أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - الشعبويّة في السلطة: تهديد أم تصحيح للديمقراطية؟















المزيد.....


الشعبويّة في السلطة: تهديد أم تصحيح للديمقراطية؟


فتحي البوكاري
كاتب

(Boukari Fethi)


الحوار المتمدن-العدد: 8211 - 2025 / 1 / 3 - 14:12
المحور: الادب والفن
    


منذ نشأة الدولة الوطنية في تونس، يتمّ تنظيم وتقوية وتطوير المجتمع على نهج وطني محدد وخاص جدّا، لا يجعل من الحرية عنصرا مركزيا وقيمة أساسية لها، فارتفع بذلك منسوب الاستبداد بشكل حاد ومهد الطريق لوسم حكمها بكونه غير ديمقراطي، بعد الثورة بفترة قصيرة انتكس الحلم في بناء دولة القانون وانهارت الديمقراطية الوليدة، ليحلّ محلّها، من مسافة زمنيّة صغيرة، مسار جديد يَسِمُهُ المجتمع الأكاديمي بالشعبوية الاستبداديّة، في علاقته الهشّة بالديمقراطيّة.
فما هي خصائص الشعبوية؟ وهل يحيل معناها إلى الفوضوية وحكم الغوغاء؟
مستندا إلى بحوث ودراسات المنظر السياسي الأرجنتيني إرنستو لاكلاو (Ernesto Laclau) والبلجيكية شانتال موف (Chantal Mouffe)، يعرّف إزجي إلتشي (Ezgi Elçi)، في ورقته البحثية حول الشعبوية الاستبدادية، الشعبويّة على أنّها "أيديولوجية مركزية رفيعة تعتبر المجتمع منقسمًا إلى مجموعتين متجانستين ومتخاصمتين، "الشعب النقي" مقابل "النخبة الفاسدة"، والتي تزعم أن السياسة يجب أن تكون تعبيرًا عن الإرادة العامة للشعب وتمارس على جميع شؤون الدولة "1. وهذا التعريف ينسب في مكان آخر لكاس مود2.
وقد قسّم محمود هدهود الشعبويّة إلى شعبويّة يمينيّة وأخرى يساريّة، ويقول بخصوص الشعبويّة اليساريّة بأنّها "استراتيجيّة بديلة للقوى الديمقراطية واليساريّة في صراعها ضد المؤسّسة. فقد عاد اليسار بعد عقود طويلة من استيعاب الأحزاب الشيوعية وتدجينها بطريقة أو بأخرى في ثياب شعبوية تختلف بدرجة أو بأخرى عن تلك التي ارتداها عبر تاريخه"3
ولد مصطلح الشعبوية في روسيا، في سبعينيات القرن التاسع عشر، وعاد إلى التداول في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ليصف عددًا من الحركات والأنظمة التي ظهرت في العالم الثالث، وفي تلك الفترة دخلت هذه الظاهرة أجندة العلوم السياسية والاجتماعية. ثمّ أعاد الدارسون إحياء مفهوم الشعبوية وتركيز النقاش حوله في القرن الحادي والعشرين حيث أصبحت النزعة لا حدود لها ومتعددة الأوجه، والعالم مشبع بها.
أمّا في تونس، ومن خلال تأملاتنا في نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2019، وصعود قيس سعيّد المحير للتفسيرات الاجتماعية العلمية في الجولة الثانية، ومن خلال تحليل خطاباته في فترة حكمه، يعتمد منطق الشعبوية على مبدأ الأغلبيّة وصراعها الأخلاقي بينها وبين النخبة سيّئة السمعة التي شوّهت الديمقراطيّة الفعلية وانحرفت بها من تمثيلية الشعب إلى تمثيلية الأقليات (على سبيل المثال، الانتخاب على أسس القوائم بدل الأفراد)، وتبعا لذلك انتهجت الشعبوية لديه مبدأ الإرادة الواحدة والرأي الواحد المتعارض مع التعدّديّة باعتبار "تجانس" الشعب، واعتمدت المنطق أحادي كبديل عن التعدّدية، وانبنت على الموقف بدل الحجّة. وهو تقريبا منطق كل التجارب الشعبوية في العالم.
وغنيّ عن القول إنّ الشعبوية تنطوي عادةً على نشاط الوكلاء الذين يضعون "الشعب الفاضل" في مواجهة "نخبة شريرة"، ويزعمون التحدّث والتصرّف باسم الشعب والتعبير عن مصالحه وتمثيل إرادته الحقيقية ضد مؤسسات النخب، في إطار العداء السياسي والرفض وتشويه السمعة، فالشعبوية تعمل من أجل تعزيز فهم ما يريده الناس وليس كطليعة تقود الناس إلى ما يجب التفكير فيه، وما هو جيد لهم.
ورغم أنّ التحدث والتصرف باسم الشعب تشكل في رأي الدارسين جوهر الديمقراطية، وليس الشعبوية فحسب، فإن الدراسات عادة ما تضيف إلى التحدّث والتّصرّف باسم الشعب قيدا يتمثل في عبارة "ضد النخبة"، وتطرح في الآن نفسه التساؤل التالي: من هم الشعب في الشعبويّة؟
تتّسم الشعبوية بكرهها للنخبة وانتقادها لديمقراطيتهم واعتبارها شريرة صادرة عن الأشرار الفاسدين غير المستقيمين أخلاقيا وغير مناسبين للقيادة، يتآمرون على الشعب ويتواطؤون مع الأجانب، وتعتبر فوز الشعبويين استعادة للتوازن الأخلاقي في السياسة فهم فقط من يفهمون الشعب ويتحدثون نيابة عنه، ومن حقّهم الاحتفاظ بالسلطة لنزاهتهم الأخلاقيّة.
ومن الأسئلة المثيرة للجدل ما طرحه كريستيان روستبول في مقاله المعنون بـ" الشعبوية والدعاية: كيف (لا) نقدر قيمة الشعبوية"4: هل الشعبوية ديمقراطية؟" ويقول إن صياغة القضية بهذه الطريقة غامضة وقد تكون مضللة، قد تطرح في الواقع سؤالين مختلفين للغاية: هل للشعبوية آثار ديمقراطية؟ هل الشعبوية ديمقراطية بطبيعتها؟ ويعتقد روستبول في أن خلط هذه الأسئلة قد يستلزم مغالطتين: الأولى هي الاقتراح القائل بأنه إذا كان للشعبوية تأثيرات ديمقراطية، فإن الشعبوية ديمقراطية. والثانية هي الاقتراح القائل بأنه بما أن الشعبوية يمكن أن يكون لها تأثيرات ديمقراطية، فإن الديمقراطيين يجب أن يروجوا للشعبوية. وكلا المفهومين غير متسقين.
ويتفق العديد من الأكاديميين على أن الشعبوية هي ديمقراطية، ولكن السمة الأحادية للشعبوية تجعلها غير ليبرالية. ويذكر آخرون أنّ الديمقراطية الشعبوية تتكون من محاولات لجعل "حكم الشعب" حقيقة واقعة، ويسعى الشعبويون إلى إقامة علاقة غير وسيطة مع الشعب، رافضين الانقسامات المتعددة في المجتمع، لذا فهم يعارضون التداول والتفاوض والتسوية، ويتصرفون كما لو كان هناك انقسام واحد فقط: الشعب النقي مقابل النخب الفاسدة التي تتجاهل اهتمامات الناس وتعتبرهم كتلة غير متطورة وغير عقلانية وغير مسؤولة.
ويزعم فيكتور رودوميتوف Victor Roudometof، صاحب مقال "العولمة والنزعة العالمية والشعبوية في القرن الحادي والعشرين"5 المنشور في المجلد 37/2020: الشعبوية والعولمة، أنّ الشعبوية لم تكن تحمل دائما دلالة سلبية.
وفي ما يتعلّق بالإجابة عن السؤال المطروح عمّا إذا كانت الشعبوية في السلطة تشكّل تهديدا أم تصحيحا للديمقراطية؟ فأننا نميل إلى ما خلص إليه روستبول من أنّها تشكل كلاهما. يمكن أن يكون لها تأثيرات ديمقراطية وبالتالي قد تكون إيجابية وحتى ضرورية، قادرة في ظل ظروف معينة على إضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمع وإعطاء صوت لمن تم استبعادهم، ويمكن أن تكون خطيرة تهدّد الديمقراطية عندما يصل الشعبويون إلى السلطة ولا يخضعون لسيطرة المؤسسات القوية غير الشعبوية.
***************
الهوامش:
1(Elçi, Ezgi. Authoritarian populism –متاح عبر الأنترنيت
(3 أنظر الشعبوية Populism لستيفان كيبفر Stefan Kipfer متاح عبر الأنترنيت.
(3هدهود، محمود. وعود الشعبوية وغوايتها: إرنستو لاكلاو والبحث عن استراتيجية للقوى الديمقراطية. مصدر متاح عبر الأنترنيت).
4(Rostboll, Christian F. POPULISM AND PUBLICITY: HOW (NOT) TO VALUE POPULISM, Paper prepared for “Populism and Democratic Theory,” Workshop at Universität Wien, Austria, 11-13 April, 2019.
5( Roudometof, Victor. Globalization, Cosmopolitanism and 21st Century Populism, Populism and Globalization Volume 37/2020



#فتحي_البوكاري (هاشتاغ)       Boukari_Fethi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدب الأطفال في العصر الرقمي: دراسة السرد التفاعلي في كتب الأ ...
- مناورة
- في موقد تحت التحميص
- الأدب في عصر العلم والتكنولوجيا
- علاقة المثقّف بالسّلطة السياسية: رواية الكاتب البوهيمي المتع ...
- غربة
- تأثير أفكار ابن خلدون في الحضارة العربية والغربية
- طوفان العصر(*)
- إنعكاس الخطاب السياسي في رواية -المغتصبون- لسمير ساسي (2)
- انعكاس الخطاب السياسي في رواية -المغتصبون-(1) لسمير ساسي(2)
- غزّة، يا كبدي!
- خبزة البصّيلة
- علاقة الذات بالمكان في رواية: رقصة أوديسا، مكابدات أيّوب الر ...
- حوار مع أبي يعرب المرزوقي
- الممثل
- يا جابر الحال
- خنساء لمحمد عز الدّين الجّميل، رواية أوجاع الذاكرة
- الزحف
- فصول نحوية
- لا توجد في البيت امرأة


المزيد.....




- فرقة لا تعزف الموسيقى بل تقدمها بلغة الإشارة لفاقدي السمع
- (بالصورة) رسامة كاريكاتير تستقيل.. والسبب -إنحناء بيزوس أمام ...
- إرث العثمانيين الثقافي.. ديانا دارك وتجوال جديد على جسور الش ...
- -انحناءة- بيزوس أمام ترامب تتسبب باستقالة رسامة كاريكاتير في ...
- ترجمة مُضللة لتصريحات وزير دفاع أمريكا عن ضربات ضد الحشد الش ...
- -لا أرض أخرى-.. البدو الفلسطينيون يجبرون على الرحيل تحت غطاء ...
- قائد الثورة..ضرورة زيادة النتاجات العلمية والفنية عن هؤلاء ا ...
- الأردن يعلن إرسال وفود لدراسة الحالة الفنية والأمنية لإعادة ...
- ألبر كامو: قصة كاتب عاش غريباً ورحل في ظروف غامضة
- كتاب الفوضى.. قصة صعود وهبوط شركة الهند الشرقية


المزيد.....

- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - الشعبويّة في السلطة: تهديد أم تصحيح للديمقراطية؟