى من الوفاء، أو رد الجميل ( لا نتحدث عن دور مصر وواجبها الذي مارسته عبر التاريخ).. بقي الرئيس صدام عاشقاً لمصر وشعبها، مثلما كان عشقه الخاص لسورية الحبيبة.. " سورية التوأم" و" سورية قلب العروبة النابض" كما عبّر مراراً ..( رغم الطعنات الكثيرة التي وجهها له النظام الأسدي : سنوات الحرب مع إيران، ثم الانضواء مع الأمريكان في الغزو الثلاثيني، وتسليح المعارضة وتدريبها للقيام بعمليات القتل والتفجير والتدمير.. وأمور كثيرة تمتلئ بها صفحات ذلك النظام ) . وللأردن حكاية طويلة مع العراق، والرئيس صدام.. وشعب الأردن مازال وفياً لمواقف الشهامة والكرم..رغم تنكّر الحاكم.. المنخرط في المشروع الأمريكي ، ولو من موقع الرصيف.. ينسحب الأمر على عشرات آلاف السودايين .. المنهكين جوعاً، وحرماناً، وغيرهم آلاف من العرب جاؤوا من شتى بقاع الوطن العربي، فوجدوا صدراً رحباً يفتح قلبه، وموارده، ويعاملهم على قدم المساواة مع سكان البلد . وبلدان المغرب العربي.. خاصة الجزائر الفخور بثورتها وانتصارها، والمغرب العميق بوفاء قواه وأحزابه، وموريتانيا الاتجاه القومي الراسخ، وعطاء الشعر الانتماء.. وتونس القوى الوفية لمبادئ مقاومة الأعداء.. دون نسيان اليمن الحبيب ومعاقله القومية، والسودان الطيّب، الصادق الانتماء، والإخلاص.. وعموم بلدان الخليج الشعب والقوى الحيّة.. التي تجاوز كثيرها " قصة الكويت" ومخلفاتها واصطفّ حيث يجب الاصطفاف .. لن أتحدث كثيراً عن مدن وقرى عراقية، وشوارع كبرى، ومحلات كثيرة أطلقت عليها أسماء عربية : كرمز وتذكير، وانتماء، وفخر.. فتقرأ اسم مدينة الاسكندرية، وبور سعيد، والفلوجة، والقاهرة.. وغيرها.. بينما تزدان الشوارع، خاصة بغداد الفسيحة، الكريمة، الرائعة.. بأسماء عربية لأمكنة في الجزائر والمغرب وتونس.. والشام .. وفلسطين الحاضرة بقوة ... فتشعر أنك جوّال في وطن عربي فسيح، كفضاء بغداد المفتوح ..
سأترك ذلك كله، وأتوقف عند محورين : البعث الحاكم، وصدام ..
ربما اختلط علينا، نحن أبناء سورية، وخاصة أبناء البعث فيها.. صورة الحزب وما صار له في سورية.. وكيف مرّغ، وطوّع، وكيّف ليكون عجينة صالحة لخبز السلطان.. تتقن التصفيق، والتغطية..والازدواجية.. خاصة ازدواجية : المبادئ والانتهازية .. حين يغمر الموج المبادئ فيرحّلها إلى جهات مجهولة، أو يغوص بها إلى القاع.. فيظهر زبد اللملمة، وما حمله البحر من خلائط تسيل لعاب عشاق الاقتناء.. فيتسابقون لامتلاك ما يمكن، وقد يتقاتلون، ويتهمون، ويتصايحون.. وقد يلهثون، ويغوصون، ويغرقون ..وقد يكتشفون هزال ما ملكوا..لكنهم لا يملكون إرادة البوح، وإرادة الاستجابة لقرع ضمير يحدثهم عن الذي كان .. عن البعث الحلم، والبعث الأمل.. والبعث المبادئ، والشعب الفقير، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين الناس.. وأمنيات الحق، والعدل، وسيادة القانون.. والقيادة الجماعية، وحقوق النقد، والتعبير عن الرأي ( داخل الاجتماع على الأقل) .. ناهيك عن حقوق الآخر، وعن الحرية التي كانت أحد أهم مبررات ومعاني الولادة، والتأسيس، والانتشار .. سيختلط علينا حكم الشارع القاسي، والصائب على تجربة يعتقد أن البعث مسؤول عنها، حتى لو كان مجرد رداء خارجي فضفاض، أشبه بواقي المطر الذي لا يلبس إلا في مناسبات اشتداد المطر، أو الريح العاصف.. حين يطلق تعميماته، وحين يصيبنا الرذاذ فيرتجف بعض، ويصاب بعض بالعصاب، وردّ الفعل التشنجي . بينما يلوذ بعض بالصمت، وقليل من يوافق فيتجرأ على إعلان الانتصار على الذات، والعصبوية الضيّقة.. وقد نمت شياطين الأسئلة عن هذا المصير البائس.. وعن موجبات التغيير، والطلاق، على الأقل للتطهّر، والتمايز.. بينما يدعو الواقع ، والتطور إلى إعادة نظر جدّية، غير منفعلة بكل شيء ..وصولاً إلى نتائج واقعية .. وسورية التي لم تعرف تاريخاً دموياً في اصطراعاتها ، وتفاعلاتها الداخلية( إلا في عهد النظام الأسدي) حين أرست نوعاً من تقاليد تتلاءم والطبيعة التكوينية، ومستوى الوعي، وأثر التاريخ، والثقافة والموقع..... هي غير العراق في مكونات، وسمات عديدة ... ورغم أن عديد السوريين يرددون كثيراً قصص الحجاج بن يوسف..وتاريخ الصراع الدموي.. لبلد السواد ( السواد هنا يعني ذلك اللباس الذي ترتديه النساء وكأنهن في مأتم مستديم)، وأثر هذه المكونات في الشخصية العراقية، وترجماتها ( الحديثة) في تلك المذابح والتصفيات التي ترافقت مع كل انقلاب ، وتغيير..منذ بدء تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وسلسلة الانقلابات المتعاقبة، ووقوفاً عند ( ثورة 14 تموز 1958 ) التي سحقت وسحلت الأسرة المالكة، ثم انقلبت على بعض شركائها القوميين.. فأدخلت إلى وعينا مصطلحات جديدة عن السحل، والسحق ، والفسخ، والتعليق على أعمدة الكهرباء .. بأيد شيوعية ضد البعثيين والقوميين...ومعاودة الكرّة من البعثيين بعد وصولهم للحكم ( فترة قصيرة) العام 1963 .... الأهم من كل ذلك، وحسب ما عشت، وعرفت.. وقد حكم الحزب البلدين ولم يقم بإنجاز وحدوي مهم..أننا لم نفهم العراق جيداً . لم نعطه حقه . لم ندرك : وعياً وترجمة، أن العراق هو جدار الاستناد الأهم لسورية، ولحركة الأمة، وأن العراق عملاق بثرواته، وإرادته، وموقعه، ودوره.. وأن الاتجاه السوري نحو مصر.. ضمن سياسة المحاور، وذيولها في الوعي.. ( على اهمية مصر كعمود فقري للأمة) لا يلغي، ولا يكون على حساب العراق.. أدركت في زياراتي المتواصلة أننا ظلمنا العراق في وعينا عنه، ولم نمنحه المساحة التي يستحقها.. لا في الفترة التي " حكمنا" فيها، ولا فيما تلا من سنوات ..وأن العراق هو العمق الاستراتيجي لسورية، والعكس صحيح.. يتجاوز كل عوامل الخلاف، والتباين . ناهيك عن ذلك الاصطراع الاستثناء.. الذي وصل في عهد الحكم الأسدي حالة عجائبية بالنصّ في جواز السفر على حق المواطن السوري في زيارة " كافة بلدان العالم عدا العراق"، ومبلغ الأذى الذي أصاب الشعب في البلدين ، وأثره على سمعة وموقع البعث .. كان على أي باحث، ومهتمّ أن يستوعب التركيبة العراقية وهو يدرس ما يجري، إن كان لجهة مكوناتها : الدينية ـ المذهبية، الفسيفسائية، والقومية ـ الإثنية ، العشائرية والبدوية، وموقعها في تشكيل الدولة ـ المجتمع، وفي السياسات المتبعة، وفي الثقافة، والتركيبة البشرية . أو لجهة موقع العراق الجغرافي ـ التاريخي ..خاصة مع الجارة إيران، أو مع عموم بلدان الخليج (التي ينتمي إليها وهو خارجها).. أو لجهة تاريخية الحركة القومية، وخصائصها.. وتاريخية البعث وصراعاته، ومحطاته .. ويكفي الاستدلال هنا بالحالة الإيرانية لمعرفة مدى التعقيد والتداخل.. حين يختلف معظم المفكرين والسياسيين العرب حول جوهر الأديولوجيا السائدة بعد انتصار الثورة الإسلامية، وإقامة " الجمهورية الإسلامية"، وحدود الالتقاء، والافتراق عن كل من الزاد التاريخي الفارسي، والشيعي .. ثم موقع التشيّع من الإسلام، والأمة العربية، ومرامي المشروع الإيراني الناهض.. وحقيقة الشعارات المرفوعة عن فلسطين، وعن الشيطان الأكبر، والأصغر.. فالمشروع النووي .. فإعدام الرئيس صدام حسين ....... وعلى هذه الأرضية .. كنت أدرك أن التمسّك بالبعث/ كما هو سائد في مخيال المؤمنين به في العراق، خاصة جناح : البكر ـ صدام الذي انتصر، فتوسّع، فمثّل القيادة التاريخية/ ما يزال قضية حارة شديدة الحضور.. وهذا يختلف كثيراً عن لوحة البعث الحاكم في سورية .. هذا الحضور ( العراقي أساساً) تجسده تنظيمات الحزب، وحياته الداخلية، ومهمات التنظيمات القائمة، وجملة المهام الكبرى المناطة به.. بحيث يبدو أنه الحزب الحاكم فعلاً، وليس الملتبس، أو الغطاء، أو العائم بالرخاوة، والكسل، والترهل، والشيخوخة.. وبالمنافع الانتهازية ـ النهبية ( وإن كانت هذه الظواهر موجودة، وتفريخ طبيعي لأي حزب حاكم ..) . وأعتقد أن المعارك المتلاحقة التي خاضها العراق، والشعور الدائم بالخطر المحدق، واستمرار حالة التحفّز.. التي تغذيها دورات التدريب العسكري المنتظم، والانخراط في " الجيش الشعبي"، وحتى " نظام التخسيس" ، وكثير من الإجراءات الصارمة، وإحالة كبار السن إلى " تنظيم المتقاعدين في الحزب"...قد أبقى شعلة الإيمان متقدة.. يزيدها اشتعالاً .. إرادة الرئيس، وهيبته، والتحسّب له، والخوف منه ..كما نمّا ثقافة الانضباط المتقاطعة مع الروح العسكرية، والقتالية . وبما دمج بين المكوّن العراقي، وبين المبادئ التي اعتنقها مؤمنون بها، وبين صورة النموذج التي يراد إقامته لعراق متطور . قوي . مهاب . عزيز . شديد الصرامة والانضباط، والعلاقات الحديدية التي تذكّر بشباب بعض الأحزاب الشيوعية، وببعض الحركات القومية الأوربية في مطلع، ومنتصف القرن الماضي..بما يجعل الحزب يتقدّم مسيرة الأمة لتحرير فلسطين .. وعلى الرغم من الدور الطاغي للرئيس صدام ( الأمين العام لحزب ـ وأمين سر قطر العراق)، وتخويله كافة الصلاحيات الحزبية، بما فيها " انتخاب القيادة القطرية" بتزكية منه، والمسافة الكبيرة، شبه الفاصلة بين مؤسسة الرئاسة، وقيادات الحزب، وبقية مؤسسات الدولة، وحالة الرعب المتداخلة مع الالتزام، والخضوع المختلط الأسباب، وشخصية الرئيس شبه القدسية.. وما فيها من دور لأجهزة الأمن، وكتّاب التقارير.. وأجواء التهيّب..وغيرها .. ظلّ البعث تنظيماً قوياً، يتحمل مسؤولية الحكم.. وفقاً لمعادلة توافق معها.. وكأنه يعرف سقفه، وحدوده، بينما لا يتجرأ أحد على الاقتراب من سقف وحدود أمينه العام، والقطري، ورئيس الدولة .. ويمكن القول، في هذه العجالة المختصرة، أن مبادئ البعث حيّة في حملتها العراقيين، كما فهموها، وحاولوا تجسيدها في الميدان ....وأن صدام حسين نجح في تكوين تنظيم ، هو، في ركائزه ، صورة لما أحبّ وأراد .. وقد يفسر ذلك التماسك الملحوظ للقيادة العراقية بعد زلزال الغزو والاحتلال والدمار، والقتل الهادف، وملاحقة البعثيين والعلماء وكبار الضباط ، وفي المحكمة، والمقاومة ..حيث لم يعرف انهيارات كبيرة في صفوفه القيادية، خاصة العليا منها ( فرع فما فوق )..في حين راهن ، ويراهن الكثير، وبذل ويبذل الكثير..لشقّ هذا التنظيم تحت عناوين ومسميات.. وإغراءات لا حصر لها .. البرهان الأكبر على تماسك، ووحدة الجسم الرئيس للبعث.. هو قيادته لمقاومة شرسة منذ الأيام الأولى لسقوط بغداد، ووضوح بصماته في عموم المقاومة العراقية، رغم التعتيم الإعلامي الشديد، وقرارات التحريم المقامة على البعث.. وهو ما أستعرّض له في مكان لاحق ....
الرئيس صدام حسين :
لم ألتق شخصياً بالرئيس، رغم أن ذلك كان ممكناً، وإن شاهدته، عن قرب، في عدد من المناسبات . ولم أعرفه شخصياً يوم كان الحزب موحداً، لأن عمري لم يكن يسمح، حيث يكبرني بتسع سنوات.. لكنني عرفت، والتقيت بعدد كبير ممن عرفه سابقاً، أو لاحقاً ( سوريين من رفاقنا، وعراقيين، وأردنيين، وفلسطينيين، وعرباً آخرين) وغيرهم عديد من السوريين والعراقيين والعرب ، مذ كان شاباً، ومغموراً، وواعدا.. وعضواً في قيادة العراق ( بوقت مبكر من عمره).. وعرفته جيداً عبر مشاهداتي، واسئلتي، وتأملي، وبحثي ، وقراءاتي لما كتب عنه، ولما نشر باسمه ( سلسلة كبيرة تصل الأعمال الكاملة، وتشمل ميادين مختلفة : فكرية وسياسية، وثقافية، وحول التراث والإسلام، والعروبة والإسلام، والحزب، والحكم.. وغيرها موضوعات عديدة ) بحيث أجزت لنفسي أن أطلق على هذه المحاولة عنوان : صدام الذي عرفت .. والحقيقة أنني ولسنوات، وأنا أحاول الدخول إلى عمق الرجل، وإلى رأسه، وتركيبته.. كإنسان، ومسؤول، وبصمة كبيرة في تاريخنا.. وفي تاريخ البشرية أيضاً .. كنت، وللمناسبة أبتسم سخرية من أعداء صدام وهم يصفونه ب" بالجبن"، والهروب من المعركة، وأنه وجد في حفرة.. ورغم أنه دحض جميع الافتراءات عليه أشهر محاكمته المسرحية ، ثم وقت اغتياله .. لأني، وكما عرفته .. فقد كان، كما وصف نفسه مراراً" كالسيف" القاطع.. النقي من داخله، ووعي الاستخدام، او قناعة الاستخدام.. حتى لو طال أقرب المقربين...وأعداداً كبيرة .. يرى فيهم أعداء المبادئ، والمشروع الذي نذر حياته له، وفهمه وفقاً لمكوناته، وتأثير ظروف العراق، والمحيط به.. الرصيد التأسيسي لصدام حسين، قبل أن يكون معروفاً، وقيادياً في الحزب، وقبل نضوجه، وتعمّقه.. كان شجاعته النادرة، وتمسكه بالمبادئ التي اعتنق، واستعداده للموت في سبيلها، وتنفيذ اية مهام يتطلبها ذلك . وقد أظهر، وبوقت مبكر انضباطاً حزبياً عالياً، يتجاوز الانضباط العسكري المألوف إلى نوع من قدسية.. هكذا نجده، وهو ابن الثانية والعشرين، واحداً من مجموعة صغيرة اختارتها قيادة الحزب في العراق لاغتيال / الزعيم عبد الكريم قاسم ـ رئيس مجلس قيادة الثورة/ عام 1959 .. والتي أصيب بها ، وهرب إثرها إلى سورية، فالقاهرة .. في عام 1963، والبعث ما يزال حاكماً في العراق، حضر " المؤتمر القومي السادس" كعضو فيه ( وهو أعلى هيئة في الحزب).. بعمر /26/ سنة، وهذا يؤكد أن هذا الشخص غير عادي، وأنه يملك مواصفات قيادية بارزة.. وهي التي ظهرت واضحة بعد سقوط سلطة الحزب.. حين كان من أبرز القيادات التي تولت إعادة التنظيم.. ثم مسؤولية التنظيم ، خاصة بعد انقسام الحزب إثر / حركة 23 شباط 1966/...ومنها إلى السلطة / 17 ـ 30 تموز 1968 / كنائب للمرحوم أحمد حسن البكر، وكأقوى أعضاء قيادة قطر العراق .. من عرف صدام حسين تلك السنوات.. يجمع على حيويته، وقدراته التنظيمية البارزة، ومواهبه القيادية.. وبالوقت نفسه : شدّته، وعنفه في التعامل مع رفاقه، أو مع الخصوم، مع إجماع على جرأته التي تتجاوز المألوف، والتي تصل حد المغامرة . ( وقد فعل ذلك مراراً أثناء الحرب مع إيران، وكاد أن يؤسر في واحدة منها، وظهر مراراً في الأماكن العامة طيلة أيام مقاومة العدوان الثلاثيني، مثلما ظهر في عديد الأماكن بعد سقوط بغداد وانتقاله إلى المقاومة ، ويتحدّث رئيس هيئة الدفاع عنه، المحامي : خليل الدليمي عن قصص رواها لهم الرئيس في أسره ، كيف كان يتجوّل في مناطق خطيرة، هو المطلوب رقم واحد، والذي وضعت أمريكا، والصهيونية كل إمكاناتهما للقبض عليه.. وكيف كان يتخفّى بأزياء متعددة ..) .. وبعيداً عن ظروف وصوله إلى الرقم واحد، وقد استشعر خطر التغيير في إيران على العراق، وعدم قدرة المرحوم البكر على مواجهة مرحلة جديدة، وقد كبر عمراً، وعن تصفية رفاقه بتلك الطريقة الدموية المنذرة.. فقد كان واضحاً أن الرجل يملك مشروعاً، وأنه مستعد لإزاحة، وتصفية كل من يعترض طريقه، أو يعارضه .. هكذا، وبعد التخلّص من أهم الرفاق المنافسين.. ووسط تلك الأجواء المرعبة التي سادت في الحزب إثر عمليات التصفية المباشرة..أصبحت الطريق سالكة من جميع الجهات، ودون أخطار من منافس، أو طامع، أو متجرّئ.. وبات صدام حسين القائد الأوحد للحزب، والحكم، والبلد .. لن أوغل عميقاً في المسارات، والمفاصل..لكنني وكما عرفت، وكما سمعت من محبين ومغرمين، وناقمين، ومبغضين فقد كان في هذا الإنسان جانبان متعايشان، متوافقان : ـ جانب الرجل العنيف، المتشدد، المؤمن بالقوة طريقاً إلى الحكم وبناء الدولة، حتى وإن احتاج الأمر تصفية وقتل كل من يعترض على مشروعه، أو يقف في طريقه .. مع حساسية خاصة تجاه من يعارض ويتكئ على دعم خارجي .. ـ واتجاه القائد المؤمن حتى النخاع بمبادئ الحزب الذي اعتنق ، وبمشروعه : النهضوي، التحرري، المستقل. وبتحرير فلسطين، ووحدة الأمة، ودعم قضاياها .. هنا، وفي الجانب الشخصي : كان صدام حسين كريماً بسماحة، ودون منّة . معطاءً، بدوياً بمعنى النخوة، والشهامة، والاندفاع.. وكان خجولاً ، ومن طبيعة انطوائية، وعطوفاً على الفقراء والمحتاجين .. وصدام حسين عصامي ، بمعنى الاعتماد على الذات أساساً ، إلى درجة الاعتداد والكبرياء الواضحين، وبذل جهود متلاحقة لتثقيف نفسه وترويضها على الصعاب، ومجابهة التحديات .. تساعده بنية قوية لم تخذله، وإرادة صلدة ( قدّت من الماس الشفاف ـ كما كان يصف داخله) .. وبرغم عقلانيته في المواقف السياسية، بالمعنى الواقعي(البراغماتي).. إلا أن بدويته، وطبيعته القتالية تغلبتا عليه في معظم المفاصل.. معتقداً أن مواجهة الأخطار وهي في أولها أفضل من الانحناء لها، أو اتقاءها . وأن الحياة : موقف عز وشهامة ورجولة ( وقد جسّد ذلك سنوات أسره، ورفضه بإباء لكل عروض المبادلة والاتفاق مع الغزاة.. التي كانت تريد مقايضة حياته بالمقاومة ..) .. صفات شخصية كثيرة ، لصالح الرجل، وليست ضده.. كانت معروفة فيه ، ومتداولة ..وأخرى تموضعت وفرّخت ممارسات قاسية ، وإن كان قد شهد تطوراَ ملحوظاً في هذه الطبيعة ( سنواته الأخيرة)، وباتجاه المزيد من الإيمان الذي يقترب من التصوف، والزهد بمتع الدنيا، وبالرحمة ، والسمو فوق الأحقاد وردود الفعل .. لكن الأهم : أن صدام حسين الذي صقلته التجارب، والذي قرأ كثيراً، وتعمّق في الحياة، والمعاني، والتاريخ.. كان مسكوناً بالأمة العربية، وبفلسطين ..حتى آخر ثانية في عمره..مؤمناً بأنه صاحب مشروع تاريخي للعراق، والأمة، وأنه لن يساوم عليهما، ولن يفرّط فيهما . ورغم أنه يدرك جيداً قوة الصهيونية وحقدها المتغلغل، ومشاريعها الخطيرة التي تطال الأمة.. وكذا معاداة الغرب لتحرر العرب، ووحدتهم، واستقلالهم، واستعدادهم لشنّ الحروب التدميرية ضد أي قطر يؤذي مصالحهم الاستراتيجية، أو يتجاوز الخطوط الحمراء المفروضة على الأمة، والأنظمة .. فإنه قبل الدخول في التحدي.. فاخترق الممنوعات وكوّن قاعدة علمية قوية للبحث والإنتاج .. خاصة الإنتاج العسكري المتطور، ومحاولة تحرير إنتاج وسعر البترول ..ورفض مراراً الانصياع للضغوط الخارجية ، وظلّ هكذا شأنه حتى الاستشهاد .. في سنوات الحصار الأكثر شدّة وخنقاً.. أرسل بابا الفاتيكان مندوباً مهماً قابل الرئيس صدام، وسلمه رسالة، أهم ما فيها : يمكن للحصار أن يرفع كاملاً إذا قبلتم الاعتراف ب"إسرائيل"، والدخول في عملية التسوية.. كما يفعل بقية الحكام العرب .... بعد أسره.. وبعد أن أربكت المقاومة العراقية الباسلة المشروع الأمريكي ـ الصهيوني، وأغرقته في وحول العراق..واعترف الأمريكان ، ولو ضمنياً، بقوة البعث فيها.. جرت عديد المحاولات لمفاوضته حول " المخرج".. وكانت حياته، دوماً، مادة رئيسة في المقايضة ..فرفض، مشدداَ على مطالب العراق التي لا تنازل فيها : 1 ـ انسحاب قوات الغزو بالكامل ، دون قيد أو شرط، في زمن معلوم تضمن فيه المقاومة سلامة الانسحاب . 2 ـ تعويض العراق عن كل ما لحقه من دمار، وخراب وضحايا .. وعندما طرحت عليه / رايس ـ وزيرة الخارجية/ في لقائها الأخير معه ، قبل شهرين من اغتياله، والذي دام ست ساعات، حسب ما تناقلته عديد المواقع على الأنترنيت، وكذا عدد من هيئة الدفاع عن الرئيس، " تأمين مكان مريح له ولعائلته في إحدى الدول العربية ( الإمارات العربية المتحدة ـ وقيل قطر)، وضمان حياته.. مقابل إصدار بيان يطلب فيه إنهاء المقاومة .. رفض صدام العرض جملة وتفصيلاً... مثلما رفض كل المساومات على حياته ...ليبقى شامخا.. كما عاش، وآمن .. ولهذا أصرّ على أنه " فداء للعراق والأمة والمقاومة .." ..
صدام المؤمن ..
وصدام حسين الذي عركته، وصقلته المعارك، والتجارب، والثقافة، والمحن .. ليس ذلك الشاب المندفع، البسيط ، أو الدموي( كما أريد تصويره).. فقد بدا أكثر عمقاً إلى درجة ًتقترب من التصوّف... هنا، وردّاً على الذين "يكفّرونه" وكأنهم هم من يملك بطاقة تحديد معتقدات الناس، وعلاقتهم بالخالق، او هم ملاّك مفاتيح الجنة والنار ..فقد كان صدام حسين شديد التديّن والإيمان.. عن صدق وقناعة، ومنذ سنوات مديدة.. صحيح أن البعث " أقرب" للعلمانية، و"متهم" من الملالي، والسلفية بأنه " كافر"، " علماني" .. وإلى آخر المعزوفات المعروفة ..فإنه يجب تسجيل عدد من الحقائق : 1 ـ لم يكن البعث حركة علمانية تماماً، شأنه شأن الأحزاب الشيوعية، أو الليبرالية.. مثلما لم يكن حزباً دينياً، او إسلامياً . ويمكن القول، وبغض النظر عن الموقف الشخصي، أنه كان خلائطياً يبحث عن صيغة توفيقية تقع بين الإسلام والعروبة المنفتحة . بين الأصالة والحداثة .. وللتأكيد، فإن مؤسس البعث، المرحوم ميشيل عفلق، أكثر المفكرين العرب الحداثيين الذي كتب مبكراً عن الإسلام والعروبة، وعن موقع الإسلام ومكانته، ودوره، والرسول العظيم الذي قاد العرب ووحدهم.. وعن " الرسالة الخالدة" التي حملها العرب المسلمون إلى العالم . ( أشهر إسلامه وأوصى عدم الإعلان إلا بعد وفاته، ودفن في بغداد ـ وللمناسبة فإن من "إنجاز" عملاء العراق في أشهرهم الأولى بعد الغزو، تهديم ضريح عفلق، ونبش رفاته ورميها ..) .. وللرئيس صدام كتابات صادرة منذ أواخر السبعينات عن : " الدين والتراث"، والإسلام والعروبة"، كمحاولة لإرساء نوع من فهم، أو "أديولوجيا" دمجية لا تقيم الحدود بين العروبة والإسلام، وتعتبر البعث حمّالاً لتلك الراية وتواصلاً لها . 2 ـ هذه الحالة الخلائطية أوجدت في البعث تركيبات مختلفة.. من العلمانيين، والمؤمنين بالدين الإسلامي أو المسيحي، أو من هم بين بين . أي أن البعث لم يضع في شروط عضويته ديانة، أو اعتقاد المنتسب إليه، ولم يدع يوماً إلى الإلحاد، أو الدخول إلى قلب الإنسان، معتبراً أنها وضعية تخص قناعات البشر.. 3 ـ وإذا كانت هذه الوضعية تنطبق على الحالة السورية، أكثر من الحالة العراقية ..فقد عرف البعث في العراق تحولات انعطافية واضحة باتجاه الإسلام، والتديّن، والعبادة .. ومنذ مطلع الثمانينات أقرّت القيادة العراقية ما يعرف ب" الحملة الإيمانية"، داعية جميع البعثيين، بشتى دياناتهم ومذاهبهم للالتزام بها، وترجمتها في حياتهم . وسمّي الرئيس صدام ب" قائد الحملة الإيمانية".. ودون الحاجة إلى تفصيل ما عرفه العراق منذ أزيد من عقدين، من تحولات في هذا المجال، ومن بناء عشرات الجوامع، ودور العبادة الفخمة، والمنتشرة في عموم العراق.. وعديد القرارات، والتعليمات المنسجمة مع هذه التحولات .. فقد كان صدام حسين مؤمناً حتى النخاع ، معتزّاً بإسلامه، ومحاولاً إعادة الاعتبار لعلاقة العروبة بالإسلام.. ضمن مجهود متكاثف لإرساء هذه العلاقة.. وربما تمييزها عن " الحالة الفارسية"، وما تمثله من مخاطر على العراق : سنة وشيعة . البديهي أن صدام حسين لم يكن طائفياً، وإن انتمى للسنة. ولم يتعامل يوماً على أساس مذهبي.. لا في الحزب وقياداته، ولا في الدولة، ولا في علاقته مع الشعب . والكل يعرف أن عدد الشيعة في البعث يقارب ال/800/ ألف منتسب، وان قيادات هامة هي من أصول شيعية، ومثلها في الجيش، والمقاومة .. وعروبة صدام ليست عرقية تلغي الآخر غير العربي، حيث، ورغم تعقيد المسألة الكردية، كان يقرّ بالحقوق الأساسية للأكراد، والذي جسده في مشروع" الحكم الذاتي" الصادر عام 1971 ، الذي يعتبر المشروع الأهم الذي حصل عليه الأكراد في تاريخهم، ليس في العراق فقط، بل في عموم كردستان التاريخية : في تركيا وإيران، وأجزاء من سورية . وعلى الرغم من فجوات ذلك المشروع، خاصة في التطبيق. وتعقيد الحالة الكردية " الملتبسة".. كان صدام حسين شديد الإيمان بوطنية الأكراد، وعراقيتهم، وحرصهم على وحدة العراق، ورفضهم للغزاة المحتلين . 4 ـ صدام حسين ، وفي سنواته الأخيرة، وقد بلغ من العمر زمناً، وعرف السلطة في أعلى مواقعها.. بدا أقرب للزهّاد ، والتعمّق الفلسفي. ومن يقرأ خطاباته قبل سنوات، وطوال مرحلة ما بعد السقوط .. يدرك أن الرجل يبحر عميقاً في الخلق، والبعيد .. وقد عبّر في واحدة من رسائله للشعب العراقي، قبل أسره، وكردّ على الناقدين لما أشاده من قصور رئاسية " أنه غادرها منذ سنوات، وأنه يسكن بيتاً عادية، وأنها رموز للعراق الشامخ" .. لعل شدّة إيمان الرئيس صدام.. الأقرب للتصوف.. تفسر وجهاً من وجوه حالته الخارقة وهو يستقبل الاغتيال اللئيم بذلك الوجه المشرق، الذي يشعّ جرأة، ونوراً .. وبتلك النظرات الموحية، والابتسامة التي وجهها للأدوات الحاقدة .. صدام المقاوم ، والشهيد:
الحكام العرب، وعديد الأوساط لم تفهم أسباب رفض صدام حسين للتنحي، فيما عرف ب" مبادرة رئيس دولة الإمارات" المرحوم زايد بن سلطان، قبيل الغزو الأمريكي بأسابيع .. ففسروا السبب على أنه التمسك بالسلطة ( لا أكثر ولا أقل) فراح خونة العراق ينسجون منها، وعليها الأسباب والمسؤوليات.. إلى درجة أن وقاحة الكثير منهم تحمّل الرئيس صدام مسؤولية غزو وتدمير العراق !!! .. كنت واثقاً أن الرئيس صدام يدرك أن الغزو ليس نزوة طارئة تتجلبب ب"أسلحة الدمار" تارة، أوب"مقاومة الإرهاب" تارة اخرى، ثم بكذبة القضاء على الدكتاتورية لإقامة الديمقراطية ( كما رست الكذبة بعد افتضاح سابقاتها ) .. إنه التنفيذ لمخطط مرسوم منذ سنوات وسنوات . مخطط وضعته صهيونية حاقدة، مدمنة على تنفيذ مشروعها التفتيتي ـ التقسيمي ـ الاحتلالي، وقد التقطته تلك العصابة من" المحافظين الجدد" المتأدلجة توراتياً، والمتولدة من رحم احتكارات النفط والسلاح . وهي ذاتها المجموعة التي حملت ذات المشروع عام 1996 للرئيس كلينتون لغزو العراق .. ورفض . صدام يدرك أن الغزو لا يستهدفه شخصياً وحسب، ولا حزبه المؤمن به ، ومن خلفه ذلك المشروع المناهض للصهيونية، والغرب الاستعماري فقط.. بما فيه محاولة القضاء على حركة العروبة، ووأدها في الجرثمة الطائفية، والحروب الأهلية : البديلة .. وأن العراق هو الهدف . هدف بذاته، وهدف منطلق لبقية الأقطار العربية.. من موقع المؤمن بحتمية الغزو، وحتمية مقاومته، وهو الأقدر على قيادة المجابهة .. رفض صدام الاستجابة لذلك الاقتراح الشكلي ..( وقد أكدت أحداث العراق الدامية أن العراق : الدولة، والكيان، والتاريخ، والجغرافيا هو الهدف ..) .. صدام حسين، وكما عبّر عن ذلك بلسان رئيس هيئة الدفاع/ المحامي خليل الدليمي/ كان شديد التألم من تزوير واقعة أسره، حين ركزوا على تلك الحفرة، وعرضوه بتلك الهيئة الشعثة، وقد بدا غير متوازن( وقد حقنوه بمخدر)، وانه ، هو أبو عدي، لم يكن يسمح لهم بأسره لو كان سلاحه بمتناوله.. لكنهم غدروه ...ولعلّ مبعث ألمه، وقد أصابه الكثير من الظلم والتشويه، إحساسه بأنهم يريدون تناوله في أعزّ صفاته : الشجاعة والإقدام.. ولا أدري إن كان يتمنى لو استشهد حينها، ولم يتعرّض لامتحانات ذلّ الأسر، والمحاكمة الممسرحة .. ولمناسبة الأسر في حفرة، أم في قصر منيف، ام في بيت عادي.. فمن من يعرف التخفي، وقد عشناه سنوات ( مع الفوارق النوعية بالمثال).. فقد كان فخراً لصدام حسين أن يؤسر في أي مكان، حتى وإن كان قبواً تحت الأرض أعدّه مسبقاً لمثل هذه الأوضاع ..بل يكون قد حسب حسابات شتى الاحتمالات.. لأن صدام حسين لم يكن مطلوباً لشخصه فقط، ولم يكن يهمه إنقاذ حياته الخاصة، لأنه كان يقود مقاومة، وكان بقاؤه ضرورياً ومهماً فيها . ولعل من أخطائه التي قادت إليه، وربما سهّلت على ذلك الخائن الذي وشى به، أنه كان لا يمكث في مكان، وكان يغامر فيتواجد في أماكن الخطر.. وذلك دأبه في جميع المعارك والامتحانات . ولعل أهم حملات التركيز، والتشويه، وتحميل المسؤولية.. تلك التي انطلقت إثر سقوط بغداد المفاجئ بتلك الدرامية...فأجاز البعض لنفسه أن يحمله مسؤولية الهزيمة، وأن يصفه بالخائن الذي هرب من المعركة، ولم يدافع عن بلده.. وكثير مما قيل ويقال حول تلك الفاجعة التي حلّت يوم التاسع من نيسان ..خاصة وأنه من أطلق الوعد الشهير" سينتحر المغول الغزاة عند أسوار بغداد ".. كثيرون من هؤلاء، ونحن منهم.. تختلط لدينا الرغبات والمشاعر بالوقائع التي نعرف، وقد ننسج أحلاماً وردية نطير بها إلى توهم انتصار ما، أو حدوث" مفاجآت".. ومعجزات .. وإذ بالنتائج تسحقنا .. نعم ، كانت هناك مراهنات حقيقية، وجدّية .. تحدّث بها عسكريون عرب واجانب مشهود لهم بالتخصص والنزاهة، حول إمكانية أن يلحق العراق الهزيمة بالعدوان الثلاثيني/1991/، أو على الأقل : منعه من تحقيق أهدافه .. عبر المراهنة على الحرب البرية .. وعدم توقعهم أن يحقق الطيران لوحده النصر، أو أن يحسم المعركة دونما حاجة لحرب برية.( وهو الذي حصل.. بغض النظر عن الملابسات الأخرى ) .. أما غزو العراق عام /2003/ بظل أزيد من عشر سنوات من حصار وحشي منعت فيها حتى أقلام الرصاص على العراق، وتداعيات ذلك الحصار، وفعل " المفتشين" وتقاريرهم التجسسية والإخبارية، ومليون عامل وعامل .. فأعتقد أن اية مراهنات على منع الغزاة من تحقيق هدفهم، أو نحرهم على أسوار بغداد.. بدا ( للجانب العقلي فينا) خارج المنطق.. رغم أن صمود" أم قصر"..وتواصل المعارك لنحو العشرين يوماً، ونفس، ووعود الوزير الصحاف.. جعلنا نحقن أنفسنا بشيء من أحلام أقرب للأساطير .. حتى كان السقوط المريع .. بعد احتلال المطار، وأسرار ما جرى فيه .. كنت، وطبول الحرب تقرع ويمهد لغزو العراق، قبل أحداث سبتمبر، أدرك بالحس، والاستنتاج، أن غزو العراق قادم لا محال.. ولذلك أعتقد أن القيادة العراقية، وهي في موقع قادر على المعرفة، كانت تجزم بحتمية الغزو. وقد بيّنت المعلومات اللاحقة، أنها وقبل سنتين على الغزو.. بدأت بإعداد نفسها لمقاومة طويلة .. فكانت المقاومة العراقية .. هي التجسيد.. قبل أن تلتحق بها، وتغذيها جهات إسلامية، وسياسية، ووطنية مختلفة . كان ذلك قراراً حيوياًً .. لأنه لم يكن أمام القيادة العراقية سوى خيارين : ـ إما تسليم البلد للغازي دون قتال أو مقاومة .. ـ وإما مقاومته بما هو ممكن من إعداد مسبق، يسمح بالانتقال من الحرب النظامية إلى حرب العصابات، وحرب الشعب ..أي المقاومة المنظمة التي تستنزفه، وتسيل دماءه، وصولاً إلى هزيمته، ورحيله .. ولأن صدام حسين، والقيادة العراقية، ليس من النوع الأول .. فالأكيد أن كل المعلومات التي تتالت لاحقاً عن الإعداد المسبق لمقاومة شاملة، شديدة التنظيم( بعشرات الآلاف)، والسرية، والتي كان يشرف على تجهيزها صدام حسين شخصياً( بمخازن السلاح الموزعة والمخبأة، وأنواع الأسلحة الأنجع، والسيارات الخاصة التي اشترى العراق منها بضعة آلاف في العام السابق للغزو، والتمويل، ودقة التنظيم، وتوزيع المهام..)، هي صحيحة . وأن هذه القيادة وقد تلقّت ضربة ماحقة في المطار، حين استخدمت أمريكا قنابل غير تقليدية( أشبه بالنووية) فأفنت آلاف الجنود( يقال أن الرقم يتجاوز الخمسين ألف شهيد، وإبادة فرقتين من أهم فرق العراق).. حينها قررت القيادة، وبقرار متفق عليه، الانتقال إلى خندق المقاومة.. بعد فرط أجهزة الدولة ومؤسساتها .. ـ وقد نشر البعث عديد المعطيات عن مجريات الحرب، وعن الإعداد المسبق للمقاومة .. وأعتقد أن صدام حسين المغرم بالأناقة، واللباس الجميل..والذي عاش مديداً في رفاه السلطة وقصورها.. لم يجد صعوبة كبيرة وهو ينتقل إلى (مواطن ـ مجاهد)..وكأنه يستعيد سنوات شبابه، وما عرفه من فقر، ويتم، ومعاناة.. ثم مجابهات، وتخف..وحياة بسيطة متقشّفة . ( لم تكن الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء ومواقع الأنترنيت لإذلاله وإذلالنا.. وهو بلباسه الداخلي يغسل ثيابه.. تعني له كثيرا. فقد نشأ هكذا، وعاد إلى طبيعته الأصدق ..) .. ـ وصدام حسين الأسير.. والذي أرادوا شرشحته بتلك المحكمة الهزلية.. ومعاناة الانتظار، والجلوس الطويلين، وتلك التهم، والإهانات، والضرب، والاعتداء أحياناً.. والتوصيفات، وتمادي/ النائب العام/ ورئيس المحكمة المهووس، والمهزوز.. سجل نقاطاً لا تحصى ضد أعدائه..لقد رجّ العالم بمنطقه المتماسك، وفضح زيف العملاء، وحقد الصهاينة، والعمائم المرتهنة ـ المبرمجة، والأمريكان .. نعم .. صحح صدام حسين، لمن لا يعرفه، ولمن لوّثته، أو شوهته حملات الدعاية المبرمجة صورته، وصورة الحكم الذي قاده.. بما جعل الكثيرين يتعاطفون معه، ويعيدون حساباتهم .. في المحكمة المقامة بعنوان " الأنفال" .. وعندما قال له القاضي : عبد الله العامري ( المعاقب بالطرد، والمجيء بمهووس ، حاقد): أنت لست ديكتاتوراً، وكررها ثانية .. وبأن من حولك هم من المسؤولون عن ذلك .. ضحك الرئيس صدام من أعماقه، وقال له بحرارة فيها عرفان واضح : أشكرك ... وتساءلت : ترى هل كان يعي صدام حسين أنه ديكتاتور يجمع معظم الصلاحيات بين يديه.. وأن الكثيرين يخافونه، وأن مظاهرات التأييد، والهتاف، والتعظيم، وانتخابات ال/100% / ليست حقيقية تماماً ؟؟.. ـ أم أنه يشعر بأن ظروف العراق تقتضي الذي فعل ؟؟..وأنه لم يكن سوى قائداً ( وضعه القدر) لبناء وقيادة العراق، والدفاع عن الأمة بما يقتضي من نخوة، وحمية ، ومخاطر ؟؟...
الاغتيال الصفقة الحقد ـ الكشف: المكان، والتوقيت، والطريقة...و .. النتائج :
قصص كثيرة تتناقلها وسائل الإعلام عن الأمريكان " الذين نصح سفيرهم المالكي بتأجيل الإعدام خمسة عشرة يوماً، ثم طلبه توقيع رئيس، ومجلس الرئاسة( كما ينصّ دستورهم المفبرك)، ثم إشارته إلى القانون الأمريكي الذي لا يجيز تنفيذ أحكام الإعدام في الأعياد الرسمية"، وكيف أن " المالكي جاءهم بفتوى قانونية تمنحه حق التوقيع بديلاً، وأنه عاد إلى المرجعيات الدينية فأجازت له الإعدام في يوم عطلة، حتى وإن كان هذا اليوم هو يوم عيد الأضحى المبارك ..".. ثم قصة مهزلة الاغتيال.. وتلك الأصوات الحقدية التي انطلقت من مخزونها الأسود، والتي نسبت ل"التيار الصدري"، والمعلومات التي راجت عن الاعتداء على الشهيد قبل اغتياله، وبعده، وإحراق آخر رسالة له، والقرآن الذي أوصى بإيصاله إلى ( بدر عواد البندر)، ولفحته، وبعض ما كان يلبس.. وآثار دماء ، وكدمات على خده الأيسر .... وقصة هزلية ..ارتجّت لها حكومة العملاء.. فراحت تعد بالتحقيق : من ذاك الذي صور الإعدام بهاتفه النقال.. ونشرها.. واتهام العديد للإيراني ـ الملتبس باسم ( موفق ربيعي) بأنه هو من فعل ( أعلن ذلك الكاتب والمفكر العراقي حسن العلوي في اتصال طويل مع قناة المستقلة"... وقصص عجائبية من مصادر العملاء يبررون فيها التسرّع باغتيال الرئيس الشهيد..تروى عن أعلى المصادر الحاكمة.." حول معلومات أكيدة بأن الرئيس كان سيهرّب خلال أربع وعشرين ساعة.. لو لم .. يسارعوا..".. أو تلك التي تحدّثت عن محاولات سعودية حثيثة لإلغاء حكم الإعدام، واعتراض حكام الكويت، وتحضير قطر لاستقباله مقيماً فيها.. ( وكثير من الروايات التي تعكس البلبلة الناتجة عن ذلك الفعل الإجرامي ـ الاستثناء) .. لقد انقلب الحقد على الحقّاد .. والعيد " الذي صار عيدين عند بعضهم" إدانة تاريخية لن تمحى .. قصص أخرى، تبدو أقرب للواقع، كتبت بعضها " جريدة الشروق" الجزائرية ، بتاريخ 2/1/2007/ نقلاً عن رئيس تحرير " صوت العروبة" وليد رباح، بعنوان : " المؤامرة"، وقد وردت نفس المعطيات، مع بعض الإضافات في " البيان" الذي أصدره ( حسن العلوي) حول اغتيال الرئيس، وكذا بعض مواقع الأنترنيت .. وخلاصته : أن الولايات المتحدة، وضمن أفق " استراتيجيتها الجديدة، قررت تسليم رأس صدام حسين لأعدائه منذ أزيد من شهر، قبيل زيارة بوش للأردن والتقائه رئيس الحكومة العميلة /المالكي/ هناك. وأنه عندما حضر ( عبد العزيز الحكيم الطبطبائي) إلى البيت الأبيض، بعد ذلك بأسبوع .. فاجأه الرئيس بوش بتسليم رأس صدام.. حين كان يروي له عادات الأمريكان في التهام اللحم.. بأنهم يبدأون من الأطراف.. وصولاً للرأس.. خلافكم أنتم العرب( وكأن بوش لا يعرف أن الحكيم، صاحب العمامة السوداء ، ليس من أصول عربية، بل هو إيراني الأصول، والانتماء) الذين تبدأون بالرأس.. وأن الحكيم فهم المقصود.. فانفرجت أساريره، وغطّى وجهه الحاقد ـ اللئيم ظلّ ابتسامة . وأن بوش اشترط عليه احتواء الصدر الذي يزعجهم بمشاغباته..فوعد الحكيم .. ويذكر المقال " أن المؤامرة كانت معروفة من النظام السعودي، والمصري، والقطري.... يضيف ( حسن العلوي) إلى أطراف الصفقة ( أمريكا ، والصهيونية، وإيران، والشيعة) طرفاً خامساً.. قال عنه أنه " أطراف بعثية قيادية جرت بينها وبين الحكومة العراقية، والأمريكان عدة جولات من المفاوضات في بيروت والأردن ولندن.. وأنها تمركّزت حول فكرة : " تحميل صدام حسين، والصداميين، كل الجرائم المحسوبة على البعث..." أي " رأس صدام حسينً مقابل تنظيف البعث الذي سيكون مرحّباً به في العملية السياسية" .. وأن " هذا ما يفسر دعوة المالكي في أول تصريح له بعد إعدام صدام .. حين دعا البعثيين للدخول في الحوار، والمصالحة الوطنية..".. و" بعضهم قبل، بينما رفض آخرون المقايضة " !!... سأترك مؤقتاً ما يقال ويكتب، وسيقال الكثير لاحقاً.. واقف عند القصة من أولها، وفي جوهرها .. ـ مراراً كتبت، وتحدثت، حيث اتيح لي المشاركة في التلفزة الجزائرية ببرامج سياسية مباشرة، أن العراق هدف مركزي للعدوانية الأمريكية .. ليس لثرواته العملاقة ( أكبر احتياطي نفطي) فقط، أو لموقعه الجغرافي الاستراتيجي من أهم أماكن، وخطوط النفط وحسب..بل ، وفوقهما : لوجود إرادة صلبة ترفض الانصياع ودخول بيت الطاعة .. ـ وأن الصهيونية المتجلببة بتراث الحاخامات وتنظيماتهم التاريخية، الخاصة، والمحترفة بصناعة الدجل، والبعبع، والمخيف ـ المهدد.. عملت سنوات وسنوات للتعبئة ضد الرئيس صدام ، وقد مزجت المصالح بالمشاريع بالتباسات اقوال التلمود وبعض النبوءات.. وحتى بالمنجمين وقراء الطوالع.. لتصوير صدام حسين على أنه النسخة الأشرس من نبوخذ نصر..وأنه سيبقى العدو رقم واحد طالما ظلّ على قيد الحياة.. ولذلك وضع عتاة الصهاينة، وكبار استراتيجييها ( كيسنجر، وبيريز، وغيرهما) مخططات تفصيلية لغزو واحتلال العراق، بغية : تدميره، وإنهاء الدولة العراقية.. ثم تقسيمه، بل تفتيته بعد إغراقه ببحر من الدماء .. وهنا تركب الأساطير اليهودية التي ما زالت تعشش، أو تستخدم من قبل عتاة الصهاينة: المتطرفون منهم، ودعاة التفتح، والتي " تتنبأ" بإقامة " إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل"..( وقد وصلوا الفرات ويشربون منه، مثلما يشربون من النيل).. هذه الحقنة الغرائبية .. أدخلت إلى عقل المحافظين الجدد، وفي مقدمهم بوش الأهوج ( الذي يقول أنه يتلقى تعاليمه من الرب)..وكأنها الشرط اللازم "لقيامة السيد المسيح" الذي سيخيّر بني إسرائيل : إما اتباع تعاليمهم، وإما تدمير مملكتهم الكبرى .... فيمتثلون ....." .. دون أن ننسى أن العنجهية الصهيونية المتغذّية من فلسفة تفوقية، عنصرية.. لا تسمح لبلد عربي أن يخترق الممنوع، وأن يقيم صناعة حربية متقدمة، وأن يبني تجربة متطورة، وقد رأينا كيف فجّروا مفاعل تموز النووي.. فكيف وصدام حسين هدد ب" حرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج" ؟.. وصدام حسين هو الرئيس العربي الأول الذي يتجرأ فيضرب العمق الإسرائيلي بصواريخ من صناعة عربية ؟... ـ وإيران المهزومة في حربها مع العراق .. إيران اختلاط الأدلجة العقائدية بموروث التاريخ الفارسي. وإيران تجديد، وتحشيد المظلمة التاريخية، والكربلائية الموظفة .. إيران البلد الكبير.. صاحب المشروع الطوح للانتقال إلى دولة عظمى.. تفرض شروطها على المنطقة، وعلى أمريكا المتنفّذة.. ترى في العراق ( البعثي)، وعراق القائد صدام حسين .. العقبة الرئيس .. ـ أما الحالة الشيعية الملتبسة.. الحالة التي تريد إبقاء جراح التاريخ مفتوحة لضمان التحشيد، و"وهج" العقيدة.. ولسوق التبرير..فإن كمّ الانتقام فيها( وأعني على الدوام المرجعيات التي انضوت مع المحتل، وتلك الأحزاب الماليوشية المدعومة من إيران) يخرج عن المألوف ، ويطرح أسئلة مخيفة عمّا يمكن أن تقترفه من أفعال دموية، وعن هذه البرمجة العقائدية المنغرسة في كهوف الماضي، المتجلببة بولاية الفقيه، والمستخدمة، كلما احتاجت، فلسفة " التقية" لإظهار غير ما تبطن.. حتى إذا ما احتل العراق.. كشفت عن مخزون مرعب من الحقد، واللؤم، والاستعداد لتفتيت العراق.. ـ لن نذكر حكام الكويت، ومواقف الحكام العرب الذين كان يربكهم، ويحرجهم نظام صدام حسين، ثم وجوده .. هكذا اجتمعت مجموعة أطراف حاقدة، معجونة بالمصالح، وشهوة الانتقام.. بدءاً من بوش الحاقد، الباحث عن أي نصر، حتى لو كان إشهارياً..( فكيف برأس صدام حسين) ؟؟؟...ومروراً بملالي وآيات الله وحكام إيران.. ووقوفاً عند خونة العراق : برقع الحكم، وغطاء المحتل ..دون أن ننسى الابتهاج الصهيوني، ودوره.. راس صدام حسين مطلوب من كل هؤلاء.... ولئن كانت الإدارة الأمريكية تريد بذلك القضاء على الخط القومي، وفكره، وقواه.. فإنها أرادت ضرب عدة عصافير( وقد اعتبر بوش نفسه صياداً ماهراً) .. صحيح أنه أذلّ الحكام العرب مليون مرة تلو المرة.. لكنه يمعن .. وهو يبلغهم رسائل أمريكا..وعقوباتها على من تغضب عليه، أو من يعارضها.. وكأنها تقول لهم : هذا مصير من يقول لا .. فاتعظوا، واحنوا رؤوسكم أكثر وأكثر. ـ امريكا : المسؤول الأول عمّا جرى للعراق.. وصدام حسين ..هي القاتل المباشر ، وإن كانت الأيدي الحاقدة هي التي نفّذت .. وفاخرت.. وانتشت .. وإعدام صدام حسين قرار متخذ قبل الغزو، وقبل أسره..وما تقديمه لتلك المسرحية( المحكمة) سوى جزء منظم من عملية القتل المبرمج ..( وإن فكروا باستخدام ورقته للمقايضة ) .. تلك هي الحقيقة.. أما البقية فهي تفاصيل شواهد على المدى الذي أوغل فيه خونة العراق .. على حقدهم الأسود المبرمج الذي يدفع إلى اتون ليس الحرب الأهلية الطائفية وحسب..بل وإلى تفتيت العراق، وتحويله إلى زواريب وحارات وقبائل متناحرة ..( بانتظار فعل المقاومة ودورها) .. خونة العراق وقد أعماهم حقدهم الكحلي..ظنوا أن الإدارة الأمريكية تسلمهم رأس صدام حسين كنوع من تأكيد على استقلاليتهم، وقد عبّروا عنها .. حين تجاوزوا حتى الشكليات ( وهي كما يفترض قانونية ينصّ عليها دستورهم المصنّع من بريمر، والقاضي بوجوب توقيع رئيس الجمهورية، والهيئة الرئاسية على قرار الإعدام، وكذلك منع تنفيذ الإعدام في ايام العطل الرسمية.. فكيف بعيد الأضحى المبارك ...) .. نعم، عبّر خونة العراق عن بعض مكنونهم .. فانفضحوا أمام الدنيا.. وقد هزّ الإعدام الكون، وفتّح أعين الملايين على حقيقة هؤلاء، وحقيقة ما يراد للعراق.. مثلما عرّى الخلفيات الإيرانية، ومشروعها..( لكيدهم، وغبائهم اغتيل الرئيس في دائرة المخابرات التي كانت مختصة بمتابعة الأنشطة الإيرانية المعادية)..فأي شيء يريدون أكثر ؟؟؟؟... أمريكا فشلت في لي عنق صدام حسين.. وهو يرفض المقايضة ..وقد قرر أن يكون قرباناً( فداء للأمة والعراق، وناشد رفاقه رفض أية مساومة تكون حياته موضوعها.. لأنه قرر .. وأمريكا عجزت عن ضرب المقاومة الباسلة.. والهزائم تلاحق ذلك المجرم، المهووس في البيت الأبيض.. فقرر" تغيير استراتيجيته في العراق".. وكان رأس صدام حسين عنواناً ، وبوابة لصفقة كبرى ليست إيران ، واطراف أخرى( عربية) ببعيدة عنها. بل ستكون إيران، ومعها عملائها.. الطرف الرئيس.. سياسة المأزوم بوش، وإن كانت ممعنة في نهجها الإجرامي، ومحاولة الاستنجاد بقوات أمريكية جديدة.. إلا أنها مضطرة للقيام ببعض المناقلات، والإقدام على خوض مراهنات إضافية .. علّ وعسى.. تؤحر إعلان الهزيمة، والفشل الساحقين.. فتطيح بالجمهوريين.. وتاريخ بوش.. الذي سيكون الصفحة الأسود فيه.. ولئن ركّز العديد، خاصة الحكام العرب" الذين استهجنوا الإعدام لأنه جرى يوم العيد".. فإن اغتيال صدام حسين هو الهدف، والقضية.. وليس التوقيت، والمكان، والشكل.. والحيثيات ..وإن كانت جميعها معبّرة، وفاضحة.. وقد ارتدّت عليهم ...حيث" انقلب السحر على الساحر" وإذ بالشهيد صدام حسين يغرقهم في مستنقعهم النتن، فينشر للدنيا صورتين عجائبيتين : صورة البطل، الشجاع، الصقر، النخلة .. التي قلّ وجودها في التاريخ، وهو يتقدم بثبات فتشعّ عيناه نفاذاً، ويبرق وجهه وقد تعامل باعتيادية مع المنظر المرعب.. رافضاً تغطية الوجه، أو الانحناء( وحتى التبول قبيل الجريمة).. كأنه يعلن للدنيا الحقيقة التي طالما كررها عن هؤلاء . عن أمريكا وإيران الاتجاه الفارسي . عن الذي يحاك للعراق الذي عشق، والأمة التي انتمى.. وصورة الحقد المنفلت . والعقل المالياشوي المناقض لألف باء التحضر، والقيم الإنسانية، واحترام الموت، ومعاني الحياة، والشهادة . صورة الانتقام المرعب.. وكأننا نعود قروناً.. كأن " رستماً" ينتقم من القادسية، فيصرخ الحسين الشهيد : ما هكذا كنت، وآمنت.. وما هكذا عشت، ولأجله استشهدت .. الاستراتيجية الأمريكية وهي ترسم معالمها بدماء الشهيد .. مخيفة.. وقد تطلق العقال لهذا الخزين الحاقد، وللمشروع الإيراني الخصوصي.. ليغرق العراق ببحر الدماء.. فتصفّق الصهيونية وقد انتصر تخطيطها..وقد محي العراق من خارطة الدول.. وبات عراقات الطوائف والأعراق والمليشيات... وحتى تكتمل العملية.. فأعتقد أن جهوداً كبيرة، ومن جهات مختلفة، ستبذل لشق البعث إلى أبعاث.. تحت عناوين : " مصالحة وطنية" ، و" الدخول في العملية السياسية".. وعبر الترويج لكذبة ان البعث بريء من الجرائم التي يتحمل مسؤوليتها صدام حسين، والصداميين .. كما سيحاول هؤلاء، وبطرق شتى استغلال غياب القائد، وصعوبة تعويضه بسرعة.. للتركيز على تنظيم البعث، والمقاومة التي يقود، ويشارك فيها.. في محاولة للتمزيق والشرذمة .. ـ والحقيقة.. وكما انقلبت كل أحقادهم عليهم .. فإن توقيت الاغتيال، وتلك المناظر التي اهتزّ لهولها ضمير الإنسانية كافة، وعموم العرب والمسلمين.. وفي المقدمة، والأساس : وقفة الفداء ـ النادرة التي مثّلها صدام حسين، وما أسقطته من زاد الأعداء المدجّل، وجوهرهم : الطائفي ـ الشعوبي ـ الخطير .. فإنها فرصة ذهبية للبعثيين لاستثمارها في مشروع تحرير العراق . لقد وجّه صدّام حسين عديد الرسائل..وكانت كلماته الأخيرة عن : فلسطين والأمة، والعراق الواحد، الموحد.. وتحذيره من أمريكا والصهاينة، وغيران ..وهي رسائل ستتفاعل في محيطها العراقي، والعربي، والإسلامي.. وستنتج روافد جديدة لهذه الأمة المبتلية بحكامها ، وبذهنيات ماضوية متخمة ببرمجات حاقدة.. سيكبر نهر الأمة المقاوم.. وستدخله أجيال وأجيال .. أما البعث، وحمله ثقيل.. وأكثر وطأة بعد غياب القائد صدام.. فعليه أن يعيد النظر بكل الأخطاء والارتكابات غير الصحيحة، والمعادية لحقوق البشر في التعبير، والحياة..والاختلاف.. وأن يكرس التعددية.. بدءاً من المقاومة التي يشارك فيها ببصمة واضحة.. ووصولًا إلى الخط السياسي..واختيار الديمقراطية نهجاً ومنهجاً فيه، وفي تعامله مع الآخر.. ليكون الأكثر وفاء لروح الشهيد.. المسلّح بقدرة التجدد والاستمرار، والتطهّر من كل الأخطاء ...كما تطهّر الشهيد وهو يفدي الوطن بجسده .... ـ بقي أن أقول أن الرئيس صدام حسين .. يكاد يكون الرئيس، أو الحاكم العربي الوحيد الذي ليس له حساباً في أي بنك خارجي..وأنه لا يملك أي رصيد في حساب أي بنك عراقي ..وقد صدق وهو يقول في رسالته الوداعية : أنه كان مؤمناً ـ نظيف القلب، واليد ..وأنه يفدي الوطن، والمبادئ، والرفاق، والعراق، وفلسطين العربية، والأمة بالروح .. قالها صدام، وفعلها .... اغتيل صدام يوم العيد.. ورأس السنة .. لكنه سيبقى حيّاً .. سيعيده التاريخ فينا جميعاً بألف صورة، وحكاية.. وسينتشر مع كل إشراقة صباح، وغروب شمس..وسيسكن قلوب كثير ممن كان متحفظاً، أو مرتبكاً، أو مرهباً.. أو معارضاً. سيجدد صدام حسين صورة غيفارا ..فيرتحل زائراَ قلوب وعقول ملايين الفقراء، التواقين للحرية، والاستقلال.. عشاق الإباء، والكرامة الشخصية والوطنية.. والكثير الكثير من الكبرياء .. ملحوظة : بعض الصحاب والمعارف.. ومنذ أسر الرئيس صدام، ثم إثر اغتياله بتلك الطريقة، والظروف يوجهون أسئلة لأمثالنا حول موقفنا فيما لو كنا في نفس الوضع .. أي فيما لووصلنا للحكم.. وشكل تعاملنا مع الحاكمين ..وأعتقد أن هناك ما يشبه الإجماع بين القوى المعارضة الأصيلة والأصلية حول عدد من الثوابت، وأهمها : ـ رفض الاستقواء بالخارج.. فكيف إذا كان هذا الخارج أمريكا : العدو الرئيس للأمة ..وبالتالي : رفض مقايضة الوطن باحتلاله..مهما كانت الظروف . ـ المعارضة السورية لا تناضل، وتشقى، وقد عانت الكثير الكثير، واكتوت بالتعذيب، والاعتقال، والبطش، والاغتيال، والملاحقة، والتهجير..من أجل الانتقام، أو أخذ الثأر.. بل في سبيل : حياة وحرية الوطن والمواطن. لأن الإنسان هو الغاية والمنطلق، وحقوقه يجب أن تبقى محفوظة، وأن تقيم النموذج .. ـ وأنها، إن وصلت الحكم بطريقة شرعية، فإن القضاء، والقضاء العادل، المستقل هو الذي يحاسب، ويحاكم، ويتخذ ما يراه من إجراءات، وليس الغلّ، والحقد، والتطييف، والتمزيق .. ـ أكثر من ذلك فإن روح التسامح، والمصالحة، والغفران..هي الشائعة.. وليست تلك التي نراها في عراق الاحتلال، وعراق الماليشيات الطائفية المبرمجة.. إلى درجة أننا نرفض، أبداً، أن نرى أحداً من بلدنا في مكان اغتيال صدام حسين ..
#جلال_عقاب_يحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضجة في إسرائيل بسبب صدور أمر بالتحقيق مع زوجة نتنياهو
-
-هذا لا يمكن أن يستمر-.. الجنود الأوكرانيون يأملون في التوص
...
-
زلزال قوي يضرب جنوب شرق جزيرة هونشو اليابانية
-
قتلى في غارات إسرائيلية على اليمن استهدفت مطار صنعاء ومواقع
...
-
كارثة بيئية في البحر الأسود: إنقاذ أكثر من 1200 طائر بعد غرق
...
-
اليمن.. ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على صنعاء وال
...
-
-تلغراف-: على ترامب أن يعرض على بريطانيا صفقة الانضمام إلى ا
...
-
فنلندا تحقق في -تخريب- كابل كهرباء بحري يربطها بإستونيا وسط
...
-
اتهامات للسلطات التونسية بالتنكيل بقيادي في حركة النهضة
-
كازاخستان تحسم الجدل عن سبب تحطم الطائرة الأذربيجانية في أكت
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|