|
الحركة الشيوعية العالمية على مفترق طرق حاسم: ضرورة إعادة التجميع الثوري
نيكوس موتاس
الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 12:04
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
كان تفكك الاتحاد السوفيتي والأحداث المضادة للثورة في أوروبا الشرقية في 1989-1991 أكبر ضربة للحركة الشيوعية العالمية. تنبأ المفكرون البرجوازيون، مثل فرانسيس فوكوياما سيئ السمعة، ب "نهاية التاريخ"، حيث كانت الرأسمالية خارجة منتصرة من الحرب الباردة. تم حل بعض الأحزاب الشيوعية تماما، وتم دمج أحزاب أخرى في الديمقراطية الاجتماعية الناشئة، وشهد العديد منها انكماشا دراماتيكيا في تأثيره الانتخابي.
ترك غياب الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي، الذي لعب لعقود دورا رائدا في الحركة الشيوعية في العالم، فراغا كان من الصعب جدا ملؤه. في عام 1998، أخذ الحزب الشيوعي اليوناني زمام المبادرة لدعوة الأحزاب الشيوعية والعمالية الأخرى إلى مؤتمر عقد في أثينا، من أجل تبادل الآراء والخبرات حول التطورات السياسية ونشاط الشيوعيين في جميع أنحاء العالم. وضع هذا الاجتماع الأسس لإنشاء كومنترن حديث، وهو "الاجتماع العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية" (IMCWP).
السنوات التي تلت تأسيس IMCWP وحتى يومنا هذا كانت هناك معركة أيديولوجية وسياسية مهمة حول القضايا الأساسية للماركسية اللينينية داخل الحركة الشيوعية الدولية. ساهمت التطورات الهامة في السياسة العالمية، مثل الأزمة المالية الرأسمالية لعام 2008، وصعود القوى العظمى العالمية الجديدة مثل الصين وروسيا والمواجهة الإمبريالية في أوكرانيا في تكثيف المواجهة الأيديولوجية بين الأحزاب الشيوعية.
من القضايا الحاسمة في النضال الأيديولوجي المذكور أعلاه التصور الخاطئ والانتهازي لاستراتيجية "المراحل" نحو الاشتراكية التي تقود العديد من الأحزاب الشيوعية إلى تقديم الدعم، أو حتى المشاركة، بشكل مباشر أو غير مباشر، للحكومات البرجوازية "اليسارية" و"التقدمية". تتعامل هذه الاستراتيجية، التي تنبع من التيار الفاشل للاوروشيوعية، مع الاشتراكية على أنها شيء بعيد جدا - إن لم يكن مستحيلا - وتسعى إلى إيجاد حلول داخل النظام الرأسمالي وبالتالي اللجوء إلى التحالفات السياسية والتعاون مع الأوضاع البرلمانية داخل النظام السياسي البرجوازي. في هذا السياق، يتحالف الحزب الشيوعي مع الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية أو حتى يشارك في الحكومات البرجوازية "اليسارية"، وهو أمر يؤدي في نهاية المطاف إلى نزع سلاح الحركة العمالية، وينشر خيبة الأمل لجماهير الطبقة العاملة ويقوض دور الحزب الشيوعي نفسه.
يرتبط التصور الانتهازي لاستراتيجية "المراحل" ارتباطا وثيقا بالمفهوم الخاطئ والخطير للغاية للإمبريالية الموجود داخل الحركة الشيوعية. كشفت الحرب الإمبريالية في أوكرانيا، التي اندلعت مع الغزو الروسي عام 2022 ولكن مع جذورها التي تعود إلى انقلاب الميدان الأوروبي المدعوم من الغرب في عام 2014، كشفت عن انقسام أيديولوجي كبير في المعسكر الشيوعي.
كما أشرنا في المقالات السابقة، تم تشكيل اتجاهين رئيسيين داخل الحركة الشيوعية في جميع أنحاء العالم:
1. الأول يسلط الضوء على الطابع الإمبريالي للحرب كمواجهة بين معسكرين؛ الكتلة الأوروبية الأطلسية (الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي) والكتلة الأوروبية الآسيوية التي تشكلت حديثا (روسيا والصين)، 2. يميل الاتجاه الثاني، القائم على النظرية المضللة "التعددية القطبية"، إلى دعم روسيا الرأسمالية بحجة "الصراع ضد حلف شمال الأطلسي"، وينكر الطابع الإمبريالي للحرب من كلا الجانبين.
استنادا إلى التقسيم الأيديولوجي والسياسي المذكور أعلاه، شكلت الفترة 2022-2024 نكسة للتماسك داخل الحركة الشيوعية الدولية. في أكتوبر 2022، شرعت مجموعة من الأحزاب الشيوعية، بالتعاون مع الديمقراطيين الاجتماعيين والقوميين والجماعات الأخرى ذات الأصول الأيديولوجية المشكوك فيها، في تشكيل ما يسمى "المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية" (WAP)، وهي مزيج مثير للجدل للغاية من القوى السياسية المختلفة.
في سبتمبر 2023، بعد عام تقريبا من تأسيس WAP، أدى الدور التآكلي للانتهازية إلى إنهاء نشاط المبادرة الشيوعية الأوروبية (INITIATIVE)، وهي مجموعة من الأحزاب الشيوعية والعمالية التي كانت موجودة منذ عام 2014. في بيان، أشار الحزب الشيوعي اليوناني إلى أن بعض أحزاب المبادرة شاركت في WAP التي "تشارك في هجمات استفزازية ملفقة ضد بعض أحزاب المبادرة وخاصة ضد الحزب الشيوعي اليوناني".
لا مزيد من الأوهام
ليس من مهام هذه المقالة التركيز بتفصيل على الانقسام الأيديولوجي والسياسي في الحركة الشيوعية في العالم. المهم هو أن نفهم أن مثل هذه الانقسامات تؤدي إلى ارباك و تشويش جماهير الطبقة العاملة في الأوقات الحرجة للغاية مثل تلك التي نشهدها حاليا، مع خطر شن حرب عالمية معممة تتدلى فوق رؤوسنا مثل سيف داموكليس.
تم استغلال الانقسامات داخل الحركة الشيوعية تاريخيا من قبل الطبقة الحاكمة والقوى البرجوازية لزيادة تعزيز سلطتها. يوفر لنا تاريخ القرن العشرين خبرة كبيرة حول كيفية محاولة الانتهازية والديمقراطية الاجتماعية اختراق الحركة الشيوعية بشكل غادر ودفع إسفين بين الماركسيين اللينينيين. استنادا إلى هذه التجربة، فإن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو التالي: ما هو مستقبل الماركسية اللينينية وكيف ستستجيب الحركة الشيوعية الدولية للتحديات المعاصرة والمقبلة؟
إذا كان علينا تلخيص المهام الرئيسية للشيوعيين اليوم، فستكون هذه كما يلي: أ) الدفاع عن الماركسية اللينينية من الناحية النظرية والتطبيقية، ضد التشوهات التحريفية، ب) النضال ضد الانتهازية ورفض ما يسمى بالإدارة "اليسارية" أو "التقدمية" للرأسمالية وأي نوع آخر في استراتيجية المراحل، ج) البحث واستخلاص الدروس من مشاكل وأخطاء البناء الاشتراكي في القرن العشرين، د) إنشاء والحفاظ على جبهة أيديولوجية ضد التصورات الخاطئة للإمبريالية، وخاصة تلك التي تفصل عدوانها العسكري عن محتواها الاقتصادي (الاحتكار)، ه) إنشاء علاقات قوية مع الطبقة العاملة، داخل النقابات تشمل الحركة العمالية وحركات الشرائح الشعبية من الطبقات الوسطى .النضال اليومي من أجل حقوق العمال - الشعب في استراتيجية ثورية معاصرة من اجل سلطة العمال.
اليوم، الحركة الشيوعية في العالم على مفترق الطرق؛ إما أن تتغلب على الجمود السياسي الحالي وتمضي قدما أو، عاجلا أم آجلا، ستتحطم إلى شظايا . يجب ألا تكون هناك أوهام. في أوقات الرأسمالية الاحتكارية، حيث يكثف استغلال الطبقة العاملة ويؤدي الانقباضات الإمبريالية إلى ذبح الشعوب، هناك مهمة واحدة فقط: إعادة التجميع الثوري للحركة الشيوعية في جميع أنحاء العالم.
يجب أن يمثل العام الجديد - 2025 - علامة فارقة جديدة لتعزيز الحركة الشيوعية العالمية من خلال الوحدة والرفاقية، بعيدا عن الأنشطة التآكلية والانتهازية و الكتلوية مثل تلك التي شهدناها في السنوات السابقة.
* نيكوس موتاس هو رئيس تحرير مدونة الدفاع عن الشيوعية.
#نيكوس_موتاس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترامب وكامالا هاريس و-الشر الأقل-
-
ما هي الستالينية وماذا يعني أن تكون ستالينياً اليوم؟
-
الانتخابات الأوروبية: الصعود الكبير للحزب الشيوعي اليوناني ي
...
-
أليكا باباريغا- لينين عن دور الطليعة الثورية، الحزب الشيوعي
-
هل يؤيد بوتن قيام دكتاتورية شبيهة ببينوشيه في روسيا؟
-
10 سنوات على انتفاضة الميدان الأوروبي في أوكرانيا: ثورة أم ا
...
-
في الذكرى المئوية لوفاة فلاديمير لينين
-
أنطونيو نيغري، المنظّر السياسي الإيطالي، توفي عن عمر يناهز 9
...
-
المليونير تيم غورنر هو الصوت الحقيقي للرأسماليين: -علينا أن
...
-
حول إنهاء نشاط المبادرة الشيوعية الأوروبية ودور الانتهازية
المزيد.....
-
راكب يعلق داخل سيارة أجرة ذاتية القيادة تدور دون توقف.. شاهد
...
-
نيويورك أول مدينة أمريكية تفرض رسوم الازدحام على السيارات
-
بلينكن -واثق- من التوصل لهدنة في غزة رغم تجدد الخلافات بين إ
...
-
إعلام عبري: 3 قتلى و6 إصابات بين المستوطنين في إطلاق للنار ش
...
-
قضية التمويل الليبي، قضية فساد على مستوى الدولة الفرنسية
-
بعد الرياض والدوحة... وزير الخارجية السوري في زيارة إلى الإم
...
-
فرار في الصباح الباكر.. تفاصيل جديدة عن هروب جندي إسرائيلي م
...
-
ألمانيا تعيد النظر في منح الحماية للسوريين والإبقاء على المن
...
-
مجلس الأمن يناقش الأوضاع في السودان وترقب لإجراء تعديلات دست
...
-
وسائل إعلام إسرائيلية: نتنياهو يخطط للبقاء في جنوب لبنان
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|