|
في الاقتصاد السياسي لاستلاب المزارعين ما وراء (التنزيح) في الجزيرة
طارق بشري
الحوار المتمدن-العدد: 8213 - 2025 / 1 / 5 - 19:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الاقتصاد السياسي لاستلاب المزارعين ما وراء (التنزيح) في الجزيرة مقدمه اولي{١} آخذين في الاعتبار بكون الحرب التي اشتعلت منذ ١٥ ابريل ٢٠٢٣ هي بالتعقيد بمكان في التناول النظري و الواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي. بكونها الأوسع انتشارا جغرافيا والأكثر تأثيرا في حياة ملايين السودانيين في الريف و المدن و الأكثر استخداما ل الاسلحة الفتاكة و الحديثة و الاكثر تدميرا للبنية الاقتصادية و التحتية. و الاهم و الاكثر إفصاحا ايديولوجيا لازمة التشكيلة الاجتماعية الطبقية الحاكمة- بخاصة في تمرحلها بقيادة الفئة الطفيلية للراسمالية- منذ الاستقلال في التاريخ الحديث للسودان ، الأكثر تداخلا ما بين المحلي و الإقليمي و العالمي و بكونها في المبتدي و المنتهي المحاولات الأخيرة لاغتيال ثورة 19 ديسمبر. هنا نود أن نغوص في مظهر من مظاهرها العديدة و هو حالة النزوح والتهجير القسري لملايين من السودانيين والسودانيات و بالتحديد في مناطق يقطنها الآلاف من المزارعين (نعني اكثر متوسطي وصغار المزارعين والعمال الزراعيين) كما في في ولايتي الجزيرة وغرب دارفور نموذجا.السؤال هنا :هل هناك أبعاد استراتيجية(غير معلنة) لاجبار آلاف المزارعين للنزوح الداخلي نحو مناطق أخرى غير مناطقهم او دول مجاورة و اين مصالح الرأسمالية الطفيلية و تداخلها مع مصالح رأس المال(الأجنبي) والمؤسسات المعولمة التي تمثل مصالح الامبريالية في مركزها التقليدي في أمريكا وغرب أوروبا وفي الامبريالية الجديدة في الخليج وما حوله.وبمعنى أكثر وضوحا لا نعاين كون هذا النزوح القسري بكونه (فقط) أثر ثانوي او جانبي للحرب(collateral effect of war) بغرض حفظ النفس و الحياة في مناطق أخرى آمنة تكفل الحد الأدنى بحفظ حق الحياة. نحن هنا بصدد معاينة الاقتصاد السياسي ل الاستلاب أي استلاب صغار المزارعين و العمال الزراعيين من أرضهم و مدى احتماليته في التحقق أثناء الحرب وما بعدها. خلاصة القول{٢} خلاصة القول في هذا المقال:أنه في السياق التاريخي للسياسات النيوليبرالية منذ بدايات الثمانينيات وبتحليل للتناقضات الاجتماعية الطبقية و التي تلعب فيها السلطة الحاكمة دورا جوهريا في غلبة مصالح رأس المال الطفيلي و المعولم على حساب مصالح العمل و قواه المنتجة - بالتحديد - فيما يعنينا هنا- صغار ومتوسطي المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة ، العمال الزراعيين و المعدمين في( ولايتي)الجزيرة وغرب دارفور-وفي مرحلة أخرى من عملية الاستحواذ على الارض الخصبة(second stage of land grabbing)-و التي كانت منطقة الجزيرة جزء منها و التي تقدر مساحتها الكلية ما يقارب ال ٥ مليون هكتار من الأراضي الممنوحة بعقد إيجار يتراوح ما بين ٢٥ إلى ٩٩ عاما- فان الحرب وما بعدها يشير الى ان انه من المحتمل جدا أن يتم تحويل منطقة مشروع الجزيرة والمناقل إلى حيازات ذات مساحات اكبر او واسعة النطاق بدلا من الحيازات الصغيرة و (الحواشات) أي زيادة تركيز ملكية الأرض لصالح مصالح الرأسمالية المحلية و المعولمة (في القلب منها رأس المال الخليجي(الإمارات والسعودية الخ).و من غير الوارد أعمال عملية استبدال سكاني بالمفهوم الليبرالي و التحليل الثقافوي. او انه ليس الهدف الاستراتيجي ورا التهجير و النزوح القسري(أي استبدال مجموعة ثقافية بأخرى و كفي).و باستدعاء تاريخ تداخل بالبنك الدولي ومشروع الجزيرة والأزمة المتمظهرة على مستوى عالمي منذ ٢٠٠٨ في أزمة الغذاء و الطلب العالمي للمنتجات الغذائية.ما قد يتم هو تحويل اصحاب (الحواشات و الي عمال تستغلهم الشركات المعولمة و المحلية و التي تستهدف القيام باستثمارات كثيفة رأس المال والتكنولوجيا، و هكذا منطق التحليل في مقالنا والذي ننشره في عدة أجزاء(و على أن ينشر في موقع الحوار المتمدن بكامل المقال لاحقا). مقدمة اخرى {٣} و لأنها تجربة تبدو انها (جديدة ولكن اذا ما استدعينا تاريخ التراكم الرأسمالي ابان الحكم الكولونيالي ١٩٩٨١٩٥٦ فإنها ليست بجديدة) في تاريخنا السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي فإننا هنا سوف نعكس لبعض التجارب و التي قد تتقارب و واقعنا و لكي نتدارس في احتمالية هذا الانتزاع من الأرض.و بالتحديد نتدارس حول التجربة الكولومبية و الباكستانية و التركيه و الاثيوبية و علاقات راس المال الاجنبي(الشركات المتعدية الجنسية ) و العلاقة بين انتزاع صغار المزارعين و المعدمين من أراضيهم و زيادة تركيز ملكية الأرض في أيدي قلة من الرأسماليين سواء علي المستوي المحلي او الاجنبي . و سوف نتدارس أيضا حول هذا النزوح و الانتزاع و التداخل الأيديولوجي و النظري للبنك الدولي بكونه يلعب مثلث ثلاثي الابعاد فهو يمثل ايديولوجيا النيوليبرالية و بكونه يتداخل في التأثير في صنع القرارات السياسية و الاقتصادية المعنية بإدارة الاقتصاد الوطني وخاصة المتعلقة بالقطاع الزراعي و ثالثا بكونه يستدعي جلب الشركات المتعديه الجنسيه (رأس المال الأجنبي). و منطق التحليل الملموس لواقع النزوح القسري الملموس في ظل هذه الحرب يسري وفق أقسام محددة هي - و بشيء من التحديد الأولي - اولا: عرضًا تاريخيًا موجزًا لسياق عملية التهجير ونزع الملكية والتراكم منذ الحقبة الاستعمارية و ما بعد الاستقلال.ثانيا :العلاقة بين النزوح وزيادة تركيز ممتلكات الأراضي. كما يناقش تطور وتوطيد اقتصاد المضاربة الريعي الذي أصبح سمة مميزة للاقتصاد السياسي الريفي.و اخيرا نتدارس نقد الأطروحات الأيديولوجية السائدة في تفسير هذا النزوح القسري . ما يهم هنا لا التفسير فقط بل القراءة الملموسة بهدف التفسر الملموس المحدد والتغيير عبر المقاومة الاجتماعية السياسية وفق منطق التناقض الاجتماعي الطبقي في جوهره التاريخي المحدد. تنويعات النزوح القسري{٤} على المستوى النظري تعدد المفاهيم النظرية و التي تحاول أن تلامس نظريا نوعي النزوح(النزوح الطوعي و النزوح القسري) وهنا نبدو معنيين في هذا المقال بالنوع الثاني وهو النزوح او التهجير القسري و الذي بدوره تعددت مفاهيمه النظرية.في مبحث نقدي لتحديد أنواع النزوح والتهجير القسري تشير دراسة حديثة( المرجع هنا) إلى ضرورة نظرية معرفية لتمييز نوع اخر من انواع النزوح القسري وهو انتزاع الأرض لمصالح الطبقة الاجتماعية الحاكمة في البلد المحدد و في صالح ايضا راس المال المعولم(بسبق الاصرار والترصد الايدولوجي).من هذه الأنواع و التي تعددها الدراسة : النوع الأول من التهجير القسري هو التهجير او النزوح الناجم عن الكوارث الطبيعية من مثل الزلازل والانفجارات البركانية والانهيارات الأرضية والتسونامي والفيضانات والحرائق الهائلة والجفاف والتصحر…الخ.ففي العقود الأخيرة - في الثمانينات - شهد السودان - وعلى مستوى العالم هناك العديد من هذا النوع نقلته شبكات الإعلام - بعض من هذا النزوح بسبب من الجفاف و التصحر في دارفور.والنوع الثاني هو النزوح والتهجير بسبب من العنف و الحرب و الأمثلة هنا تعدد في تاريخنا القريب -مثالا معسكرات زمزم و السلام و ابوشوك . و بسبب من الحرب والاقتتال السياسي في دارفور منذ بدايات ٢٠٠٠ و راهنا في العديد من المدن والولايات(الخرطوم والجزيرة و وولايات دارفور و النوع الثالث يشار له النزوح او التهجير بزعم انتزاع الأرض من السكان المحليين بغرض بناء مشاريع تنموية وبنية تحتية( السدود و المطارات والطرق الخ) و مثال له ما تم من تهجير لسكان مدينة حلفا القديمة (جراء بناء السد العالي) ، سد مروي..والنوع الأخير هو التهجير والنزوح القسري جراء انتزاع الارض - عبر آليات الدولة القمعية و( التشريع القانوني(و التشريع القانوني للدولة في حد ذاته يعتبر من آليات الدولة القمعية)) و ايضا في مرحلة محددة قد تكون الحرب احدي الخيارات كالية أخري- من أصحابها على نطاق واسع بغرض ما يعرف الاستحواذ على الأرض( land grabbing) بغرض قيام مشاريع زراعية واسعة النطاق. هذا التصنيف الثلاثي او الانواع الثلاثه الاولي من النزوح والتهجير القسري لا يأخذ في الاعتبار و التحليل الصراعات الاجتماعية والسياسية على الموارد والأراضي التي غالباً ما تكون جوهرية و حيوية لفهم القصص(السياسية) الكامنة وراء النزوح القسري. يظهر النزوح كشيء عرضي(الأضرار الجانبية) للحرب أو تغير المناخ. ومن بين هذه الأنواع الثلاثة، فإن نوع التنمية هو الوحيد الذي يستحضر فكرة النزوح كفعل متعمد لنزع الملكية. ومع ذلك، فإن كلمة ”التنمية“ توحي بالتبرير للحداثة و التحديث؛ حيث يظهر النازحون على أنهم ”أضرار جانبية“ ل ”التقدم“ الاجتماعي والاقتصادي.من المهم أن ندرك أن بعض عمليات الاستيلاء على الأراضي هي تعكس (انتهازية) تستغل النزوح الناتج عن الحرب. تتريخه الأرض و استلابها السودان {٥} تتعدد الأسباب - وفق الأدب المعرفي المعني بالاقتصاد السياسي للحروب الأهلية- و التي تقود إلى الاقتتال السياسي داخل الدولة و من هذه الأسباب الصراع الاجتماعي السياسي ل الاستحواذ على الموارد و من هذه الموارد الاجتماعيه و الاقتصاديه الأرض. كانت الأرض واحدة من القضايا المركزية التي ساهمت في الحروب الأهلية الأخيرة في السودان، وهي عامل أساسي أيضا في إنجاح أو إفشال اتفاقيات السلام المحددة. كانت الأرض محورية في سياسات التنمية في الزمن الكولونيالي وما بعد 1956، وتغيرت تشريعات الحصول على الأراضي وحقوق الأراضي مع تغير سياسة التنمية و التي تتشكل وفق أيديولوجية السلطة الحاكمة.تم تغيير قوانين الاراضي بهذا الشكل أو ذاك على مدى سنوات منها( ١٩٢٥ و ١٩٧٠ و١٩٧٤و ١٩٨٤ و١٩٩٠)وبالتالي كان لأفراد المجتمع المحلي داخل الدار حقوق أساسية أو مهيمنة في استخدام الأرض. غير أن حقوق الدار كانت تستوعب الحقوق الثانوية لمن هم خارج المجتمع المحلي في الحصول على حقوق محدودة في استخدام الأراضي على أساس عرضي أو موسمي. بالتوازي مع تجاوز الحقوق العرفية في الأراضي و إلغاء الإدارة الأهلية في عام 1971، تم إزالة تلك المؤسسات التي كانت الأبرز في تنظيم وإدارة القوانين العرفية للوصول إلى الأراضي واستخدامها. بقيام بعض من المشروعات الزراعية الآلية و التوسع فيها ازدادت الحاجة إلى قوة عاملة (مهاجرة) كبيرة، وقد تم توفيرها في المقام الأول من قبل صغار المزارعين الذين جردوا من أراضيهم والرعاة الفقراء الذين وجدوا أن وصولهم الموسمي إلى الأراضي مقيدًا أكثر من أي وقت مضى (دوفيلد 1992: 50-1): وهو ما أدى إلى مزيد من اغتراب سكان الريف عن الأرض التي يعيشون عليها. في جبال النوبة ”أدى نمو الزراعة الآلية إلى تحطيم جدوى زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة من النوبة. كما أنه دمر العلاقات الودية مع الرعاة العرب. وفقا لدوفيلد لم تكن الشعوب المتاخمة مباشرة لجنوب السودان هي وحدها التي تأثرت بالتغييرات في تشريعات الأراضي. فقد كانت السياسة الاستعمارية في منطقة القضارف في شرق السودان تنظم العلاقات بين رعاة سافانا البوتانا ومزارعي السهل الطيني الجنوبي عن طريق إنشاء خط (رعي) بين البطانة والسهل، حيث كانت الزراعة على نطاق واسع محظورة شمال الخط، بينما لم يكن مسموحاً للرعاة بالتحرك جنوباً حتى انتهاء موسم حصاد الحبوب، حيث كانوا يرعون حيواناتهم على القش و يحرثون الحقول في المقابل. وانهارت هذه الترتيبات مع التغييرات التي طرأت على التشريعات في السبعينيات، حيث تم توزيع الأراضي الزراعية على الأفراد الأغنياء والشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب، وتوسعت الزراعة على نطاق واسع شمال وجنوب خط الرعي على حد سواء. و تلعب الأرض دور أساسي في الحرب بخاصة في دارفور،بفعل العامل الطبيعي مثل الانخفاض الحاد في هطول الأمطار في شمال دارفور في السبعينات مما أدى لنزوح قسري للرعاة إلى الحزام الزراعي الأوسط، ومع تقليص كل من مناطق الزراعة المفتوحة والمراعي داخل الحزام الزراعي الأوسط من خلال التوسع في المشاريع الزراعية الآلية وفي الثمانينيات بدأت بعض المجموعات الرعوية النازحة في المطالبة الدائمة بالأراضي التي مُنحت لهم مؤقتًا، وعبر الاتكاء على نيران الاسلحة نحو استحوذ الرعاة على أراضي الملاك المزارعين من أراضيهم وأنشأوا لأنفسهم أوطانًا جديدة بحكم الأمر الواقع و و هذه تسمى عملية تحويل الحقوق الثانوية بالقوة إلى حقوق مهيمنة Ethnic Territories & National Development Decolonising the Borders in Sudan ,Douglas H. Johnson .الوصول إلى الأراضي هو مفتاح سبل العيش لجميع المجتمعات المحلية في دارفور، والحصول على الأراضي الزراعية هو أحد الأسباب الجذرية للنزاع ولا يزال أحد الأسباب الجذرية للنزاع. النتائج المستخلصة من الدراسات الثماني في دارفور التي أجريت في إطار صندوق بناء السلام صندوق بناء السلام في السودان في الفترة 2020-2021 أن %81 من النازحين داخلياً غير قادرين على الوصول إلى أراضيهم الزراعية في أماكنهم الأصلية.(https://shorturl.at/LLCAG) المزارعين و العمال و زيادة الفوارق الاجتماعية{٦} وبين سبعينيات وتسعينيات القرن العشرين، ازداد التفاوت في الثروة: فقد ازدادت حصة أغنى 20 في المائة من السكان من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 75 في المائة، في حين انخفضت حصة أفقر 50 في المائة من السكان من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 7 في المائة فقط . وظل معدل البطالة ثابتًا (بين 13 في المائة و15 في المائة) على الرغم من التقلبات في نمو الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1991 و 2016 و ما بعدها وعلى الرغم من صدور أكثر من 12 خطة استراتيجية في العقود التالية تهدف إلى تعزيز إدارة الموارد الزراعية، إلا أن عدم كفاية الاستثمار في البحث والتطوير، الذي كان باستمرار أقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، أعاق التقدم. ويبقى هذا النقص في الابتكار والممارسات المستدامة عائقاً كبيراً أمام التنمية. و من التغيرات البنيوية العميقة الاثر و التي أحدثتها سياسات النيوليبرالية ندلف لمعاينة صوره كلية في ازدياد الفوارق الاجتماعية والطبقية.حسب دراسة صدرت في أغسطس ٢٠٢٣ (WORKING PAPER STRATEGY SUPPORT PROGRAM | WORKING PAPER 12): سيتقلص الاقتصاد إلى نصف حجمه تقريبًا قبل الحرب، وينخفض دخل الأسر بأكثر من %40 في المناطق الحضرية والريفية، ويزداد عدد الفقراء بمقدار 1.8 مليون شخص إذا استمرت الحرب استمرت حتى نهاية العام. كان التأثير سيكون أقل بنسبة الثلثين لو كانت الحرب قد قبل يوليو 2023، وكان سيقل بمقدار الثلث إذا انتهت الحرب قبل أكتوبر 2023.السياسات النيوليبرالية منذ التسعينيات كانت لها أثر سلبي متعاظم في فضاءات الريف السوداني أكثر مما خلفته من فقر حاد في الحضر.و حسب ورقة (مجموعة البنك الدولي يونيو٢٠٢٠) معنونة :( Agricultural Productivity and Poverty in Rural Sudan).تخلص إلى أن:في حين أن الزراعة لا تزال الركيزة لشريحة كبيرة من السكان في السودان، شهد الفقر في المناطق الريفية انخفاضاً كبيراً (بين عامي 2009 و2014/2015)، إلا أن الفقر لا يزال مرتفعاً نسبياً بين المشتغلين بالزراعة. وتشهد الأسر التي تعمل في الزراعة - سواء في زراعة المحاصيل وتربية الماشية - أعلى معدلات الفقر بين الأسر المصنفة حسب سبل العيش الرئيسية في السودان. وبما أن هذه الأسر تشكل الجزء الأكبر من مجموع السكان، فإن فهم سبب بقاء هذه الأسر فقيرة….تميل المناطق الريفية إلى أن تكون فجوة الفقر فيها أعلى، وهي النسبة التي ينخفض بها متوسط مستوى الرفاهية عن خط الفقر، مما يعكس ارتفاع حدة الفقر في المناطق الريفية…وداخل المناطق الريفية في السودان، ترتفع معدلات الفقر بشكل خاص لدى المشتغلين بزراعة المحاصيل مقارنةً بالمشتغلين بتربية الحيوانات.الفقر والإفقار يتبدى لنا بكونه ازداد على مستوى واسع مما عليه قبل الحرب وازداد أيضا من ناحية سرعته و المؤشرات الاقتصادية بعد اندلاع الحرب واستمرارها الي أكثر من ٢٠ شهرا (التضخم وسعر الصرف و النمو الاقتصادي الخ) إلى إشكالية الفقر والإفقار و التي تزداد أكثر قتامة أثرا اجتماعيا و طيبقيا على كل القطاعات المنتجة و الخدمية. إشكاليات التمويل في القطاع الزراعي {٧} و تعدد تمظهرات السياسات النيوليبرالية وانعكاساتها السالبة بامتياز على القطاعات المنتجة و بخاصة القطاع الزراعي و من هذه التمظهرات إشكالية التمويل الزراعي . واجه القطاع الزراعي تحديات مالية حرجة، حيث تم تخصيص %1 فقط من إجمالي التمويل لـ %65 من المنتجين الذين هم من صغار الملاك التقليديين، مما جعلهم أقل الجهات الفاعلة ربحية في سلاسل القيمة الغذائية الزراعية. ومن ناحية أخرى، ذهب %70 من التمويل المتاح إلى كبار التجار (منظمة الأغذية والزراعة 2020). وحدّ هذا التفاوت المالي بشدة من قدرة أصحاب الحيازات الصغيرة على النمو والابتكار. بالإضافة إلى ذلك، كان الحصول على المدخلات الزراعية المحسّنة منخفضًا بشكل مثير للقلق: إذ لم يحصل سوى 11.5 في المائة من المزارعين على بذور محسّنة و26 في المائة منهم فقط على لقاحات للحيوانات.ومن المؤشرات الأخرى التفاوت في العائد على الاستثمار بين أصحاب المصلحة في سلسلة القيمة الغذائية الزراعية في شرق دارفور. و علي سبيل المثال فبينما حقق صغار مزارعي الفول السوداني عائد استثمار بنسبة %7، وحقق التجار عائد استثمار بنسبة %29، بينما حقق المصدرون عائد استثمار بنسبة %110.((https://shorturl.at/vAspC(Gussai H. Sheikheldin and Muzan Alneel منذ عقدين او اكثر و اضافة الي خصخصة ضربت مشروع الجزيرة في مقتل ظلت الدولة وعبر وزارة المالية و المؤسسات المالية و البنكية تجفف من تمويلها و بما فيهم وزير المالية الحالي- جبريل إبراهيم- له موقفه الواضح والمعلن تجاه المشروع والمتمثل في رفضه لتسهيل أي عملية تمويل إنتاجية خاصة بالمشروع (https://www.medameek.com/?p=135340).كشفت إدارة مشروع الجزيرة، عن رهن أصول المشروع بنحو ٧٥ مليار جنيه للبنك الزراعي لزراعة ٣٠٠ ألف فدان بمحصول القمح، في وقت طالبت فيه بتوفير الوقود اللازم لمكون الري لإنجاح الموسم الزراعي قبيل الحرب. وعزت دخول الإدارة في توفير التمويل لرفع وزارة مالية سلطة الأمر الواقع يدها عن التمويل، وكذلك الشركات( https://www.medameek.com/?p=134929). الحرب والانتاج الزراعي و المنتجين{٨} الحرب التي واجهها مشروع الجزيرة ودوره في النمو الاقتصادي والتنمية تعددت من حروب على مستوى السياسات الحكومية و ليدخل المشروع و منطقته الي مرحلة اخري تتخذ من الرصاص و ارهاب المنتجين و بل حرب على بنيته المعرفية و العلمية .التدمير الممنهج من قبل قوات الدعم السريع لكل مراكز البحوث الزراعية بالسودان (مركز بحوث شمبات، مركز بحوث الجزيرة) إضافة إلى إتلاف مستودعات الأصول الوراثية للعديد من الأصناف السودانية الخالصة خاصة الحبوب الغذائية. وبسبب الحرب تراجع في الإنتاج، إذ تناقصت المساحات من 70 مليون فدان إلى 36 مليونا على مستوى السودان.تقدر منظمة الفاو أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، أي نحو 9 ملايين شخص......و كذلك تسببت في تدمير أنظمة الري والقنوات ومخازن الحبوب للتدمير، و نقص المدخلات الزراعية بسبب صعوبة الحصول على البذور والأسمدة والمبيدات الحشرية بسبب انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع أسعارها.(( الجزيرة نت 17/10/2024) https://shorturl.at/5yicE)) ووفق بيان عن تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل(اغسطس ٢٠٢٤ https://shorturl.at/jUiMD ) يعد مشروع الجزيرة أحد أكبر المشاريع الزراعية في العالم، حيث يروي ملايين الأفدنة ويقدم خدمات لأكثر من 4.5 مليون نسمة. النساء يمثلن 35% من المزارعين ويقمن بأكثر من 80% من العمل الزراعي. هذا المشروع، الذي يساهم بأكثر من 65% من الدخل القومي السوداني، أصبح عاجزًا عن القيام بدوره بسبب التدمير والنهب المستمرين في مشروع الجزيرة.ويضم المشروع أكثر من 3 ملايين ونصف مليون نسمة يقيمون فيه بشكل مستقر، وجميعهم من المزارعين والعمال الزراعيين الدائمين والموسميين وعمال المؤسسات الخدمية.وكان يسهم حتى العام 2023 بنحو 65 بالمئة من إنتاج السودان من القطن، ونسبة كبيرة من إنتاج القمح والذرة والفول السوداني والقمح والخضراوات والأعلاف وزهرة الشمس بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني(الجزيرة نت 17/10/2024).أدى القتال إلى نزوح حوالي 11 مليون شخص من سكان البلاد الذين يبلغ عددهم 48 مليون نسمة، مع إجبار الكثيرين على اللجوء إلى الدول المجاورة، وفقاً للأمم المتحدة. تمرحلات سوق العمل السوداني و الرأسمالية النيوليبرالية{٩} في دراسة ل جاي أوبراين (By ROPE -September 28, 2020)( The formation of the agricultural labour force in Sudan) تتخذ من علاقة الرأسمالية والحكم الكولونيالي البريطاني للسودان و تمرحلات تاريخ سوق العمل وفق المنطق الرأسمالي تصل الي ان هناك ٤ مراحل لهذا السوق و هي: المرحلة 1: 1898-1925: هيمنت الأهداف الاستراتيجية البريطانية في احتلال السودان على السياسة في جميع المجالات. اقتصرت التنمية الزراعية على تجارب صغيرة النطاق في زراعة القطن، وكانت الحكومة تشرف عليها بصرامة. وخوفاً من تجدد الانتفاضات القومية، تم تقييد استخدام الضرائب وغيرها من الأساليب الاستعمارية التقليدية لتحفيز إمدادات العمالة بشدة. المرحلة 2: 1925-1950: هيمن ضمان توفير إمدادات آمنة من العمالة الموسمية لمخطط الجزيرة الذي افتتح عام 1925، وعدد قليل من مزارع القطن الخاصة المروية بالمضخات التي افتتحت لاحقاً، على جميع سياسات العمل وتم تقييد جميع أشكال التنمية الاقتصادية الأخرى تقريباً. وقد شجع البريطانيون توطين أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين من غرب إفريقيا في منطقة الجزيرة وما حولها كمصدر للعمالة الزراعية. تتوافق هذه المرحلة مع فترة الامتياز الممنوحة للشركة الزراعية (SPS)، وهي شركة بريطانية، لإدارة مشروع الجزيرة. المرحلة الثالثة: 1950-1975: بدأت هذه الفترة بتأميم وسودنة مشروع الجزيرة و توسعت سريعاً الزراعة الرأسمالية الالية، المروية على حد سواء، بما في ذلك بدايات الاستثمار السوداني الخاص واسع النطاق في الزراعة. وقد تحقق التوسع المقابل في القوى العاملة الموسمية من خلال نظام متقن للتوظيف، وأدى إلى تكوين قوة عاملة مقسمة إلى حد كبير إلى أسواق متميزة تقريباً لمختلف المهام الزراعية. المرحلة 4: 1975 إلى الوقت الحاضر: بدأت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة المصحوبة بتسارع التضخم ابتداءً من عام 1973 في إحداث آثار ملحوظة على أسواق العمل الزراعي و بعام 1975 بدأت معدلات الأجور في الارتفاع الحاد مما قاد لانهيار نظام التوظيف بين قطاعات سوق العمل. وقد تعنينا المرحلة الاخيرة و التي وفقا له بدا من 1975 ة بدايات تبني نظام نميري سياسات التحرير الاقتصادي وإعادة الهيكلة و التي فيما بعد بدا من التسعينيات (نظام الانقاذ) قطع فيها شوطا بأسلوب الصدمة ارتينا العديد من آثارها على مؤشرات الاقتصاد الكلي ة التنمية والتي من ضمنها التأثيرات السالبة بحدة على سوق العمل في التوظيف الرسمي وغير الرسمي.و نزعم ان جاز لنا القول بكوننا قبيل الحرب وما بعدها ندخل في مرحلة خامسة من تمرحل سوق العمل والتي قد تشهد تحويل الآلاف من صغار المزارعين والمنتجين إلى عمال بالأجر يعملون غالبا لأصحاب المزارع الرأسمالية واسعة النطاق المحتملة ة في موجة جديدة من الاستحواذ على الأرض (second stage of land grabbing)ة لهذا علاقة جدلية بما يجري من نزوح قسري.ة لهذا شكل جديد من عملية التراكم الرأسمالي ة تعميق تبعية الاقتصاد الوطني أكثر للمراكز الرأسمالية إقليميا وعالميا. والتكلفة الاقتصادية للحرب تزداد مع استمرار الحرب وإلى الحد الذي قد يفلس فيها الاقتصاد أو يصل مرحلة متقدمة نحو ذلك و الذي تديره حكومة الأمر الواقع و تصريحات وزير ماليتها جبريل ابراهيم الأخيرة(٣١ ديسمبر ٢٠٢٤. https://www.sudanindependent.com) في لقائه مع الصحافة والذي أشار فيه ضمن ما أدلى به تجاه حكومته إلى بيع( أصول الدولة) و هنا لا يستبعد أن تؤجر لعقود طويلة بعض من مشاريع زراعية و مزيد من الأراضي الزراعية الخصبة لرأس المال الأجنبي. مقاربة 3 تجارب دولية {١٠} سوف ندلف هنا إلى عكس بعض التجارب الدولية و التي تبدو لنا اكثر مقاربة لمسالة النزوح القسري للمزارعين مما تعنيه من بعد في مآلات الصراع الاجتماعي الطبقي - عبر الية الحرب والعنف - من تركيز ملكية الأرض بيد رأس المال المحلي والأجنبي.تبدو التجربة الكولومبية هي الأكثر توافر تنظيرا و الأقرب لنا في السودان بكونها يتداخل فيها دور الدولة (النيوليبرالية) و جيشها والميليشيات المتعاونة معها و مع الدور البارز لرأس المال الأجنبي في الاستحواذ على تلك الأراضي المنزوعة من أصحابها من صغار المزارعين.ايضا سوف نعكس بعض من تجارب باكستان وتركيا على سبيل المثال لا الحصر. كان الصراع على ملكية الأراضي بين القوى الاجتماعية سواء بزيادة أو تقليل الحيازات الاحتكارية سمة بارزة في تاريخ أمريكا اللاتينية و بل كانت سببا ضمن اسباب أخرى للحروب الداخلية. وفي كولومبيا، نجحت النخبة المالكة للأرض في التغلب على جميع محاولات كسر احتكارها. في أواخر القرن التاسع عشر، واجهت النخبة التجارية الحضرية في كولومبيا التحدي بمفردها، ولكن في العقود الأولى من القرن العشرين، شكلت النخبة التجارية الحضرية في كولومبيا تحالفًا مع البرجوازية الصناعية و التجارية الناشئة. ولم ينقطع احتكار ملكية الأراضي تقريبًا حتى القرن 21. وكانت إحدى النتائج الأكثر ديمومة لتركيز ملكية الأراضي هي خلق واحدة من أكثر النتائج انحرافًا في توزيع الثروة في العالم. في كولومبيا، وفقًا الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، بلغت حصة الشريحة العليا % 20 من الدخل القومي خلال الفترة 1990-2010. علاوة على ذلك، يؤكد بيكيتي أن مستويات عدم المساواة في كولومبيا أعلى من تلك التي شهدتها الولايات المتحدة للفترة نفسها إذا ما تم خصم المكاسب الرأسمالية.ما يفسر هذا التركز العالي للثروة هو أن 11,000 من ملاك الأراضي في كولومبيا نجحوا في تجميع %67 من الأراضي الأكثر خصوبة، بينما ذهبت الـ %38 المتبقية من الأراضي إلى نحو 11 مليون شخص. نشأ هذا التراكم في حيازات الأراضي من قبل نخبة صغيرة من خلال نزع الملكية والتهجير القسري للملايين، وهي عملية تاريخية ظلت مستمرة إبان الحقبة الاستعمارية وما بعد الاستعمار الاسباني.مع استمرار الطبقة الاجتماعية الحاكمة في توسيع احتكارها للأراضي كان هناك دور متزايد أيضا إلى الشركات عابرة القومية وكبار المضاربين والصناديق السيادية والمؤسسات المالية.كولومبيا هي البلد الأكثر تفاوتاً في أمريكا اللاتينية في الحصول على الأراضي. وقد ارتفع مؤشر جيني منذ عام 1984 وبلغ 0,897 في عام 2014. زادت مساحة العقارات التي تزيد مساحتها عن 500 هكتار بنسبة 940% بين عامي 1970 و2014. وتضاعفت هذه المساحة بين عامي 2002 و2014 عندما بلغت 47 201.700 هكتار (أوكسفام، 2017).هذه الظاهرة هي نتيجة للنزاع المسلح الذي جرد الفلاحين من 6 ملايين هكتار من الهكتارات وأدى إلى نزوح 10% من إجمالي السكان في كولومبيا. بالإضافة إلى ذلك، أثر العنف على عدم المساواة الشديدة في ملكية الأرض. في عام 2013 كانت كولومبيا تحتل المرتبة الثانية بعد سوريا من حيث عدد النازحين داخليًا ، حيث بلغ عددهم ما يقرب من 6 ملايين نازح، وقد اتسمت هذه العملية التوسعية بالعنف، و ترافقت مع مجازر ومظاهر علنية من الفظائع والاغتصاب وقطع الرؤوس والإعدامات التي تهدف إلى بث الرعب في نفوس الفلاحين. كان التوسع في تربية الماشية على نطاق واسع في مقاطعات منها بوليفار وقرطبة وسيزار ولا غواخيرا وسوكري - مدعومًا ضمنيًا من خلال سياسات حكومية مثل تسهيل الائتمان والإعانات المالية والضرائب المنخفضة على ممتلكات الأراضي والماشية.خلق منطق التوسع الرأسمالي وضخ رؤوس الأموال الجديدة طلبًا على الأراضي في سوق احتكارية غير مرنة بالفعل. أدى ذلك إلى نشوء ديناميكية صراع بين مربي الماشية وصغار الفلاحين الملاك والعمال الزراعيين.وقد اتخذت شريحة من البرجوازية الكولومبية و التي تشتغل في صناعة (المخدرات) مجال شراء الأراضي كآلية ميسورة لغسيل أموالها عبر شرا العقارات و الاراضي الزراعية.(( https://shorturl.at/TW9rQ).Columbia | Journal of International Affairs By Nazih Richani April 20, 2015). والتجربة الثانية و التي قد تتلامس واقع تجربتنا في السودان بعد ان اشرنا الى الملامح الجوهرية و التي عكست التجربة الكولومبية هي مبادرة باكستان الخضراء التي أطلقتها الحكومة وما تبنته من سياسات زراعية تنحاز لرأس المال الخاص والأجنبي والذي استهدف الاستحواذ على أخصب الأراضي - من تعظيم الربحية- في أقاليم باكستان والتي منها على سبيل المثال البنجاب والسند و بلوشستان و التي طرحت فيها السلطة الحاكمة ما يقدر وقتها 4.8 مليون فدان من الأراضي .وقد أدت هذه السياسة الزراعية في سبيل تأسيس المشروعات الزراعية واسعة النطاق لصالح رأس المال الخاص والأجنبي إلى تشريد آلاف الفلاحين المعدمين وصغار المزارعين بحجة التحديث الزراعي.و لكن في المقابل فقد واجه صغار المزارعين و الفلاحين المعدمين هذه السياسة - و التي اعتبروها سم قاتل للفلاحين والعمال الزراعيين وصغار المزارعين والتي استهدفت انتزاعهم قسرا من أراضيهم بالمقاومة.كما أن هذه السياسة تستجيب بشكل إيجابي لمؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي والخدمة الاستشارية للاستثمار الأجنبي، اللتين كانتا مؤثرتين في تشكيل بيئة الاستثمار الزراعي في باكستان وتتماشى مع التعديلات التي يتطلبها اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة….حاولت السياسة الزراعية للشركات في محاولة لتحديث القطاع الزراعي الذي يعتمد معظمه على الزراعة الأسرية القائمة على الكفاف والحيازات الصغيرة، والتي تتسم بتشكيلات اجتماعية تشمل الإقطاع وعدم امتلاك الأراضي والبنية القبلية.تقديم 7 ملايين فدان - في مرحله اخري - من الأراضي الباكستانية للمستثمرين الأجانب بموجب عقود إيجار تتراوح مدتها بين 49 و99 سنة….وكجزء من إطلاق هذه السياسة، أعلن وزير الاستثمار الاتحادي أنه سيتم إنشاء قوة أمنية قوامها 100 الف لحماية الاستثمارات.وهكذا أضعف الحرمان التاريخي لمجتمعات الفلاحين من حقوقهم في المساومة في الصراع على ملكية الأراضي، وهو ما ينعكس في أنماط ملكية الأراضي غير المتكافئة بشكل صارخ: تمتلك أغنى 4% من الأسر الريفية أكثر من نصف مجموع الأراضي المزروعة؛ و49% من الأسر الريفية لا تملك أرضًا(https://shorturl.at/UIJcG). و لنعد مرة أخرى لإضفاء مزيد من الضوء على التجربة الكولومبية بكونها- كما اشرنا اعلي المقال - الأكثر تنظيرا و بخاصة من جهة التحليل الماركسي و الأقرب لتجربتنا السودانية.حيث يبدو من الجهه الاخري من الاستقطاب الاجتماعي والطبقي أن المزارعين والعمال الزراعيين الذين تم انتزاعهم من أراضيهم يجهرون صوتهم في فضاء منظمات المجتمع المدني العالمي مطالبين بحقهم و حقوقهم ضمن آليات اخرى للمقاومة داخل كولومبيا - من أجل استعادة الأراضي التي سُلبت واحتلت لصالح الرأسمالية المحلية و الامريكية و التي أرادت تحويل أراضيهم لزراعة نخيل الزيت وتربية الماشية بدل مزارع الموز منذ تهجير سكان المنطقة عام 1997 على يد الجيش الكولومبي الممول من الولايات المتحدة وفرق الموت شبه العسكرية التابعة لها اضافة الى ميليشيا شبه عسكرية تدعى ”مفوضية الدفاع الذاتي الأمريكية“.و عملية اقتلاعهم من أراضيهم والتي تمت في فضاءات الحرب الأهلية كانت تتسم بكثير من الوحشية و حسب وصفهم:جاءت هذه المجموعة العسكرية وطلبت من الفلاحين الخروج. وقالوا لهم: ”اخرجوا وإلا سيأتي أناس ليقتلوا الناس ويقطعوا رؤوسكم“.كانوا يقيدون الفلاحين. وعندما كانت القوات شبه العسكرية أو الجيش ينالون من الناس، كانوا يقطعون اصابعهم وآذانهم وكانوا يقتلونهم بالمناشير(https://shorturl.at/sXuzB ان الحروب الأهلية هي بشكل جوهري ووفق السياق الاجتماعي السياسي صراع مسلح على السلطة السياسية والسيطرة على الموارد. فبالإضافة إلى إنتاج فائزين وخاسرين وتدمير الممتلكات والبنية التحتية، يمكن للحروب الأهلية أن تنتج أو تعزز التغيرات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية ذات الآثار طويلة الأمد. تصف هذه المقالة ثلاث عمليات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية مترابطة أوجدها أو عززها نظام الحرب التي دامت واحدًا وخمسين عامًا والتي عصفت بكولومبيا.اقتصاد سياسي ريعي في المناطق الريفية، سمة أساسية فيه هي المضاربة في أسعار الأراضي.تشريد أكثر من مليوني شخص بين عامي 1946 و1958، وما يقرب من 6 ملايين شخص بين عامي 1985 و 2014.زيادة تركيز ملكية الأراضي من قبل النخبة المالكة للأراضي( https://shorturl.at/QxEf2) و في مقاربة ثالثة تعكس العلاقة الجدلية بين مصالح رأس المال على المستوى الوطني والعالمي و النزوح القسري للمزارعين و تركيز ملكية الأرض بأيدي القلة و الحرب والاقتتال الأهلي نود هنا ان نشير الى خلاصات محددة حول ذات التجربة في تركيا.آخذين في الاعتبار النزعة الاستبدادية للحكم بقيادة أردوغان وسياسة النيوليبرالية المطبقة منذ سنوات عديدة هناك.تشير دراسة ((The Journal of Peasant Studies 2018 ..)https://shorturl.at/FBvAc) إلى أن هناك ديناميتان بارزتان بشكل خاص. أولاً، كان أردوغان وحزبه العدالة والتنمية كان فعالًا بشكل خاص في تعميق الليبرالية الجديدة في الاقتصاد والمجتمع. فقد خلقت سياساتهم شكلًا جديدًا من النيوليبرالية التنموية الجديدة، حيث أصبح يُنظر إلى حلول جميع العلل الاجتماعية على أنها ممكنة من خلال النمو الاقتصادي السريع.ثانيًا، كثفت هذه السياسات من تحول الريف,حيث فتحت الأشكال الجديدة من نزع الملكية ونزع الملكية الريفية الطريق أمام حملة استخراجية غير مسبوقة. وفي ورقة أخرى((The Journal of Peasant Studies 2022)(https://shorturl.at/PjzYw ) تدرس ذات الإشكالية تذهب بالقول :أن هناك ثلاثة أسباب أساسية للتغييرات الاجتماعية والمكانية غير المسبوقة التي أدت إلى ظهور (الجيتوهات ghettos) الريفية في جنوب تركيا. أولاً، أدى التحول الزراعي النيوليبرالي إلى تغيرات في تركيبة المحاصيل الزراعية، مما أدى إلى الحاجة إلى عمالة رخيصة على مدى فترات زمنية أطول. ثانيًا، تدفع مستويات الفقر المدقع للعمال الموسميين الأكراد إلى عدم العودة إلى ديارهم والبقاء في مستوطنات الخيام حول المزارع. ثالثاً، إن ارتفاع مستوى الفقر والضعف لدى اللاجئين السوريين يجبرهم على قبول الوظائف ذات الأجور المتدنية وأنواع السكن الأكثر بدائية مثل مستوطنات الخيام. لذلك تصل الورقة إلى أن التعايش بين التحول الزراعي وتدفقات الهجرة المعاصرة أدى إلى تغير اجتماعي مكاني في المناطق الريفية في تركيا. نتدارس في القسم الأخير من المقال حول مقاربتنا لهذه التجارب الدولية ونرى كيف أنها من الممكن والمحتمل أن تتقارب و واقع حرب 15 أبريل و و ما بعدها من أثر النزوح القسري لآلاف المزارعين والعمال الزراعيين و المعدمين في ولاية الجزيرة وغرب دارفور على سبيل المثال لا الحصر. زبدة القول{١١} قولنا في هذا المقال يلامس المسالة الزراعية وعلاقتها بالتغيرات في القطاع الزراعي و المسار التنموي والإقتصاد السوداني و ارتباطاته بالنظام الرأسمالي العالمي و بشيء من التحديد الملموس تحدثنا عن حرب 15 أبريل هنا و تمظهراتها من النزوح القسري و الذي ميلنا فيه بنوع محدد من مفاهيم النزوح القسري و الذي ارتينا من خلاله ان النزوح القسري وخاصة بين صغار المزارعين و العمال و المتحصل جراء الحرب( ولاية الجزيرة مثالا) لا بكونه(فقط) أثرا جانبيا للحرب حيث قسر النازحين التوجه لمناطق أخرى بحثا السلامة وحفظ النفس و إنما (هبشنا) التحديد الأولي ل الاقتصاد السياسي للأبعاد الاستراتيجية للنزوح القسري بكونه وفق التحليل الملموس يشي إلى أنه من المحتمل ان يتم نسخ تجربة كولومبيا (قيام مزارع واسعة النطاق - تركيز واسع لملكية الأرض بيد فئات من الرأسمالية الحاكمة ورأس المال الاجنبي المستثمر في الزراعة -وطرد اصحاب الارض و الغالب كونهم من صغار المزارعين والعمال والمعدمين).أنه في السياق التاريخي للسياسات النيوليبرالية منذ بدايات الثمانينيات وبتحليل للتناقضات الاجتماعية الطبقية و التي تلعب فيها السلطة الحاكمة دورا جوهريا في غلبة مصالح رأس المال الطفيلي و المعولم على حساب مصالح العمل و قواه المنتجة - بالتحديد - فيما يعنينا هنا- صغار ومتوسطي المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة ، العمال الزراعيين و المعدمين في( ولايتي)الجزيرة وغرب دارفور-وفي مرحلة أخرى من عملية الاستحواذ على الارض الخصبة(second stage of land grabbing)-و التي كانت منطقة الجزيرة جزء منها و التي تقدر مساحتها الكلية ما يقارب ال ٥ مليون هكتار من الأراضي الممنوحة بعقد إيجار يتراوح ما بين 25 إلى 99 عاما- فإن الحرب وما بعدها يشير الى ان انه من المحتمل جدا أن يتم تحويل منطقة مشروع الجزيرة والمناقل إلى حيازات ذات مساحات اكبر او واسعة النطاق بدلا من الحيازات الصغيرة و (الحواشات) أي زيادة تركيز ملكية الأرض لصالح مصالح الرأسمالية المحلية و المعولمة (في القلب منها رأس المال الخليجي(الإمارات والسعودية الخ).و من غير الوارد أعمال عملية استبدال سكاني بالمفهوم الليبرالي و التحليل الثقافوي. او انه ليس الهدف الاستراتيجي ورا التهجير و النزوح القسري(أي استبدال مجموعة ثقافية بأخرى و كفي).و باستدعاء تاريخ تداخل بالبنك الدولي ومشروع الجزيرة والأزمة المتمظهرة على مستوى عالمي منذ 2008 في أزمة الغذاء و الطلب العالمي للمنتجات الغذائية.ما قد يتم هو تحويل أصحاب (الحواشات و الي عمال تستغلهم الشركات المعولمة و المحلية و التي تستهدف القيام باستثمارات كثيفة رأس المال والتكنولوجيا،,و ان منتوجات سياسات التحرير الاقتصادي والسوق الحر(و الذي هو ليس بحر) من الخصخصة الواسعة لمشروع الجزيرة و تدهور الإنتاج الزراعي بعد رفع الدولة يدها عن التمويل و إفساح المجال واسعا للبنوك بأن تجحف حينا و تجفف حينا في التمويل لدرجة رهن الحواشات و مع الافقار الواسع للريف و بخاصة للمنتجين و العمال الزراعيين و مع اعتبارات الحرب و توقعها إلى تسريع حالات الفقر فان الرأسمالية الطفيلية تهيئ المسرح لبيع المشروع هكذا منطق التحليل في مقالنا والذي ننشره في عدة أجزاء(و على أن ينشر في موقع الحوار المتمدن بكامل المقال لاحقا).
#طارق_بشري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب 15 ابريل و الامبريالية (الجديدة)... 12 أداة امبريالية… ه
...
-
التراكم الرأسمالي الاولي و نظام المؤتمر الوطني 1989 - 2019 ر
...
-
التراكم الرأسمالي الاولي و نظام المؤتمر الوطني 1989 - 2019 ر
...
-
قراءة نقدية في دورات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (2-3) الت
...
-
غرامشي و نحن: نحو اكتمال (ثورة) ديسمبر
-
في الاقتصاد السياسي للفترة الانتقالية (26 ) امريكا اللاتينية
...
-
في الاقتصاد السياسي للمرحلة الانتقالية (16)
المزيد.....
-
ليست اليونان.. جولة ساحرة بين أزّقة هذه -المدينة الزرقاء-
-
ترامب والذكاء الاصطناعي.. خمس تحديات تنتظر العالم في 2025
-
قريبا في -البوندسليغا-.. التسلل شبه الآلي يدخل في الخدمة!
-
بعد تصريحاته المثيرة عن ضمها إلى الولايات المتحدة.. ترامب يع
...
-
أمراض يشير إليها الصداع
-
ما خطورة العفن الأسود؟
-
بوتين يهنئ البطريرك كيريل بعيد الميلاد
-
مشاهد لتدمير مسيّرات الحرس الروسي تجمعات وأسلحة قوات كييف
-
قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي لقطاع غزة
-
شولتس يعوّل على علاقات متينة بين برلين وواشنطن في ظل رئاسة ت
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|