|
أمريكا وصدام والاقتتال الطائفي
عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1789 - 2007 / 1 / 8 - 12:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جاء مقتل صدام حسين ، كأحد فصول مسرحية أُعد لها بإتقان ، إلى أن وصلت إلى نهايتها ، وبالرغم من وجود خلل في النص والمعالجة والأفكار انتهت المسرحية ، ورغم ذلك فإن توقيت عرضها ، أثار ويثير الكثير من التساؤلات ، التي تتعلق بطبيعة الفئة المسيطرة على السلطة ، السرعة بالقتل ، عدم فتح ملفات كثيرة ، عدم محاكمة النظام ومحاكمة الشخص ، وهو ما يشير إلى دور الاحتلال الأمريكي في هذه المحاكمة وضرورة إنهائها بسرعة .. الشنق ، يعتبر عمل حاقد ، انتقامي ، ثأري ، ضد ديكتاتور مارس القتل بكل أشكاله ، وبالتالي ذلك الفعل يعتبر تعبير دفين عن حقد قديم وحديث ، المشكلة فيه ، أن شانقيه تلفظوا بعبارات ذات مدلولات طائفية ، وهو ما يكرس دكتاتورية مستقبلية وطائفية وتقسيم ممكن للعراق ، وليس تكريس جمهورية خامسة ؟ أما التوقيت فهو بذاته دليل على حقد آخر يعبر به الشانقين عن عدم احترام أية مشاعر دينية أو غير دينية للناس وللعرب ، حيث العيد ، رمز للتجاوز ، وليس رمز للقتل والانتقام ، وللفرح بذلك .. وبحدوث ذلك ، يتأجج الصراع من جديد ، وبذلك يتعمق القتل الماهوي ، الطائفي ، وبذلك أيضاً تستطيع أمريكا الانتصار ، بعد أن أذاقتها المقاومة مر الهزيمة ، ولهذا فإن التوقيت ، في الوقت الذي هو هدية العيد للمليشيات الطائفية ونظام الحكم الطائفي والقبلي هو هدية للاحتلال المهزوم ، من قبل فريق السلطة ، وتشجيع لها على إعطاء الموافقة على التجديد الصوري القانوني لقوات الاحتلال في العراق.. الابتهاج الطائفي أو التوعد الطائفي الذي رافق القتل يعد أبرز تعبير عن تعمق الحرب الطائفية ، وتوقع تتالى فصول دموية من مسرحية الاحتلال والفوضى والدمار .. ولن ينسى أحد أن هذه المحاكمة وهذا القتل تم تحت حكم الاحتلال ووفق محكمة أعدت بيد بريمر وهي في هذا تعبير عن انهيار كامل للسيادة الوطنية وتبعية مطلقة للمشروع الأمريكي.... الموقف الدولية تباينت وفقاً للمصالح الواقعية للدول حيث أيدت أمركا وبريطانيا وإيران وإسرائيل القتل واعتبرته نصراً للعراقيين وحقاً عادلاً وهو يعني محاولة إخراج المشروع الأمريكي والإيراني من أحد أسباب تأزمه.. باستثناء ليبيا فإن موقف الدول العربية ، جاء متحفظاً ، ليس على المحكمة ، أو على الاحتلال ، فهم شركاء في الاحتلال ، وإنما على توقيت العملية ، وبالتالي فمن حيث المبدأ لا اعتراض على حكم أمريكا ، ولكن التوقيت كان لا بد من تأجيله ،وحتى بوش يقول كان يجب أن يعدم صدام بطريقة فيه وقار ؟؟؟؟!!!! وهم بذلك مصر والسعودية والأردن ، يحاولون امتصاص غضب الشارع العربي الذي لم يجد مبرراً لا في التوقيت ولا في المحاكمة ولا في الاحتلال من أصله ، ولم تقصّر الدول في قمع غضب تلك الشعوب .. ومن جهة أخرى رفضت بعض منظمات حقوق الإنسان العالمية الإعدام واعتبرته خطأ ومخالفة صريحة للقوانين الدولية ... بعد ميلوسيفتس الذي قتل في سجنه الدولي وياسر عرفات الذي قتل في مقاطعته يأتي قتل صدام حسين ، فلماذا يحدث الأمر على هذا النحو؟ إن هذا القتل شرط دولي تتزعمه أمريكا ، وتحاول فيه تصفية كل من يعارض أو يضع شروط في علاقته بها ، ولهذا سيكون قتل صدام مستقبل أي رئيس عربي أو حركة أو حزب سياسي إذا عارضت المشيئة الإلهية لأمريكا ولذلك كان لا بد من تصفية حزب الله ؟ وبالمقابل فقد وضعت أمريكا "رمح الحرية" شروطاً على المحكمة الدولية الجنائية بعدم مثول أي أمريكي أمامها رغم أنها تحاول السيطرة على العالم بكليته؟ ولهذا سيكون القتل هوهو المصير لكل من تسول له نفسه المريضة بمعارضة أمريكا ، وهو ما يعبر عن طبيعة مشروعها "الديمقراطي" الاستعماري الذي به تحاول إعادة صياغة العالم ... القتل أو التغيير الأمريكي ، لا يزال مشروعها المستقبلي كما بُدء به ضد كافة الدول العربية ، وهو سيكون المستقبل للدول التي لا تزال تحتفظ بهامش بعيداً عن مشاريع أمريكا ، ولا سيما الدول التي لا تزال منتمية في شكلها أو طبيعتها لزمن الحرب الباردة ، ولهذا فإن أمريكا تغض النظر إلى حين عن مؤيديها من الديكتاتوريات وتحاول أن تسقط الديكتاتوريات وغير الديكتاتوريات المعارضة لها ( كوريا الشمالية ، فنزويلا ، نيكاراغوا بوليفيا ، إيران ، سوريا ، كوبا ،الخ).. إذا تجاوزنا المشاعر الطائفية والدينية للرافضين لمقتل صدام وتجاوزنا موضوع التوقيت والمكان فإن الرافضين لقتلة وفق مصالح سياسية محصورين في إطار جزء من القوميين والصداميين والمستفيدين منه ..
وللحق الذي أعدم ، ولم يتأسس ، بإعدام صدام فإن صدام لم يكن أكثر من ديكتاتور قاتل ككل الرؤساء العرب ، ولكنه لم يعرف الاستفادة من الشروط الدولية وارتكب بعض الأخطاء التي لا تغتفر بالنسبة لأمريكا ، وأن التخلص منه ، ولا شك هو ضرورة للتطور ، ولكن المشكلة لا تُأخذ بالمجرد لان قتله تم تحت ظل الاحتلال والنظام الطائفي القبلي الانتقامي وهو ما يشكل إعاقة موضوعية ضد التطور ويسمح بتزايد دورات الموت والاقتتال الطائفي الذي قد يدفع الأمور نحو أن طريق الخلاص من أتون الحرب الطائفية هو في التقسيم لا في إنهاء الاحتلال ..
بعكس قتل صدام فقد عملت لندن وواشنطن على تبرئة بينوشيت ، ورفضت محاكمته وهو المجرم بامتياز ، وعفت لفترة ما عن القذافي وتعمل على الاستمرار في الضغوط والتراجع عنها وفقاً لتطور الأوضاع اتجاه رئيس السودان وبما يحقق مصالحها..
ولن نتكلم عن إسرائيل وخرقها لكل الأعراف الدولية والإنسانية وتصفيتها ليس قيادة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية بحقد دموي ومجرم وإنما لقيادة فتح كذلك وكل ذلك بحماية دولية أمريكية مباشرة ، هذا عدا عن تعطيلها لنظام الحكم بواسطة حماس وعزله ، والتغرير بالرئيس أبو مازن للدخول في حرب أهلية تدمر ما تبقى من روح مقاومة ضد إسرائيل في فلسطين ... هنا لا ضرورة للكلام عن العصابات الإجرامية وفرق الموت وتنظيم القاعدة وأجهزة الشرطة والجيش العراق الطائفية ، التي عملت وتأسست ولا تزال تعمل كرديف قاتل وحليف استراتيجي للمشروع الأمريكي ، ينفذ العمليات القذرة ، وتصفية كل الممكنات العلمانية والتقدمية والعلمية والمؤسسات التي تساعد على الإقلاع بعيداً عن الاحتلال أو الطائفية أو القبلية... مما تقدم نرى أن المشروع الأمريكي ليس فقط مشروع احتلال العراق ، بل هو مشروع تصفية أي نهوض عربي وتدعيم لدولة إسرائيل المأزومة وهو في آلياته ولا سيما الشرق الأوسط الكبير والعدوان على لبنان وعدم الاعتراف بحكومة حماس مشروع تفتيت وقتل وتدمير وطائفية وفوضى خلاقة ، وتصفية كل بعد مقاوم وتشويهه بالإبعاد الطائفية والرجعية .. وبالتالي ، مشروع التغيير الوطني هو مشروع الوطنية الديمقراطية العلمانية والثورة القومية الديمقراطية . وهو ما يفرض على المقاومة العراقة تبنيه والابتعاد عن الطائفية وتشكيل جبهة مقاومة وطنية يسارية ، وبما يساعد على التخلص من الديكتاتوريات وتجنيب المنطقة العربية شموليات جديدة أو استعمارت جديدة ، تستند إلى الأوضاع الإمبريالية القديمة أي إلى التخلف والتجزئة والطائفية والقبلية والديكتاتورية....
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرط الامبريالي وتشكّل الدولة اللبنانية
-
بعض مشكلات سوريا في رأس السنة الجديدة
-
الأزمة الهيكلية للرأسمالية وبدايات صعود الليبرالية الجديدة
-
اليسار الإصلاحي ، المقاومة المعرِقلة ، اليسار الثوري ، هزيمة
...
-
الحركات الاجتماعية وعلاقتها بإشكالية الديمقراطية
-
دولتين ام دولة ديمقراطية علمانية واحدة
-
العولمة والامبريالية
-
سياسية التمويل مصالح وأخطار
-
أهمية نداء القوى والشخصيات الماركسية في الوطن العربي
-
مشكلات وأدوار المنظمات الأهلية
-
سقوط التسوية في زمن المقاومة والديمقراطية
-
علاقة الهيمنة الأمريكية بأزمة المعارضة العربية
-
استبدادية الأنظمة وديمقراطية الشعوب
-
الحرب الأمريكية على لبنان
-
علاقة الحرب بالطائفية
-
المقاومة الوطنية مقابل الاحتلال الإسرائيلي
-
مشكلة التداخل بين الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان في س
...
-
العلمانية جزء من مشروع ديمقراطي علماني قومي
-
بوش قاطع طريق
-
أية خطوة تاريخية كبرى
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|