|
مفاهيم تُعيد إنتاج الاستبداد: قراءة نقدية في رؤى المرحلة
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 16:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طرح الكاتب مضر رياض الدبس في مقال له نُشر على موقع تلفزيون سوريا بعنوان "عشرة مفهومات أساسية للمرحلة" بتاريخ 3 يناير 2025، رؤيته حول بعض المفاهيم التي اعتبرَها ضرورية لتأسيس مرحلة جديدة في سوريا. ورغم أن المقال يهدف إلى تقديم إطار مفاهيمي للمستقبل، إلا أنه يعيد القارئ إلى أجواء الهيمنة والإقصاء التي عانى منها السوريون لعقود. وهو- في رأيي- يتطلب استقراء هذه الأطروحات وتفكيكها، ومناقشة تأثيراتها السياسية والاجتماعية ضمن سياق وطني جامع. إعادة إنتاج مفهوم "السُنَّة" خارج إطار الطائفة تناول المقال دور السُنَّة في سوريا باعتبارهم الحاضنة الأكبر لمشروع وطني-هكذا- واعتبر أنهم ليسوا طائفة بل نواة لهوية جامعة، وهذا ما لا يصمد أمام أي حوار ويتطلب ذلك وقفة مطولة، لأنني- وأنا الكردي السني- أرى أن من حق غيري أن يرى ذاته الأصل، كما الكردي العلوي أو الشيعي أو حتى على صعد الدين: اليهودي أو الإيزيدي أو المسيحي أو اللاديني. وقد استند في هذا الطرح الذي أسمعه- لأول مرة- إلى أمثلة تاريخية مثل التنسيق بين عبد الرحمن الشهبندر وسلطان الأطرش، وتنصيب الأخير قائدًا للثورة السورية الكبرى. ورغم أهمية هذا التحالف، يغفل المقال ذكر أدوار شخصيات وثورات أخرى أسهمت في النضال ضد الاستعمار، ولاسيما الكرد من أمثال: إبراهيم هنانو وسليمان الحلبي ويوسف العظمة. كما تجاهل الدور الكردي في الثورة السورية الكبرى، بدءًا من إطلاق محو إيبوشاشو أول رصاصة في عفرين، إلى ثورة بياندور في منطقة الجزيرة التي جمعت الكرد وبعض القبائل العربية في مقاومة مشتركة. بداية، لابد من أن نؤكد هنا أن تجاوز هذه الأدوار هو تهميش صريح للمساهمات المتنوعة التي شكّلت النسيج السوري. فالتأكيد على هوية وطنية جامعة لا يعني إقصاء الهويات الموازية و الفرعية بل الاعتراف بها كجزء من هذه الهوية الجامعة، مع خصوصية كل منها. الفيدرالية والمطالب المشروعة للمكونات ينفي المقال أهمية الفيدرالية ويصفها بأنها مطلب" أقلوي" لا يمثل غالبية السوريين. لكن الواقع يشير إلى أن الفيدرالية ليست مجرد مطلب كردي، بل هي خيار منطقي تبنّاه أيضًا أبناء الساحل والسويداء كآلية لتحقيق العدالة الإدارية والتنموية. الفيدرالية ليست بدعة، بل نموذج أثبت نجاحه في دول متعددة الثقافات حيث تضمن لكل مكون حقه في إدارة شؤونه ضمن إطار الدولة الواحدة. تجاهل هذا الطرح يعني الإصرار على مركزية مفرطة أثبتت فشلها في سوريا، حيث عززت من هيمنة جهة واحدة على حساب بقية المكونات. إن الاعتراف بالفيدرالية كخيار سياسي لا يعني تقسيم البلاد، بل يُعد خطوة نحو بناء دولة حديثة تستوعب جميعهم. اختزال المجتمع المدني إلى مفهوم الشعب يتناول المقال مفهوم المجتمع المدني بطريقة مبسّطة، ويختصره في كلمة "الشعب". هذا الطرح يتماشى مع خطاب النظام السوري الذي لطالما اعتبر أن المجتمع المدني ليس سوى امتداد للدولة أو للحزب الحاكم. لكن المجتمع المدني هو ركيزة أساسية لأي ديمقراطية حقيقية، إذ يمثل الحاضنة التي تتيح للمواطنين تنظيم أنفسهم بعيدًا عن الإطار الرسمي، والعمل لتحقيق أهداف تخدم المصلحة العامة. اختزال المجتمع المدني إلى الشعب يعني إلغاء التنوع الذي يتميز به هذا المفهوم، من جمعيات ومنظمات حقوقية وثقافية، إلى نقابات وروابط مهنية. هذا التوجه لا يهدد فقط تطور المجتمع المدني بل يعيد إنتاج الهيمنة التي رسّختها الأنظمة الاستبدادية. مفهوم العدالة الانتقالية والعدالة الشاملة يطرح المقال أن العدالة الانتقالية قد تحققت وصارت منجزًا، وهي رؤية لا تعكس الواقع. العدالة الانتقالية ليست مجرد مسار لتصفية الحسابات مع الماضي، بل عملية شاملة تستهدف بناء الثقة بين الدولة والمجتمع عبر كشف الحقيقة، وجبر الضرر، وضمان عدم تكرار الانتهاكات. ما تحقق حتى الآن لا يتعدى الخطوات الرمزية التي تفتقر إلى آليات واضحة لتعويض الضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم. إن أية عدالة انتقالية لا تضمن حقوق جميعهم، بمن في ذلك الكرد والعرب والسريان والدروز وغيرهم، لا يمكن اعتبارها مكتملة. سوريا بحاجة إلى عدالة شاملة تعيد بناء العقد الاجتماعي على أسس المساواة والإنصاف. الفلكلور والتنوع الثقافي يتناول المقال التنوع الثقافي بطريقة غير متعمقة، حيث يصف الفلكلور بأنه مجرد "تنويعات"، دون الاعتراف به كجزء أساسي من هوية الشعوب. التنوع الثقافي في سوريا ليس مجرد ألوان جميلة بل هو تعبير عن تاريخ غني ومتنوع يعكس أصالة المكونات السورية المختلفة. تجاهل هذه الحقيقة يعزز من نزعة صهر الهوية التي سادت في الحقبة البعثية. كما أن الفلكلور ليس رفاهية بل هو عنصر أصيل في الحفاظ على الهوية الثقافية. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب اعترافًا رسميًا وإجراءات تضمن استمراره كجزء من الهوية الوطنية السورية. عود على بدء: يتجاهل المقال حقيقة التناقض الصارخ الذي يتجلى في الخطوات الراهنة على الأرض، حيث تُشكَّل حكومة و وزراء و مقدمات تهيئة رئاسة وجيوش يُعتمد فيها على عساكر أجانب، في تناقض مع الدعوات المستمرة لطرد الأجانب، ولا سيما فيما يتعلق بالإشارة إلى "ب ك ك"، وليس دفاعاً عن وجود أية قوى أو أفراد مقاتلين أجانب في سوريا. هذا النهج لا يعكس فقط ازدواجية في المعايير، بل يتنافى أيضاً مع الأحلام التي طالما طُرحت عن الاستقلالية الحقيقية والإدارة الذاتية الصادقة. إن هذا الواقع يثير تساؤلات جوهرية حول مصداقية الخطاب ومدى ارتباطه الفعلي بمصالح الشعب وتطلعاته، في ظل هذا التباين الواضح بين ما يُعلن وما يُمارَس. إن قراءة مقال "عشرة مفهومات أساسية للمرحلة" تكشف عن توجهات تحمل في طياتها مخاطر العودة إلى سياسات الإقصاء والهيمنة التي أنهكت سوريا. التأسيس لمرحلة جديدة يتطلب رؤى شاملة تأخذ بعين الاعتبار التنوع السوري كقوة وليس كعائق، مع الالتزام ببناء دولة ديمقراطية تعددية تضمن حقوق جميع مكوناتها.
رابط مقال الأستاذ مضر رياض الدبس:
https://www.syria.tv/%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A9%D9%8F-%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA%D9%8D-%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%91%D9%8E%D8%A9%D9%8C-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التطرف بأشكاله: حرب مفتوحة على الكُرد وبيان من 170 كاتباً-1
-
رسالة الأدباء والكتاب الكرد إلى السيد أحمد الشرع
-
رسالة الأدباء والكتاب الكرد إلى الشرع
-
الإرث الدموي في سوريا: كيف نعيد بناء المجتمع؟1/2
-
سوريا بين الماضي والحاضر: أي مستقبل نريد؟ في إطاراستعادة وطن
...
-
سوريا المتناثرة بين ثورتين: هل تحتاج كتابة الدستور ثلاث سنوا
...
-
صمت المثقف السوري: محاولة قراءة في موقف النخبة من التحولات ا
...
-
إنها مقومات حرب أهلية: مقدمات بغددة دمشق
-
السوريون والخطط الوهمية: سيرومات الوهم
-
دمشق الجديدة والمعادلة الصعبة
-
هل مات التوثيق الكتابي في زمن الصورة الإلكترونية؟
-
اللصوص يسرقون من اللصوص بوتين والأسد كمثالين
-
الخطاب الشعبوي: صناعة الوهم واستدامة الكارثة-2-
-
الخطاب الشعبوي كردياً: محاكاة ومحاكمات
-
في شؤون وشجون “الموفد الكردي” الموحد إلى دمشق
-
الدكتور محمد فتحي راشد الحريري: مسيرة علم وأخلاق وحياة خالدة
-
آن الأوان لعودة- ب ك ك- إلى ساحته
-
الثقافة الكردية في سوريا الجديدة نحو الاعتراف القانوني
-
سقوط القيم والأخلاق قبل سقوط النظام بشار الأسد أنموذجاً للخس
...
-
مفارقات العقل الأحادي: قراءة في الموقف من الكرد وقضاياهم
المزيد.....
-
بتقنية الفاصل الزمني.. شاهد كيف غطت ثلوج كثيفة أحد الأحياء ل
...
-
إقتحام الكابيتول: حلقة مظلمة في التاريخ الأمريكي
-
سمكة تونة تُباع بـ 1.25 مليون يورو في مزاد باليابان
-
زلزال الحوز.. مقاولون نصابون يسرقون أموال ضحايا الزلزال في ا
...
-
جامعة الإسراء: إصابة 6 أشخاص في إطلاق نار داخل الحرم الجامعي
...
-
حماس توافق على قائمة تضم 34 أسيرا
-
استنفار إسرائيلي عقب عملية قلقيلية
-
الدفاع الروسية: قواتنا حررت مدينة كوراخوفو الاستراتيجية
-
تطويق شمال الضفة عقب عملية قلقيلية
-
أنقرة.. اجتماع تركي أردني لبحث ملف سوريا
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|