|
أهمية القاعدة الشعبية في الحكم
أكرم شلغين
الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على مرِّ التاريخ، أثبتت الأحداث السياسية والاجتماعية أن نجاح أي قائد أو رئيس يعتمد بالدرجة الأولى على وجود قاعدة شعبية حقيقية تدعمه. القيادة ليست مجرد، سلطة، أو تسلط على الجماهير أو تملُّك الأدوات السلطوية، بل تتطلب شرعية تستمد قوتها من رضا الشعب وقبوله. فالقاعدة الشعبية ليست عنصرا هامشيا؛ إنها صمام الأمان لاستقرار الحكم وفاعليته. بدون هذه القاعدة، يجد الحاكم نفسه منعزلا في مواجهة تيارات السخط الشعبي، ما يؤدي غالبا إلى انهيار سلطته أو انغماسه في دائرة القمع. فالقاسم المشترك الذي يجمع بين القادة العظماء هو ارتباطهم الوثيق بقاعدة شعبية تسندهم وتدعم سياساتهم. دون هذه القاعدة الشعبية، فإن أي قائد أو رئيس تصبح سلطته ضعيفة أمام الأزمات. والأهم من ذلك، في المجتمعات غير المتجانسة بمكوناتها، فإن تجاهل إشراك الجميع قد يؤدي إلى تفكك المجتمع وصراعات مدمرة. ولهذا فإن الحاجة إلى القيادة المتوازنة التي تعتمد على الاحتضان الشعبي والإدماج الكامل لجميع المكونات هي ماسة وأكثر من ضرورية إذ لابد من الاستناد إلى الشعب...وحتى الأنظمة الديكتاتورية التي تدّعي السيطرة المطلقة، تحتاج إلى قطاع معين من السكان يتعاطف معها أو على الأقل يُجبر على دعمها لتحقيق الشرعية الشكلية.
في العالم وعبر التاريخ، حديثه وقديمه، نتعلم أن الدعم الشعبي هو الأساس. لم يكن نيلسون مانديلا لينجح في جنوب إفريقيا لولا دعمه الواسع من غالبية الشعب، لا سيما في نضاله لإنهاء التمييز العنصري وبناء أمة تجمع كل مكونات المجتمع حيث اعتمج نهج المصالحة الوطنية لضمان مشاركة الجميع في بناء الدولة. وكذلك، و رغم صلابته في الحرب العالمية الثانية، فإن تشرشل كان مرتبطًا بشدة بالرأي العام البريطاني وحصل على الدعم الشعبي نتيجة لقدرته على توحيد الأمة في مواجهة الخطر. ولم يكتسب فرانكلين روزفلت دعمه الشعبي لولا فضل سياساته التي ساعدت البلاد على التعافي من الكساد الكبير، معتمدا على قاعدة اجتماعية متينة تجمع طبقات متعددة. على الجانب الآخر، وبالمقابل، عندما يتم الحكم بدون قاعدة شعبية أو بدعم محدود من فئة معينة، نجد أنفسنا أمام أنظمة تفقد شرعيتها وتستخدم القوة كبديل عن الدعم الشعبي. المجتمعات متعددة الإثنيات، الأعراق والأديان والثقافات تواجه تحديا خاصا؛ إذ يجب أن تكون السياسات شاملة وتوفر للجميع دورا فعالا في تقرير مصير البلاد. المجتمعات التي يتم فيها تهميش أو استبعاد فئات معينة، حتى لو كانت صغيرة، تُعرّض نفسها للانقسامات والصراعات. في الهند، وعلى الرغم من التنوع الكبير في اللغات، الديانات، والثقافات، نجحت الهند إلى حد كبير في الحفاظ على الديمقراطية لأن الدستور منح تمثيلا للجميع. وفي الولايات المتحدة، مع تنوعها الإثني والثقافي الكبير، تظل البلاد نموذجا لدمج المكونات المختلفة رغم العيوب المستمرة في قضايا العرق والحقوق المدنية. على النقيض من ذلك، عندما تُهمَّش مجموعات معينة، تصبح هذه الفئات قوة معارضة لنظام الحكم. التمييز والهيمنة على حساب التعددية هي بذرة الفوضى والتمرد، كما رأينا في يوغوسلافيا السابقة، حيث أدت النزعات القومية والإقصائية إلى تفكك الدولة. الأنظمة الديكتاتورية، بعكس الديمقراطيات، تعتمد على أجهزة القمع أكثر من اعتمادها على رضا الشعب. لكنها تسعى، ولو بشكل صوري، لإيجاد دعم شعبي ولو بين فئة صغيرة. عندما تفقد هذا الدعم بالكامل، تجد نفسها مضطرة لتوسيع رقعة القمع مما يجعلها أكثر هشاشة. نظام بشار الأسد في سوريا: يمثل مثالا صارخا على ما يحدث عندما يتم تجاهل التعددية الشعبية. بشار الأسد، مثل أبيه، حكم سوريا بقوة الحديد والنار، معتمدا بشكل كبير على قاعدة ضيقة من الحلفاء، كما سماهم السوريون بحق الطائفة الأسدية. استبعد شرائح واسعة من الشعب السوري، وقمع أي معارضة أو دعوات للإصلاح، ما أدى إلى اندلاع الثورة السورية عام 2011. عدم إدماج كافة مكونات المجتمع في الحوار الوطني أدى إلى حالة من الحرب الأهلية و تفاقم الكارثة الإنسانية وفقدان نظامه ليس فقط بما يشرعن له بل وبما يجعل أن وجوده أصبح كابوسا على صدور غالبية السوريين. وكذلك لايزال مثال نظام صدام حسين ماثلا في ذاكرتنا حيث رغم قدرته على الاحتفاظ بالسلطة فترة طويلة عبر القمع والخوف، فإن انهياره السريع أثبت ضعف نظامه وذلك لافتقاره قاعدة شعبية حقيقية تدعمه. لا قوة تعادل محبة الناس لمن يقودها ونصيحة ميكافيللي الشهيرة "من الأفضل أن يهابك الناس على أن يحبوك" هي إحدى القواعد الكلاسيكية للقيادة. في عصره، كان من الممكن للحاكم الاستبدادي أن يحافظ على السيطرة عبر إثارة الخوف في قلوب شعبه. ومع ذلك، فإن هذه النصيحة لم تعد تنطبق في عصرنا الحديث. الشعوب اليوم تبحث عن قادة يستطيعون كسب محبتهم وثقتهم وليس الخضوع عبر الترهيب. من يقود لا يستطيع تجاهل أي جزء من مكونات الشعب ولا يقتصر مفهوم الوجود الوطني على الوجود الجسدي فحسب، بل يجب أن يكون للأفراد صوت مؤثر في بناء السياسات وصياغة مستقبل بلادهم. . في أي مجتمع متنوع، يجب ان يمثل الإدماج الكامل لكل المكونات، بغض النظر عن العدد أو التأثير، شرطا حيويا لبناء وحدة اجتماعية مستدامة. التجاهل أو التهميش لأي مجموعة يؤدي في النهاية إلى تراكم الغضب الاجتماعي وظهور التوترات وان تجاهل المكونات أو استبعادها من المعادلة السياسية يولِّد مظلوميات تترجم إلى حركات تمرد أو مطالبات انفصالية. في نهاية المطاف، القيادة الناجحة هي تلك التي تحقق التوازن بين جميع مكونات القاعدة الشعبية. وكذلك ليس الغرض من الحكم فرض سلطة عمياء، بل أن يكون جسرا يجمع بين مختلف مكونات المجتمع لتحقيق غايات مشتركة. القيادة الحقيقية هي التي تُدرك أن الاستماع إلى الأصوات المختلفة هو سبيل الاستقرار والنمو، وأن الوطن لا ينهض بتجاهل أبنائه، مهما قلّ تأثيرهم أو صغر عددهم. القيادة الناجحة، سواء في الأنظمة الديمقراطية أو غيرها، تعتمد بشكل كبير على القاعدة الشعبية والإدماج الكامل للجميع في المجتمعات المتنوعة ومن يكسب حب الناس واحترامهم يكون أكثر قدرة على البقاء والتأثير الإيجابي من أولئك الذين يعتمدون على الخوف وحده. التاريخ مليء بالعِبر، ومنه ندرك أن النجاح الدائم لا يتحقق إلا بالإصغاء للجميع والعمل من أجل مصلحة الشعب ككل.
#أكرم_شلغين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فراق أبدي
-
سوريا: ملتقى الشعوب ونموذج للتعايش الثقافي
-
أمل سوريا الجديد
-
الانتقام والهدم: نحو تجاوز إرث الثأر لبناء سوريا المستقبل
-
الخوف: ثقافة عالمثالثية أم تركيب اجتماعي؟
-
الخبز والحرية: الاحتياج المادي والكرامة الإنسانية
-
من الاستبداد إلى الشتات: حكاية وطن تحت قبضة الطغيان
-
سوريا: وطن منهك بين السيادة المزعومة والحقيقة المرة
-
بين الفطرة والتطرّف
-
-صموئيل بيكيت: انعكاسات عبثية على الوجود الإنساني-
-
هويتنا المفقودة
-
لقاء لأجل الجواب عن سؤال -ما العمل!؟-
-
إلى أين نحن ذاهبون
-
طفل الاغتصاب
-
فانتازيا لامرئي
-
حروف مفقودة وأمنية
-
بحور الحياة: رحلة أبو نجوان بين زمردة الأمل وألم الوداع
-
عبور الزمن: عندما يعود الماضي ليطارد الحاضر
-
ناقد كاتب وشاعر: وقفة قصيرة مع المثقف مصطفى سليمان
-
قمر، ولكن...!
المزيد.....
-
ترامب يطلب تأجيل النطق بالحكم في قضية -أموال الصمت- المقرر ص
...
-
مع زيارة هوكشتين للبنان.. 3 أمور قد تحسم منع وقف إطلاق النار
...
-
دعوات إلى تسريع البت في قضايا العدالة والمساءلة في سوريا بعد
...
-
فرصة تاريخية لليمين المتطرف.. رئيس النمسا يكلف هربرت كيكل بت
...
-
الإجازة المرضية في خطر.. رئيس -أليانز- يقترح خطوة جريئة!
-
تحقيق - ألمانيا توقف تمويل منظمتي حقوق إنسان إسرائيليتين
-
رئيس الوزراء الكندي يستقيل من زعامة الحزب الحاكم
-
مصر.. حرس الحدود يحبط عملية تهريب مخدرات كبيرة عبر خليج السو
...
-
بعض أسباب قرحة المعدة وطرق علاجها
-
سوريا.. رفع القيود المفروضة من قبل النظام السابق في مجال الا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|