|
ترحيل اللاجئين الشُّيوعيين الأردنيين قسراً.. وتسليمهم لقبضة الخبير النَّازي..
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 14:10
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على النِّضال والثَّبات
سالم قبيلات
نسلط الضوء، في هذه النافذة، على ملف إنساني مؤلم لم يُسَلَّط الضوء عليه سابقاً، وأغفلته أدبيات الحزب الشيوعي الأردني ووثائقه، طوال العقود الماضية التي مرت على تلك الجريمة بحق اللاجئين السياسيين الأردنيين والمآسي التي نجمت عنها.
ارتُكبت هذه الجريمة في سياق موجة قمع شديدة شهدتها الأردن وسوريا في نهاية خمسينيات القرن الماضي؛ حيث أقدمت السلطات السورية، في عهد الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961)، على ترحيل عشرات اللاجئين السياسيين من الشيوعيين الأردنيين قسراً، وقامت بتسليمهم إلى السلطات الأردنية، ما جعلهم يواجهون مخاطرَ حقيقيةً نجمت عن تعرضهم لأشكال فظيعة من التعذيب الجسدي. ثم تم الزج بهم في سجن الجفر الصحراوي، وهناك تعرضوا لضروب مختلفة من المعاملة السيئة والاضطهاد.
وقد جاءت هذه الخطوة المستغربة من الجمهورية العربية المتحدة، بعد إلغاء التعددية السياسية في سوريا، واستهداف الأوساط التقدمية التي دافعت عن التعددية السياسية؛ ما أدى إلى تصاعد المعارضة ضد هذه الممارسات، وقاد – مع الأسف – إلى فشل تجربة الوحدة.
وتعود قصة اللجوء السياسي من قبل الشيوعيين الأردنيين إلى سوريا، إلى مرحلة القمع الوحشي والواسع التي أعقبت الانقلاب الرجعي في الأردن في العام 1957. حيث تمكن عدد من الرفاق والرفيقات من الانتقال سراً إلى سوريا عن طريق التهريب.
لقد اقتُرفت تلك التجاوزات ضد الشيوعيين والتقدميين بالاستناد إلى قانون مكافحة الشيوعية سيء الصيت والسمعة، وبطلب وتشجيع من السلطات الأميركية المعادية لحرية الشعوب واستقلالها السياسي والاقتصادي.
وفي البداية، حصل اللاجئون الأردنيون على حق الإقامة الشرعية في سوريا كلاجئين سياسيين، بالإضافة إلى منحهم فرص عمل في دوائر الدولة السورية المختلفة، لأنهم كانوا مؤهلين مهنياً وأصحاب شهادات واختصاصات مطلوبة. ولكن، هذا الوضع لم يستمر طويلاً؛ فبعد عامين فقط، بُدِء بترحيلهم وتسليمهم إلى أجهزة القمع الأردنية؛ حيث كان خبير التعذيب النازي في انتظارهم.
ومن بين الرفاق الذين تم ترحيلهم من قبل السلطات السورية إلى الأردن في تلك الفترة، الرفاق: محمد حسن ذياب، ووديع العمارين، وخليل القنصل، والصيدلي عدنان حدادين، والمعلم نسيم يعقوب الصناع، والمعلمة منتهى مخائيل مسنات.
ويُذكر أن الرفيقين نسيم الصناع ومنتهى مسنات كانا مخطوبين في تلك الفترة. وقد سبق الرفيق نسيم خطيبته بالسفر إلى سوريا عن طريق التهريب؛ وبعد أشهر، التحقت به الرفيقة منتهى، بعد فصلها من التدريس لأسباب سياسية.
وقد جاء فصل الرفيقة المعلمة منتهى، من العمل، بسبب قيامها بتحريض طالبات المدرسة التي كانت تعمل فيها على الإضراب عن الدوام، استجابة لدعوة عامة بالإضراب عن الدوام في مدينة الكرك، وجهتها القوى الوطنية. وبعد وصولها إلى سوريا والتحاقها بخطيبها، عقدا إكليل زواجهما في مدينة دير الزور؛ حيث تمكنا من العمل كمدرسين.
وكان من بين المرحلين أيضاً: المعلم فكتور معايعة، الذي تم اعتقاله لأول مرة في العام 1955، لمدة 3 أشهر، بسبب مشاركته في مظاهرة جرت احتجاجاً على تسليم نهر اليرموك إلى الكيان الصهيوني. وبعد الانقلاب الرجعي على حكومة النابلسي في العام 1957، قرر الرفيق فكتور الهروب إلى سوريا مع رفيقه سامي البجالي. وعند وصولهما إلى دمشق، مُنحا بطاقاتيْ لجوء سياسي، وتقررت لهما مساعدة ماليَّة شهرية قدرها 130 ليرة سورية، كان يسلمها لهم باليد اللاجئ السياسي الأردني، وأحد قيادات المعارضة الأردنية في الخارج، آنذاك، ومدير المخابرات ووزير الداخلية الأردني لاحقاً، المرحوم نذير رشيد.
بعد فترة قصيرة من وجود الرفيق فكتور في سوريا، قرر أن يعتمد على نفسه ويعمل بأجر بدل الاعتماد على مخصصات اللجوء، فتم تعيينه معلماً في مدرسة حكومية في إحدى القرى السورية. ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً؛ إذ تم اعتقاله في بداية العام 1959، وأودع سجن المزة العسكري، على خلفية الحملة الشرسة على الشيوعيين السوريين.
وقد تصادف وجود الرفيق فكتور في سجن المزة العسكري مع وجود المناضل الشهيد فرج الله الحلو، القيادي في الحزب الشيوعي السوري اللبناني، فكان شاهداً على عملية التعذيب الوحشية التي تعرض لها فرج الله، عندما رفض بصلابة وشجاعة الموافقة على إصدار قرار بحل الحزب الشيوعي السوري اللبناني. ومن أجل إخفاء جريمة التعذيب والقتل، تم تذويب جثة الشهيد بالأسيد، كما هو معروف؛ ثم تم رميها في مجارير حمامات تعود إلى الضابط المسؤول عن تعذيب الشيوعيين في سجن المزة، عبد الوهاب الخطيب.
وتجدر الإشارة إلى أن سلطات الوحدة في سوريا، قد أنكرت في البداية عملية اعتقال الشهيد فرج الله، ولكن القصة انكشفت بعد فرار الضابط عبد الوهاب الخطيب إلى لبنان على إثر انقلاب العام 1961 الذي أنهى دولة الوحدة مع مصر. وأثناء وجوده في لبنان، تعرف عليه عدد من معتقلي الحزب الشيوعي اللبناني من معتقلي سجن المزة العسكري في تلك الفترة، فأُعتُقل؛ وخلال الاستجواب القاسي الذي خضع له، وشهادة عدد من المعتقلين ضده، اعترف بجريمة التعذيب والقتل البشعة، التي تعرض لها الشهيد فرج الله والمصير الذي آلت إليه جثته.
وبعد عام من الاعتقال في سجن المزة العسكري، تم ترحيل الرفيق فكتور معايعة، مع رفيقه المعتقل أيضاً نسيم الصناع، مخفورين إلى الأردن. وعند وصولهما إلى عمان، تم إرسالهما إلى معتقل الجفر الصحراوي. وفي سجن الجفر، انضم فكتور إلى شقيقيه؛ الرفيق غالب معايعة، وخالد الذكر الرفيق تيودور معايعة، اللذين سبقاه إلى سجن الجفر؛ حيث إنه كان قد تم اعتقالهما في العام 1958. استمر اعتقال الشقيقين فيكتور وتيودور حتى عام 1965، بينما أُفرج عن فيكتور في عام 1963. ويُذكر أن الرفيق غالب كان، عند اعتقاله، في السابعة عشرة من عمره؛ لذا تم نفيه، في البداية، إلى مدينة الكرك؛ وفي العام التالي، أُرسل إلى سجن الجفر.
ومن الجدير بالذكر، أن ثلاثتهم، أشقاء لخالد الذكر، المربي الفاضل والمعلم القدير، الرفيق شكري يعقوب المعايعة (أبو ثابت)، الذي كان من أوائل أعضاء الخلايا الماركسية في مدينة مأدبا، وأحد مؤسسي تنظيم الحزب الشيوعي الأردني فيها. وكان "أبو ثابت" قد أُعتُقل أيضاً في العام 1954؛ حيث قضى ستة أشهر في السجن العسكري في مدينة الزرقاء. ولأنه لم يعترف بالتهمة المسندة إليه، ولم يشهد ضده أحد، تم الإفراج عنه. ويُشهد لـ "أبو ثابت" بالصلابة، والنزاهة، والاستعداد للتضحية عن طيب خاطر، والترفّع عن المزاحمة على الشكليات وعن الاستعراض النرجسي. غادر خالد الذكر (أبو ثابت) هذه الدنيا في العام 1979، تاركاً خلفه سيرة نضالية عطرة ومآثر إنسانيَّة مشرِّفة.
وفي سجل المرحلين قسرا،ً اسم القيادي البارز في الحزب، وقائد قوات الأنصار لاحقًا، وعضو المجلسين المركزي والوطني الفلسطينيين، الرفيق إسحاق الخطيب (أبو إسماعيل)، الذي تم تسليمه في نفس الفترة مع رفاق آخرين، ولكن هذه المرة من قبل دولة الكويت، ليتعرضوا لنصيبهم من القمع والتعذيب والاعتقال التعسفي لسنوات طويلة.
وبدون شك، لقد تعرض الرفاق المرحلون، خلال عملية التسليم غير القانونية، لأساليب إهانة وتعذيب تفوق كل تصور؛ ومع ذلك، فان عدداً كبيراً منهم، أبدوا شجاعةً نادرة في مواجهة مخطط الاستبداد، ورفعوا راية الصمود والتحدي، وحافظوا على أسرار الحزب وتميزوا بإخلاص شديد لمبادئه السامية، ولم يرضخوا أو ينهزموا، ولم يتنازلوا عن قضيتهم العظيمة التي آمنوا بها ونذروا حياتهم للدفاع عنها، رغم قسوة التعذيب.
إن كل ذلك التاريخ الحافل بالتضحيات الجسام لذلك الجيل الرائد من الشيوعيين، يفرض علينا، كشيوعيين حاليين، أن نستذكر بشكل متكرر، وقائع الظلم والمعاناة التي تعرض لها رفاق كثيرون في السجون والمعتقلات، وكيف تم حرمانهم بشكل تعسفي من ممارسة حياتهم الطبيعية. كما يجب أن نستحضر بكل فخر قصص بطولة أولئك الرفاق وتضحياتهم الكبيرة وشجاعتهم النادرة. لقد كان طريقهم مشرقاً بالبطولة والإيثار، ويستحق كل واحد منهم الكثير من التقدير والتبجيل.
وإن الحزب الشيوعي الأردني، الذي وُلد ونشأ في أحضان هذا الشعب الطيب، وترعرع على هذه الأرض الكريمة، سيظل وفياً لكل تلك التضحيات التي بُذلت في صفوفه، ولكل من انتمى إليه أو دافع عنه، وللأرض التي احتضنته. وسيعمل دائماً، بكل إخلاص، على توحيد جميع القوى الوطنية والديمقراطية، لوقف كل السياسات السلطوية المتغطرسة التي يتبعها أعداء الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي؛ تلك السياسات التي دفعت بالبلاد إلى مهاوي الفقر والعجز، وسلمتها في النهاية لهيمنة الدوائر الإمبريالية المعادية لحقوق الشعوب ومصالحها.
المجد والخلود لمناضلي الحزب الشيوعي الأردني، والخزي والعار الأبديين لرموز الاستبداد والارتهان لقوى الاستعمار العالمية.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيمن مدانات.. كان رفيقَ رفيقه وأخَ أخيه ومحبّاً للنَّاس..
-
محمود الطّوالبة.. كان إنساناً شديدَ الطِّيبة والنّبل ومناضلا
...
-
حيدر رشيد.. قائد نقابيّ شيوعيّ كرَّس حياته لخدمة الطَّبقة ال
...
-
الرَّفيق سمير عبده.. إنسان نبيل ومناضل شيوعيّ ونقابيّ بارز
-
الرفيق مازن حنَّا وعائلته.. تحمّلوا القمع وثبتوا على المبدأ
-
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق عصام التَّلّ.. مناضل ش
...
-
الرَّفيق سامي الصَّوالحة.. أخلاق رفيعة.. وهِمَّة عالية.. وشَ
...
-
الرَّفيق عيسى خشَّان.. كان مناضلاً شيوعيَّاً عُمَّاليَّاً به
...
-
ما الَّذي كان يريده المناضل نبيل قبلاني من الرَّفيق حيدر الز
...
-
الرَّفيق فايز بجَّالي.. عاش حياته بكبرياء وإرادة قويَّة.. ور
...
-
الرَّفيقة أوجيني حدَّاد.. إنسانة نبيلة.. وثوريَّة مثابرة وجس
...
-
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّ
...
-
الرَّفيق خالد أبو شميس: شيوعيّ مبدئيّ وإنسان راق..
-
نافذة على النِّضال والثَّبات بطاقة جماعية- 1 نسيم وهيام الطو
...
-
الرفيق عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال
...
-
الرَّفيق أحمد جرادات.. ستِّ اعتقالات تكلِّل جبينه وتضحيات أخ
...
-
عدنان الأسمر.. قَهَرَ الظَّلامَ بنور عقله.. وواجه الاستبدادَ
...
-
نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في
...
-
خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
-
البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية
...
المزيد.....
-
ماسك يطالب بتحرير المملكة المتحدة من -حزب العمال الاستبدادي-
...
-
تركيا تحيد مسلحتين تابعتين لحزب العمال الكردستاني شمالي العر
...
-
أردوغان يتوقع دعم سوريا معركة تركيا مع حزب العمال الكردستاني
...
-
النمسا تتجه نحو محادثات لتشكيل ائتلاف حاكم بقيادة اليمين الم
...
-
أردوغان يتوعد حزب العمال الكردستاني بـ -قبضة تركيا الحديدية-
...
-
هل تدعم الإدارة السورية تركيا في معركتها ضد حزب العمال الكرد
...
-
آلاف المتظاهرين في إسرائيل.. تزايد الضغوط على حكومة نتنياهو
...
-
على طريق الشعب: في عيد الجيش العراقي نحو إعادة بناء المؤسسات
...
-
في الذكرى 39 للتأسيس: حزب العمال مع الشعب وفي مقدّمته من أجل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تنوه بالتعبئة التنظيمية والنض
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|