أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فهد المضحكي - العرب وأسئلة الهوية















المزيد.....


العرب وأسئلة الهوية


فهد المضحكي

الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 14:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تنشغل الشعوب بسؤال الهوية كلما دخلت في أزمة عميقة لا يلوح لها مخرج قريب، فتسأل من أنا؟ وما خصوصيتي؟ أي هويتي؟ أين أنا من الآخر وأين هو مني؟ ماذا أضيف للآخرين وما الذي أخذه منهم؟ وماذا أضفت لهم عبر التاريخ؟ وماذا أخذت منهم وما هو الأصيل في تجربتي؟ وما هو الدخيل؟ وأين هو موقعي في هذا العالم الراهن ومن علاقات القوة فيه؟ وهل أنا تابع للآخرين أم ند لهم؟ وكيف تلعب هويتي دورها في تحديد هذا الموقع؟
قبل أكثر من عقدين من الزمان طرحت الكاتبة والناقدة المستنيرة فريدة النقاش هذه الأسئلة في مقال تحليلي نَشرته مجلة «العربي» الكويتية.
بداية تذكر النقاش، تتميز الهوية في خاتمة المطاف باختلافها عن الآخر سواء كانت العلاقة معه تفاعلية تكاملية أو صراعية عدائية، وقد عرفها (الجرجاني) بأنها «الأمر المتعقل من حيث امتيازه عن الأغيار».
يمكن بهذا المعنى أن يكون التعريف الأولي لهوية الإنسان هو مغايرته للكائنات الأخرى، إنه إنسان وعاقل، وهذا هو أول وأبسط مستوى توضع فيه الهوية الإنسانية.
وفي رأيها تدلنا المشاهده الواقعية «أن هذا الأمر المتعقل من حيث امتيازه عن الأغيار» لم توجد ولم يبقَ أحد في حالة سكون، بل كان وظل دائمًا في حالة سيرورة شاملة رغم ما قد يبدو من ثبات ظاهري أحيانًا، أي أنه في حالة من الحركة والتغير الدائمين التي تتفاعل فيها عناصر شتى تتجلى في مستويات فكرية وثقافية وعلميه وتكنولوجية، اجتماعية واقتصادية وسياسية في واقع محدد وفي لحظة تاريخية معينة تقصر أو تطول، لحظة سرعان ما يجري نفيها وتجاوزها لأن الهوية ليست معطى ثابتًا لا يتغير، وهو ما يرفضه أصحاب نظرية الجوهر الثابت المثاليون، وبينهم القوميون التقليديون المحافظون وكل التيارات الأسلامية. وإذا ما استعرضنا رأيها في (صنع الهوية)، فإن أهم ما جاء في حديثها هو أنها تكوّنت على امتداد البشري من خلق الإنسان ودبّ على الأرض، وبعد أن استوى ونضج إنسانًا متميزًا عن سائر الكائنات جماعات وقبائل وأفخاذًا وعشائر وأسرًا كانت تحتمي ببعضها للصيد راحلة بحثًا عن الطعام أو هروبًا من التصحر، ثم تطوّرت مع كل اكتشاف جديد وصلت إليه بالمصادفة إلى أن تبلورت شعوبًا دون أن تزول تمامًا البنى الأولية التي أخذت تدخل في الأنساق الجديدة.
ثم قامت الإمبراطوريات والدول التي أخذت تتصارع فيما بينها وتحاربت للاستحواذ على الثروة الشحيحة ثم اقتسامها وصولاً إلى بسط النفوذ والهيمنة على طرق المواصلات وغنائم الحرب في العصور المتأخرة.
وكلما كانت هذه الإمبراطوريات أو الممالك تراكم فائض من الثروة وتحسن إدارته وتكون هناك قدر من عدالة توزيعه كانت تصنع حضارة، فتطور العلوم والفنون والرياضيات والفلسفة والعمارة، ومنذ عرف الإنسان الزراعة التي اكتشفتها المرأة - أي صنعت بداية الحضارة والاستقرار الإنساني - أخذت الشعوب المختلفة تصنع هويتها المميزة حول مصادر المياه في الأساس، أي تصنع بالعمل حضارتها ولغتها، وذلك أن إنتاج ما يقيم الأود ويحقق الفائض بعد ذلك هو أساس أولي لصنع الحضارة.
وكان للعرب والمسلمين إسهامهم المرموق في الحضارة الإنسانية زمن تفتح الثقافة العربية الإسلامية وازدهارها الأخرى في البلدان التي فتحها المسلمون، وحدث ذلك في الماضي البعيد الذي لا يفتأ دعاة النهضة المستعادة عن السعي للرجوع إليه في تصوّرات ارتجاعية غير عقلانية.
وسؤال الهوية هو أحد الأسئلة إلحاحًا في الفكر العربي الحديث، وهو مطروح على مستويات عدة، بل وانشغلت بدرجات متفاوتة التيارات الأربعة الرئيسة في حياتنا وهي الإسلامي والليبرالي والقومي والاشتراكي من مداخل متباينة في سعيها لبلورة مشروعاتها للخروج من الأزمة العميقة والولوج إلى المستقبل.
إننا لسنا في حاجة إلى القول إن سؤال الهوية في حالتنا العربية هو سؤال أزمة عميقة ولدّت قلقًا عظبمًا. صحيح ليست الأزمات دائمًا سلبية، وقد تكون في بعض المراحل علامة على ولادة عالم جديد، أي أزمة نمو، ويكون القلق الذي ينتج عنها في هذه الحالة خلافًا يولد الأسئلة الأساسية للتطور والإجابات المتنوعة عليها القائمة على مزيج من المشاريع والأحلام واليوتوبيات إما بمعناها الإيجابي الاستشرافي أو السلبي النكوصي.
ولكن أحدًا مهما بلغ تفاؤله واطمئنانه، لا يستطيع أن يقول إن الأزمة الراهنة في الوطن العربي هي أزمة نمو، ونحن انحدرنا اقتصاديًا طبقًا للاقتصادي (سمير أمين) إلى مصاف العالم الرابع المهمش من قبل المركز الرأسمالي ولم يعد لنا كعرب - حتى الأغنياء منا - أي قول أو مبادرة في مسار الأحداث العالمية ورسم السياسات الدولية، وأصبحنا كأمة نستورد أكثر مما نصدر ونستهلك أكثر مما ننتج.
ولما كانت الحرية - النسبية طبعًا - هي إحدى الأدوات الرئيسة للتاريخ ولازدهار الأمم وتفتح مواهب الأفراد، فإن الوضع البائس للحريات في الوطن العربي الذي يهيمن عليه الإستبداد لا يفسح مجالاً لتحويل الأزمة القائمة إلى نمو، بل يسد الأفق أمام هذا الاحتمال.
ويفتح هذا الوضع البائس الباب لنمو الهويات الصغرى أو الفرعية أو ما يسميه الباحث الفلسطيني د. عزمي بشارة بتحت القومية أي تحت اليمن شمال - جنوب، وتحت لبنان مسلم - مسيحي وتحت العراق عربي كردي - سني / شيعي، وتحت سوريا علوي - سني، وتحت الجزائر بربري - عربي، وتحت مصر مسلم - قبطي… إلى آخره.
ويمكننا أن نجد تحت كل طرف من هذه الثنائيات ما هو تحته أيضًا، شيعي - سني - أرثوذكسي - بروتستانتي - شركسي - أرميني... إلى آخره.
وبطبيعة الحال، فإن كل هذه الهويات يمكن أن تتجادل وتتفاعل فيها بينها في نسيج الأمة العربية، إذا ما كان هناك مناخ صحي وديمقراطي وحر، فتثري بعضها بعضًا أو تتقاتل إذا تعرض بعضها للضغط والحصار والتمييز والسعي للهيمنة من قبل أحدها.
ويرى عزمي بشارة - وتلك مسألة بالغة الأهمية في صراعنا مع الصهيونية - إن هذه الولاءات تحت القومية مقبولة بالنسبة لإسرائيل، أي أنها تشجعها وتعتقد أنها هي الولاءات الطبيعية للبشر مثلما تتحكم فيها الأيديولوجية الصهيونية العنصرية - القائمة على التفوق - على البشر.
كما أن إسرائيل تراهن على تفتيت الوطن العربي ليبقى محصورًا في حدود هذه الولاءات والوقوف دون تحولها لعناصر إثراء للأمة العربية. وتتحدث النقاش عن الصراع العالمي في العصر الحديث، إذ ترى أن في خضم هذا الصراع لم تنضج الهويات المختلفة للأمم غالبًا بهدوء وفي مناخات صحية، فقد كان هناك دائمًا ذلك العنف الذي مارسه الأقوياء ضد الضعفاء ومن ضمنه العنف المعرفي الذي مارسه الاستعمار عبر الاستشراق، ولا تزال الرأسمالية الجديدة تمارسه عبر الهيمنة الثقافية والسعي المحموم لا لتنميط البشر فحسب، وإنما أيضًا لإخضاع الحضارات الأخرى، لهذا التنميط في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأستراليا وفي أوساط المهاجرين إلى البلدان المتقدمة بحثًا عن فرص أفضل للحياة، وحيث يحملون معهم أنماطهم الثقافية وطرائق عيشهم وأشكال تضامنهم، بل وتبرز في أوساطهم سياسات الهوية التي تتوق لعصر ذهبي قام في ماضي افتراضي تسعى هي لاستعادته بحثًا عن أمان مفقود ضمن كفاحهم من أجل العيش والحصول على الاعتراف وكأنما تسعى لاستمرار اليوم في الأمس.
كما تقول تبرز هويتنا نحن العرب الآن كأنها وجدت في الماضي واكتملت هناك وأصبحت جوهرًا صافيًا نسعى لعصرنته، ذلك أننا لا نسهم في الحاضر، فقد أصبحنا مستهلكين للفكر أكثر منا مبدعين له، وهذا الشيء - على حد قولها - طبيعي ما دمنا على المستوى الاقتصادي نستورد أكثر مما نصدّر، ونستهلك أكثر مما ننتج، وتلتهم الزيادة السكانية النمو المتواضع، وقد أدى وقعنا أسرى للماضي إلى شيوع الاعتقاد، بل رسوخه بأن بوسعنا فصل التكنولوجيا التي نستهلك آخر صيحاتها أحيانًا يإسراف وتباه، عن القيم والأفكار التي أنتجتها هذه التكنولوجيا والتي هي قيم الحداثة والديمقراطية وحرية البحث العلمي والفكر والاعتقاد والضمير والشغف بالأسئلة والمعرفة الاجتماعية التاريخية التي تنهض على أسس عامة وعالمية في علوم التاريخ والسياسة والمجتمع.
ويكمن هذا الفصل بين التكنولوجيا والقيم في رسوخ الطابع الخرافي للزمن في الذهنية العربية حيث الإيمان العميق بالقدرة على استعادة الزمن الماضى يومًا ما، وينشأ بالزمن العربي المزدوج السريع - البطيء لأنه يعيش واقعيًا في العصر البطيء لأنه مشدود للخلف.
وإذا بحثنا عن المشترك بين كل من الهند وأمريكا كنموذجين متطرفين للتنوع الأثني واللغوي والديني والطائفي يؤسس لهويات صغرى ومع ذلك تتعايش وتتفاعل هذه الهويات الصغرى فيما بينها خالقة هوية عامة مفتوحة على المستقبل سوف نجد عنصرين رئيسيين هما أولاً، الديمقراطية والحرية الفكرية معًا بلا سقف وكلتاهما آليتان لإصلاق روح إبداع الذات في الحاضر والمستقبل، بينما يعطّلنا الإستبداد والقيود وهما وثيقا الصلة بتدهور إنتاجنا كله المادي والمعرفي، وأما العنصر الثاني، فهو نشؤ طبقة رأسمالية قوية ومنتجة وظفت واحترمت قواعد الحرية والديمقراطية.
هناك إذن مفتاح رئيس لتطوّر الثقافة والإبداع وإنتاج القيم ولقدرتها جميعًا على الإسهام الخلاّق في الثقافة الإنسانية كعلامة على الهوية الإيجابية وهو الحرية بمعناها الشامل، فلن تستطيع شعوب مكبلة بالقوانين المقيدة للحريات وبالفقر والبطالة والاستبداد السياسي تتحكم فيها قوانين رأسمالية تابعة وضعيفة أن تنتج ثقافة جديدة وهوية عصرية متطوّرة حتى لو كانت هذه الأمة صاحبة إسهام مرموق في الماضي، بل تبقى مثل هذه الثقافة الجديدة والعصرية إما في حالة جنينية أو في حالة دفاع عن النفس.



#فهد_المضحكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا: حدود الممكن إلى الانبعاث
- أكاديمي صيني: بريكس لا ينبغي أن تكون منظمة مواجهة.. بل خيارً ...
- المؤرخ والأديب أحمد أمين.. من رواد التنوير الإسلامي
- فوز ترامب.. انتصار للشعبوية الأمريكية
- وداعًا النقابي محمد المرباطي
- سيد درويش... رائد الأغنية الوطنية
- مأزق المشروع الحضاري العربي
- العرب والفكر النقدي
- قيم قابلة للتبديل بحسب الحاجة
- المنهج النقدي عند محمد مندور
- لماذا لا تزال أوروبا تدور في الفلك الأمريكي؟
- الكتابة والحرية
- هل تراجعت الهيمنة الأمريكية؟
- يوسف سلامة.. فيلسوف العقل والتغيير
- كتاب «وجهة نظر»
- الدولة العميقة في الولايات المتحدة
- المفكّر برهان غليون وحديث عن الطائفية
- الدولة الفلسطينية والانقسام الأوروبي
- الأنانية تقتل الليبرالية
- المفكر الكبير لويس عوض


المزيد.....




- عطلت المطارات والطرق وحركة القطارات.. عاصفة ثلجية قوية تشل أ ...
- وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة يصل إلى الإمارات في ...
- نصر الله لم يكن في الملاجئ.. تفاصيل جديدة حول عملية اغتياله ...
- فيروس جديد يجتاح الصين.. ماذا نعرف حتى الآن؟
- موكب الملوك الثلاثة يزين شوارع مدريد.. احتفال سنوي يعيد إحيا ...
- هل يرحل مرموش عن آينتراخت فرانكفورت في الميركاتو الشتوي؟
- في عيد ميلاده الـ 70..جوانب خفية في حياة -مستر بين-!
- مشاهد لعملية إطلاق النار في قلقيلية
- أول ثلاث زيارات لوزير الخارجية السوري إلى الخليج
- كوريا الجنوبية: مظاهرات تدعم مذكرة توقيف الرئيس المعزول وأخر ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فهد المضحكي - العرب وأسئلة الهوية