أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - كيف يمكن للمسرح أن يستعيد جمهوره؟















المزيد.....


كيف يمكن للمسرح أن يستعيد جمهوره؟


حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري


الحوار المتمدن-العدد: 8211 - 2025 / 1 / 3 - 16:13
المحور: الادب والفن
    


كان المسرح دائماً وسيظل رمزاً للإبداع والتواصل الإنساني العميق، لكنه يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة تهدد مكانته في المشهد الثقافي. تغيرت ذائقة الجمهور، وتراجعت العادات التي جعلت من الذهاب إلى المسرح حدثاً أساسياً في حياة الناس. وبينما تتسارع وتيرة الحياة وتتنوع وسائل الترفيه، بات المسرح يبحث عن وسائل جديدة لجذب جمهوره، مستجدياً عودتهم إلى مقاعده.

الجمهور بين التغيرات الثقافية وسرعة العصر
السؤال الأساسي الذي يفرض نفسه: هل المشكلة تكمن في الجمهور أم في المسرح ذاته؟ جمهور اليوم أصبح يفضل المحتوى السريع والمباشر، ذلك الذي لا يتطلب جهداً ذهنياً كبيراً أو وقتاً طويلاً. في عصر الشاشات الصغيرة، حيث يلتهم الأفلام والمسلسلات القصيرة في دقائق، تبدو فكرة مشاهدة عرض مسرحي يتجاوز الساعة والنصف مهمة شاقة للبعض.
ومع ذلك، فإن المشكلة ليست في قدرة الجمهور على الاستمتاع بعروض طويلة، بل في كيفية تقديم هذه العروض بطريقة تمسك بانتباهه منذ اللحظة الأولى وحتى النهاية. عروض مبتكرة بإيقاع سريع، نصوص معاصرة تعكس واقع الناس، وتجارب مسرحية تدمج بين الترفيه والفكر هي ما قد يعيد الجمهور إلى مقاعد المسرح.

نجوم المسرح: جاذبية مؤقتة أم وسيلة دائمة؟
لا شك أن وجود نجم شهير على خشبة المسرح يمكن أن يجذب الجمهور. الأسماء اللامعة تمتلك سحراً خاصاً يجعل من التجربة المسرحية حدثاً اجتماعياً أو ثقافياً يتصدر المشهد الإعلامي. ومع ذلك، فإن النجم وحده ليس كافياً. إذا لم يكن العرض مشوقاً ويحمل رسالة عميقة، فإن بريق الشهرة يتلاشى سريعاً، ويجد الجمهور نفسه يعزف عن العودة مرة أخرى. لذلك، فإن وجود نصوص قوية وإخراج مبتكر وتجربة متكاملة هي الأساس. عندما يجتمع الإبداع الفني مع الحضور النجمي، يصبح المسرح تجربة بصرية وعاطفية وفكرية لا تُنسى.

العروض الاستعراضية: جاذبية الحواس وحدها لا تكفي
تعد العروض المليئة بالرقص والغناء وسيلة قوية لجذب الجمهور، خاصةً عندما تكون ثرية بالمؤثرات البصرية والإيقاعات الموسيقية. لكنها ليست ضماناً للنجاح إذا افتقرت إلى العمق الفني أو الترابط السردي. الجمهور قد ينبهر في البداية، لكنه سيشعر بالإرهاق أو الملل إن لم يجد محتوى يحمل قيمة فنية أو فكرية.

منصات البث الرقمي: التحدي الأكبر
المنصات الرقمية تمثل منافساً شرساً للمسرح التقليدي. توفر هذه المنصات محتوى سريعاً ومتاحاً على مدار الساعة بأسعار زهيدة مقارنة بتذاكر المسرح. لذلك، يجب أن يتكيف المسرح مع هذا الواقع الجديد. يمكن للمسرح الاستفادة من التكنولوجيا بطرق مبتكرة، مثل دمج العناصر التفاعلية أو استخدام الإسقاطات البصرية والواقع الافتراضي لجذب الجيل الجديد. كما أن تقديم عروض قصيرة أو مقتطفات على الإنترنت قد يكون مدخلاً لجذب جمهور أكبر إلى العروض الكاملة.

ضعف الدعم الحكومي وتأثيره
أحد أبرز أسباب تراجع المسرح هو نقص الدعم الحكومي. الفنون المسرحية تحتاج إلى تمويل لتغطية تكاليف الإنتاج وتقديم عروض بأسعار معقولة تجذب مختلف الشرائح الاجتماعية. عندما تصبح تذاكر المسرح باهظة الثمن، فإنها تضع حاجزاً بين الفن وجمهوره، مما يجعل المسرح نشاطاً نخبوياً لا يصل إلى الأغلبية.

المؤسسات الثقافية والحكومات يمكنها المساهمة بدعم مباشر للمسارح، سواء عبر تمويل الإنتاج أو تخفيض الضرائب. كما يجب أن تكون هناك مبادرات لتشجيع الأفراد على ارتياد المسرح، مثل إقامة مهرجانات مجانية أو عروض مخفضة موجهة للعائلات والطلاب.

التعليم والثقافة: أساس التغيير
ضعف التعليم الفني والثقافي في المدارس والجامعات أدى إلى تراجع مكانة المسرح. عندما يغيب المسرح عن المناهج الدراسية، يُفقد الأجيال الجديدة القدرة على تقدير هذا الفن. إعادة المسرح إلى قلب العملية التعليمية أمر ضروري لإحياء العلاقة بين الجمهور والفن. يمكن للمؤسسات التعليمية تنظيم ورش عمل، وعروض مدرسية، وزيارات منتظمة للمسارح لتقريب الطلاب من هذا الفن.

نحو استراتيجية شاملة
رغم التحديات، لا يزال المسرح قادراً على استعادة جمهوره. لكنه بحاجة إلى استراتيجية شاملة تتضمن:
1. التجديد في النصوص: كتابة نصوص تعكس قضايا الناس وهمومهم بأسلوب مبتكر.
2. الاستثمار في التكنولوجيا: استخدام الأدوات الحديثة لإثراء التجربة المسرحية.
3. الترويج الإعلامي: الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لجذب فئات الشباب.
4. تنويع العروض: تقديم محتوى يناسب مختلف الأذواق والأعمار.
5. التعليم الفني: تعزيز الثقافة المسرحية عبر المدارس والجامعات.

المسرح ليس مجرد مساحة للعروض الفنية، بل هو مرآة تعكس الواقع الإنساني وتعبر عن هموم الناس وآمالهم. لكنه اليوم أمام اختبار حقيقي لاستعادة دوره الثقافي والاجتماعي في عالم تتسارع فيه التغيرات وتتنوع فيه وسائل الترفيه. إن نجاح المسرح في استعادة جمهوره يتطلب إعادة التفكير في دوره ورسالته، وهو ما يستدعي جهداً مشتركاً من كافة الأطراف المعنية: الفنانين، المؤسسات الثقافية، الحكومات، والجمهور نفسه.

على المسرح أن يجدد أدواته وأساليبه، وأن يكون أكثر جرأة في مواجهة التحديات. النصوص الجديدة التي تلامس القضايا المعاصرة، والتقنيات الحديثة التي تُدخل الجمهور في عوالم ساحرة، والترويج الإعلامي الذي يتحدث بلغة الشباب، جميعها خطوات حاسمة نحو إعادة المسرح إلى قلب المشهد الثقافي.

وفي الوقت ذاته، يجب أن يكون التعليم الفني والثقافي جزءاً من الحل. فبدون غرس قيمة المسرح في نفوس الأجيال الجديدة، سيظل هذا الفن حبيس نخبة محدودة من المهتمين. المبادرات التعليمية التي تعيد المسرح إلى المدارس والجامعات ليست مجرد رفاهية، بل ضرورة لتأصيل الثقافة المسرحية وإحياء صلة الجمهور به.

إن عودة الجمهور إلى المسرح ليست حلماً بعيد المنال، لكنها تتطلب رؤية واضحة وإرادة صادقة. المسرح قادر على استعادة مكانته كمنارة ثقافية تجمع الناس حول قيم الجمال والفكر والإبداع. فهو أكثر من مجرد ترفيه؛ إنه حوار عميق مع الذات والمجتمع، وإذا ما توفرت له البيئة الداعمة والإبداع المستمر، فإنه بلا شك سيظل حياً ونابضاً في وجدان الإنسانية.

فلننظر إلى المسرح كدعوة مفتوحة للتأمل في الحياة، وكجسر يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل. عندها فقط، سيجد الجمهور طريقه إليه مرة أخرى، ويعود المسرح ليكون الساحة التي تنبض بالحياة، والحلم، والأمل.



#حسام_موسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقليص مدد مهرجانات المسرح: أزمة استخفاف أم تحديات معقدة؟
- دنيس ديدرو: المؤلف الموسوعي ورائد الدراما البرجوازية
- رؤية الواقع وثقافة العلوم الإنسانية: أسس النقد والمسرح الحقي ...
- لعبة النهاية: عبثية الوجود بين النص والعرض
- مسرحية الحياة حلم: الباروك وتجلّياته في أدب العصر الذهبي الإ ...
- لغة الوجوه والعينين: نافذة الروح في فن التمثيل
- الفعل التمثيلي بين المراقبة والتفسير: دراسة فلسفية وثقافية
- القوالب الفنية في أوبريت العشرة الطيبة لسيد درويش
- تحديات مسرح الشارع في الفضاء العام: بين الصناعة والتلقي
- مساعدو الإخراج في المسرح: أدوار محورية في الظل
- فن الصمت في التمثيل: قوته، تأثيره، ودور المخرج في توجيهه
- الكوميديا الهزلية (الفارس): دراسة معمقة حول أحد أقدم أشكال ا ...
- الأنانية لدي الممثل: بين تحديات الفردية والتزام الجماعة
- التطوع في المهرجانات الفنية
- استلهام التراث في المسرح: بين التجديد والحفاظ على الهوية
- سمات ممثل مسرح الشارع: الفن في قلب الأماكن العامة
- جريمة بيضاء : استكشاف الصراع بين الظاهر والباطن علي خشبة الم ...
- -مرايا إليكترا: عرض مسرحي يتجاوز التوقعات-
- بين الصرامة والحب: رحلة تحول الأب في - العيال فهمت -
- الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احت ...


المزيد.....




- طريقة تثبيت تردد روتانا سينما  الجديد 2025 “مش هتعرف تغمض عي ...
- الكاتب آفي شتاينبرغ: الجنسية الإسرائيلية أداة للإبادة الجماع ...
- عذّبه الأب، وعاش ليشهد فرار الإبن.. محمد برو وعدالة تأخرت نص ...
- فرقة لا تعزف الموسيقى بل تقدمها بلغة الإشارة لفاقدي السمع
- (بالصورة) رسامة كاريكاتير تستقيل.. والسبب -إنحناء بيزوس أمام ...
- إرث العثمانيين الثقافي.. ديانا دارك وتجوال جديد على جسور الش ...
- -انحناءة- بيزوس أمام ترامب تتسبب باستقالة رسامة كاريكاتير في ...
- ترجمة مُضللة لتصريحات وزير دفاع أمريكا عن ضربات ضد الحشد الش ...
- -لا أرض أخرى-.. البدو الفلسطينيون يجبرون على الرحيل تحت غطاء ...
- قائد الثورة..ضرورة زيادة النتاجات العلمية والفنية عن هؤلاء ا ...


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - كيف يمكن للمسرح أن يستعيد جمهوره؟