أدب السجون: نافذة على عالم المعاناة الإنسانية والإبداع (دراسة في سوسيولوجيا الأدب)

حسام الدين فياض
أكاديمي وباحث
(Hossam Aldin Fayad)

الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 00:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

لا يمكننا النظر إلى أدب السجون باعتباره مجرد مجموعة من الكلمات المكتوبة خلف أسوار السجون الشاهقة، وممارسات التعذيب، والتنكيل، والإبادة الممنهجة. بل هو مرآة تعكس معاناة الشعوب وصراعها من أجل الحرية والعيش بكرامة - باختصار شديد - إنه هو صوت المقهورين والمنكوبين، وهو وثيقة تاريخية تسجّل جرائم الأنظمة الدكتاتورية لتعكس قوة الإرادة الإنسانية الطامحة لتحقيق الحرية والعدالة، والقضاء على إقصاء الآخر وانغلاق المجال السياسي.
أولاً- حول أدب السجون: يُنظر إلى أدب السجون باعتباره نوع من الأدب الذي يوثق تجارب الكُتاب داخل السجون أو الإقامة الجبرية. إنه ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو انعكاس لمعاناة الإنسان، وصراع روحه من أجل الحرية والكرامة. كما يعتبر هذا النوع من العمل الأدبي مرآة تعكس واقع المجتمعات التي تنتج مثل هذه البيئات القمعية، وتكشف عن جوانب مظلمة فيها. ويمكن لنا تعريف أدب السجون بأنه نوع من الأدب المكتوب عندما يكون الكاتب محتجزاً في مكان ضد إرادته، مثل السجن أو الإقامة الجبرية. وقد تدور أدبيات السجون حول السجن، لأحداث إما رويت للأديب، أو شهدها أثناء وجوده في السجن. وقد تكون مذكرات، أو أعمال روائية أو محض خيال. وعلى العموم يتسم أدب السجون بمجموعة من الخصائص، وهي كالآتي:
1- الواقعية: يسعى أدب السجون إلى تقديم صورة واقعية للحياة داخل السجون، بما في ذلك الظروف المعيشية القاسية، والتعذيب النفسي، والجسدي، والروتين اليومي للمساجين.
2- الشخصية: غالباً ما تركز هذه الروايات على شخصية السجين وتطورها النفسي والاجتماعي، وكيف يتأثر بإقامته في السجن.
3- الرمزية: يستخدم كتاب السجون الرموز والألغاز للتعبير عن معاناتهم، وتحويل تجربتهم إلى عمل فني.
4- النقد الاجتماعي: ينتقد أدب السجون الأنظمة السياسية والقانونية التي تؤدي إلى وجود السجون، ويطالب بالعدالة والمساواة.
5- الأمل: رغم الظروف القاسية، إلا أن العديد من روايات السجون تحمل في طياتها رسالة أمل، وتؤكد على قوة الروح البشرية وقدرتها على التغلب على الصعاب.
ومن أهم الأمثلة الواقعية على روايات أدب السجون الحديث والمعاصر:
أ- رواية " شرف 1997 " لصنع الله إبراهيم: تعتبر هذه الرواية من أهم روايات أدب السجون في العالم العربي، حيث يفضح فيها الكاتب العالم المسكوت عنه خلف القضبان، حيث يروي قصة شاب فقير تضطره الظروف لارتكاب جريمة قتل بدافع الدفاع عن الشرف ضد (جون) الأجنبي الذي حاول الاعتداء عليه جنسياً، ليدخل " شرف " إلى السجن ويكتشف هناك هذا العالم الموبوء الذي يجب عليه فيه أن يتخلى عن (شرفه) من أجل المحافظة على حياته.
ب- رواية " بالخلاص يا شباب 16 عاماً في السجون السورية 2012 " للكاتب ياسين الحاج صالح: تروي هذه الرواية تجربة الكاتب في السجون السورية، وتعتبر من أهم الروايات التي تناولت موضوع السجون في العالم العربي. تحكي واقعاً مريراً يعيشه السوريون على يد نظام الحكم البعثي المجرم منذ 1980 حتى قيام الثورة السورية في 2011.
ج- " تلك العتمة الباهرة 2001 " للكاتب طاهر بن جلون: رواية من أدب السجون مغربية تتناول موضوع السجن من منظور نفسي، وتستكشف تأثير الحبس الانفرادي على نفسية السجين. أحداث الرواية مستلهمة من شهادة عزيز بنبين، أحد المعتقلين السابقين في معتقل تزمامارت. تم إصدارها باللغة الفرنسية أواخر سنة 2000 وفازت بجائزة إمباك الأدبية.
د- " القوقعة يوميات متلصص 2008 " للكاتب مصطفى خليفة: رواية سورية تصور الحياة داخل سجن تدمر (الصحراوي)، وتعتبر من أهم الروايات التي تناولت موضوع التعذيب. كما أنها تعتبر من أهم روايات أدب السجون العربية شهرة، حيث ترجمت إلى 10 لغات، وتشمل الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية والنرويجية والتركية والألبانية والمجرية والألمانية. تسرد الرواية يوميات شاب ألقي القبض عليه لدى وصوله إلى المطار عائداً من فرنسا إلى وطنه سوريا، وذلك بعد انتهائه من دراسة الإخراج السينمائي، حيث أمضى أكثر من 13 سنة في السجون السورية دون أن يعرف التهمة الموجهة إليه. يذكر أن كاتب الرواية مصطفى خليفة كان قد اعتقل بسبب تقرير كتبه عنه أحد زملائه في فرنسا وليس بسبب أفكاره السياسية، ولكن كان قد صرح بأن بطل الراوية يتضمن جزءاً كبيراً من شخصيته، ولكن الجزء الآخر لصديق له يحمل مواصفات بطل الراوية بالكامل، وأن شخصية بطل الرواية هي تركيبة من تجربته الشخصية وتجربة صديقه.
أما عن أهمية أدب السجون تكمن من خلال تسليط الضوء على ما يلي:
1- توثيق التاريخ: يساهم أدب السجون في توثيق تاريخ الحركات الثورية والنضالات السياسية، ويحفظ ذاكرة الشعوب.
2- كشف الظلم والاستعباد: يكشف هذا النوع الأدبي عن الانتهاكات التي ترتكب داخل السجون، ويحمل المسؤولين عن هذه الانتهاكات المسؤولية.
3- إلهام الأجيال: يلهم أدب السجون الأجيال القادمة على النضال من أجل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
4- توسيع آفاق القارئ: يقدم أدب السجون للقارئ فرصة للتعرف على جوانب مظلمة من الحياة، وتوسيع آفاقه الفكرية.
باختصار شديد، يشكل أدب السجون مرآة تعكس معاناة الإنسان، وهو شهادة على قوة الروح البشرية. إنه أدب يثير التأمل، ويحمل في طياته رسالة أمل، ويدعو إلى بناء مجتمعات أكثر عدالة ومساواة.
ثانياً- تحليل رواية القوقعة يوميات متلصص للكاتب (مصطفى خليفة):
1- ملخص رواية: يُنظر إلى رواية " القوقعة " باعتبارها أهم عمل أدبي مؤثر يروي تجربة مؤلمة ومؤثرة للكاتب مصطفى خليفة في أحد السجون السورية. حيث تجسد الرواية بالتفصيل الممل الظروف القاسية والتعذيب النفسي والجسدي الذي يتعرض له السجناء، وكيف يؤثر ذلك على شخصيتهم وهويتهم وتكوينهم النفسي والاجتماعي. وتدور أحداث الرواية حول قصة شاب مسيحي يميل إلى الإلحاد قضى أكثر من ثلاثة عشر عاماً في السجون السورية بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين ذاق خلالها كل أنواع التعذيب والتنكيل والقهر والإذلال الإنساني.
- أبرز النقاط والموضوعات الرئيسية التي تتناولها الرواية ما يلي:
1) العزلة والوحشة: يعيش السجين في عزلة تامة، محروماً من التواصل مع العالم الخارجي، مما يؤدي إلى شعور عميق بالوحشة واليأس.
2) التعذيب النفسي والجسدي: يتعرض السجناء لأبشع أنواع التعذيب، سواء كان جسدياً من خلال الضرب والحرمان، أو نفسياً من خلال التهديد والتحقير.
3) تآكل الهوية: تسعى السلطة إلى تحطيم وتدمير هوية السجين وتفكيك شخصيته، مما يؤدي إلى فقدان السجين لذاته وكيانه وكرامته.
4) الأمل والمقاومة: رغم الظروف القاسية، يحاول السجين التمسك بالأمل والبحث عن طرق للمقاومة، سواء كانت مقاومة داخلية من خلال الحفاظ على شخصيته، أو مقاومة خارجية من خلال محاولة التواصل مع العالم الخارجي.
5) تأثير السجن على العلاقات الإنسانية والاجتماعية: تكشف الرواية عن طبيعة العلاقات المعقدة التي تتشكل داخل السجن، وكيف تؤثر الظروف القاسية على هذه العلاقات وتدمرها.
- أهمية الرواية: تنبثق أهمية الرواية الأدبية والواقعية من خلال تسليط الضوء على ما يلي:
1) شهادة حية: تعتبر الرواية شهادة حية على ما يحدث داخل السجون، وتكشف عن الوجه القبيح للتعذيب والظلم.
2) تحذير من خطر الاستبداد: تحذر الرواية من مخاطر الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان، وتدعو إلى ضرورة مقاومة الظلم.
3) عمل أدبي متميز: تتميز الرواية بأسلوبها السردي القوي وقدرتها على إيصال المعاناة الإنسانية بعمق وصدق منقطع النظير.
باختصار شديد، رواية تعتبر " القوقعة " وثيقة مؤلمة عن تجربة السجن، وهي عمل أدبي مهم يساهم في فهم أعمق للظلم والقمع، ويبرز قوة الإنسان في مواجهة الصعاب.
2- تحليل رواية " القوقعة " سوسيولوجياً: تكمن أهمية رواية " القوقعة " لمصطفى خليفة باعتبارها عمل أدبي عميق يغوص في أعماق التجربة السجنية، لكنها تتجاوز ذلك لتقدم لنا تحليلاً دقيقاً للمجتمع والسلطة والقيم من منظور سوسيولوجي.
- أهم الجوانب السوسيولوجية التي تتناولها الرواية:
1) السلطة والسيطرة: تسلط الرواية الضوء على آليات عمل السلطة داخل السجن وكيفية تأثيرها على نفسية السجين. كما تكشف عن طبيعة السلطة في المجتمع بشكل عام وكيفية استغلالها لقمع الأفراد.
2) الهوية والانتماء: تتناول الرواية سؤال الهوية في ظل الظروف القاسية للسجن وكيفية تأثير العزلة على بناء الهوية الذاتية والاجتماعية.
3) العلاقات الاجتماعية: تستكشف الرواية طبيعة العلاقات الاجتماعية داخل السجن وكيف تتشكل التحالفات والصراعات في ظل ظروف قاسية.
4) العنف والقوة: تقدم الرواية صورة مظلمة عن العنف الممارس داخل السجن وكيفية تأثيره على السجناء نفسياً وجسدياً.
5) الأمل والمقاومة: رغم الظروف القاسية، تبرز الرواية أهمية الأمل والمقاومة في حياة السجناء وكيفية الحفاظ على الإنسانية في ظل الظلم.
- أبرز النقاط التي يمكن تحليلها سوسيولوجياً، هي كالآتي:
1) تأثير السجن على شخصية الفرد: كيف يغير السجن شخصية بطل الرواية؟ وما هي الآثار النفسية والاجتماعية لهذا التغيير؟
2) دور الدين في حياة السجناء: كيف يلجأ السجناء إلى الدين كوسيلة للمقاومة والتأقلم مع ظروف السجن القاسية اللا إنسانية؟ وما هي الدور الذي يلعبه الدين في بناء العلاقات الاجتماعية داخل السجن؟
3) العلاقة بين السجّان والسجين: ما هي طبيعة العلاقة بين السجّان والسجين؟ وكيف تؤثر هذه العلاقة على كلا الطرفين؟
4) دور الأدب في مقاومة الظلم: كيف يستخدم بطل الرواية الأدب كوسيلة للتعبير عن معاناته والمقاومة؟
ويمكن للباحث إذا أراد التعمق أكثر بعملية التحليل السوسيولوجي للرواية الاستعانة بالنظريات السوسيولوجية المعاصرة التالية:
- نظرية السيطرة الاجتماعية: لفهم آليات السيطرة التي تمارسها السلطة على السجناء.
- نظرية التفاعل الرمزي: لتحليل كيفية بناء العلاقات الاجتماعية داخل السجن وتأثير التفاعل بين الأفراد على بناء الهوية.
- نظرية الصراع: لفهم الصراعات التي تحدث داخل السجن وكيفية تأثيرها على النظام الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن مقارنة تجربة السجن في الرواية بتجارب أخرى مشابهة في سياقات مختلفة.
بناءً على ما سبق يعتبر التحليل السابق مجرد تحليل أولي للرواية من منظور سوسيولوجي فهناك العديد من الجوانب الأخرى التي يمكن استكشافها بشكل أعمق.
ثالثاً- تحليل رواية شرف للكاتب (صنع الله إبراهيم):
1- ملخص الرواية: تتصف رواية شرف بأنها رواية واقعية تسعى إلى تسلط الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية في المجتمع المصري. تدور أحداث الرواية حول شاب يُدعى أشرف عبد العزيز سليمان، يُلقب بــ " شرف "، يتورط في جريمة قتل بسبب دفاعه عن شرفه مما يسبب وقوع شرف في السجن. بعدها تدور معظم أحداث الرواية في السجن، حيث يكتشف عالم الفساد والرشاوي وأنواع انتهاك حقوق الإنسان، ويمثل عالم شرف في السجن مرآة تعكس حقيقة العالم الخارجي الذي يتصف بالتفاوت الطبقي الصارخ وغياب العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع، حيث يضطر الجميع إلى أن يدفعوا الرشاوي لإتمام سُبل حياتهم داخل في السجن كما هو خارجها.
- تنحصر أحداث الرواية النقاط التالية:
1) الحادث: يلتقي شرف بسائح أجنبي يحاول الاعتداء عليه، فيدافع عن نفسه ويقتله.
2) السجن: يدخل شرف السجن بتهمة القتل، وهناك يكتشف عالماً جديداً مليئاً بالفساد والظلم والتعذيب.
3) التحولات: يعيش شرف تجارب قاسية داخل السجن، مما يجعله يتغير ويتطور كشخصية.
4) الصراع: يواجه شرف صراعاً مستمراً مع النظام السائد والظلم الذي يعانيه المساجين.
- أهم المحاور والقضايا التي تتناولها الرواية تنحصر بما يلي:
1) الفساد: تكشف الرواية عن فساد النظام السياسي وبالأخص مؤسسة السياسية ومصلحة السجون.
2) الظلم الاجتماعي: تسلط الضوء على الظلم الذي يعانيه الفقراء والمهمشون.
3) انتهاك حقوق الإنسان: توضح الرواية الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء من تعذيب وسوء معاملة.
4) الصراع بين الفرد والمجتمع: تبرز الرواية الصراع الدائم بين الفرد ورغباته وبين قيود المجتمع.
- تنبع أهمية الرواية من خلال تسليط الضوء على النقاط التالية:
1) واقعية: تقدم الرواية صورة واقعية عن الحياة داخل السجون المصرية.
2) انتقاد: تنتقد الرواية بشدة النظام السياسي والاجتماعي القائم.
3) عمق: تتناول الرواية قضايا إنسانية عميقة مثل: الحرية، والعدالة، والكرامة.
4) تأثير: أثرت الرواية بشكل كبير على الأدب العربي وفتحت نقاشاً واسعاً حول العديد من القضايا.
بشكل عام، رواية شرف هي عمل أدبي مهم يسلط الضوء على جوانب مظلمة من المجتمع، ويقدم رؤية نقدية لواقعنا المعاش.
2- تحليل رواية شرف سوسيولوجياً (نظرة متعمقة): تعتبر رواية " شرف" عملاً أدبياً غنياً بالأبعاد الاجتماعية والسياسية والنفسية. ومن خلال المنظور السوسيولوجي، تقدم الرواية تحليلاً عميقاً للمجتمع المصري في فترة تسعينيات القرن العشرين، وتسلط الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية، والسياسية، التي كانت، ولا تزال، تشغل بال المجتمع المصري والعربي على حد السواء.
- أبرز الجوانب السوسيولوجية التي تحملها الرواية في طياتها:
1) الطبقية الاجتماعية: تبرز الرواية بوضوح التفاوت الطبقي الصارخ في المجتمع المصري، وكيف أن هذا التفاوت يؤثر بشكل كبير على فرص الأفراد وحقوقهم. شخصية شرف مثلاً، تعاني من الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي يضعه في مواجهة صعوبات حياتية كبيرة.
2) الفساد والمحسوبية: تكشف الرواية عن فساد النظام السياسي والقضائي، وكيف أن المحسوبية (الواسطة) والرشوة تلعبان دوراً كبيراً في تحديد مصير الأفراد.
3) السلطة والقوة: تنتقد الرواية بشكل صريح استغلال السلطة والقوة من قبل الأجهزة الأمنية، وكيف أن هذه السلطة تستخدم لقمع المعارضة وسلب الحريات.
4) التعذيب والعنف: تصور الرواية بشكل واقعي ممارسات التعذيب والعنف التي يتعرض لها السجناء، وكيف أن هذه الممارسات تؤدي إلى تدمير نفسي وجسدي للأفراد.
5) الصراع بين الفرد والمجتمع: تسلط الرواية الضوء على الصراع الدائم بين الفرد والمجتمع، وبين الرغبة في التغيير والواقع القائم.
6) دور الدين: تتناول الرواية بشكل ضمني دور الدين في المجتمع، وكيف يتم استغلال الدين لأغراض سياسية.
- تنبع أهمية التحليل السوسيولوجي للرواية من خلال تسليط الضوء على النقاط التالية بالتحليل والتفسير والنقد:
1) فهم أعمق للمجتمع: يساعد التحليل السوسيولوجي للرواية على فهم أعمق للمجتمع المصري في فترة زمنية معينة، والتحديات التي واجهها.
2) كشف الحقائق: تساهم الرواية في كشف الحقائق حول العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي حدثت آنذاك.
3) إثارة النقاش: تفتح الرواية باب النقاش حول قضايا مهمة، وتشجع القراء على التفكير النقدي ذو البعد الإنساني.
4) دراسة الأدب المقارن: يمكن مقارنة رواية شرف بروايات أخرى تناولت قضايا مشابهة، مما يساهم في دراسة الأدب المقارن وتقدمه وتطوره.
بناءً على ما سبق تطرح علينا منهجية التحليل السوسيولوجي التساؤلات التالية:
- كيف تعكس رواية شرف واقع المجتمع المصري في فترة كتابتها؟
- ما هي الدلالات السوسيولوجية والسيكولوجية لشخصية شرف؟
- كيف يتم تمثيل السلطة والقوة في الرواية؟
- ما هو دور السجن في تشكيل شخصية شرف؟
- كيف يمكن مقارنة رواية شرف بروايات أخرى تناولت قضايا السجون والتعذيب؟
خلاصة القول، تعتبر رواية شرف وثيقة تاريخية تعكس واقعاً اجتماعياً وسياسياً معقداً من خلال التحليل السوسيولوجي للرواية، حيث يمكننا فهم أعمق للتحديات التي تواجه المجتمعات العربية، وكيف يمكن للأدب أن يكون أداة قوية للتغيير الاجتماعي.
- آفاق تحليل رواية " شرف " سوسيولوجياً: في حقيقة الأمر، تعتبر رواية " شرف " أكثر من مجرد رواية، بل إنها حقيقة اجتماعية تعكس الواقع المصري المعقد في فترة معينة. ومن خلال منظور التحليل السوسيولوجي، يمكننا تحليل الرواية من عدة زوايا مختلفة، وهي كالآتي:
1. التفاوت الطبقي وغياب العدالة الاجتماعية: تبرز الرواية بوضوح الفوارق الطبقية في المجتمع المصري وكيف أن هذه الفوارق تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد وحقوقهم. كما تعتبر شخصية شرف هي مثال حي على الظلم الذي يعانيه الفقراء والمهمشون، وكيف أن النظام القائم يحابي الطبقات الغنية والمتنفذة، وهذا دليل دامغ على غياب العدالة الاجتماعية.
2. السلطة والقوة: تنتقد الرواية بشدة استغلال السلطة من قبل الأجهزة الأمنية، وكيف يتم استخدام هذه السلطة لقمع المعارضة وسلب الحريات. كما تصور الرواية بشكل واقعي ممارسات التعذيب والعنف التي يتعرض لها السجناء، وكيف أن هذه الممارسات تؤدي إلى تدمير نفسي وجسدي للأفراد.
3. القيم والأخلاق: في هذا السياق تتناول الرواية بشكل عميق مفهوم الشرف في المجتمع المصري، وكيف يتم تفسيره وتطبيقه بشكل مختلف بين الطبقات الاجتماعية. بالإضافة إلى أنها تبرز الرواية الصراع بين القيم التقليدية المتأصلة في المجتمع والقيم الحديثة التي تتسلل إليه.
4. الدين والسياسة: تلمح الرواية إلى استغلال الدين لأغراض سياسية، وكيف يتم استخدام الدين لتبرير بعض الممارسات الخاطئة. كما أنها تظهر الرواية الصراع بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية، وكيف يؤثر هذا الصراع على حياة الأفراد.
5. السجن كرمز: يمثل السجن في الرواية رمزاً للمجتمع ككل، حيث يعكس الظلم والفساد والقمع الذي يعاني منه المجتمع. كما تظهر الرواية كيف أن السجن يمكن أن يكون مكاناً للتحول والتغيير، حيث يكتشف الأفراد حقيقتهم ويطورون وعياً اجتماعياً جديداً.
- تنحصر نقاط القوة للرواية حسب التحليل السوسيولوجي بما يلي:
1) واقعية الصورة: تقدم الرواية صورة واقعية عن المجتمع المصري، مما يجعلها مرجعاً هاماً لدراسة المجتمع المصري في تلك الفترة.
2) عمق التحليل: تتناول الرواية قضايا اجتماعية عميقة، مما يتطلب تحليلاً سوسيولوجياً دقيقاً.
3) أثرها على فكر القارئ: أثارت الرواية جدلاً واسعاً وحفزت القراء على التفكير في قضايا مهمة قد تكون عائبة عن مسرح الحياة الاجتماعية بسبب الانشغال بظروف الحياة ومصاعبها.
- نقاط الضعف حسب التحليل السوسيولوجي للرواية:
1) تركيزها على جانب واحد: قد يركز بعض النقاد على جانب واحد من الرواية، مثل الجانب السياسي، ويتجاهلون الجوانب الأخرى.
2) تقييمها من منظور زمني معين: قد تختلف قراءة الرواية وتقييمها باختلاف الزمن والمكان، حيث تتغير الظروف الاجتماعية والسياسية.
باختصار شديد، تعتبر رواية " شرف " عمل أدبي غني بالأبعاد الاجتماعية، والسياسية، والنفسية. ومن خلال تحليلها سوسيولوجياً، يمكننا فهم أعمق للمجتمع المصري في فترة زمنية معينة، والتحديات التي واجهها. كم تعد من أهم الروايات العربية التي تناولت موضوع السجون والتعذيب. ومع ذلك، فإنها ليست الرواية الوحيدة التي تناولت هذا الموضوع الحساس والمؤلم في عمق النفس الإنسانية، فهناك العديد من الروايات العربية والعالمية التي استكشفت تجربة السجن والتعذيب من زوايا مختلفة. تتميز بالواقعية المفرطة، حيث تصور حياة السجن بكل تفاصيلها القاسية والظالمة، دون تجميل أو تهويل. بالإضافة إلى الغوص بأعماق النفس البشرية لأنها تتجاوز وصف المعاناة الجسدية للسجناء، لتغوص في أعماق نفوسهم وتصور التغيرات التي تحدث لهم بسبب تجربة السجن. كما أنها لا تقتصر على وصف واقع السجن، بل تنتقد بشدة النظام السياسي، والاجتماعي، الذي يؤدي إلى وجود مثل هذه السجون. وفي الختام نجد أن هذه الرواية أثرت بشكل كبير على الأدب العربي، وفتحت الباب أمام الكتّاب الآخرين لتناول موضوع السجون والتعذيب برؤى مختلفة.
ثالثاً- عن أهمية أدب السجون في وقتنا المعاصر: يعتبر أدب السجون هو مرآة تعكس ظواهر اجتماعية، وسياسية، عميقة، وهو شهادة حيّة وموثقة على معاناة الإنسان وحقه في الحرية والكرامة. وفي وقتنا المعاصر، يحظى هذا النوع من الأدب بأهمية متزايدة لأسباب عدة أهمها:
1) كشف الحقائق: يساهم أدب السجون في فضح الانتهاكات التي تحدث داخل السجون، وكشف الحقائق حول التعذيب وسوء المعاملة التي يتعرض لها السجناء وخاصة انتهاكات التعذيب والإذلال والقتل الجماعي في مسلخ صديانا (السجن الجبلي) في عهد النظام الأسدي البائد في سوريا.
2) التوعية بالظلم: يساهم في توعية الرأي العام بالظلم الذي يتعرض له السجناء، ويدعو إلى ضرورة احترام حقوق الإنسان.
3) دعم قضية حقوق الإنسان: يعتبر أدب السجون سلاحاً قوياً في الدفاع عن حقوق الإنسان، وفضح الانتهاكات التي ترتكب باسم القانون.
4) تسجيل التاريخ: يعمل أدب السجون على توثيق التاريخ المعاصر، وحفظ ذاكرة الشعوب، خاصةً في ظل الأنظمة الديكتاتورية والقمعية.
5) تحفيز النقد الذاتي: يدفع أدب السجون المجتمع إلى إعادة النظر في سياساته المتعلقة بالعدالة الجنائية، وإصلاح الأنظمة القضائية.
6) إنسانية القضية: يركز أدب السجون على الجانب الإنساني للقضية، ويبين أن السجين يبقى إنساناً رغم ارتكابه للجريمة، وله الحق في العيش بكرامة.
7) فضح الانتهاكات: كشفت روايات عديدة عن الانتهاكات التي تحدث في السجون، مما أدى إلى ضغوط على الحكومات لتحسين أوضاع السجون والمساجين كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
8) تغيير التشريعات: ساهمت بعض الروايات في تغيير التشريعات المتعلقة بالسجون، وحقوق السجناء والإنسان.
9) دعم الحركات الاحتجاجية: استخدمت الحركات الاحتجاجية أدب السجون كأداة للتعبير عن مطالبها، وكسب التأييد الشعبي.
خلاصة القول إن أدب السجون في حقيقة الأمر ليس مجرد عمل أدبي، فهو شاهد عيان على معاناة الإنسانية وقهرها واستلابها في ظل مجتمعات الاستبداد والقمع والخضوع (المسلخ البشري صيدنايا نموذجاً) في ظل حكم النظام الأسدي المجرم على مدى 55 عاماً، وهو أيضاً الصوت المطالب بالعدالة والحرية والكرامة والديموقراطية، كما أنه أداة لرفع الوعي المجتمعي بالجرائم والانتهاكات الممارسة ضد حقوق الإنسان بهدف فضحها وتحقيق العدالة التي يتوق الإنسان إلى العيش في ظلها. ويجب علينا القضاء على مفهوم السلطة المطلقة من خلال تعزيز مفاهيم الحرية والمواطنة والديمقراطية في الوعي الجمعي لأفراد المجتمع؛ لأن السلطة المطلقة أسوأ ما في النفس البشرية.

#حسام_الدين_فياض (هاشتاغ)       Hossam_Aldin_Fayad#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات