|
هل سوف يُنهيها آتوم؟
عزالدين محمد ابوبكر
الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 10:35
المحور:
الادب والفن
هل سوف يُنهيها آتوم؟
كان المصري القديم يشتاق إلى تلك الغاية التي يُقدمها له ذلك الكون الذي يهتم لكن بعد غروب ديانة مصر القديمة عن الوجود (لا يُرفع طقس أو صلاة لها ولا يؤمن بها أحد و غالبًا ما نسمع عنها من الكتب أو النصوص الأثرية) أصبحت السماء خاوية ليس بها إلا مجرد أفلاك تدور و نجوم تموت و تولد منها نجوم لكن في مصر القديمة كان كل نجم في السماء هو روح لملك من ملوك مصر الذين نالو الإشراق في السماء بعد موت أجسادهم و في مصر القديمة موت الجسد يعني إتحاد جسد المرء مع أبيه النثر جب (المعبود الممثل للأرض في المعتقد الكِمتي) حيث أن جسد الملك عندما ينزل إلى القبر فإن روحه تستعد لكي تبدأ رحلتها في ذلك الكون الذي يهتم.
و في مصر القديمة كانت الآلهة تحيا في الطبيعة قبل أن يغضب رع (المعبود الخالق الذي انار العدم بنوره) من البشر و يصعد إلى ابنته نوت (المعبودة الممثلة لـ السماء في المعتقد الكِمتي) في السماء و بعد صعود رع إلى السماء وجدت الآلهة نفسها لا تعيش في الطبيعة لأنها كانت تجهل أنها الطبيعة نفسها و ظل حال المجمع الإلهي هكذا لمدة من الزمن في زمنهم الذي يمثل عند البشر قرونًا و أجيالًا كثيرة من نسل البشر حتى جاءت الآونة الأخيرة و بدأ رع يشعر بالضجر و الضيق من أدخنة السيارات التي لوثت السماء و ضجيج المدن الذي عكر صفو المجمع الإلهي فقرر رع و الآلهة أن يتركوا السماء و يتجهوا إلى الفضاء.
لكن عندما تغادر الآلهة السماء فإن هذا يعني أن معبودات الحماية مثل بس و تاورت و توتو قد تركت بيوت البشر و أنطلقت إلى الطبيعة و بعدها تركتها بسبب قرار رع و المجمع و أنطقلت إلى السماء بعدما قام المعبود جحوتي ("تحوت" المعبود الممثل لـ الوعي و الحكمة الإلهية) بالتصديق على القرار لكن المعبودة إست (المعبودة الأم التي ارتبطت بأمور العرافة و معرفة الغيب في العصر المتأخر) لم ترضى بهذا القرار و أشارت إلى رع و هي تحمل نص من كتاب البرت إم هِرو بعنوان هل سوف يُنهيها آتوم ؟
و لم يعرف رع المقصد من قول إست هذا أما آتوم فقام بالرحيل بدون كلام إلى مقبرة اوزير في ارض سُقَر (جبانة سقارة) و عندما سأل رع جحوتي عن سبب قيام آتوم بهذا قال جحوتي : هو هو يَعرف ولا يعرف ميقات الحياة و نهاية الدورة الكونية ... و بعدها سكت رع و قال في نفسه يبدو أنني نسيت نفسي عندما نسيت خلقي ثم قال رع إلى جحوتي : يبدوا انك تعرف ما جهلت انا به فقام جحوتي بالسكوت و قال لرع بعدها : خلقت الزمن لكنك نسيت ماهيته من كثرة نزولك إلى الدوات (العالم الآخر) و يبدو أن عابب (الثعبان الضخم الذي بلا ملامح الذي يريد إعادة العالم إلي الهيولي الأول لكي يعيد القتال مع رع و ينتصر عليه مثلما انتصر عليه هو في الزمن الأول) قد أثر عليك بتفكيره التفكيكي المدمر للحدوس العرفانيه و رؤيته السطحية للأسطورة ثم سكت رع و لم يتكلم و أشار إلى جحوتي لكي يذهب لحال سبيله.
و بعد صعود الآلهة إلى الفضاء وجدت نوت نفسها خائفة من الظلام الحالك و بدأت القشعريرة تصيبها و طلبت من رع والدها أن يُحضر لها شو (المعبود الممثل الهواء) لكي يسندها في وقوفها الصعب حيث أنها كانت تقف فوق زوجها جب الذي كان يحملها لكن الآن نوت و المجمع الإلهي في الفضاء و قد قرر رع أن يترك جب (الأرض) و شو (الهواء) و تفنوت (المعبودة الممثلة للرطوبة) و سبا ور (النجم العظيم وهو روح لملك نالت الإشراق لدرجة أنها أصبحت تنير السماء) لكي يعيش البشر ما تبقى من عمر جب (الأرض) الذي أصبح كبيراً في السن لدرجة أن الأهرامات أصبحت ثقيلة على جسدة و هكذا أصبحت الآلهة تعيش في الفضاء تاركين البشر و جب و شو و تفنوت و سبار ور لكي يعيشوا معا ما تبقى من عمر جب الذي يبدو أنه شارف على الإنتهاء ...
و بعدما استقر رع و المجمع الإلهي في الفضاء وجدوا أنفسهم منزعجين من تلك الأقمار الاصطناعية و شعروا بـ الغيظ منها لكنهم أحبوا محطة الفضاء الدولية لأنها كانت بلا ضغينة ولا يوجد عليها حرب و يعم السلام بها لكنهم أحبوا ذلك الهندي الذي كان يصلي لأحد الألهه و احس كل المجمع الإلهي بـ الحب و السلام الوجداني عندما استمعوا إلى صلاة مسيحية رفعها رجل مسيحي روسي الذي كان يصلي بحب بالرغم من أن أهله كانوا يقتلون جيرانهم بالصواريخ وقذائف الهاون و هذا الحب نابع من الإيمان بالله ذلك الإيمان الذي لا يمثله إلا الماء العذب في جدول المياة الذي يمر في الجبل الذي ينحت الصخور و يجعل السمك يحيا به و العصافير تشرب منه ولا ينضب أبداً .. !
و في وسط هذه الأجواء الروحانية الجميلة يبدوا أن ستخ لم ينسى انزعاجه من دخان الارض و ضجيج المدن و الأقمار الاصطناعية و بدأ يطعن كل قمر صناعي يراه حتى أن حطام تلك الأقمار قد ارتطم بالأرض و كان ستخ يرجو أن يفهم البشر الرسالة لكن كعادتهم فهم بعضهم و اكثريتهم لا يفهمون و لم يصدقوا أي شخص اخبرهم بهذا الأمر وقال إن هذه علامة على غضب الآلهة فغضب رع اكثر و اكثر و انزعج و ظهر انزعاجه هذا على هيئة موجات كثيرة منها ما هو كهرومغناطيسي و إشعاعي و حراري كل هذا انصب على كوكب الارض و أصبحت الارض ساخنة مثل النار و قام المعبود جب بالصراخ و بدأ ينفض نفسه فظهرت الزلازل و قامت نوت و إست بالبكاء على ما حل بالبشر !
كل هذا و آتوم يرى ما فعله هو و هو صامت ؟!
حل الخراب بالأرض و اصبحت مشتعلة و انطفأت نارها بفعل بكاء نوت على زوجها و بكاء إست على والدها جب و من بكاءهم هذا فاضت الأرض و اختفت المدن تحت الماء و غرقت كل القارات ما عدا أفريقيا تحديدا شمالها الشرقي حيث مصر أرض العظماء و مهد الآلهة لكن لماذا لم تغرق مصر ؟ يبدوا أن سبب عدم غرق مصر بأكملها هو أن بها التل الأزلي الذي مارس عليه رع أمور الخلق. لكن ما سبب كل هذا ؟ و لماذا حرق رع الأرض و ما كان عليها من أبنائه ؟ هل هذا بسبب أن هم كانوا متعاطفين مع البشر ؟ ام لماذا ؟ لقد كان الكون يهتم و المعبودات تهتم لأمر البشر لكن هل يعقل أن كل هذا بسبب البشر ؟
إن قلنا نعم فنحن مُخطئون و إن قلنا لا فنحن مُخطئون لكن قد يكون الجواب الأول هو الأصح لأن البشر بعد النهضة الصناعية أصبحوا فاقدين للعاطفة و الخبرة الوجدانية و الحدوس الروحية و بعد هذا الفقد العظيم أصبحت الإنسانية تصاب بوخزات من الضمير من الحين والآخر لكن من الذي يخز الإنسانية ؟ الرحمن ام الشيطان ام الإنسان ؟ قد يبدو أن الإنسان هو من يستطيع أن يقوم بوخز نفسه و يذكر نفسه بأنه فاني و ليس خالد و عليه أن يبحث عن هدف أو غاية تعزز وجوده في الوجود. منذ أن اختفت الآلهة من الوجود و تركت الطبيعة أصبحت الساحة مفتوحة أمام الإلغائين الذين يرون أن قناعاتهم هي الصحيحة و معتقدات و أفكار الغير غير صحيحة و إنطلاقًا من كوبرنيك و داروين و فرويد و أختتامًا بـ نيتشه الذي قال بموت الإله يبدو أن فهمنا للعالم قد تغير لكن مشاكلنا ظلت كما هي حتى زادت عليها مشكلة الأزمة الروحانية التي يعانيها العالم المعاصر و مشاكل أخرى كثيرة و يبدو أن البشر هم سبب صعود الآلهة إلى الفضاء و هروبهم من الوجود إلى العدم لكن يظل هناك سؤال واحد و هو : هل يحفر الإنسان قبره ؟
#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ذا بروتاليست- و-إيميليا بيريث- يهيمنان على جوائز غولدن غلوب
...
-
-أمازون- تتعاون مع ميلانيا ترامب لإنتاج فيلم وثائقي
-
أصحاب الفكر والرأي ودورهم القادم في سوريا الجديدة.. الكتابة
...
-
عالم يكرّم فنانا على طريقته الخاصة بعد اكتشافه مجموعة عناكب
...
-
زيلينسكي يشتم الغرب بكلمات بذيئة باللغة الروسية
-
الفنان العراقي سعدون جابر يتحدث عن قصة مقتل أحد المطربين في
...
-
طريقة تثبيت تردد روتانا سينما الجديد 2025 “مش هتعرف تغمض عي
...
-
الكاتب آفي شتاينبرغ: الجنسية الإسرائيلية أداة للإبادة الجماع
...
-
عذّبه الأب، وعاش ليشهد فرار الإبن.. محمد برو وعدالة تأخرت نص
...
-
فرقة لا تعزف الموسيقى بل تقدمها بلغة الإشارة لفاقدي السمع
المزيد.....
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
المزيد.....
|