أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي سيريني - كسوريا، التقسيم والفوضى يطرقان بوابة تركيا















المزيد.....


كسوريا، التقسيم والفوضى يطرقان بوابة تركيا


علي سيريني

الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 08:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أغرب مظاهر السياسة في منطقتنا هو، تكرار آيات الطغيان وعدم الإتعاظ بالآفلين الذين مضوا، كأنهم لم يكونوا بيننا في زمن من الأزمان. يقدر الكثير من المعاصرين الأحياء في راهننا، عدّ أنظمة كثيرة كانت قوية في يوم من الأيام، ثم قضت إلى الفناء المحتوم. وهذا العد، يبدأ على أقل تقدير منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين. الأنظمة المصرية والعراقية والسورية والإيرانية الآفلة، وأخرى غيرها، في جوارها وأبعد، هي مما لا يخطئه عقلٌ سليم. ومن أشهر هذه الأنظمة القوية والمطهمة، يأتي في المقدمة نظام شاه إيران، نظام الرئيس جمال عبدالناصر، صدام حسين، حافظ الأسد وإبنه بشار وغيرهم كثير، قبلهم وبعدهم.
الدولة التركية في بنيانها وتأسيسها تشكل حالة شاذة وإستثنائية، ليس على صعيد المنطقة، بل في العالم برمته. فهذه الدولة تأسست عام 1923، على أساس آيديولوجي عرقي عنصري منغلق. هذا الأساس الآيديولوجي ينكر الحقائق التي تُرى بالعين المجردة. وهذه الآيديولوجية مازالت تحرك بنيان الدولة والنظام، ومنها تتولد السياسة وإشتقاقاتها الكثيرة، والأخطر، إنها تصنع وتؤلف بإستمرار الحس الشعبي التركي العام والتفكير الجماعي للعرق التركي. لذلك، حملت الدولة التركية أزمتها ومرضها المزمن، المستعصي على العلاج، منذ تأسيسها على يد ضابط صغير (برتبة ملازم) في الدولة العثمانية في دمشق المسمى بأتاتورك (أبو الأتراك). أتاتورك، وإسمه كمال (أضاف معلمه في المدرسة الإبتدائية إسم مصطفى للتفريق بينهما لأن إسم كمال كان مشتركا بينهما)، هو الأب الحقيقي للدولة التركية وآيديولوجية القومية التركية المعاصرة. يُحكى رسمياً، أن والد أتاتورك هو علي رضا أفندي. كان رضا أفندي كهلاً أدمن الخمر ومات مقهورا، بسبب ما كان يُشاع من قول سوء حول زوجته زبيدة هانم، الشابة اليافعة، كما تذكر المصادر. ومن الغريب، أن أتاتورك كان يخجل إذا عرضت عليه صورة أبيه المفترض رضا أفندي، ولاحظ الناس خجله من ذلك. وهناك مؤرخين ينسبون أتاتورك إلى شاب يوناني كان يعمل في مزرعة جده (والد زبيدة هانم) في صالونيكي، بسبب التشابه في ملامح الوجه بينه وبين أتاتورك، حسب الناس الذين عاينوا الإثنين. ومما يذكر عن أتاتورك أثناء خدمته العسكرية في دمشق، إدمانه الخمر وتحرشه بالنساء، وخلعة لنقاب النساء في الشوارع عدة مرات. كان أتاتورك شديد العداء للإسلام والعرب، وعلى نقيض ذلك، كان شديد الإعجاب بالأوروبيين وكان يتمنى لو كان الأتراك أوروبيين. وجد الغرب في أتاتورك ضالته، وقام الغربييون بإبرازه في أحداث مفتعلة (مثل معركة جانقايا التي انسحب منها الإنجليز فجأة)، ليظهر هذا الضابط المغمور كبطل قومي للأتراك. هذا الرجل، ذو مستوى دراسي متواضع وأقل من نصف مثقف، قام يؤسس الدولة التركية على أساس أفكار شديدة السُخف، لكنها في الواقع تحولت إلى قانون ودستور لدولة سميت حصرا بإسم عرقية معينة وهي التركية، وأخذت الأمور مجراها وفق ما أراده هذا الضابط الذي يصفه الأرشيف العثماني في دمشق بالمعربد! مضى أكثر من مائة عام على هذه الدولة، لكن سياسة تركيا ومشتقاتها، وثقافة الأتراك (ساستهم ومثقفيهم ودارسيهم وعوامهم) تنهل من أفكار أتاتورك وتُشتق منها، في توليفة غريبة، لم تنتج حتى الآن إلا الإزدواجية والتظاهر بخلاف الباطن، وآداء مبتذل لم يجن منه الأتراك سوى الإحباط والخذلان والضمور. والأخطر من هذا كله، فإن تأثير أتاتورك لم ينحصر في تركيا وحدها، بل تخطاها إلى العالم الإسلامي وخصوصا العربي. ويكاد تأثير أتاتورك مستقرا ومستمرا في القاع الذي نبتت فيه الحركات والأحزاب والجماعات الوطنية، القومية، النهضوية، اليسارية، الإسلامية والتغريبية! وأمسى هذا الضابط المغمور المثل الأعلى للسياسيين والمثقفين على إمتداد العالم الإسلامي، وأذكر مثالين فقط لمعرفة مدى تأثير أتاتورك في عالمنا. الأول هو رضا شاه بهلوي في إيران الذي خلع من العرش عام 1941، والمثال الثاني هو قائد الإنقلاب العسكري في باكستان عام 1999 برويز مشرف. بين هذين المثالين، يقبع الآلاف من الساسة والمثقفين في العالم الإسلامي الذين وجدوا في أتاتورك المعبود الذي يقربهم من التغريب والأورَبة زلفى.
أسس أتاتورك تركيا على أفكار ساذجة وعنصرية، منها: لا يوجد في تركيا غير العرق التركي، لا يوجد شئ إسمه كُرد أو القومية الكُردية، والكُرد هم أتراك الجبال، والعرب والثقافة العربية مصدر التخلف والتعاسة... الخ. وعليه منع الإسلام وغير الحرف العربي إلى اللاتيني ومنع الآذان باللغة العربية وحارب العلماء والمساجد، ومنع اللغة الكُردية وحارب الشعب الكُردي وعلمائه وشن حروبا كثيرة على كُردستان، وعاونه في ذلك الإنجليز والفرنجة. ومن بين جميع الشعوب الإسلامية، وقف الشعب الكُردي، عبر علمائه وقادته، ضد هذا الضابط الصاعد بين أنقاض الإنهيار العثماني، ولولا تدخل أوروبا لصالح أتاتورك ونظامه، لكانا في خبر كان.
اليوم، يتفق الذهن التركي الشعبي على عداوة شديدة لكل لفظ أو إسم يمت بصلة إلى كُرد و كُردستان. بل إن كلمة كُردستان تدخل ضمن المحرمات الشديدة التي لا يطيق الشعب التركي سماعها. هذه الذهنية الشعبية التي تربت منذ أكثر من مائة عام على عداوة الشعب الكُردي، وهويته وثقافته، وترى من الكُرد أعداءا بل وخونة، هي التي تضع الحروف والنقاط للسياسة التركية وتصورات الحكومات التركية، وتضغط على الدوام على الساسة الأتراك وتضعهم في حالة الترقب والحذر من مخالفة تعاليم أتاتورك، وخصوصا تلك المتعلقة بالشعب الكُردي وهويته. وبما أن أتاتورك قال بعدم وجود شعب كُردي في أي بقعة في العالم، وقوله هذا أمسى عقيدة راسخة في العقلية الجمعية للأتراك، فإن النظام التركي في جميع المراحل وإلى يومنا هذا ظل يقظا وحذرا من أي تحرك كُردي، ليس في تركيا فحسب، بل وفي دول الجوار أيضا، وقامت الحكومات التركية بالتعاون مع الحكومات الإيرانية والعراقية والسورية ضد أي تطلع للشعب الكُردي وحقوقه. بل وأكثر من هذا، قامت الحكومات التركية بإرسال وفود إلى العراق وإيران وسوريا، تحثها على عدم إعطاء أي حقوق للشعب الكُردي لأن ذلك يشكل تهديدا لأمن تركيا القومي. حتى أن سفير تركيا في القاهرة زار الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر حيث نقل شكوى وتذمر الدولة التركية من تعامل الدولتين العراقية والمصرية مع أحزاب كُردية وفتح باب الحوار معها، فضلا عن إنشاء إذاعة كُردية تبث من القاهرة. في حينها، رد عبدالناصر على السفير التركي بسؤال: هل لديكم أكراد؟ وهل هناك كُردستان داخل الأراضي التركية؟ فرد السفير التركي: لا. وحينئذ أردف عبدالناصر قائلا: إذا فلا مشكلة لأنها تخص العراق فقط! اليوم تعيش الدولة التركية نفس عقلية أمس، تقوم وتقعد لا قرار لها، بسبب ما يجري في سوريا. الخوف والقلق التركي الدائم هو فقط ما يتعلق بالشعب الكُردي ونضاله من أجل أبسط حقوقه التي حُرم منها، منذ قرن في تركيا وفي دول الجوار، بإستثناء العراق الذي يتمتعون فيه بالحكم الذاتي منذ عام 1974 والفيدرالية منذ عام 2003. تركيا مقبلة على تغيير عظيم يضربها في الصميم. ومنذ أحداث أوكرانيا، كتبت في عدة مقالات، أن تركيا ستكون الهدف القادم للتغيير الكبير، وإن ما يحدث في سوريا سيكون شأنا صغيرا إذا ما قورن بما سيحدث في تركيا في غدٍ قريب. اللهم إلا إذا حدث تغيير جذري لبنيان الدولة وأسسها، وأوله إزالة ألايديولوجية التركية حكوميا وشعبيا، وهذا الأمر يبدو صعبا وشاقا للغاية. زار الرئيس التركي أردوغان الزعيم الكُردي أوجلان في سجنه أربع مرات، وزاره رئيس الحركة القومية دولت باخجلي مرتين، يستجديان حلاً للقضية الكُردية في مماطلة مجبولة بالسياسات التركية التقليدية وهي الحيلة وإلهاء الخصم، ريثما تؤتى ثمار ما تفعله تركيا على أرض الواقع. لكن هذه السياسة لم تعد تجدي نفعا، لأن قوات قسد التي تتراوح بين خمسين إلى مائة ألف أو يزيدون، فضلا عن الألوف من مقاتلي حزب العمال الكُردستاني في المثلث الحدودي الوعر، وخلفهم أحزاب كُردية داعمة في إقليم كُردستان وفي كُردستان إيران، فضلا عن دعم أوروبي-أمريكي وإيراني أيضا، فإن مهمة تركيا أصبحت اليوم قمارا على حصان خاسر، ورهانا على حصان أعرج في تردد وإرتباك هلع يريد المزيد من الوقت بأوكسجين إصطناعي. وبدل شراء الوقت، باتت تركيا قاب قوسين أو أدنى من الإستيقاظ على قرع المفاجئة لبوابتها الشرقية والجنوبية التي ستكون حتما بداية نهاية هذه الجمهورية الآيديولوجية التي ستصطف إلى جانب الدول الماضية في أرشيف التأريخ.
سأفصل في هذا الموضوع في المقال القادم.



#علي_سيريني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلب بداية تأريخ جديد في المنطقة وشرارة حروب وتخوم تستعر بجحي ...
- السلام بين الكُرد والترك بوابة لتأريخ عظيم في المنطقة وتشالد ...
- لماذا تركز إيران والمحور الشيعي على معاداة إسرائيل
- حماس والإسلام والصراع مع إسرائيل
- بسمة النجاة
- لماذا لم ينهض العرب و المسلمون وتقهقروا
- نهاية عصر الديموقراطية الليبرالية الغربية
- تركيا أمام أمام تغيير كبير وحاسم في 2023 على مفترق طريقين تش ...
- في مسألة الشواذ الجنسي والقوانين المزمع ترسيخها وفرضها على ا ...
- الدولة التركية والإخراج السيئ لسيناريو تفجير إسطمبول
- الهجوم على محمد حبش ظلم وعدوان
- المخرج و الحل الأمثل لأزمة العراق
- المؤسف من العلاقات الكُردية التركية في ظل المرحلة الأردوغاني ...
- ماذا نفهم من دنو الرئيس أردوغان من إسرائيل: علم إسرائيل مرفر ...
- حرب أوكرانيا طريق نحو الدولة العالمية: روسيا ليست جزءا من أو ...
- مخاطر إستمرار الحرب الروسية الأوكرانية على العالم
- محنة الكُرد ومحنة بارزاني الصراع على رئاسة الجمهورية مع برهم ...
- أهل البيت في القرآن لا يشمل علي بن أبي طالب وفاطمة وذريتهما
- رسالة مفتوحة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله الس ...
- كيف تحل مشكلة العلمانية في بلاد المسلمين تفاصيل المشروع الثا ...


المزيد.....




- التزلج في أمريكا الشمالية -مكلف للغاية-.. إليكم وجهات بديلة ...
- لماذا يستمر عجوز أرمل في الـ85 من عمره بالتردّد على منحدر ال ...
- بعد السعودية وقطر.. وزيرا الخارجية والدفاع السوريان ورئيس ال ...
- الشاي غير المغلف أفضل.. في أكياس الشاي جسيمات بلاستيك ملوِثة ...
- بعد فتح السجون والمقابر... مصير المفقودين في سوريا -قد يتطلب ...
- فرنسا: انطلاق محاكمة نيكولا ساركوزي في قضية -التمويل الليبي- ...
- بلينكن يتوقع إبرام اتفاق غزة قريبا وهآرتس تنشر تفاصيل -صفقة ...
- خبير عسكري: هذه دلالات ملاحقة المقاومة الجنود الفارين من كما ...
- تمديد إغلاق مطار بكوريا الجنوبية مع استمرار التحقيق في أسوأ ...
- عاجل | وزارة الصحة الفلسطينية بغزة: ارتفاع الوفيات الناتجة ع ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي سيريني - كسوريا، التقسيم والفوضى يطرقان بوابة تركيا