|
سوريا المستقبلُ لا يَستقيمُ فيها إلا النظامُ اللامركزيُّ، أي الفيدراليُّ. لماذا؟
اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8211 - 2025 / 1 / 3 - 14:03
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
رأيٌ غيرُ مُلزِمٍ، لكنّي أُدافِعُ عنهُ: سأختصرُ كثيرًا. مَن يُريدُ أن يُطبِّقَ الشريعةَ الإسلاميةَ على كلِّ الشعوبِ السوريّةِ بدعوى أنهم الغالبيّةُ العُظمى، وأنهم يُشكِّلونَ قرابةَ 65%، فهذا إكراهٌ في الدينِ وعلى الدينِ، ونفيٌ لحقوقِ الأقليّاتِ الأصيلةِ وغيرِ الأصيلةِ التي تسكُنُ سوريا منذُ مئاتِ السنين، لا بل آلافها. والذينَ يرَونَ في دعوتِنا المطالَبةَ بإقامةِ نظامٍ لا مركزيٍّ (فيدراليّ) إداريٍّ وليسَ انفصاليًّا، أنّنا تجاوزْنا حدودَ حقوقِنا وعلينا الرحيلُ إذا لم يُعجِبْنا ما يجبُ أن تَفرِضَهُ الغالبيّةُ، فإنّهم بذلكَ يتناسَوْنَ العدالةَ. هؤلاء يرعُدونَ ويُزبدونَ، ولا يَتذكّرونَ مصيرَ بشارِ الأسد، ويظنّونَ أنّهم باقونَ في الحكمِ، وكأنَّ اللهَ لم يخلُقْ سواهُم. الإخوةُ في سوريا وخارجَها، وأخصُّ الجهابذةَ في الشوفينيّة: سوريا لن يَستقيمَ الوضعُ فيها بعدَ بشارِ الأسد ونظامِهِ القمعيِّ، كما تَقولون، إلا بتقسيماتٍ فيدراليّةٍ إداريّةٍ لامركزيّةٍ، حتى يتوفّرَ للشعوبِ السوريّةِ—لأنَّ سوريا ليستْ شعبًا واحدًا—هذا عندَ العقلاءِ. أمّا مَن أخذَتهُم الوطنيّاتُ الكرتونيّةُ، فسوريا عندَهُم شعبٌ واحدٌ بالقوّةِ، ولغةٌ واحدةٌ، ومنبَتٌ واحدٌ، وكلُّ ادّعاءٍ غيرِ ذلكَ فهو باطِلٌ وسَخيف. يا سادةَ يا كرام، الفيدراليّةُ، وبدونِ فزلكاتٍ، نظامٌ لرفعِ الظلمِ والمعاناةِ والقهرِ عن العربيِّ، والكرديِّ، والآشوريِّ، والآراميِّ السريانيِّ، والأرمنيِّ، والتركمانيِّ، والشيشانيِّ، والشركسيِّ، والأرناؤوطيِّ، وعن المذاهِبِ الإسلاميّةِ بكلِّ تنوُّعِها وغناها، وعن الطوائفِ المسيحيّةِ بكلِّ أشكالِها وألوانِها. الفيدراليّةُ حُكمٌ عادِلٌ لتصحيحِ فترةٍ طويلةٍ من حُكمِ العسكرِ والشوفينيّةِ الواحدةِ. الفيدراليّةُ لا تعني خيانةَ وحدةِ الأرضِ السوريّةِ. الفيدراليّةُ ليستْ كفرًا، يا سادتي النُّبلاء. ومَن يُقدِّمُ روافعَ بأنّنا لسنا بحاجةٍ إليها، ويُقارِنُ، بكلِّ سخافةٍ، وضعَنا في سوريا بوضعِ دولٍ عديدةٍ في أوروبا، فهذا من المؤكّدِ أنّهُ يَحلُمُ ولا يَمتُّ بصلةٍ للواقعِ، بل إنّهُ يَنفصلُ عن الواقعِ الحياتيِّ في سوريا. لا يُمكنُ أن تُقارنَ الوضعَ السوريَّ، المُقسَّمَ أصلًا منذُ أيّامِ الاستعمارِ الفرنسيِّ وحتى اليوم، بوضعِ دُوَلٍ مُتقدّمةٍ تحفظُ حقوقَ الفردِ، حتى الغرباءَ الذين جاءوا لاجئينَ البارحةَ لهم حقوقُهم. يا سيّدَ يا عنصريّ، لماذا تتفزَّلِكُ بأنَّ الفيدراليّةَ كفرٌ وخيانةٌ وطنيّةٌ؟ لهذا، الفيدراليّةُ هي النظامُ الإداريُّ الأكثرُ واقعيّةً وموضوعيّةً وعدالةً لتطبيقِهِ على الواقعِ السوريِّ. لا تُقارِن وضعكَ السوريَّ بأوروبا يا زعيمَ المُناضلين، وتفرض على الأقوامِ غيرِ العربيّةِ وغيرِ المُسلمةِ أن تُسحَق حُريّتها وكرامتُها من أجلِ تطبيقِ نظامِ حكمٍ ترى فيه تمجيدًا لفترةٍ تعودُ إلى أكثرَ من 1400 عام. هذا شأنُكَ، أخي السوري، فيما تُريدُه. أُقسمُ لستُ ضدَّ تطبيقِ الشريعةِ الإسلاميّةِ أو الزرادشتيّةِ أو المانويّةِ على مجموعةٍ سوريّةٍ بعينِها، ولكنْ ليسَ على بقيّةِ المكوّناتِ المذهبيّةِ والدينيّةِ، وتَفرضُها بالقوّةِ تحتَ الترهيبِ أو الترغيبِ. أجل، حتّى أغلبُ أبناءِ السُنّةِ—وعُذرًا على قَولي هذا—أُقسمُ أنّهم يرفُضونَ ذلكَ الأسلوبَ ويرفضونَ تطبيقَ الشريعةِ الإسلاميّةِ. لهذا، عليكَ أن تُوافقَنا، أخي السوريَّ، ممّن يُسمّي نفسَهُ "غالبيّةً"، أن تسمحَ لنا—نحنُ الذينَ نُشكِّلُ أكثرَ من 48%، والذينَ لا يَستقيمُ وضعُنا وحقُّنا وحُريّتُنا في سوريا الجديدةِ إلا بنظامِ حكمٍ فدراليٍّ (إداريٍّ). أُكرِّرُ: إداريٍّ غيرِ قابلٍ للاندماجِ أو الانفصالِ، وتَحكمُه ضوابطُ دستوريّةٌ—بأن نعيشَ في نظامٍ فدراليٍّ، رغمَ التضحياتِ التي سترافقُ هذا المشروعَ الإداريَّ فيما لو أجمعَ عليهِ السوريّون. دَعنا نعيشُ كما نُريدُ، ونَتنفَّسُ الهواءَ كما نَشتهي، ونَكفُرُ أو نَتعبَّدُ. هذا الأمرُ لا يَتعلّقُ بكَ، ومبروكٌ عليكَ تطبيقُكَ للشريعةِ، وأُبارِكُ لكَ من كلِّ قلبي. ولكنَّكَ تُريدُ أن تَفرضَ علينا شريعتَكَ. فواللهِ، لا يَقبلُ بها حتّى الذينَ فقَدوا ضمائرَهم. هناك، يا سيّد، دياناتٌ في سوريا، وأنتَ تَعرفُها: (الإسلامُ، والمسيحيّةُ، واليزيديّةُ، واليهوديّةُ). وهناك مذاهِبُ عديدةٌ وأقوامٌ لها حياتُها ونظامُ معيشتِها. فماذا أنتَ صانعٌ وتُريدُ فرضَ نظامِ حكمٍ لا يَتطابقُ مع مسيرةِ الشعوبِ الحاليّةِ السوريّةِ وغيرِ السوريّةِ؟ السعوديّةُ الوهابيّةُ تتحوّلُ إلى دولةٍ حضاريّةٍ، والإماراتُ وغيرُها. بينما سوريا التاريخُ وأبجديّةُ العصورِ تُريدونَ تحويلَها إلى أفغانستانَ وقندهارَ؟ عجيبٌ هو أمرُكم، يا سادتي الكِرام. أُقسمُ: لا يَستقيمُ، ولا يُمكنُ أن يَستقيمَ الوضعُ في سوريا إلا بأن يكونَ الدستورُ السوريُّ دستورًا حضاريًّا، دستورًا مدنيًّا أَسَاسُهُ المواطَنةُ، المواطَنةُ، والمواطَنةُ، لا غير. وغيرُ هذا، فنحنُ مُقبلونَ على تقسيمٍ سيُفرَضُ من الخارجِ. وعندَها سنندَمُ على الفدراليّةِ ونظامِها الإداريّ. وأخيرًا: ما حرَصَ عليهِ نظامُ حافظِ الأسدِ وابنُهُ بشّارُ من استرجاعِ الجولانِ بدونِ المطالَبةِ بلواءِ إسكندرونةَ، وأظهَرَا أنفسَهمَا بأنّهم قادةُ الممانَعةِ، بينما سجونُهُم ماتَ وقُتلَ بها الآلافُ، ولم يسترجِعا لا الجولانَ ولا غيرَه. بل دمّرا الوطنَ السوريَّ وقتَلا أهلَهُ، لأنّهُما لم يُسمِحا لبقيّةِ المثقّفينَ وأصحاب الحِكمةِ والرأي بمشاركتِهم نظامَ الحُكمِ. ولهذا، ما جرى بهِم أراهُ قليلًا، ولكن رِفقًا بالإخوةِ في ساحلِنا، فقد كانوا مُجبرينَ بشكلٍ أو بآخر رفقاً بهم ففي كل بيت عشرات الشهداء وخير ما أقوله :للترابِ السوريِّ، من زيزونَ إلى عينِ ديوارَ، ومن التنفِ إلى كسبَ، قُبُلاتي. الشعوبُ السوريّةُ تستحقُّ الحياةَ، وتستحقُّ دستورًا مدنيًّا 100%، تكونُ المواطَنةُ فيهِ هي الأساسُ. أو توافَقُوا على نظامٍ فدراليّ. المدرّس: إسحق قومي. 3/1/2025م
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كَيفَ يُنجِزُ العَرَبُ مَشروعَ وُجودِهِم، وَعَالميّتِهِم؟
-
المسيحيُّون السُّوريُّون نسبتُهم وعددُهم وقوميَّاتهم وطوائفُ
...
-
عشتارُ الفصول: 11570 رسالةٌ للسّيّدِ أحمدِ حسينَ الشّرعِ لم
...
-
عشتار الفصول: 11954 التغيراتُ المعاصرةُ بالشرقِ الأوسطِ
-
عشْتَارُ الفُصُول: 11565 الصِّرَاعُ الدَّمَوِيُّ فِي الشَّرْ
...
-
عشتار الفصول:11555صراعِ الهويةِ والتأقلمِ بين الماضي والحاضر
...
-
قصيدة بعنوان:مئة عام مرت على بناء مدينة الحسكة
-
صِفاتُ المُبْدِعِ الوَطَنِيِّ، الإِنْسانِيِّ، الواقِعِيِّ، و
...
-
عشتار الفصول:11545 لَنْ أُوقِفَ التَّاريخَ، ولا أُعاقِبُه.
-
عشْتَار الفُصُول: 11513 . لُبْنَانُ لَمْ يَعُدْ يَتَحَمَّلُ
...
-
عشتار الفصول:11510 للتنوير إعادة تأهيل الديانات كافة وليس لإ
...
-
عشْتَار الفُصُول: 11490 دَعْوَةٌ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ تَأْسِيسِ
...
-
عشتار الفصول:11478 أسئلة حول نظرية كانط في نقد العقل الخالص
-
الأَكرَادُ وَالعَشَائِرُ الكُردِيَّةُ فِي الجَزِيرَةِ السُّو
...
-
عشْتَارُ الفُصُولِ: 11473 النَّفْسُ مَا بَيْنَ أَفْلَاطُونَ
...
-
عشتار الفصول:11472 النَّفْسُ الإِنسَانِيَّةُ فِي قِرَاءَاتٍ
...
-
عشْتَارِ الفُصُولِ: 11588 رَأْيٌ غَيْرُ مُلْزِمٍ الْمُنْجَزُ
...
-
عشتار الفصول:11468 العقلُ البشريُّ أكبرُ الشموسِ والساحرُ ال
...
-
عشْتَارِ الفُصُولِ: 14164 القَرْنُ الحَالِيُّ هُوَ خَلْطُ ال
...
-
عشتار الفصول:14161 رأيٌّ غير مُلزم, عَبَثِيّةُ النَّقدِ البَ
...
المزيد.....
-
بعد قطع أوكرانيا الغاز الروسي.. الآلاف بدون تدفئة في منطقة ت
...
-
مارسيليا.. مدينة فرنسية تبرز كعاصمة جديدة وجذّابة لأوروبا
-
وزير الخارجية السوري يبدأ جولته العربية من قطر، واستمرار الا
...
-
ارتفاع عدد القتلى والجرحى في غزة جراء القصف الإسرائيلي والحو
...
-
الرفيقة لبنى الصغيري : تحييد بيت الزوجية من التركة غايحمي ال
...
-
تأخير رحلات طيران وحوادث مرور بسبب الجليد والثلوج في ألمانيا
...
-
دخول أولى قوافل الجسر البري السعودي إلى سوريا
-
في عام 2025.. كيف تحولت الألعاب إلى مصدر دخل مستدام؟
-
فرنسا تحاكم مؤثر تيك توك جزائرياً بتهمة التحريض على الإرهاب
...
-
أعراض نفسية لا يجب تجاهلها
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|