خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 14:11
المحور:
الادب والفن
في تلك الليلة،
عندما احتضن الليل الأرض كأمٍّ فقدت أبناءها،
سمعتُ همسًا يشبه انحناءة غصنٍ تحت ثقل المطر.
كان ذلك صوتكِ،
ليس بالكلمات، بل بما بين الكلمات،
نداءً يتسرب بين الشقوق الخفية في روحي،
كضوءٍ خجولٍ يعبر زجاج نافذةٍ في مساء شتوي.
رأيتكِ...
لكن لا، ليس كما تُرى الأشياء،
بل كما يُرى الحلم قبل أن يعلن انتحاره على وسادة
الواقع.
كنتِ وجهًا يشرق من بين الركام،
كأنكِ فكرةٌ تمردت على الزمان والمكان،
تعالت على حدود الوجود،
لتصبح كونًا قائماً بذاته.
كلما نظرتُ إليكِ،
تهرب الأشياء من معناها،
يصبح البحر أبعد،
والسماء أعمق،
والأرض كأنها تبتلع نفسها في دوامة صمتكِ.
حتى الريح التي تحمل أنفاس العالم،
تتوقف أمام حضورك،
ترتعش ثم تختفي.
أتعرفين؟
عيناك ليستا مجرد نافذتين على العالم،
بل هما العالم نفسه،
خريطةٌ مرسومة بلون الغسق،
حيث يلتقي الليل والنهار في رقصةٍ أزلية.
كأنكِ لحنٌ لم يُعزف بعد،
سرٌ دفينٌ نسي الزمن أن يكتبه.
كل شيء فيكِ يحمل تناقضًا مدهشًا،
كالنار التي تُدفئ وتُحرق،
كالزهرة التي تعيش في قلب صخرة،
كالصوت الذي يملأ الصمت.
حين تتحدثين،
لا أسمع الكلمات،
بل أسمع الفجوات بين الحروف،
ذلك الفراغ الذي يبتلعني،
ويعيد تشكيل وجهي بألف وجهٍ لا يشبهني.
كأنني أذوب فيكِ،
لا أعود أنا،
ولا أعود أحدًا.
يا أنتِ،
يا تلك التي تشبه الغياب،
وتشبه الحضور،
وتشبه كليهما في آنٍ واحد.
أنتِ القصيدة التي كتبها قلبٌ لم يتعلم القراءة،
والغيمة التي تمطر فوق صحراءٍ نبتت فيها أشجار
الصمت.
ابقِي هنا.
لا أطلب أكثر.
كوني تلك النقطة بين السطرين،
ذلك البياض الذي يفصل بين الكلمات،
ذلك المعنى الذي لا يُقال،
لكن يُشعر به حتى الأعماق.
وأنتِ...
كأنكِ تكتبينني بأبجديةٍ لا أعرفها،
حروفكِ ليست من ضوءٍ ولا من ظلال،
بل من شيءٍ أبعد،
شيءٍ يُشبه صرخة ولادةٍ لم تُسمع،
أو أغنيةً نسيتها الطيور في أعشاشٍ غارقةٍ في النسيان.
حين أراكِ،
أشعر بأن الكون نفسه يتعلم من ملامحكِ،
أن النجوم ترتب مواقعها لتقترب من عينيكِ،
وأن الريح تغيّر اتجاهها،
كما لو أن حضوركِ قانونٌ جديدٌ للفيزياء،
لا يفسر إلا بالدهشة.
أنتِ الحافة،
حافة الشيء الذي لا اسم له،
كأنكِ لحظة ما قبل الانفجار العظيم،
حيث لا وقت، ولا مكان، ولا احتمال.
مجرد فكرةٍ تسبح في العدم،
ومجرد عدمٍ يتشبث بالفكرة.
كيف لكِ أن تكوني كل هذا؟
كيف تتحولين من حلمٍ هشٍّ،
إلى يقينٍ صلب،
ثم تعودين رمادًا ناعمًا يتسلل بين أصابعي؟
كأنكِ معجزةٌ تتكرر فقط حين لا أنظر.
ابقِي كذلك.
سرابًا لا يُدرك،
ولكنه يروي عطش الروح.
لغزًا لا يُحل،
لكن وجوده وحده يبرر السؤال.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟